محمد الوشيحي

زواحف الجيش 


بعض العراقيين مايزال يهذي كما يهذي الممسوس، ويرى الكويتَ صبية عقت أمها العراق. ولو كانت الكويت مفلسة يتزاحم الديّانة على بابها لما طالب بها هذا العراقي ابن العراقي، ولكنه الجشع العراقي المعهود يا سيدي.

وسيكون مجنوناً المسؤول العراقي الذي يفكر، ولو مجرد تفكير، في احتلال الكويت مرة أخرى، وسيكون نهاره «أسود» من النفط الخام. لا أقول ذلك من باب الفشخرة البلّونية، بل لأنني كنت شاهد عيان بيان على «كمية النار» التي يمتلكها الجيش الكويتي، وعلى حداثة أسلحته، وسرعة الصيانة. فما إن تتعطل آلية حتى يهرول إليها أربعة، كما في مباريات كرة القدم، فيحملوها إلى كتائب الصيانة التي تبلسم جراحها، وتسهر على راحتها وصحتها. ولا أقول إن جيشنا سيهزم الجيش العراقي، لو لا قدر الله فكّر في الهجوم علينا، لكنه لن يدعه يصل إلى الجهراء إلا ليراجع عيادة الحوادث المتهالكة في مستشفى الجهراء.

فعلاً لا قولاً، يعيش جيشنا أزهى عصوره، ويفتل أشنابه، ويضرب زنوده لفرط الصحة والعافية، اللهم زد وبارك… وفعلاً لا قولاً، يتمتع عساكرنا بلياقة قتالية عالية أنتجتها التمارين المتتالية… وفعلاً لا قولاً، معالي النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك يتعامل مع الجيش كما يتعامل الجد مع حفيده الوحيد، ويركض لجلب كل ما يريده الحفيد، لذا كان شديد الإلحاح على زيادة رواتب منتسبي الجيش، وقد تم له ما أراد، فله التحية ولهم التهنئة.

أما رئاسة الأركان فهي في يد القائد الروماني الذي لا يبتسم، الفريق الركن أحمد الخالد. والله يشهد أنني أحد الذين لا يحبون قسوة هذا الرجل المفرطة، ولا جفافه الزائد على الحد، ربما أقول ذلك لأنني عاطفي من سلالة فريد الأطرش، إلا أن الأمانة تقتضي قول ما يردده الجميع من أن الخالد «قائد عادل لا يعترف بالواسطة»، وهذه تجبّ ما قبلها وما بعدها.

وأتذكر عندما كان الخالد مديراً للكلية العسكرية، وكنت طالباً أقرع الرأس والعقل، وكنا نحو ثلاثين «مذنباً» صدرت الأوامر إلينا بالزحف على صدورنا العارية مسافة ليست بالقصيرة، فوق صخر الأسفلت المدبب، وطال الزحف، وتجرّحت أجسادنا، فهاضت قريحتي، فنظمت أبياتاً رحت أغنيها وأنا أزحف، بصوت منخفض، ويرددها معي الزملاء وهم يزحفون:

صرنـا زواحف يـا عريبيـن الأنســـاب أكــواعها متساوية مع ركبها

الضـب قــدّامـــي ومــــــــن خــلفـــــي الـــــداب والعقربة يمّي* تهزهز ذنبها

ونتضاحك، و»في فجأة»، أثناء انشغالي بشيطان الشعر، إذ بركلة عنيفة من رِجل الخالد على ضلعي الأيمن قذفت بي إلى هنااااك، وألصقت كليتي بكبدي بمعدتي، فتلخبط جهازي الهضمي، وفقدتُ التنفس، واختفى الأكسجين من الأسواق، وضاعت قريحتي، وكدت أموت، عادي البيت بيتي، لولا أن عزرائيل أمهلني…

ومبروك يا أبطالنا العلاوة، وفي انتظار دعوات العشاء.

***

لم أستغرب تطاول النائب دليهي الهاجري على وزير الصحة الدكتور هلال الساير، فمثله أهل لمفردات كهذه وأدب كهذا.

***

شكراً لكل من راسلني أو اتصل يعدني بتزويدي بمقالات العملاق إحسان عبد القدوس، وعلى رأسهم زميلنا الجميل خالد الصدقة رئيس قسم التصحيح في هذه الجريدة. وشكراً لمن وعد بتزويدي برواياته، رغم أنني تحدثت عن مقالاته لا رواياته، وقد وصلني كتاب مقالاته، وها أنذا أمزمزه وأتذوقه وأتلمظه. ألف شكر، غمرني فضلكم.

