سامي النصف

الطائر المقيد كيف يُحلّق؟!

يمكن تشبيه الدول بطائرة أو طائر جسده الأوسط هو سلطته التنفيذية وجناحه الأيمن هو سلطته التشريعية وجناحه الأيسر هو سلطته القضائية، كما يمكن تشبيه سلطته «المجازية» الرابعة بدفة الذيل التي ترفع وتنزل وتوجه يمينا ويسارا، وبالطبع لا يمكن لذلك الطائر ان يحلّق او يتحرك ما لم تتضافر جهود تلك القوى مجتمعة لدعمه حتى لا يبقى رابضا على الأرض بينما تمر عليه طيور وطائرات جيرانه مسرعة الى المستقبل المشرق.

فعبر ذلك الفهم الواضح تعمل الحكومات في العالم أجمع بدعم كامل من السلطة الثانية التي توفر لها كقاعدة ثابتة الأغلبية البرلمانية اللازمة لتمرير المشاريع والقوانين التي تحتاجها الحكومات لخدمة الناس، كما تعتبر السلطة الثالثة جزءا لا يتجزأ من سلطة الدولة لذا تتناغم أحكامها وقراراتها معها بشكل عام دون ان يمس ذلك الأمر باستقلالية القضاء التي يحرص عليها الجميع.

في بلدنا المعطاء تمارس اللعبة السياسية بشكل فريد لا مثيل له في العالم أجمع، ثم نشتكي بسذاجة تامة من كم الأزمات والاشكالات وقلة الانجازات التي نعانيها منذ عقود، فضمن تلك اللعبة الكويتية تقف السلطات الثلاث الأخرى (الثانية والثالثة والرابعة) على رأس «العاير» لافشال أي قرار حكومي يتخذ حيث يتم التسابق على رفضه واسقاطه واتهام من يؤيده بالتخاذل والعمالة والرشوة.. الخ، وليقل لنا أحد كيف للطائرة أو للطائر ان يحلق عاليا وأجنحته مقيدة تقوم بخذلانه ومناكفته؟!

ومن الأمور المستجدة والمستغربة منهاجية «ابتزاز» الدولة عبر التقدم بمقترحات شعبية مجنونة تضحكنا اليوم لتبكينا دما في الغد، ثم التهديد بتعليق الميزانية العامة للدولة إذا لم يتم اقرار تلك المشاريع المدمرة، والمستغرب اكثر ان من يقوم بمثل تلك الأمور هم من تبلغ نسبة الخطأ في مقترحاتهم ومواقفهم السابقة ما يقارب 99% من إجمالي مقترحاتهم.

ان الغياب الغريب للوعي المجتمعي العام سيجعلنا نصحو في يوم قريب بعد.. عمران البصرة وخراب المنطقة التي تحدها من الجنوب.

آخر محطة: بدأت الشركات النفطية الكبرى بالعمل في البصرة وغيرها من مناطق العراق، فمن نعتقد ستقف معه الدول المؤثرة في العالم عند نشوء أي خلاف بيننا وبين جار الشمال؟!

احمد الصراف

الكهرباء في عهد الكرهباء

«.. عندما تتحول الكهرباء لدى ممثل الأمة والمشرع، والقيّم على الأداء الحكومي، إلى «كرهبا»، يصبح كل أمر متوقعا..!!»

***
جاء صوته عبر الهاتف متعبا وطلب أن يتحدث معي لثقته بمصداقيتي(!)
قلت له: تفضل، فقال انه يود أن يخبرني بسر، وانه صادق في ما يقول، والدليل أنه يتصل من هاتفه النقال غير عابئ بتبعات اعترافه، فقاطعته قائلا بأنني في الخارج وليس على شاشة هاتفي غير عدة أصفار، وبامكانه التحدث بحرية، وهنا سمعت صوت تنهيدة ارتياح تصدر منه أردف بعدها قائلا انه تاجر مواد غذائية، وانه قام في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية المجلدة التالفة بربع قيمتها، والتي خربت نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عن برادات أصحابها، وكان من المفترض أن يتم إتلافها، وانه حقق مبلغا لا بأس به من إعادة «تفريزها» وبيعها لآخرين، وان هذه المواد، من واقع خبرته في هذا المجال، غير صالحة للاستهلاك البشري، ولكنه لم يهتم، فلا الشعب شعبه ولا البلد بلده، أو هكذا كان يعتقد! ولكنه في مساء اليوم ذاته اصطحب زوجته وأولاده في جولة بالسيارة، جاع أثناءها الأولاد فتوقف عند محل سندويشات والتهموا عشرة منها. وبعدها طلبوا آيس كريم، والتهموا كمية كبيرة منها، وفجأة تذكر أن هذه المواد تحفظ جميعها مجلدة، وأنه مثلما حقق هو ربحا من بيع مواد مجلدة تالفة فقد يكون آخرون غيره قد باعوا مواد غذائية تالفة للمطعم ومحل بيع الآيس كريم الذي تناول فيه وعائلته عشاءهم! وقال إن من منطلق تأنيب الضمير الذي أصابه قرر التحدث معي، ليطلب مني أن أكتب محذرا وزارة الكهرباء من قطع التيار الكهربائي عن ثلاجات حفظ المواد الغذائية! فبالرغم من أنه تاب عن مثل تلك الأعمال، فإن هناك دائما من هو على استعداد للحلول محله!!
وها نحن ننقل «صرخة» هذا التائب، فهل يسمعها احد؟ لا أعتقد ذلك، فكل المتورطين في أزمة الكهرباء منشغلون اما بأداء العبادات أو بتحقيق أقصى الأرباح وأعلاها في أقرب وقت. فمن مجمل التصريحات «السياسية والبرلمانية» يتبين أن مشكلة الكهرباء أخلاقية، وليست فنية أبدا. فلو قمنا بمراجعة أرشيف القبس للسنوات العشرين الماضية فقط، لوجدنا أن كل وزير «كرهبا» يلقي باللوم على العهد أو العهود السابقة له، ويصرح أن الكهرباء في «عهده» لن تنقطع، وأن الأمر لا يحتاج الى غير صرف بضع مئات ملايين الدنانير، وتنتهي المشكلة! والحكومة، أو السلطة، تعرف هؤلاء الوزراء، وتعرف جيدا التبدل الهائل الذي طرأ على أحوالهم المالية خلال فترة توليهم الوزارة، والسلطة تعرف المسؤولين الكبار المتلاعبين وكيف جمدهم هذا وأعادهم من جاء بعده، وكيف تم تعيين غير المؤهلين بتاتا، وبعضهم لا يعرف الإنكليزية، كوزراء لتولي أكثر المناصب تقنية، والسلطة هي التي تعين وهي التي تقيل، وهي التي جمدت لجان التحقيق في قضايا الفساد، وليس من العدل بالتالي إلقاء اللوم على وزير أو شركة مقاولات ما دامت المسألة بكل هذا الوضوح والفساد بكل هذا الانتشار، فالجميع يعلم بأن الأمر لا يحتاج في النهاية الى غير من يفسد ومن ثم يعمر مسجدا ويؤمن بالله وباليوم الآخر.

أحمد الصراف