نشرت إحدى الأسر قبل فترة نعيا لفقيد لها، وذيلت الإعلان باسم قبيلة (….) وكان الإعلان مثال تندر البعض، لأن المنطقة التي سبق أن قدمت منها تلك الأسرة للكويت قبل أكثر من مائة عام، من إيران لا تشتهر بقبائلها! ولكن هذا اعتقاد خاطئ، فغالبية المجتمعات البشرية، وقبل نشوء ما يعرف بالمجتمعات المدنية الحكومية بقوانين ودساتير مكتوبة، كانت عبارة عن تجمعات قبلية متنافرة الخلفيات والمصالح، لها قوانينها الشفهية الخاصة التي تتوقع من المنتمين اليها الدفاع عنها والتمسك بها، وبالتالي فقبائل الجزيرة العربية، وبداوتها، ليست حالة نادرة، فلا تزال مناطق واسعة في إيران مثلا تشتهر بقبائلها، كالبختارية في وسط فارس. كما تتحكم القبائل في غالبية مفاصل الدولة في أفغانستان واليمن، والعراق إلى حد كبير. وللقبائل وجود طاغ في غالبية الدول الأفريقية والمجتمعات الرعوية في آسيا، ويمكن القول عموما ان قوة القبيلة وتأثيرها السلبي على المنتمين لها يبدآن بالتضاؤل مع تقدم المجتمعات وتحولها للمدنية الحديثة، وهكذا بدأت الكويت عندما بدأت القبائل من الجزيرة العربية، بشكل كبير، وبنسبة أقل من بر فارس والعراق والبحرين وغيرها، بالهجرة اليها واختيارها موطنا نهائيا، حيث نتج عن هذا الاستقرار اندماج القبائل والثقافات والعادات وتداخلها بعضها ببعض مكونة ما اصبح يعرف بالمجتمع الكويتي. وكان هذا صحيحا حتى قبل ثلاثين عاما، عندما رأت جهات في السلطة أن من الأفضل وقف عملية انصهار مكونات أو وحدات المجتمع واعادة الفرز في عملية «تنظيف عرقي» واضحة، بحيث تصبح مناطق كاملة مغلقة على قبائل أو طوائف معينة يصعب على الآخرين اختراقها، ان انتخابيا أو حتى سكنيا، وقد رأينا ذلك في مناطق الأندلس والعارضية، وإلى حد ما في بيان والرميثية. وهكذا بجرة «قلم سياسي» توقفت عملية الانصهار وبدأت العودة الى الجذور السابقة، أو الألقاب القبلية التي سبق أن هجرها البعض لتضاف مجددا الى نهايات أسمائهم. كما رأينا كيف أعيدت الأهمية والهيبة لكبار ممثلي القبائل وأمرائها، وهي الهيبة التي تلاشت تقريبا أو فقدت أهميتها ودورها الحيوي بعد الانتهاء من عملية التجنيس في بداية ستينات القرن الماضي. وبهذا يمكن القول ان المجتمع الحضري الكويتي هو الوحيد تقريبا الذي تخلى عن تجربة الصهر الحضاري، وعاد الى نمط الفرز القبلي والطائفي لاعتقاد البعض في السلطة ان سياسة «فرق تسد» هي الأفضل، ولكن يبدو من الأحداث والتطورات الأخيرة المتلاحقة أن هؤلاء البعض كانوا على خطأ، وأن وقف عملية الاندماج الطبيعي والحضاري بين فئات المجتمع لم تكن حكيمة تماما، لكونها عكس التطور البشري الطبيعي. وبالرغم من أن الوقت لم يفت ولا يزال هناك متسع منه لانقاذ ما يمكن انقاذه، فانه يمر بسرعة كبيرة فهل هناك من يسمع؟
أحمد الصراف