مقدمة: طالما لقيت مقالاتي التي هاجمت فيها التسيب في عالم قسائم الزرائب والمتاجرة بالأغذية والأعلاف المدعومة، وغيرها من صور «نهب» الأموال والأملاك العامة ومعارضة قضايا إسقاط القروض، طالما لقيت، على موقع القبس الإلكتروني، الكثير من التعليقات السلبية والشتم أحيانا، وكانت في غالبيتها تغمز وتلمز من الأصول الفارسية لعائلتي ومذهبها الديني! وبالرغم من خلو غالبية تلك التعليقات الفجة من كل ذوق وأدب، فإنها لم تسترع انتباهي بقدر ما استرعى انتباهي خلوها من اللغة العربية الصحيحة، أو حتى ما يشبهها! ولو افترضنا أن البعض من هؤلاء، ومن نوعية المفردات المستخدمة في تعليقاتهم، هم من البادية، وليسوا بالضرورة مواطنين كويتيين، فكيف تكون لغتهم بمثل هذه الركاكة، ولغة من يتهمونه بالفارسية أفضل من لغتهم بكثير؟ هذا بخلاف صور البذاءة المتعددة في تلك الردود، والتي لا شك تعود لأمور أخرى لا نود التطرق اليها هنا؟ ما نود معرفته هنا هو سبب هذه الركاكة في المخاطبة على ضوء ما سبق ان تعلمناه في المدارس وما قرأناه في كتب التراث من أن بعض الأسر الحضرية، والميسورة بالذات، كانت ترسل أبناءها الى البادية لتعلم العربية الصحيحة من أهلها؟ فأين ذهبت تلك اللغة الصحيحة؟ وما الذي طرأ لكي تصبح على لسان هؤلاء بمثل هذا الضعف؟
وفي جانب آخر، نجد من واقع الكثير من الوثائق التاريخية والمراسلات الرسمية والتجارية القديمة في الكويت، والتي يعود عمر البعض منها الى مائة عام وأكثر، نجد ما يماثل تلك الركاكة اللغوية تقريبا، إن في القواعد أو في الأخطاء الإملائية! فأين الحلقة المفقودة؟ بعد هذه المقدمة الطويلة نوعا ما نعود الى موضوع مقالنا.
مع نهاية شهر أكتوبر 1990، وبعد أن تحول ضيق وملل عائلتي الصغيرة في الرياض إلى حزن وبداية كآبة، قررت ترك عملي التطوعي في لجنة الإعاشة هناك، والسفر الى الإمارات للعمل والاستقرار المؤقت فيها، إلى أن تتطهر بلادي من نجاسات صدام. كان ذلك في الأشهر الأولى من الغزو الكريه. وفي يوم عملي الأخير في السفارة بالرياض ذهبت الى السيد عبدالرحمن البكر، سفيرنا في المملكة وقتها، وسلمته مجموعة كشوف تتضمن أسماء 36 ألف كويتي «مسلم عربي قح» سرقوا وطنهم المحتل وشاركوا صدام في جريمته! وبينت له أن الأسماء فيها مرتبة حسب الاسم الأخير، للعائلة أو القبيلة. وان نظام المحاسبة في الكمبيوتر المستخدم من قبل اللجنة مصمم لكشف الازدواجية! وأن البعض من هؤلاء حصلوا على مبالغ الإعاشة من اللجنة للأسرة نفسها أكثر من مرة، وآخرين لأكثر من ذلك، وحصل أحدهم، ولا أزال أذكر اسمه كاملا، بواسطة الكذب والتلاعب بالبيانات وشهادات الزور، على الإعاشة 11 مرة في شهر واحد(!!).
فغر السفير البكر فاه تعجبا، وسألني: يا أخ أحمد أنت متأكد من محتويات الكشف؟ وعندما أكدت له الأمر فتح درج مكتبه وأخرج نسخة من القرآن، وسألني عما إذا كان لدي صور أخرى من الكشوف، وعندما أجبته بالنفي تنفس الصعداء، ولكني أردفت قائلا ان بالإمكان الحصول على أي عدد من النسخ بلمسة زر. فطلب مني أن «أستر» على العوائل والقبائل، وأن أقسم على القرآن بأنني لن أنسخ أي صور من هذه الكشوف! فقلت له لا تقلق ولا حاجة للقسم، وأعدك بألا أعمل أي نسخ منها، وهكذا كان، فقد وثق بكلمتي ووفيت بوعدي!
والآن، وبعد 20 عاما تقريبا، عندما أقرأ بعض الردود على مقالاتي على موقع القبس، وخاصة تلك المقالات التي تتضمن دعوة للإصلاح، أشتم من طبيعة الردود أنها ربما تكون للأشخاص أنفسهم، أو لأبنائهم، الذين لم يترددوا في سرقة وطنهم، وهو محتل مفلس، ولن يترددوا في سرقته الآن وهو حي وغني، فهذا ديدنهم أبد الدهر، والذنب ليس ذنبهم أو ذنب من رباهم فقط، بل وذنب الدولة التي فشلت مناهج مدارسها في أن تخلق فيهم روح المواطنة وحب الانتماء! ولا نقول إلا سلام عليك يا وطني.
أحمد الصراف