عضو كتلة العمل الوطني، النائب صالح الملا، أعلن عزمه تقديم استجواب رياضي لسمو رئيس الحكومة، وأول من خذله هم أعضاء كتلته. وأموت وأعرف ما الذي جمّع أعضاء الكتلة بعضهم مع بعض؟ فلكل اثنين لحن ومقام يختلف عن ألحان الآخرين ومقاماتهم. والنائبان صالح الملا ومرزوق الغانم فيهما نكهة هيل وطعم زعفران، بينما بقية الأعضاء الخمسة سادة، لا هيل ولا زعفران، كالأطباق الأميركية، غلافها فقط هو الجميل. والمصيبة الأكبر أن اللهجات السياسية مختلفة، ولا أدري كيف يتناقشون.
و»مونتجيمري»، القائد الإنكيزي الداهية الذي هزم الثعلب الألماني «روميل» في الحرب العالمية الثانية لأسباب ليس منها – بالتأكيد – غباء خصمه، يقول: «عليك أن تفهم نفسيات عساكر جيشك قبل أن تفهم نفسيات عساكر الخصم»، وكان يدرس مناطق بريطانيا ويحفظ تفاصيلها جيداً، كي يدردش مع عساكره أثناء الاستراحة، فيسأل هذا عن ذكرياته حول النهر الفلاني، ويسأل ذاك عن الكنيسة التاريخية الموجودة في منطقته، وهكذا.
والشيء بالشيء يُذكر، وقد تذكرت حادثة لا أدري هل لها علاقة بالموضوع أم لا… إذ كنا على الحدود الكويتية- العراقية، وكنا تحت ضغط تهديدات صدام التي لا تنقطع، وكان أحد الضباط حريصاً على رفع الروح المعنوية في نفوس القوات المرابطة، وأشهد أنه ضابط كفؤ، تعب على نفسه، وقضى نصف عمره يتدرب في أوروبا وأميركا، ويبدو أنه قرأ مذكرات مونتجيمري، لذا كان يتعمد الحديث مع الضابط الحضري بلهجة حضرية عن «الحداق»* وأماكنه المفضلة، ويتحدث مع البدوي بلهجة بدوية كارثية، تُضحك الجالس على قبر أبيه، أظنه تعلّمها من المسلسلات الأردنية، وهو ما دعانا لأن نطلق عليه لقب «الشيخ جلعاد». وكان إذا تحدث معي بلهجة المسلسلات، حاورته باللهجة ذاتها، فيهرب الزملاء من «ديوانية الضباط» كي لا يضحكوا في وجهه فيُحرج. وكان إذا أقبل بادرته: «يا حيّ الله من لفانا»، فيجيبني بفرح غامر بعد تغليظ صوته: «تحيا وتدوم يا أخوي يا محمد»، ثم يتسلم الزمام ويسألنا: «كيف أحوالكم يا خويانا** النشامة؟ ناقصكم حاجة؟»، فأجيبه بلهجة المسلسلات: «الحَمِد لله، الخير جثير». وكنت أتعمد التحدث بالهاتف أمامه كي يكتسب مزيداً من المفردات، فأقول لمن يتحدث معي على الهاتف: «انكسوا لهون يا عونة الله»، وأرمق الشيخ جلعاد بطرف عيني فإذا هو في غاية التركيز، ولولا الحياء لاستعان بورقة وقلم.
ولأن صالح الملا انضم إلى كتلة يجهل لهجات أعضائها، ولأن كرسي البرلمان فيه «خير جثير»، فسيعارضه زميلاه في الكتلة علي الراشد وسلوى الجسار، يا عونة الله. ووالله لم أرَ أحداً يخذل صاحبه كما يفعل أعضاء التيار الوطني بعضهم ببعض.
فيا صالح الملا ويا مرزوق الغانم، أطيعاني واحملا مزودتيكما على كتفيكما ووقّعا على براءة الذمة وإخلاء الطرف وغادرا الكتلة حالاً وفوراً، أو فلتقترحا زيادة أعضاء الكتلة بضم النواب حسين الحريتي ورولا دشتي وخلف دميثير وعسكر العنزي وحسين القلاف ودليهي الهاجري وعدنان المطوع وبقية المقاتلين العظماء، فلا فرق، والسالفة خاربة خاربة.
***
تعازينا لمساعد مدير التحرير، الزميل النشط سعود العنزي، في وفاة عمته، تغمدها الله بواسع رحمته، وألهم ذويها الصبر الجميل.
***
*الحداق: صيد السمك.
**خويانا: كلمة تُستخدم في الجيش بدلاً من كلمة «زملائنا»، من باب التلطّف.