***

الحرية لسجين الرأي الزميل محمد عبد القادر الجاسم.

***

* يمّي: بجانبي. 

حسن العيسى

مثلث القهر والملل

دعا رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي إلى "الابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الفتنة في البلاد، وأوصى بالحكمة والحوار"، تأتي دعوة الخرافي كنصيحة لطرشان السلفيات المتطرفة في دولة تتأصل فيها يوماً بعد يوم النزعات الطائفية والعرقية، كما تطفو على وجه الدولة الأورام السرطانية، مقدمة لتفتت المجتمع، وبداية "للبننة" و"عرقنة" الكويت إن لم يكن بالغد القريب فمن بعد الغد وعليكم الحساب.

سؤال مشروع للنائب عدنان المطوع عن حقيقة سؤال في التربية الإسلامية عن حكم دعاء القبور وسب الصحابة.

وجاء الرد سريعاً من النائب محمد هايف، مؤكداً أن انتقاد سؤال التربية الإسلامية تشكيك في عقيدتنا، وهي عقيدة السنة والجماعة!! يعني كل من لا يتفق مع فقه السنة والجماعة عند شعبنا هو خارج على الحقيقة الصحيحة التي وكيلها الوحيد والناطق الرسمي باسمها هم أهل السنة والجماعة، هم الأكثرية الكويتية والأكثرية العروبية والأكثرية الإسلامية، بهذا الحكم هم من يقرر حقيقة التاريخ، وفقهاؤهم الذين صبوا أحكامه في قوالب تناسب مصلحة الحكام، ومصالحهم هي الحقائق والأصول الثابتة، فالزمن ثابت على المكان، وعقيدة أهل المكان، وكل ما عداهم من واقع تاريخي، مثل حروب الصحابة بينهم وبين بعض وقتلاهم في موقعة الجمل وصفين، إفك وزور وهرطقات. وتلك فتن تاريخية لا يساءل عنها أحد، فانسوها فنحن أهل السنة والجماعة الذين اجتمعنا على الحقائق، وهكذا كان "إجماعنا" سواء تم اليوم أو قبل ألف وخمسمئة عام… فلا زمن يمضي ولا يحزنون!!

سؤال وزارة التربية للطلبة تحريضي على الغير من غير أهل السنة والجماعة من الشيعة و"برين ووش" لعقول الأطفال، وهو في النهاية سؤال عقيم يناقض هو والفكر الذي أملاه حرية العقيدة، كما ينص عليها دستور الدولة، وهو ينفي مبدأ حياد الدولة المفترض في عقائد المواطنين، فالدولة تغلب مذهب على آخر، وسحقت في أيام كئيبة حقوق البشر غير المسلمين حين حرمتهم من مزاولة طقوسهم مثل طائفة السيخ، وحرمت فرقة شيعية أخرى من بلاد الهند من بناء مسجدهم، واجتهد مجلس النواب عام ٨١ من القرن الماضي بحرمان غير المسلمين من الجنسية الكويتية، وأضحى مسيحيو الكويت مهددين بالانقراض ويلحقهم مسيحيو العراق، وغيرهم من الطوائف التي تمتد جذورها لآلاف السنين…!

دروب اللاتسامح والتعصب سالكة حتى جبال تورا بورا، والمستقبل عظيم للحريات الإنسانية لدينا، وويل لمن يدعو إلى علمانية الدولة وليبرالية الديمقراطية… فهذا كفر بواح وطعن لعقيدتنا… فلمَ يتكدر سجين الحرية محمد الجاسم في معتقلات أمن الدولة…! فنحن الأقلية قابعون في زنازين المجتمع المتخلف- اقرأوا التعليقات على الخبر في موقع أوان الإلكتروني كما نقل الخبر- ونحن بدورنا أيضاً سجناء سلطة جالسة تتفرج على مشاريع الجهل في مؤسساتها، وترفع العصي الكبيرة عالية "لتلسب" ظهور المتطاولين على هيبتها… في كويت اليوم "مثلث الديمقراطية" أو مثلث الملل والقهر.

