سامي النصف

الموت في غزة والإبادة في صبرا

الصور العادية بألف كلمة، أما التقرير الوثائقي المصور فيغني في رأيي عن مائة ألف كلمة، قامت الإعلامية البريطانية الشابة سارة والمصور البريطاني جيمس ميللر (33 عاما متزوج ولديه طفلتان) بتصوير حي للأوضاع المأساوية في غزة عبر المكوث هناك لأشهر عديدة والتقاء الأطفال والنساء، وبعد النهاية المأساوية التي جرت لهما تم عرض الفيلم المسمى «Death in Gaza» على قنوات عالمية واسعة الانتشار، كما حاز الفيلم عدة جوائز عالمية.

يبدأ الفيلم بلحظة تفجير سيارة مسؤول فلسطيني ومن معه، ونرى الأطفال الصغار وهم يساعدون في لمّ بقايا جسده المتناثرة، فهذا طفل يلتقط إصابع وذاك رأسا وثالث أمعاء.. الخ، كما يلتقي الفريق الإنجليزي بالطفلين أحمد ومحمد اللذين يعملان مع المقاومة الإسلامية ويبديان رغبتهما الشديدة في الاستشهاد والموت بدلا من الحلم بالحياة، كما نتابع عملية استشهاد الطفل أسامة الشاعر الذي لا يزيد عمره على 14 عاما.

كما يلتقي سارة وجيمس بفتاة فلسطينية عمرها «16 عاما» وشقيقتها الصغيرة وقد استشهد لهما 8 من الإخوة والأقارب المباشرين، والفيلم الوثائقي شديد الحزن والتأثير على المشاعر الإنسانية ولا يمكن لمن يشاهده إلا ان يتعاطف مع الأوضاع القائمة في غزة والقطاع، كما يلتقيان بأمهات فلسطينيات يطالبن بإنهاء الأوضاع المأساوية حيث يتوقعن في كل مرة يخرج فيها أبناؤهن وأطفالهن ان يصل خبر بموتهم واستشهادهم.

تتصل الطفلة الفلسطينية واختها بالصحافية والمصور بعد أن اقتربت الجرافات والعربات المحملة بالجنود من بيتهما لهدمه فيحضر الاثنان ويقومان بعمل لقاء مع أهلهما ثم يقرران العودة للفندق ونسمع من الجرافات والعربات أغاني فيروز وكلاما بالعربي يثبت ان هؤلاء الجنود هم من عرب فلسطين المنضوين تحت الجيش الإسرائيلي، ويخرج المصور جيمس ميللر يحمل العلم الأبيض وبجانبه سارة ومترجم وخلفهم الكاميرا تصور ما يحدث ويخبرون الجنود بأنهم من الصحافة البريطانية، إلا ان رصاصة تنطلق من الجنود تصيب رقبة ميللر وتقتله في الحال، ويذكر في نهاية الفيلم الحزين ان احدا لما يحاسب حتى اليوم على تلك الجريمة.

وفي فيلم وثائقي إسرائيلي اسمه «Waltz With Bashir» حائز كذلك عدة جوائز عالمية، يروي الإسرائيلي اري فولمان وبصدق قصة غزو لبنان وما حدث في مخيم صبرا وشاتيلا ويعترف بأن القتلة تخفوا بزي الجيش الإسرائيلي لطمأنة الفلسطينيين، كما ان ذلك الجيش بقيادة شارون ظل لمدة ليلتين يطلق القنابل المضيئة في سماء المخيم مما ساعد القتلة في جرائمهم، الفيلم ومثله مقال لإسرائيلية نشرته صحيفة «الهيرالدتريبيون» السبت الماضي يظهران أن هناك ضمائر حية محبة للسلام مازالت باقية في إسرائيل تحتاج الى من يدعمها.

