علي محمود خاجه

مجموعة ولد العم


أخيراً مشروع استجواب مستحق وموجه لمن يستحقه فعلاً، فثلاث سنوات عجاف انتهك فيها القانون بالطرق والأساليب كافة تعد كافية بل تفوق الاكتفاء بمراحل ومراحل. إليكم الحكاية… • إقرار القانون في فبراير 2007 • صدور القانون في الجريدة الرسمية في أبريل 2007. • تطبيق القانون بعد ذلك من قبل الجميع في نفس العام ويصاحبه شكوى من البعض لدى المنظمات الدولية بأن هذا القانون هو تدخل حكومي على الرغم من أنه قرار أهلي صادر من مجلس الأمة، ولا يمت للتدخل الحكومي بصلة. • صدور قرار من المنظمات الدولية بناءً على المعلومات المغلوطة بإيقاف النشاط الرياضي الكويتي. • زيارة وفد من المجموعة إياها للمنظومة الدولية والتوسل لهم بتطبيق أي نظام إلا القانون الكويتي. • بناءً على تحركات شقيق قطري يترأس الاتحاد الآسيوي صدر قرار برفع الإيقاف عن الكويت مشروط بحل الأزمة محلياً. • لجوء مجموعة ولد العم إلى منظمات دولية أخرى «يمون عليها» بفضل الشقيق الأكبر لوقف نشاطات الرياضات الأخرى غير كرة القدم. • تحقق مبتغاه وتم إيقاف نشاط الكويت في كل الاتحادات الدولية التي تضم في إداراتها كويتيين من مجموعة ولد العم. • وصول الحل بملعقة من ذهب لأهل الكويت في نوفمبر الماضي يتمثل في موافقة مجموعة ولد العم فقط على تطبيق قانون الدولة. • رفض مجموعة ولد العم علناً وأمام أعين الناظرين بتطبيق القانون. • صدور قرار من رجل يحترم نفسه يدعى فيصل الجزاف بحل جميع مجالس إدارات الأندية المتمردة. • احتلال مبنى تابع للدولة وعقد جمعية عمومية غير معترف بها محلياً. • تسمية مجموعة ولد العم لنفسها بالمجموعة الشرعية على الرغم من صدور أحكام كويتية بعدم الشرعية. • كسر أقفال وأبواب مبنى حكومي تابع للدولة. • تحدٍّ إعلامي علني من رئيس المجموعة بأنه يريد رجلاً يتمكن من مواجهته. • رفض المجموعة تسليم العهدة المالية للموظف المختص، وهو رجل آخر يدعى حمود فليطح. • تنحية حمود فليطح بعد يوم واحد من سعيه إلى أداء مهامه. المصيبة أن كل ما كتبته من فصول الحكاية ليس بوجهة نظر قابلة للأخذ والرد، بل هو حقائق مثبتة إعلامياً وللعلن. نحن اليوم لا نحارب ولد العم بغضاً له، بل قسماً بالله بأنني لو كنت أملك صوتا لانتخاب رئيس لاتحاد الكرة لكنت سأصوت له إن كان يسير وفق القانون. إن ما أهابه وما يجعلني أكرر كثيرا الكتابة في هذا الشأن بشكل مرهق هو أن ما يحدث هو أوضح تعدٍّ على القانون شهدته الكويت منذ الانقلاب على الدستور في منتصف الثمانينيات. لم تنته الحكاية وللحديث بقية. خارج نطاق التغطية: أميركا مستاءة من حجز محمد الجاسم ونحن مستاؤون كذلك، ولكن رجاء حار لبلاد العم سام «عن اللقافة»، فشأننا الداخلي يبقى داخلياً ما لم يكن يتعرض لكم بشكل مباشر. 

محمد الوشيحي

انكسوا لهون 
يا عونة الله


عضو كتلة العمل الوطني، النائب صالح الملا، أعلن عزمه تقديم استجواب رياضي لسمو رئيس الحكومة، وأول من خذله هم أعضاء كتلته. وأموت وأعرف ما الذي جمّع أعضاء الكتلة بعضهم مع بعض؟ فلكل اثنين لحن ومقام يختلف عن ألحان الآخرين ومقاماتهم. والنائبان صالح الملا ومرزوق الغانم فيهما نكهة هيل وطعم زعفران، بينما بقية الأعضاء الخمسة سادة، لا هيل ولا زعفران، كالأطباق الأميركية، غلافها فقط هو الجميل. والمصيبة الأكبر أن اللهجات السياسية مختلفة، ولا أدري كيف يتناقشون.