احمد الصراف

الهند وباكستان.. مثال صارخ

يقول إد كربس: ينقسم العالم الى عدة معسكرات، وكل منها على استعداد لارتكاب أبشع الجرائم بحق الآخر، فقط لإثبات أن قصته أقرب للصحة!
لأسباب كثيرة، طالب زعماء الهند المسلمون، وعلى رأسهم محمد علي جناح، السلطات البريطانية التي كانت تحكم شبه القارة الهندية، بأن تكون لهم دولتهم المستقلة. وهكذا خرجت باكستان للوجود في 1947/8/14 ضد رغبة زعماء الهند، ومنهم غاندي. ومات الملايين جراء ذلك بأعمال عنف دينية. وفي عام 1971 أعلنت باكستان، التي يعني اسمها «أرض النقاء أو الطهارة»، تحولها الى «جمهورية إسلامية»، وسرعان ما انفصل عنها جزؤها الشرقي مكونا جمهورية بنغلادش، ربما الأكثر طهارة ونقاء منها! على الرغم من أن عدد سكان باكستان يبلغ 170مليوناً، مقارنة بالهند (مليار و180 مليوناً) أي %15 تقريبا، بيد أن إنتاج الهندي القومي يزيد على 11 ضعف الإنتاج الباكستاني. كما يبلغ دخل الفرد فيها 3176 دولاراً مقارنة بــ 2660 دولاراً فقط في باكستان.
تنتج الهند كل ما تحتاج له من غذاء ودواء. كما تصنع كل ما تحتاج له من أدوات نقل ومحركات، وتعتبر الصناعة فيها متقدمة بشكل كبير وتعتبر مكتفية ذاتيا في كل شيء تقريبا. كما تعتبر الهند أكبر ديموقراطية في العالم، ولم تتخل عن نظامها البرلماني الحر منذ استقلالها. أما جارتها باكستان، التوأم في كل شيء، فلا تنتج شيئا ذا أهمية وتحتاج لاستيراد كل احتياجاتها من الخارج، ولم تعرف الاستقرار السياسي والأمني منذ تأسيسها، وكان الحكم فيها عسكريا ودكتاتوريا في غالب الأحوال، خاصة بعد تحولها الى جمهورية إسلامية تطبق الشريعة قبل 40 عاماً.
مدارس الهند العلمانية التي وضع أسس الرياضيات فيها جواهر لال نهرو أصبحت تصدر للعالم سنويا 50 ألف عقل متخصص في أكثر المجالات العلمية تقدما، أما الــ 15 ألف مدرسة دينية المنتشرة في كل أنحاء باكستان، فقد خرجت للعالم الكثير من «العقليات الإرهابية»، وكانت اكبر منجزاتها انطلاق حركة طالبان منها.
ولو راقبنا حركة الجريمة، والمالية منها بالذات، على النطاق الدولي، لرأينا وجودا حيويا للعناصر القادمة من أرض النقاء والطهارة، وشبه انعدام لأي وجود هندي. كما أن عالم المال يعرف اليوم عشرات الأسماء الهندية اللامعة في عالم المليارات والفن والصناعة والعلامات التجارية المعروفة في أكثر من مجال (صفقة شراء زين أفريقيا) مع اختفاء لأي نشاط باكستاني في أي ميدان أو مجال سوى لعبة الكريكيت.
الهند وباكستان مثال صارخ على ما يمكن أن ينتج عن انفصال توأمين، أحدهما يتجه الى التطرف الديني الذي يقود بالتبعية الى الدكتاتورية والبطش وسياسة الحزب أو الرأي الواحد والحجر على الحريات. والآخر يتجه الى العلمانية وينهض من فقره ويصبح لاعبا دوليا ويزدهر اقتصاده وينبغ في كل مجال لإيمانه بالحرية والتعددية. وكمثال أخير على مدى الفارق الحضاري بين الدولتين نجد أن الهند، ومنذ عام 1947، لم تشكل حكومة بغير مشاركة فعالة للمسلمين تزيد على نسبتهم من السكان (%14). في الوقت الذي لا تطبق فيه باكستان شيئا من ذلك حتى مع بقية الأقليات فيها.
سلام على العلمانية أينما وجدت.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«الحرامية»… في بيوت الله!

 

لن نتمكن من تصنيف من يندرجون تحت كلمة «الحرامية» في البلد، فهناك من يسرق قوت الناس وعرقهم، وهناك من يسرق أملاك الدولة وهناك من يسرق الحقوق، سواء كانت مالية أم شرعية أم أدبية، وهناك من يسرق حتى أهله وأقرباءه، وهناك أيضاً من يسرق راحة الناس وابتساماتهم، فالحرامية والعياذ بالله منهم ومن الحرام، كثر مع شديد الأسف… لكن أن تكبر شريحة الحرامية لتصل إلى بيوت الله، فهذا أمر خطير للغاية.

