يعتبر الفنان الأميركي الراحل جورج كارلن من أشهر فلاسفة الكوميديا في أميركا، إن لم يكن في العالم، وأكثرهم إثارة للجدل. ولكارلن مجموعة أقوال يوردها البعض في كتاباتهم وتنتشر على الإنترنت من دون الإشارة لقائلها، وربما أكون أحدهم. وفي احدها يقول ان من تناقضات عصرنا أننا أصبحنا نمتلك عمارات أطول ولكن وجهات نظر أكثر ضيقا، وأننا ننفق أكثر ولكن نتمتع بالحياة بصورة أقل. كما أصبحنا نمتلك بيوتا أكبر، ولكن عائلاتنا أصبحت أصغر، كما أن شهاداتنا أعلى ولكن مداركنا أقل، ومعرفتنا أوسع ولكن أحكامنا أضيق، ومشاكلنا أكثر ربما لأن الخبراء بيننا أكثر. كما أن صحتنا أصبحت أضعف بالرغم من زيادة أدويتنا وأطبائنا، كما ونوعية. وأصبحنا نشرب أكثر وندخن بشراهة، ونصرف بغير تدبير ونضحك بدرجة أقل، ونقود السيارة بسرعة ونغضب بسرعة أكبر، ونطيل السهر ونقوم من النوم متعبين ومتأخرين، ونقرأ أقل ونشاهد التلفزيون أكثر وفوق هذا نادرا ما نفكر بالروحانيات.
وبالرغم من أننا نجحنا في مضاعفة ثرواتنا، كأمم وأفراد، فان قيمنا تناقصت. وأصبحنا نتكلم كثيرا ولكن نحب بدرجة أقل، ونكره هذا ونبغض ذلك.
وبالرغم من نجاحنا في خلق حياة لأنفسنا فاننا فشلنا أن نحياها بطريقة سليمة، وأضفنا سنوات لعمرنا ولكن لم نضف قيمة لتلك السنوات. ونجحنا في الوصول للقمر إلا أننا واجهنا صعوبة في الوصول والتواصل مع جارنا عبر الشارع. وتمكنا من اختراق الفضاء الخارجي ولكن عجزنا عن ملامسة فضائنا الداخلي! كما نجحنا في تنظيف مناطق كبيرة من التلوث ولكن نسينا تنظيف أرواحنا من الأحقاد والضغائن، وأصبحنا نكتب أكثر ونتعلم أقل، وما تعلمناه هو أن نستعجل ولكن فشلنا في أن نتروى! كما صنعنا كمبيوترات أضخم بإمكانها خلق نسخ أكثر وتقارير أشمل، ولكن تواصلنا مع بعضنا أصبح أقل وأقل. وأصبح عصرنا عصر الأكلات السريعة والهضم المتكاسل، وأجسام أكبر ولكن شخصيات أصغر وأضعف. وأصبحنا نعيش عصر الدخل العائلي المزدوج ولكن بحالات طلاق أكثر. ونسكن بيوتا أجمل ولكن بشروخ عائلية أكثر.. إنه عصر السرعة في السفر واستخدام الحفاظات والمناديل الورقية وكل شيء استهلاكي سريع، وأصبحت صيدليات المنزل تحتوي على أدوية للكآبة والترهل وخلق السعادة الوهمية والشعور المزيف بالسكون والاطمئنان! إنه عصر يأتي لك فيه هذا المقال بأسرع من لمح البصر فإما أن تأخذ بمعانيه، أو ببعضها على الأقل، أو تقلب الصفحة وتستمر في حياتك، ولكن قبل أن تفعل تذكر أن من المهم أن تقضي وقتا أطول مع من تحب فلن يكونوا من حولك إلى الأبد، وأن تضم صغارك الى صدرك وتقول لهم كلمة حانية فهؤلاء أيضا لن يطول مكوثهم حولك عندما يكبرون ويذهبون لحال سبيلهم..».
ويقال ان من أقواله في تعريف السيجارة انها لفافة تبغ في طرف منها نار وفي طرفها الآخر شخص غبي، وهو راض بذلك! أما السيجار الكوبي ففي طرفه نار وفي طرفه الآخر غبي أكبر، وهو سعيد بذلك!
وهنا يخطر على بالي مجرد سؤال: لو كان جورج كارلن يعيش بيننا فما الذي كان سيقوله فينا، هذا إذا تجرأ أصلا على قول الحقيقة؟!
أحمد الصراف