و»مونتجيمري»، القائد الإنكيزي الداهية الذي هزم الثعلب الألماني «روميل» في الحرب العالمية الثانية لأسباب ليس منها – بالتأكيد – غباء خصمه، يقول: «عليك أن تفهم نفسيات عساكر جيشك قبل أن تفهم نفسيات عساكر الخصم»، وكان يدرس مناطق بريطانيا ويحفظ تفاصيلها جيداً، كي يدردش مع عساكره أثناء الاستراحة، فيسأل هذا عن ذكرياته حول النهر الفلاني، ويسأل ذاك عن الكنيسة التاريخية الموجودة في منطقته، وهكذا.

والشيء بالشيء يُذكر، وقد تذكرت حادثة لا أدري هل لها علاقة بالموضوع أم لا… إذ كنا على الحدود الكويتية- العراقية، وكنا تحت ضغط تهديدات صدام التي لا تنقطع، وكان أحد الضباط حريصاً على رفع الروح المعنوية في نفوس القوات المرابطة، وأشهد أنه ضابط كفؤ، تعب على نفسه، وقضى نصف عمره يتدرب في أوروبا وأميركا، ويبدو أنه قرأ مذكرات مونتجيمري، لذا كان يتعمد الحديث مع الضابط الحضري بلهجة حضرية عن «الحداق»* وأماكنه المفضلة، ويتحدث مع البدوي بلهجة بدوية كارثية، تُضحك الجالس على قبر أبيه، أظنه تعلّمها من المسلسلات الأردنية، وهو ما دعانا لأن نطلق عليه لقب «الشيخ جلعاد». وكان إذا تحدث معي بلهجة المسلسلات، حاورته باللهجة ذاتها، فيهرب الزملاء من «ديوانية الضباط» كي لا يضحكوا في وجهه فيُحرج. وكان إذا أقبل بادرته: «يا حيّ الله من لفانا»، فيجيبني بفرح غامر بعد تغليظ صوته: «تحيا وتدوم يا أخوي يا محمد»، ثم يتسلم الزمام ويسألنا: «كيف أحوالكم يا خويانا** النشامة؟ ناقصكم حاجة؟»، فأجيبه بلهجة المسلسلات: «الحَمِد لله، الخير جثير». وكنت أتعمد التحدث بالهاتف أمامه كي يكتسب مزيداً من المفردات، فأقول لمن يتحدث معي على الهاتف: «انكسوا لهون يا عونة الله»، وأرمق الشيخ جلعاد بطرف عيني فإذا هو في غاية التركيز، ولولا الحياء لاستعان بورقة وقلم.

ولأن صالح الملا انضم إلى كتلة يجهل لهجات أعضائها، ولأن كرسي البرلمان فيه «خير جثير»، فسيعارضه زميلاه في الكتلة علي الراشد وسلوى الجسار، يا عونة الله. ووالله لم أرَ أحداً يخذل صاحبه كما يفعل أعضاء التيار الوطني بعضهم ببعض.

فيا صالح الملا ويا مرزوق الغانم، أطيعاني واحملا مزودتيكما على كتفيكما ووقّعا على براءة الذمة وإخلاء الطرف وغادرا الكتلة حالاً وفوراً، أو فلتقترحا زيادة أعضاء الكتلة بضم النواب حسين الحريتي ورولا دشتي وخلف دميثير وعسكر العنزي وحسين القلاف ودليهي الهاجري وعدنان المطوع وبقية المقاتلين العظماء، فلا فرق، والسالفة خاربة خاربة.

***

تعازينا لمساعد مدير التحرير، الزميل النشط سعود العنزي، في وفاة عمته، تغمدها الله بواسع رحمته، وألهم ذويها الصبر الجميل.

***

*الحداق: صيد السمك.