آخر محطة:

من قبل ما يقارب القرن كتب كثير من المفكرين العرب كأمير البيان شكيب أرسلان وكذلك المفكرون الفلسطينيون عن كيفية الاستفادة الإيجابية من اضطهاد العالم لليهود ووجودهم في منطقتنا لتطويرها. المساعدة الحقيقية للفلسطينيين وحل الوضع المأساوي القائم لا يتأتى بالتحريض والتثوير والتأجيج بل بمحاولة الوصول لحل سلمي يفيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يقوم على مبدأ كسب الطرفين وحقن دمائهم، فكفى بغضا وكراهية وترويعا لأطفال فلسطين ولبنان وإسرائيل فقد جرب الفرقاء مسار الحرب والدم فلم يستفد أو يكسب أحد، وحان أوان تجربة مسار السلام الحقيقي.

حسن العيسى

واحات في صحراء د. النفيسي


ما قاله الدكتور عبدالله النفيسي في أحد الدواوين بشأن السيد المهري من أن السيد المهري جاء "سباحة من البحر" خطأ، ومهما تكن شدة الخلاف القديم بين الدكتور النفيسي والسيد المهري فإنه لا يبرر أي نزعة استعلاء على الغير مهما تباينت أصولنا واختلفت توجهاتنا، فنحن أبناء وطن واحد في النهاية، ويفترض أن نكون متحدين في القاسم الإنساني، لكن يظل الدكتور النفيسي مثالاً حياً للمثقف القلق، ويفترض بهذا المثقف أن يتعالى بإنسانيته فوق اعتبارات العرق والطائفة وكل إشكال "القبائلية".


مع ذلك يسلط الدكتور عبدالله بقعة الضوء المثيرة على كثير من مواقع الظلام في الدولة والمجتمع الكويتي، فحين يقرر أن الديمقراطية في الكويت صحراوية على أرض رخام فهذا وصف صحيح برأيي، فهي اليوم "صحراوية" بفكرها الجاف وقسوة بيئتها وبسبب حالة الاستقطاب القبائلي مهما كانت هذه القبائلية ملتحفة ومتغطية بمسميات مختلفة مثل العائلة والطائفة والشللية والعرق… هي اليوم صحراء جرداء عانى عبدالله النفيسي ونحن معه خواءَها وخواء الفكر الذي أنتجها، وليس هذا عيب الديمقراطية كأسمى مراحل التطور السياسي وإنما هي كذلك عندنا بسبب هيمنة السلطة الواحدة على سمائها منذ عام 67 من القرن الماضي عام تزوير الانتخابات، ثم في أوائل الثمانينيات حين غيرت وعدلت الدوائر الانتخابية لتكرس التقسيمات العشائرية والطائفية، فحرمت تبعاً لذلك هذه الديمقراطية أمطار التحديث والتطور والثقافة وكل أسباب التقدم والمعرفة، وتم عبر سنين طويلة مسخ هذه الديمقراطية الوليدة في المنطقة من الداخل الكويتي ومن الخارج الذين رأوا فيها شذوذا عن معايير ونواميس العروبة في ديمومة البقاء بالحكم الى ما شاء الله. فانتهينا اليوم إلى ما نحن فيه.


يهمني كذلك تقسيم الدكتور النفيسي للمجتمع الكويتي إلى أربعة أقسام، قسم واحد يريد الاستمرار في السلطة، وقسم ثانٍ يسعى إلى الحكم وهو كارثة السياسة الكويتية الآن، وقسم ثالت من المثقفين والكتاب والصحافيين القلقين من اللاجدوى، وهي "لا جدوى" كويتية بصدق وليست فلسفية عبثية وجودية من الحياة وخلوها من المعنى، هذا القسم الذي يرى الأمور تسير من سيئ الى أسوأ، ويشاهد الدولة تعبر حفرة صغيرة لتقع في بئر عميقة! هي "لا جدوى" فراغ الفكر والكتابة الجادة حين تضج صفحات عديدة من جرائدنا ووسائل إعلامنا بثرثرة مسح الجوخ ويعلوها أتربة الرياء واجترار معانٍ منتهية الصلاحية لكنها تلائم ثقافة "الجمهور عاوز كده"، وكان هذا ما فهمته وفسرته عن القسم الرابع في المجتمع الكويتي من حديث الدكتور عبدالله النفيسي.


