قمت قبل فترة بتفريغ شريط مقابلة هيلين توماس، مع قناة إخبارية أميركية، لنشره في مقال. انشغالي أنساني الموضوع، ولكن ما تبع المقابلة من تطورات غير متوقعة في وضع هيلين، بعد العمل لسنوات طويلة كمراسلة صحفية في البيت الأبيض، منذ أيام الرئيس كنيدي في الستينات وحتى عهد أوباما، بسبب تلك المقابلة أو تبعاتها، جعلني أعود لأوراقي لمعرفة المزيد عنها وعن قصتها.
تقول المصادر إن هيلين ولدت عام 1920 في كنتاكي (أميركا) لأبوين هاجرا من لبنان (مصادر أخرى تقول طرابلس). ويقال إن مطالبتها (من خلال أجوبتها في تلك المقابلة) بعودة اليهود من حيث قدموا، كحل للمشكلة الفلسطينية قد أثار عليها اللوبي الصهيوني، ودفع الرئيس أوباما لأن يطلب منها التوقف عن حضور مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية. وهذا الموقف بالذات هو الذي رفع من مقامها لدينا، لتصبح هيلين توماس فجأة بطلة قومية وعربية الأصل، وفاضحة للسياسة الأميركية وكاشفة لتطرّفها وانحيازها لإسرائيل، مع العلم أن هذه أمور عرفناها على مقاعد المدرسة منذ نصف قرن أو أكثر.
والحقيقة أنني لم أفاجأ بالشعبية الواسعة التي نالتها هذه السيدة التسعينية العربية اللبنانية، أو سليلة طرابلس، وكيف أننا حولنا تقاعدها القسري أو الطوعي لقضية قومية لمجرد أنها عادت لبيتها من دون احتفال كبير في البيت الأبيض، وكيف أن ذلك دل، حسب رأي البعض، على مستوى الأخلاق الأميركية في التعامل! وبالتالي تستحق هذه السيدة، منا نحن العرب، كما كتب آخرون، التحية والاحتفاء والشكر من رئيس الجامعة العربية وقادة الدول العربية والكتاب وكل أصحاب المواقع الإلكترونية والمنتديات وحملة الهواتف النقالة وغيرهم!
والعجيب أن الحياء لم يمنع البعض من التأسف لعودتها لبيتها بتلك الطريقة غير المهذبة (!) ونسي هؤلاء كل الأبرياء والمنادين بالحرية والديموقراطية في أوطانهم القابعين في «سجوننا» العربية منذ سنوات، دع عنك مئات الآلاف الذين اختفوا تاركين آلافا غيرهم بلا إعالة ولا مستقبل ولا أمان.
هيلين توماس بطلة قررت أن تقول الحقيقة وتطالب بعودة اليهود الألمان الى ألمانيا والروس الى روسيا والبولنديين الى وطنهم فصفقنا لها واعتبرناها شخصية تستحق الوقوف معها، ولكن أيا منا لم يسأل أين كانت هيلين توماس لأكثر من نصف قرن من قضايانا المصيرية كافة؟ ولماذا لم نسمع منها ولو كلمة تأييد واحدة بحقنا؟ ولماذا لم ينتبه، أو يفطن دبلوماسي عربي واحد من الألفين ونيف المتواجدين في واشنطن ونيويورك، أن أصل هذه الصحفية المتنفذة عربي، إلا بعد أن أحيلت الى التقاعد؟ وهل سبق أن التفت اليها واحد من أولئك الدبلوماسيين ودعاها لحضور مجرد حفل استقبال، أو دعوتها لزيارة مسقط رأس أبويها، وفي أي مكان كان؟
إن المشكلة ليست في هيلين ولا في غيرها ولو كنا نقرأ ونستوعب لما كنا بحاجة اليها ولا الى سخافة الإخوان وسفينة حريتهم لنعرف حقيقة تحيز أميركا وغطرسة إسرائيل، فهذه أمور معروفة ومفروغ منها منذ سنوات، فالمشكلة تكمن في جهلنا إدراك أن «الجماعة» يعملون لما فيه مصلحتهم، فهل نعرف نحن أين تقع مصلحتنا؟
أحمد الصراف