احمد الصراف

علامة «غوغل» ورذيلة دق الهريس

بيّن مؤشر «ستاندرد اند بورز»، ووفق حسابات شركات متخصصة في مراقبة العلامات التجارية، أن قيمة أكبر 100 علامة تجارية عالمية قد ارتفعت بنسبة 18 ونصف في المائة عن أعلى معدل قبل 3 سنوات. وأن التطور التكنولوجي كان المساهم الأكبر في رفع قيمة 7 علامات، في حين احتلت الــ «كوكا كولا»، التي كانت الأعلى لسنوات، و«ماكدونالد» و«مارلبورو» المراتب الثلاث الباقية. وقد بلغت قيمة علامة «غوغل» 114googleملياراً! أما «آي بي أم» فقد بلغت قيمة علامتها 86 مليارا، و«أبل» 83 مليارا، و«مايكروسوفت» 76 مليارا.. وهكذا مع بقية الشركات العالمية من أوروبية وغيرها، وحتى صينية، وبان واضحا أن «كل الجمال تعارك إلا جملنا بارك!».
وفي غمرة اهتمام العالم بما أصبحت التكنولوجيا تمثله من قوة هائلة وثراء مخيف لا يستطيع العقل البشري تصور ما سيصل إليه من تقدم، وفي اليوم نفسه تقريبا نشرت «الوطن 4/30» أن مباحث حولي بقيادة «العقيد….» قبضت على وافد عربي وعشيقته السيلانية يمارسان الرذيلة في سرداب! وقال مصدر أمني في المباحث انه أثناء مرور «العميد….»، مساعد مدير عام الإدارة العامة للدعم التقني والنوعي في وزارة الداخلية بالقرب من محل لبيع النخي في إحدى الجمعيات استوقفه البائع وقال له إن هناك وافدا يأتي ليلاً ومعه فتاة يطارحها الغرام على أنغام «دق الهريس» في سرداب الجمعية الموجود تحت المحل!
وهنا أبلغ العميد مسؤول المباحث بالأمر، فقام هذا ومساعدوه بوضع وصف للواقعة ووضع خطة التنفيذ، ومراقبة المكان. وفي ساعة الصفر، وتحت جنح الظلام، وعند قدوم الوافد (أو المجرم الخطير!) ترافقه صديقته ودخولهما السرداب داهمتهما قوى الأمن، المدججة بالسلاح طبعا، فهرب المتهمان «الخطيران» من فتحة التكييف وتمت مطاردتهما والقبض عليهما. انتهى الخبر!
وهكذا نرى كيف اهتمت قوى الأمن من ضباط برتبة عميد وآخر برتبة عقيد وفرق بحث وخطط ومباحث، بحادثة بسيطة كان يمكن أن يقوم بها عسكري بخيط واحد من المخفر القريب من الجمعية دون إقلاق كل جهات الأمن هذه في القبض على وافد وسيلانية مسكينة.
إن هذا الاهتمام لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة حتمية لجهود «ثلة» مباركة من مشرعي قوانين: «إلا الأخلاق»، حسب مفهومهم. والذين أصبحوا يشكلون همًّا لقوى الأمن وبعبعا يحسب حسابه بسبب هوسهم المفرط بمثل هذه القضايا التي يحدث ما يماثلها الكثير دون أن تشكل حقيقة خطرا داهما على الأمن والخلق القويم، فقد كانت في الكويت، ولقرون، مناطق «باب الهوى» و«رميلة»، وكان تدين الناس أفضل وأخلاقهم أحسن مما هي عليه الآن. إننا لا ندعو هنا لنشر الرذيلة وإباحتها، ولكن لقوى الأمن دورا أهم وأخطر من إشغال جنرال وعقيد ومباحث ووضع خطط مراقبة ودهم والقيام بمطاردة سيلانية في الشارع والقبض عليها ورفيقها وإشغال أكثر من جهة أمنية وقضائية وإجرائية أخرى بهما، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع مدى خطورة الوضعين الداخلي والخارجي وفي المنطقة ككل نتيجة تعنت حكام إيران في ما يتعلق ببرنامجهم النووي والتهديدات الأميركية الإسرائيلية بمهاجمتها وتدمير مفاعلاتها، وما يشكله كل ذلك من خطر حربي وبيئي علينا وعلى الخليج برمته. فهل هناك من يسمع؟
ملاحظة: القراء، ونحن منهم، والصفحة الأخيرة من «القبس»، يفتقدون شيخنا أبو طلال، محمد مساعد الصالح. ونحن، نيابة عن محبيه، نتمنى له الشفاء العاجل والعودة سالما لــ «والله من وراء القصد!».