مهما يكن عليه الأمر، ومهما كان جدب صحرائنا في السنوات الأخيرة، تبقَ هناك واحات قليلة وارفة الظلال فيها، يجتهد ويعمل بها عدد من نواب الأمة ومن أصحاب الرأي الذي لا ينشد أصحابه عرض الدنيا… فليس بإمكاننا أن نفقد الأمل في الغد مهما طالت واستدامت جروحنا، فبالأمل نبقى وبنخيل واحاته سنستظل ببسمة الفرح ولن "نغسل أيدينا" من قدر التاريخ وسنة التغيير.


احمد الصراف

أنا التلفزيون

طلبت المدرّسة من تلاميذ فصلها كتابة نص عما يتمنون أن يكونوا عليه أو يحدث لهم.
في نهاية الدوام المدرسي جلست المدرّسة في بيتها تراجع ما كتبه طلبتها، واسترعت نظرها رسالة بعينها، وما ان انتهت منها حتى امتلأت مآقيها بالدموع تأثراً بما قرأت، وفي تلك اللحظة دخل زوجها عائداً من عمله وشاهد تأثرها الشديد، فسألها عما حدث، فمدت يدها له بورقة الاجابة وطلبت منه قراءتها، فقرأ: يا الهي سأطلب منك الليلة شيئاً خاصا جدا. أريدك ان تحولني الى جهاز تلفزيون، وأن آخذ مكان جهازنا في البيت، وان اعيش مثله بيننا، وان يكون لي مكان خاص بي وان تجتمع عائلتي حولي. وأن أعامل بجدية عندما أتحدث، وأن اكون مركز الاهتمام وألا اقاطع عندما اسأل، وان اتلقى العناية نفسها التي يحظى بها التلفزيون عندما لا يعمل لسبب أو لآخر، وان اتمتع برفقة والدي عندما يعود الى البيت مساء، حتى عندما يكون متعبا، وأن تتعلق بي أمي حتى وهي حزينة أو متكدرة، بدلا من كل عدم الاهتمام الذي القاه الآن.. كما أريد يا إلهي من أخي أن يتعارك من اجل ان يكون معي، وأن اشعر ان عائلتي بين الفترة والاخرى تترك كل شيء فقط لتقضي بعض الوقت معي، واخيرا اتمنى ان اجعلهم جميعا سعداء.. واتمنى ألا أكون قد بالغت في طلبي، فما اريده هو أن اعيش كجهاز التلفزيون.
***
وما إن انتهى الزوج من قراءة الرسالة حتى قال متأثراً: شيء محزن، يا له من طفل حزين ووالدين تعيسين، ولكني يا حبيبتي لا أجد الامر يستحق كل هذا الحزن!! فردت عليه قائلة: كاتب هذه المقالة هو ابننا.
***
(نص مترجم بتصرف من الإنترنت)

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

والله… نحب هذا الوطن

 

في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج «حلول» الذي يقدمه الزميل علي حسين بتلفزيون البحرين، والذي تناول أزمة «السكن» من أبعادها المختلفة إدارياً وبلدياً واجتماعياً، تحدث أحد المواطنين وشقيقته في تقرير وصف معاناة تلك الأسرة التي اختزلت معاناة آلاف الأسر المدرجة على قائمة الانتظار والتي يصل عددها إلى 50 ألف طلب.

