محمد الوشيحي

بقلم إحسان عبد القدوس

لو كان الأديب العظيم إحسان عبدالقدوس، رحمه الله، مايزال حياً بيننا، لقبّلت رأسه ولطلبت منه كتابة مقالة عن أوضاع الكويت بأسلوبه المتميز، وأفكاره العميقة الهادئة، وطريقته المتفردة التي لا شبيه لها، خصوصاً في استخدام علامات التنقيط، إذ يبدو أن الكبير إحسان عبدالقدوس لديه فائض من النقاط، لذلك فهو ينثرها بسخاء كما تنثر "أم جواد" الحبوب لدجاجاتها، لكنه لا يعترف بعلامة الاستفهام، وإذا اعترف بها مكرهاً ووضعها في آخر السؤال فإنه يضعها بقرف، وينصرف عنها بسرعة. أما علامة التعجب فيستخدمها "زوز زوز" على رأي أهل ليبيا، أي اثنتين اثنتين، ولا أتذكر أنني رأيت في كتاباته علامة تعجب تقف بمفردها، لا بد من سند لها يعينها على حوادث الأيام ومصائب الأزمان. أما بالنسبة للفاصلة (حبيبتي التي أذوب فيها هياماً) فقصته معها تروى، فهو يخبئها كي لا تراها أعين الحساد، "ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان، وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن… وستعرف بعد رحيل العمر، بأنك كنت تطارد خيط دخان". بالإذن من نزار قباني.

طريقة كتابته سهلة ممتنعة متقطعة، يفصل بين جُمَلها نقاط. ولأنه مصري فهو يضع نقطتين دلالة على الاسترسال، لا ثلاث نقاط كما يفعل اللبناني والسوري… وبالمناسبة، كما ينقسم العرب إلى قسمين كبيرين هما عدنان وقحطان، كذلك ينقسم الأسلوب الصحافي في الخليج إلى قسمين هما المصري والشامي، فتجد بعض الصحف "الشامية"، ومنها صحيفتنا هذه، تكتب "أميركا، طوني بلير، لأنني، كأنني، صحافي، إنكلترا، الإنكليز، إفريقية، سورية…"، أما الصحف التي يديرها مصري فتكتب: "أمريكا، توني بلير، لأني، كأني، صحفي، إنجلترا، الإنجليز، أفريقيا، سوريا..". أما نحن أهل الخليج فلا هوية خاصة بنا، إذ نتعامل مع اللغة بنظام الكفيل… الدلة يا ولد.

ونعود إلى العملاق إحسان، ولا أدري أين ذهبت كتبه التي كنت أحتفظ بمجموعة منها، ولا أريد أن أموت قبل أن يدلني أحد على كتابه الذي جمع فيه خواطره ومذكراته ومقالاته… ولو كنت طلبت منه زيارة الكويت هذه الأيام، وكتابة مقالة يصف بها أوضاعنا لكتب باختصار: "يا للخيبة.. الكويت تعيش في خيبة.. خيبة ثقيلة.. حكومتها خرعة.. مترهلة.. تستند إلى حيطان وسائل إعلام تكفي يأجوج ومأجوج.. وهما (أي الحكومة ووسائل الإعلام تلك) مثل الفلّاح والطائر المسمى صديق الفلاح.. الطائر يأكل الدود ويشكر الفلّاح على الكرم والجود.. والفلاح يشكر الطائر على تنظيف الحقل وحماية الزرع.. لكن الفلاح يزرع فتخضرّ الأرض.. وحكومة الكويت تحرق كل ما هو مزروع.. حكومة خيبة!! وفي الكويت.. المسلسلات هايفة.. والأغاني الوطنية مقرفة.. والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تخصصَ في تذوق الحلوى واللقيمات (وهي لقمة القاضي).. والابتسامة عندهم مثل الكهرباء.. مقطوعة.. جتهم الخيبة!! والمطار عندهم ولا مطارات أحراش أفريقيا.. لايزال يعتمد الباص.. والشعب هناك.. بسبب حكومتهم.. تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.. وإذا كنت أمتلك ولو نزراً يسيراً من التنجيم.. لقلت إن الكويت تحتضر وستموت قريباً.. لولا أجهزة التنفس الصناعي.. التي هي مليارات نفطها.. ما لم ترعوِ الحكومة عن غيّها.

