في مثل هذه الأيام من عام 1967 هاجمت طائرات الميراج الإسرائيلية سفينة ليبرتي (الحرية) الأميركية المتوقفة في المياه الدولية مقابل غزة مما أدى إلى مقتل 34 بحارا أميركيا وجرح 171 آخرين، وقد قامت إسرائيل فيما بعد بدفع 3.3 ملايين دولار لعائلات الضحايا و8 ملايين تعويضا للأعطال التي أصابت السفينة الأميركية.
هناك رياح أربع هبت على سفن الحرية التي انطلقت قبل أيام من قبرص باتجاه الساحل الفلسطيني مما أدى إلى الكارثة التي حدثت، أولى تلك الرياح هي الزوبعة الإسرائيلية التي تسببت دون مبرر في سقوط الضحايا الأبرياء رغم علمهم بأن العالم أجمع يتابع مسار تلك السفن.
ثانية تلك الرياح أننا إذا ما أقررنا بأن إسرائيل بحصارها الجائر وعدوانها هي المتسبب الرئيسي فيما حدث فعلينا وبواقعية شديدة بعيدا عن العواطف المتأججة أن نلوم كذلك الاخوة الفلسطينيين على خلافاتهم وصراعاتهم التي لا تنتهي، والمطلوب بعد هذه الفاجعة ان يتم البحث عن حل مؤسسي للمأساة عبر الرجوع للشعب الفلسطيني لتقرير مصيره وخياراته للفترة المقبلة عبر فتح صناديق الاقتراع وتحديد موعد قريب للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وكفى تلاعبا بدموع ودماء الشعب الفلسطيني وكفى إبقاء ذلك الشعب المنكوب رهينة لهذا التوجه السياسي أو ذاك.
ثالثة تلك الرياح التي تلاعبت بتلك السفن وتسببت قبلها في غرق تلك القضية مرات ومرات هي الدول العربية والإسلامية القريبة والبعيدة من فلسطين وضرورة تكثيف جهودها هذه المرة لخدمة القضية الفلسطينية لا تسخير تلك القضية لخدمة أجنداتها الخاصة وجعلها بمثابة مخلب القط الذي تستخدمه في حروبها مع الآخرين.
رابعة تلك الرياح أو المحاور التي تستحق الحديث عنها بعد أن أعلمتنا الفضائيات أن المشاركين في تلك السفن ينتمون لست دول (الكويت، مصر، الأردن، تركيا، الاتحاد الأوروبي، أميركا) مما يقارب 200 دولة مستقلة في العالم هي همسة تذكير بأننا مازلنا دولة صغيرة جدا وسط عالم متضارب ومتغير المصالح لا نعلم متى نحتاج إلى دعمه وتأييده.
فلا يجوز عقلا ومنطقا الا تحدث مشكلة في العالم (الشيشان، أفغانستان، غوانتانامو.. الخ) إلا وكنا أول المشاركين فيها ثم يخرج بلدنا ووزارة خارجيتنا في محاولات التوسط اللاحقة لإخراجنا مما أوقعنا أنفسنا به. إن هناك دولا عربية وإسلامية آمنة وأكبر منا بمئات المرات، (إندونيسيا، باكستان، بنغلاديش..الخ) هي من يفترض أن تتدخل بتلك القضايا بحسب حجمها ونفوذها لا أن تترك تلك القضايا الكبرى لرعايا دولة صغرى كبلدنا.
آخر محطة: للمعلومة، لم يسمع شعبنا المحاصر إبان الغزو الصدامي الغاشم والذي قطعت عن العالم اخباره ومنع عنه بشكل تام الغذاء والدواء بشكل أشد وأنكى من أي حالة مشابهة أخرى، بمن أرسل السفن لفك الحصار عنه أو إيصال المعونات إليه، ما سمعناه آنذاك هو مظاهرات حاشدة تطالب صدام بضربنا ـ كالذباب ـ بالكيماوي، يا عيب الشوم.