خلال السنوات الماضية، دونت السجلات الأمنية سرقات تعرضت لها مساجد في مختلف مناطق البلاد، وشملت تلك السرقات مكيفات ونوافذ وأبواب الألمنيوم، ناهيك عن محتويات بيوت الله، ولعل الكثير من الناس يتذكرون حوادث متعددة من سرقات تعرضت لها بيوت الله، وإذا عدنا إلى شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2003، ربما وقفنا على تفاصيل قضية مهمة حينما أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على لصين بحرينيين تخصصا في سرقة المساجد وصناديق التبرعات الخيرية.

حينذاك، سجل اللصان اعترافاتهما أمام قاضي التحقيق بارتكابهما عدداً من السرقات في منطقة المحرق، فبعد أن تلقت إدارة أمن منطقة المحرق عدداً من البلاغات من بعض المواطنين تفيد بتعرضهم للسرقة، أجرت التحريات التي أمسكت من خلالها بخيوط اقتفت عن طريقها آثار المتهمين وأحدهما من سكنة مدينة عيسى والثاني من سكنة الرفاع في العشرين من العمر، وتبيّن بعد التحقيق أنهما من أرباب السوابق وتورطا في تواريخ متفاوتة منذ العام 2002 في سرقة خمسة مساجد وصندوقين للتبرعات الخيرية ومحلات تجارية ولوحات لسيارتين استخدماها في سيارات أخرى للتنقلات وحمل المسروقات، وانصبت مسروقات المساجد على مكبرات الصوت فضلاً عن سرقة حصيلة عدد من الهواتف العمومية ومبالغ نقدية من محلات تجارية تم ضبط جزء منها.

وعلى رغم أن هذه الحادثة أثارت جدلاً كبيراً بين المواطنين، إلا أن السرقات استمرت، وآخرها الحكم الذي صدر مطلع شهر يونيو/ حزيران الجاري عندما قضت المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة برئاسة القاضي محمد سعيد العرادي، وأمانة سر محمود عيسى بحبس متهم لمدة سنة لسرقته مسجدين، وتمثلت تفاصيل القضية في أن قيّم أحد المسجدين قدم بلاغاً بخلع باب المسجد وسرقة مبالغ من صندوق التبرعات، فيما اعترف المتهم بسرقة مكيف من المسجد الأول، كما اعترف بسرقة أنابيب من المسجد الثاني.

قبل أيام، تفاجأ المصلون في أحد الجوامع أثناء صلاة المغرب في قرية الدراز، بأحد المسئولين في الجامع يتحدث عبر مكبر الصوت موجهاً الكلام إلى المصليات في قسم النساء بضرورة أخذ حذرهن والحفاظ على حقائبهن بعد أن وردت شكاوى من تعرض حقائب ومبالغ مالية وحاجيات خاصة أخرى للسرقة كالهواتف النقالة وما شابه، داعياً المصليات إلى وضع حقائبهن بالقرب منهن، والحذر من الحركات المريبة التي تصدر عن بعض النسوة.

وقد أبلغني قيّم بأحد المساجد قبل فترة، عن تعمد بعض النساء سرقة النقود التي يتم وضعها داخل الضريح كصدقات أو تبرعات للتبرك، بل إن البعض منهم يتفنن في طريقة سرقة النقود باستخدام ما تتفتق عنه أفكارهم الجهنمية ولو باستخدام (علاقة ملابس)، فيما كان أحد الإخوة يشير إلى قيام بعض اللصوص بسرقة محتويات سيارات أحد الجوامع في مدينة حمد حال قيام الإمام برفع تكبيرة الإحرام.

نحن لا ننكر جهود رجال الأمن وبخاصة أفراد شرطة المجتمع بل ونشكرهم على ما يقومون به من عمل، إلا أنه من اللازم أن يتعاون كل المواطنين والمقيمين في عدم التهاون مع من يظهر بمظهر الريبة في تصرفاته، ليس في المساجد فحسب، بل حتى في الأحياء السكنية والتجارية، فحسب ما يقوله القيّمون في المساجد التي تعرضت للسرقة، وأنا أتفق معهم، فإن الكثير من الناس الذين تحدثوا عن مشاهداتهم، كانوا يشعرون بحركة غريبة في تصرفات البعض، لكنهم لم يحركوا ساكناً ولم يكلفوا أنفسهم إبلاغ القيّم بما يحدث إنما تحدثوا بعد وقوع السرقة.

بقليل من الشعور بالمسئولية والقيام بالواجب الشرعي والوطني، لن يكون هناك لصوص في البلد… لكن هيهات.