هكذا كنت ستكتب يا أبا محمد، والحمد لله أنك متّ قبل رؤية حكومتنا الخرعة.

***

الحرية لسجين الرأي الزميل محمد عبدالقادر الجاسم.

حسن العيسى

أزمة إدارة دولة لا انقطاع كهرباء

رفض مجلس الأمة توفير الدعم المالي لوزارة الكهرباء لمعالجة انقطاع الكهرباء، لكنه أقر توصية بتكليف ديوان المحاسبة فحص إجراءات سلامة إجراءات الصيانة… الخ! "وتيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي" هكذا سارت الأمور، وستظل "تيتي" المجلس و"تيتي" الحكومة في مكانهما تراوحان، ليس في أزمة انقطاع الكهرباء في عدة مناطق، وإنما في رداءة معظم خدمات الدولة من فوضى المرور وحروب الشوارع إلى طوابير الانتظار الممتدة في المستشفيات، الى انتظار ممتد للسكن حتى قطع الكهرباء عن مناطق البؤس في الدولة، مثل الجليب والفروانية وجحور سكن العمال الأجانب، وكأنهم على تعاسة أحوالهم هم السبب في تبديد الكهرباء!

إذا تركنا فزعة نواب العوازم للوزير ولدهم جانباً، وهم على حق في ذلك، فالأزمة قبل الشريعان وستظل إلى ما بعد الشريعان، وحتى آخر نقطة من برميل النفط، فالمسألة ليست في حاجة إلى شطارة لجان تقص وخشية دائمة من شركات بناء المحطات بأنها "ستبوق" وسيثري التجار الوكلاء على حساب مستقبل البلد بقدر ما هي مسألة إدارة الأزمات في الدولة. لماذا لم ينطق أحد من النواب أو الوزراء بالحقيقة؟ حقيقة نعرفها ولا حاجة إلى المجادلة فيها، فمن يكترث ومن يبالي حين يكون معدل تزايد استهلاك الكهرباء بأكثر من معدل زيادة السكان، ومن يهتم بفواتير الكهرباء ما دامت الحكومة تدعم سعرها بأكثر من تسعين في المئة من تكلفة الإنتاج، تكلفة تقارب العشرين فلساً للكيلوات، وتباع بفلسين للمستهلك… وقدمت عدة دراسات جديدة تقسم الاستهلاك على شرائح، تدعم الحكومة منها أصحاب الدخول الضعيفة الذين يقل استهلاكهم عن حدود معينة، ويتناقص الدعم عكسياً مع ارتفاع الاستهلاك… فماذا حدث لتلك الدراسات وأين الحكومة منها؟ ربما ضاعت في ركام أغبرة فلسفة إسقاط الفواتير!

إذن لماذا يهتم أصحاب الدخول العالية بمعدلات الاستهلاك ونصائح "المسجات" التي تبعثها الوزارة لنا عن ضرورة التوفير في الاستهلاك… فلنترك الأمور على حالها ولنظل على أنانيتنا و"خلوا القرعة ترعى" على حساب مستقبل الدولة… فليست هي مسألة محولات تالفة ولا ضعف محطات الكهرباء، ولسنا في حاجة إلى لجان تقصي حقائق… فالدولة غارقة في محيط من لجان التنفيع، من لجان الوسطية وتهيئة الأجواء لتطبيق الشريعة، حتى لجنة محاربة الطائفية والعنصرية… كلها لجان "بلوشي" وجدت فيها السلطة متنفساً كأفضل وسيلة للهروب من المسؤولية وعدم مواجهة الواقع… هو واقع الحالة الريعية للدولة وغياب المسؤولية وقراءة المستقبل المقلق… أزمتنا ليس اسمها انقطاع الكهرباء أو تفجر محطة ضخ مجار وتدمير البيئة، بل هي أزمة إدارة دولة بكاملها… وغياب كهرباء التفكير والحصافة عند مديري الدولة ولا يبدو أن لها حلاً.

