خلافا لما يعتقده بعض «المتطرفين الجهلة»، فإنني لم ارتح يوما لنظام الملالي المتشدد في ايران، التي لم أزرها خلال أكثر من 40 عاما، سوى مرة واحدة لتحصيل قيمة اعتماد مستندي مستحق السداد لمصلحتي منذ فترة طويلة في ذمة احد مصارفها الكبيرة، وقد تسبب عدائي لذلك النظام في اختلافي مع البعض، اكثرهم اهل واقارب، وكنت خلال الحرب العراقية الايرانية أؤثم الطرفين، مع اقتناع تام بأن العراق هو المعتدي وايران هي المحرضة، وكانت لي اكثر من مجادلة مع عمر غني السفير العراقي في الكويت، حتى ما قبل الغزو والاحتلال بأشهر قليلة، عن ملابسات الحرب العراقية الايرانية، وقد كشفت الاحداث بعدها مدى استشراء نفوذه في دوائر القرار، ولو كنت أعرف ذلك لما تعرضت له.
***
يشكل قانون العقوبات المدنية في اي دولة الاساس الذي يعتمد عليه في تحديد عقوبة اي جنحة او جريمة، ولا يمكن توقع العدل في تطبيق القوانين بغيره، ولكن لبعض الدول الاسلامية كالسودان وايران اضافات على قوانين عقوباتها تتعلق بالتصرفات غير الاسلامية، كعقوبة الجَلد التي فرضت على الصحافية السودانية لارتدائها بنطالا في احدى الحفلات الرسمية، والتي اثارت الكثير من الجدل دوليا.
ولايران، كجمهورية اسلامية، ابداع اكبر في هذا المجال، فقد ارسل لي صديق زائر لها صورة عن مخالفة «شرعية اسلامية» محررة في الشارع بحق سيدة، كالمخالفات المرورية، لعدم ارتدائها «مانتو» مناسب اللون، و«المانتو» رداء خارجي يغطي جسد المرأة بكامله، عدا الرأس.
كما ارسل لي صديق آخر كشفا بالعقوبات الشرعية لعام 89 ــ 1390 الموافق لـ 2010 ــ 2011 وتضمن التالي:
1 ــ غرامة «جريمة» وضع النظارات فوق الرأس 18000 تومان.
2 ــ غرامة جريمة ارتداء مانتو قصير 25000 تومان.
3 ــ غرامة ارتداء مانتو فاتح اللون خصوصا إذا كان أحمر أو أخضر 25000 تومان.
4 ــ غرامة صبغ الأظافر للإصبع الواحد 5000 تومان.
5 ــ غرامة عمل سولار للجلد، «صن تان» 25000 تومان.
6 ــ غرامة صبغ الشعر الفاتح، حسب اللون، من 50000 إلى 150000 تومان(!)
كما دونت أعلى «جدول العقوبات» النصائح التالية:
كلما كان الشادور أعلى كان أفضل.
الحجاب هو الجوهر، كالألماس أو الياقوت، الصافي.
والآن، كيف يمكن توقع نهوض امة وتقدمها وأنظمتها مشغولة بعدّ اصابع اليدين وفرض غرامة مالية على كل اصبع مصبوغ؟
ومن الذي يحدد ما اذا كان جلد المرأة، أو ما سمحت بظهوره، هو بلونه الطبيعي وليس متأثرا عمدا بالشمس، أو برونزاج؟ وهل ستتم المقارنة مثلا بالكشف على الاجزاء الاكثر خصوصية منها؟
المصيبة الاخرى ان ايران، على الاقل، لها قانون عقوباتها، مع كل مثالبه، ولكن هناك دولا اسلامية لا يود نظامها القضائي حتى الاعتراف بوجوده!
أحمد الصراف