**خويانا: كلمة تُستخدم في الجيش بدلاً من كلمة «زملائنا»، من باب التلطّف. 

حسن العيسى

نحو النهاية في الصليبيخات


يلتف طريق الأسفلت الضيق ويتعرج، وأسير فوقه أو أسير معه، فأنا ذاهب لتقديم واجب العزاء لقريب أو صديق، لا تهم صفته، وإنما الطريق يسير بسرعة، وأتأمل على يميني ويساري شواهد القبور، بعضها محا الزمن أثرها، وبعضها مازالت أسماء القابعين تحت الثرى ظاهرة، كلها تسألني عن معنى الحياة وجدوى الوجود. أسير بالسيارة، وبرأسي تدور الذكريات… مررت، على الزمن، أم الزمن يمر علي، لا أدري…؟ تلك مقابر الشيوخ على اليمين، وبعدها مقابر الشهداء، وأسير تحيط بي شواهد القبور من كل صوب… لم يعد للمكان معنى… هو الزمن… هو الدهر… هؤلاء توفوا في الستينيات… وهؤلاء في السبعينيات… في الثمانينيات ولا بداية ولا نهاية… ثم ماذا بعد…؟! يمضي الزمن ويترك شهوده على لحظة الحياة وبرهة الرحيل. أتمهل في قيادة السيارة، ربما في هذا "مكان الزمن" قبر والدي، وأتذكر أبيات شعره البسيطة "… مضى تسعون من عمري… كأني لم أكن بها أدري… أيوم مر أو ساعة أم أحلام بها أجري… فيا مولاي وفقني لما ترضاه في أمري…"، وعسى الله أن يوفقه لما يرضاه من أمره.


تظل شواهد القبور تحدثني عن الزمن… تخاطبني بلغة من جوفي عن لحظات فرح ولحظات حزن مضت كلها، رحلت وطواها الزمن.


هذا قبر فايز المطوع… ملأ حياتي بفرح كبير بعفويته وجموحه… قربه يرقد صديقي الفنان راشد الخضر، مات شاباً يافعاً… وترك لنا "يا نار شبي من ضلوعي حطبك"، وولع الزمن نار الفناء الدائمة من ضلوعه خشبها… ومات في لحظة سهو… وهذا قبر فلان وهذا قبر أمي… وهذا قبر رجب أمين، الذين أعرفهم ممن رحلوا أكثر من بقوا… رحلوا جميعاً من دون سابق إنذار… هل أقول رحلهم القدر الى زمن آخر أم الى العدم؟! لا أدري… زمن لا يعرف الزمن ولا يعرف التوقيت… يركض الزمن بسرعة الزمن فلا توجد فيه بداية ولا نهاية… لا يمكن حساب الزمن فلا ساعات ولا أيام ولا شهور ولا سنوات ولا شيء.


يا له من زمن… أمضي معه متكئاً على كتفيه محلقاً للمجهول… وتعود الذكرى في وجداني، ماذا تملكت… من بضاعة مغشوشة لهذه الدنيا… لا شيء…! وتطل علي عبارات في لحظة خاطفة لمارسيل بروست من رواية "البحث عن الزمن المفقود" قال فيها "… والزمان لا يموت كلياً… حسبما يتبدى لنا، ولكنه يظل بداخلنا، فليس المهم أن نعيش بين هذه الأوهام ومن أجلها، بل نبحث في ذكرياتنا عن الجنات المفقودة…" الجزء الأول، جانب من منازل سوان.


وأظل أنبش في دفاتر الذكريات عن زمني المفقود… فهل ندرك معنى الزمن… أم انتشينا من خمر المكان…؟! والمكان ليس إلا وهماً كبيراً… وسأقف بعد قليل معزياً في "المكان"…. أو أتقبل التعازي… لا فرق بين الأمرين… فاليوم نقف نتقبل التعازي أو نعزي… وغداً… والغد هو القدر المجهول… سيقفون لي ولك في مقبرة الصليبيخات… يعزون في رحيلي ورحيلك، فقد كنا ومضة خاطفة من الزمن… ماذا تملك الآن…؟ غير "الآن" والآن هو الذكرى تجوب بلا هدف في جوف ماضيك… وهو الحلم حين يزورنا في المنام… فلنتسل بما مضى… وعفا الله عمن تركنا نجتر الذكريات ونأسى على ما فات.