في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج «حلول» الذي يقدمه الزميل علي حسين بتلفزيون البحرين، والذي تناول أزمة «السكن» من أبعادها المختلفة إدارياً وبلدياً واجتماعياً، تحدث أحد المواطنين وشقيقته في تقرير وصف معاناة تلك الأسرة التي اختزلت معاناة آلاف الأسر المدرجة على قائمة الانتظار والتي يصل عددها إلى 50 ألف طلب.
بعد 18 عاماً من الانتظار، لم يجد المواطن إلا أن يقدم شقيقته على نفسه، أي أنه يمني النفس بأن تحصل شقيقته على وحدة إسكانية قبله، حتى مع شدة معاناته مع المرض واعتلال صحته… أما المواطنة، فلم تتمالك نفسها وهي تصف الحالة الصعبة التي تعيشها هي، ويعيشها بالطبع معها الآلاف من الأسر، فتركت العنان لصوتها أن يتهدج وتبكي لتقول :»والله نحب هالوطن»، وكأنها تريد أن تقول إن أبناء البحرين الذين تتصل عروقهم بتراب بلدهم يريدون أن يعيشوا في أمان واستقرار وطمأنينة، ولا يمكن لأحد أن يلومها أو يلوم أمثالها حين تحيطها الآلام وسط عاصفة من المعاناة النفسية الشديدة.
لماذا يلوم البعض، ممن يحسب نفسه مدافعاً عن الحكومة ومحباً مخلصاً لها، الناس حين يضجّون بسبب ذهاب الوحدات السكنية التي حلموا بها لسنوات طويلة إلى آخرين لم يمضِ على وجودهم في البلاد عقد من الزمان؟ وكيف يعطي لنفسه الحق في أن يصف المواطن بأنه (ناكر نعمة) لأنه عبّر عن غضبه بسبب حرمانه من حلمه في (بيت العمر) الذي ذهب إلى من لا يستحقه؟… لم يعد من اللائق تصنيف المواطنين وفق انتمائهم المذهبي في حال تذمرهم وسخطهم مما يجري… فإن كان ينتقد الحكومة بسبب غياب الآلية العادلة المنصفة في منح الوحدات السكنية يصبح من طائفة تكره الحكومة، وإن بلع لسانه وأغلق فمه وسكت عن حقه المشروع، فإنه محب للوطن موالٍ له ومن طائفة تحب الحكومة، وهو أسلوب شائع على ألسنة بعض النواب وبعض الخطباء وبعض كتاب الصحف وبعض المسئولين الذين يعتبرون المواطن الذي يعبر عن تذمره وغضبه بأنه مدسوس محرض لا ينتمي إلى هذا الوطن.
هناك أخطاء جسيمة شهدتها آلية توزيع الوحدات بمشروعات إسكانية في مناطق متعددة ولابد من الاعتراف بهذه الأخطاء لكي يتم تصحيح الوضع مستقبلاً، والأمر الباعث على القلق أكثر ما أثاره رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب جواد فيروز في أحد المؤتمرات الصحافية إلى أن الأرقام التقديرية تشير إلى أن البحرين بحاجة إلى 162 ألف وحدة سكنية بحلول العام 2030، فيما لاتزال معدلات البناء لا تزيد على 2000 إلى 3000 وحدة بمعدل كل عامين تقريباً.
ولعل التوصيات المهمة التي تشمل بناء مدن إسكانية جديدة، وتطوير مشروع امتدادات القرى بالتوازي مع المشاريع العامة، والبدء في تنفيذ البنى التحتية بالتزامن مع بدء تنفيذ المشاريع الإسكانية، والعمل على إعادة ملكية الأراضي للدولة، ومشاركة القطاع الخاص للحكومة، وتوزيع القسائم والوحدات السكنية على مستحقيها في قوائم الانتظار، وضمان نسبة محددة لمشاريع الإسكان العام في المشاريع الاستثمارية السكنية، وتبني مشروع البيوت الآلية للسقوط، والاستفادة من مناطق الحزام الأخضر للمشاريع الإسكانية، وتشريع قانون يمنع تداول العقارات للأجانب واقتصاره على المواطنين… لعلها توصيات كفيلة بإيجاد حلول للمشكلة، لكنها تتطلب ترجمة على أرض الواقع.
في برنامج «حلول» لم يقصّر المسئولون في طمأنة المواطنين، وأن هناك برنامج عمل طموح لتغطية الطلبات، لكن قائمة الوعود طالت يا جماعة الخير والأطول منها معاناة آلاف الأسر البحرينية الأصيلة… فمتى الفرج؟