بعد 18 عاماً من الانتظار، لم يجد المواطن إلا أن يقدم شقيقته على نفسه، أي أنه يمني النفس بأن تحصل شقيقته على وحدة إسكانية قبله، حتى مع شدة معاناته مع المرض واعتلال صحته… أما المواطنة، فلم تتمالك نفسها وهي تصف الحالة الصعبة التي تعيشها هي، ويعيشها بالطبع معها الآلاف من الأسر، فتركت العنان لصوتها أن يتهدج وتبكي لتقول :»والله نحب هالوطن»، وكأنها تريد أن تقول إن أبناء البحرين الذين تتصل عروقهم بتراب بلدهم يريدون أن يعيشوا في أمان واستقرار وطمأنينة، ولا يمكن لأحد أن يلومها أو يلوم أمثالها حين تحيطها الآلام وسط عاصفة من المعاناة النفسية الشديدة.

لماذا يلوم البعض، ممن يحسب نفسه مدافعاً عن الحكومة ومحباً مخلصاً لها، الناس حين يضجّون بسبب ذهاب الوحدات السكنية التي حلموا بها لسنوات طويلة إلى آخرين لم يمضِ على وجودهم في البلاد عقد من الزمان؟ وكيف يعطي لنفسه الحق في أن يصف المواطن بأنه (ناكر نعمة) لأنه عبّر عن غضبه بسبب حرمانه من حلمه في (بيت العمر) الذي ذهب إلى من لا يستحقه؟… لم يعد من اللائق تصنيف المواطنين وفق انتمائهم المذهبي في حال تذمرهم وسخطهم مما يجري… فإن كان ينتقد الحكومة بسبب غياب الآلية العادلة المنصفة في منح الوحدات السكنية يصبح من طائفة تكره الحكومة، وإن بلع لسانه وأغلق فمه وسكت عن حقه المشروع، فإنه محب للوطن موالٍ له ومن طائفة تحب الحكومة، وهو أسلوب شائع على ألسنة بعض النواب وبعض الخطباء وبعض كتاب الصحف وبعض المسئولين الذين يعتبرون المواطن الذي يعبر عن تذمره وغضبه بأنه مدسوس محرض لا ينتمي إلى هذا الوطن.

هناك أخطاء جسيمة شهدتها آلية توزيع الوحدات بمشروعات إسكانية في مناطق متعددة ولابد من الاعتراف بهذه الأخطاء لكي يتم تصحيح الوضع مستقبلاً، والأمر الباعث على القلق أكثر ما أثاره رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب جواد فيروز في أحد المؤتمرات الصحافية إلى أن الأرقام التقديرية تشير إلى أن البحرين بحاجة إلى 162 ألف وحدة سكنية بحلول العام 2030، فيما لاتزال معدلات البناء لا تزيد على 2000 إلى 3000 وحدة بمعدل كل عامين تقريباً.

ولعل التوصيات المهمة التي تشمل بناء مدن إسكانية جديدة، وتطوير مشروع امتدادات القرى بالتوازي مع المشاريع العامة، والبدء في تنفيذ البنى التحتية بالتزامن مع بدء تنفيذ المشاريع الإسكانية، والعمل على إعادة ملكية الأراضي للدولة، ومشاركة القطاع الخاص للحكومة، وتوزيع القسائم والوحدات السكنية على مستحقيها في قوائم الانتظار، وضمان نسبة محددة لمشاريع الإسكان العام في المشاريع الاستثمارية السكنية، وتبني مشروع البيوت الآلية للسقوط، والاستفادة من مناطق الحزام الأخضر للمشاريع الإسكانية، وتشريع قانون يمنع تداول العقارات للأجانب واقتصاره على المواطنين… لعلها توصيات كفيلة بإيجاد حلول للمشكلة، لكنها تتطلب ترجمة على أرض الواقع.

في برنامج «حلول» لم يقصّر المسئولون في طمأنة المواطنين، وأن هناك برنامج عمل طموح لتغطية الطلبات، لكن قائمة الوعود طالت يا جماعة الخير والأطول منها معاناة آلاف الأسر البحرينية الأصيلة… فمتى الفرج؟