لو كان الأديب العظيم إحسان عبدالقدوس، رحمه الله، مايزال حياً بيننا، لقبّلت رأسه ولطلبت منه كتابة مقالة عن أوضاع الكويت بأسلوبه المتميز، وأفكاره العميقة الهادئة، وطريقته المتفردة التي لا شبيه لها، خصوصاً في استخدام علامات التنقيط، إذ يبدو أن الكبير إحسان عبدالقدوس لديه فائض من النقاط، لذلك فهو ينثرها بسخاء كما تنثر "أم جواد" الحبوب لدجاجاتها، لكنه لا يعترف بعلامة الاستفهام، وإذا اعترف بها مكرهاً ووضعها في آخر السؤال فإنه يضعها بقرف، وينصرف عنها بسرعة. أما علامة التعجب فيستخدمها "زوز زوز" على رأي أهل ليبيا، أي اثنتين اثنتين، ولا أتذكر أنني رأيت في كتاباته علامة تعجب تقف بمفردها، لا بد من سند لها يعينها على حوادث الأيام ومصائب الأزمان. أما بالنسبة للفاصلة (حبيبتي التي أذوب فيها هياماً) فقصته معها تروى، فهو يخبئها كي لا تراها أعين الحساد، "ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان، وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن… وستعرف بعد رحيل العمر، بأنك كنت تطارد خيط دخان". بالإذن من نزار قباني.
طريقة كتابته سهلة ممتنعة متقطعة، يفصل بين جُمَلها نقاط. ولأنه مصري فهو يضع نقطتين دلالة على الاسترسال، لا ثلاث نقاط كما يفعل اللبناني والسوري… وبالمناسبة، كما ينقسم العرب إلى قسمين كبيرين هما عدنان وقحطان، كذلك ينقسم الأسلوب الصحافي في الخليج إلى قسمين هما المصري والشامي، فتجد بعض الصحف "الشامية"، ومنها صحيفتنا هذه، تكتب "أميركا، طوني بلير، لأنني، كأنني، صحافي، إنكلترا، الإنكليز، إفريقية، سورية…"، أما الصحف التي يديرها مصري فتكتب: "أمريكا، توني بلير، لأني، كأني، صحفي، إنجلترا، الإنجليز، أفريقيا، سوريا..". أما نحن أهل الخليج فلا هوية خاصة بنا، إذ نتعامل مع اللغة بنظام الكفيل… الدلة يا ولد.
ونعود إلى العملاق إحسان، ولا أدري أين ذهبت كتبه التي كنت أحتفظ بمجموعة منها، ولا أريد أن أموت قبل أن يدلني أحد على كتابه الذي جمع فيه خواطره ومذكراته ومقالاته… ولو كنت طلبت منه زيارة الكويت هذه الأيام، وكتابة مقالة يصف بها أوضاعنا لكتب باختصار: "يا للخيبة.. الكويت تعيش في خيبة.. خيبة ثقيلة.. حكومتها خرعة.. مترهلة.. تستند إلى حيطان وسائل إعلام تكفي يأجوج ومأجوج.. وهما (أي الحكومة ووسائل الإعلام تلك) مثل الفلّاح والطائر المسمى صديق الفلاح.. الطائر يأكل الدود ويشكر الفلّاح على الكرم والجود.. والفلاح يشكر الطائر على تنظيف الحقل وحماية الزرع.. لكن الفلاح يزرع فتخضرّ الأرض.. وحكومة الكويت تحرق كل ما هو مزروع.. حكومة خيبة!! وفي الكويت.. المسلسلات هايفة.. والأغاني الوطنية مقرفة.. والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تخصصَ في تذوق الحلوى واللقيمات (وهي لقمة القاضي).. والابتسامة عندهم مثل الكهرباء.. مقطوعة.. جتهم الخيبة!! والمطار عندهم ولا مطارات أحراش أفريقيا.. لايزال يعتمد الباص.. والشعب هناك.. بسبب حكومتهم.. تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.. وإذا كنت أمتلك ولو نزراً يسيراً من التنجيم.. لقلت إن الكويت تحتضر وستموت قريباً.. لولا أجهزة التنفس الصناعي.. التي هي مليارات نفطها.. ما لم ترعوِ الحكومة عن غيّها.
هكذا كنت ستكتب يا أبا محمد، والحمد لله أنك متّ قبل رؤية حكومتنا الخرعة.
***
الحرية لسجين الرأي الزميل محمد عبدالقادر الجاسم.