احمد الصراف

العقوبات الشرعية

خلافا لما يعتقده بعض «المتطرفين الجهلة»، فإنني لم ارتح يوما لنظام الملالي المتشدد في ايران، التي لم أزرها خلال أكثر من 40 عاما، سوى مرة واحدة لتحصيل قيمة اعتماد مستندي مستحق السداد لمصلحتي منذ فترة طويلة في ذمة احد مصارفها الكبيرة، وقد تسبب عدائي لذلك النظام في اختلافي مع البعض، اكثرهم اهل واقارب، وكنت خلال الحرب العراقية الايرانية أؤثم الطرفين، مع اقتناع تام بأن العراق هو المعتدي وايران هي المحرضة، وكانت لي اكثر من مجادلة مع عمر غني السفير العراقي في الكويت، حتى ما قبل الغزو والاحتلال بأشهر قليلة، عن ملابسات الحرب العراقية الايرانية، وقد كشفت الاحداث بعدها مدى استشراء نفوذه في دوائر القرار، ولو كنت أعرف ذلك لما تعرضت له.
***
يشكل قانون العقوبات المدنية في اي دولة الاساس الذي يعتمد عليه في تحديد عقوبة اي جنحة او جريمة، ولا يمكن توقع العدل في تطبيق القوانين بغيره، ولكن لبعض الدول الاسلامية كالسودان وايران اضافات على قوانين عقوباتها تتعلق بالتصرفات غير الاسلامية، كعقوبة الجَلد التي فرضت على الصحافية السودانية لارتدائها بنطالا في احدى الحفلات الرسمية، والتي اثارت الكثير من الجدل دوليا.
ولايران، كجمهورية اسلامية، ابداع اكبر في هذا المجال، فقد ارسل لي صديق زائر لها صورة عن مخالفة «شرعية اسلامية» محررة في الشارع بحق سيدة، كالمخالفات المرورية، لعدم ارتدائها «مانتو» مناسب اللون، و«المانتو» رداء خارجي يغطي جسد المرأة بكامله، عدا الرأس.
كما ارسل لي صديق آخر كشفا بالعقوبات الشرعية لعام 89 ــ 1390 الموافق لـ 2010 ــ 2011 وتضمن التالي:
1 ــ غرامة «جريمة» وضع النظارات فوق الرأس 18000 تومان.
2 ــ غرامة جريمة ارتداء مانتو قصير 25000 تومان.
3 ــ غرامة ارتداء مانتو فاتح اللون خصوصا إذا كان أحمر أو أخضر 25000 تومان.
4 ــ غرامة صبغ الأظافر للإصبع الواحد 5000 تومان.
5 ــ غرامة عمل سولار للجلد، «صن تان» 25000 تومان.
6 ــ غرامة صبغ الشعر الفاتح، حسب اللون، من 50000 إلى 150000 تومان(!)
كما دونت أعلى «جدول العقوبات» النصائح التالية:
كلما كان الشادور أعلى كان أفضل.
الحجاب هو الجوهر، كالألماس أو الياقوت، الصافي.
والآن، كيف يمكن توقع نهوض امة وتقدمها وأنظمتها مشغولة بعدّ اصابع اليدين وفرض غرامة مالية على كل اصبع مصبوغ؟
ومن الذي يحدد ما اذا كان جلد المرأة، أو ما سمحت بظهوره، هو بلونه الطبيعي وليس متأثرا عمدا بالشمس، أو برونزاج؟ وهل ستتم المقارنة مثلا بالكشف على الاجزاء الاكثر خصوصية منها؟
المصيبة الاخرى ان ايران، على الاقل، لها قانون عقوباتها، مع كل مثالبه، ولكن هناك دولا اسلامية لا يود نظامها القضائي حتى الاعتراف بوجوده!

أحمد الصراف