يقول إد كربس: ينقسم العالم الى عدة معسكرات، وكل منها على استعداد لارتكاب أبشع الجرائم بحق الآخر، فقط لإثبات أن قصته أقرب للصحة!
لأسباب كثيرة، طالب زعماء الهند المسلمون، وعلى رأسهم محمد علي جناح، السلطات البريطانية التي كانت تحكم شبه القارة الهندية، بأن تكون لهم دولتهم المستقلة. وهكذا خرجت باكستان للوجود في 1947/8/14 ضد رغبة زعماء الهند، ومنهم غاندي. ومات الملايين جراء ذلك بأعمال عنف دينية. وفي عام 1971 أعلنت باكستان، التي يعني اسمها «أرض النقاء أو الطهارة»، تحولها الى «جمهورية إسلامية»، وسرعان ما انفصل عنها جزؤها الشرقي مكونا جمهورية بنغلادش، ربما الأكثر طهارة ونقاء منها! على الرغم من أن عدد سكان باكستان يبلغ 170مليوناً، مقارنة بالهند (مليار و180 مليوناً) أي %15 تقريبا، بيد أن إنتاج الهندي القومي يزيد على 11 ضعف الإنتاج الباكستاني. كما يبلغ دخل الفرد فيها 3176 دولاراً مقارنة بــ 2660 دولاراً فقط في باكستان.
تنتج الهند كل ما تحتاج له من غذاء ودواء. كما تصنع كل ما تحتاج له من أدوات نقل ومحركات، وتعتبر الصناعة فيها متقدمة بشكل كبير وتعتبر مكتفية ذاتيا في كل شيء تقريبا. كما تعتبر الهند أكبر ديموقراطية في العالم، ولم تتخل عن نظامها البرلماني الحر منذ استقلالها. أما جارتها باكستان، التوأم في كل شيء، فلا تنتج شيئا ذا أهمية وتحتاج لاستيراد كل احتياجاتها من الخارج، ولم تعرف الاستقرار السياسي والأمني منذ تأسيسها، وكان الحكم فيها عسكريا ودكتاتوريا في غالب الأحوال، خاصة بعد تحولها الى جمهورية إسلامية تطبق الشريعة قبل 40 عاماً.
مدارس الهند العلمانية التي وضع أسس الرياضيات فيها جواهر لال نهرو أصبحت تصدر للعالم سنويا 50 ألف عقل متخصص في أكثر المجالات العلمية تقدما، أما الــ 15 ألف مدرسة دينية المنتشرة في كل أنحاء باكستان، فقد خرجت للعالم الكثير من «العقليات الإرهابية»، وكانت اكبر منجزاتها انطلاق حركة طالبان منها.
ولو راقبنا حركة الجريمة، والمالية منها بالذات، على النطاق الدولي، لرأينا وجودا حيويا للعناصر القادمة من أرض النقاء والطهارة، وشبه انعدام لأي وجود هندي. كما أن عالم المال يعرف اليوم عشرات الأسماء الهندية اللامعة في عالم المليارات والفن والصناعة والعلامات التجارية المعروفة في أكثر من مجال (صفقة شراء زين أفريقيا) مع اختفاء لأي نشاط باكستاني في أي ميدان أو مجال سوى لعبة الكريكيت.
الهند وباكستان مثال صارخ على ما يمكن أن ينتج عن انفصال توأمين، أحدهما يتجه الى التطرف الديني الذي يقود بالتبعية الى الدكتاتورية والبطش وسياسة الحزب أو الرأي الواحد والحجر على الحريات. والآخر يتجه الى العلمانية وينهض من فقره ويصبح لاعبا دوليا ويزدهر اقتصاده وينبغ في كل مجال لإيمانه بالحرية والتعددية. وكمثال أخير على مدى الفارق الحضاري بين الدولتين نجد أن الهند، ومنذ عام 1947، لم تشكل حكومة بغير مشاركة فعالة للمسلمين تزيد على نسبتهم من السكان (%14). في الوقت الذي لا تطبق فيه باكستان شيئا من ذلك حتى مع بقية الأقليات فيها.
سلام على العلمانية أينما وجدت.
أحمد الصراف