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

لون الخضرة اخضر

الأوضاع عندنا مقلوبة كزراعة البصلة، رجلها في السماء ورأسها في الأرض. وعندما شاع خبر شبكة التجسس الإيرانية، راحت الحكومة تأكل الرز بالمرق مع الملائكة، وتغط في سبات ونبات، وتركتنا نحن أطفالها نرتعد مبلولين، بردانين، نتبادل نظرات الرعب، ونبتلع ريقنا.

وبعد صمت صامت، استمر يومين، خرج المتحدث باسم الحكومة د. محمد البصيري، ليؤكد لنا، بعد الحمد لله، أن الخضرة خضراء، والحُمرة حمراء، والصلاة على النبي. فصرخنا كما صرخت فيروز «عيدا كمان»، ففعل، فقلّبنا التصريح بحثاً عن كلمة لها اسم وعنوان، ثم وضعنا التصريح على آذاننا وهززناه بقوة كي نسمع خرفشة تفرحنا، فإذا هو كالفضاء الفاضي والخواء الخائي، فيئسنا فعفسنا التصريح ورميناه في الشارع ونحن نضحك على المقلب، ومررنا بحُنين وأخذنا خفّيه وعدنا أدراجنا. الشيء الوحيد الذي فهمناه من التصريح هو اسم المصرّح. والبصيري يعرف جيداً نوع العملة التي تحتاج إليها أسواق الحكومة، ويعرف أن المتحدث باسم الحكومة يجب أن يتحدث فلا يقول شيئاً. نظام هوبّا هوبّا.

والحمد لله أن الذي قبض على الشبكة هو «الاستخبارات العسكرية» في وزارة الدفاع لا مجلس الوزراء. والاستخبارات نعرفها ونثق بها، ونعرف رئيسها اللواء خالد الجراح الذي يحيط نفسه بمجموعة من خيرة الضباط، يعملون بصمت وحب جارف لهذا البلد المسكين. ولتعرفوا الفرق، قارنوا بين تعامل سفاراتنا في الخارج مع المدنيين، وبين ملحقياتنا العسكرية – التي تتبع الاستخبارات – مع العسكريين وأهاليهم. ولعل أكثر ما يطمئننا، برغم عكّ الحكومة، هو أن من يفرش فراشنا ويغطينا بالبطانية، كي ننام، هما خالد الجراح وعذبي الفهد ورجالهما. ولو أن الحكومة هي من يفرش فراشنا للدغتنا العقارب ولهشّمتنا الفيَلة ولتفتتنا، ولتعرّف علينا أهالينا من ساعات أيدينا وموبايلاتنا.

ولا أدري متى نتخلص من روح الفأر التي تلبستنا، فنبحث عن روح أسد أو نمر أو حتى قرد يجيد التشعبط على أغصان أميركا كلما هبّت الرياح الشرقية. وعندما صرخنا في حكومتنا: «أغلقي الباب الذي بيننا وبين إيران، وكدّسي خلفه الطاولات والخزائن والكراسي»، ردّت علينا بصوت لقماني: «ليس بين الطيبين حجاب»، وفتحَت لهم الباب كي يدخلوا في الحوش، ولا يتجاوزوه، لكنها فوجئت بهم في غرفة النوم، وعندما استفسرت أجابوها: «نحن لسنا نحن».

وتقول إحدى النظريات العسكرية: «فكّر بعقلية الآخر»، والآخر هو الحكومة، ولو كنت أنا مكان الحكومة لأعلنت: «الشبكة اعترفت بأن من يموّلها هم نواب التأزيم وسكّان أم الهيمان». 

حسن العيسى

لنَسْمُ قليلاً

لم يكن النائب العراقي عزت الشابندر ممثلاً لأرض السواد – وهي العراق – حين صرح بكل فجاجة بأن الكويتيين في حاجة إلى صدام مرة أخرى كي يؤدبهم، فالعراقيون أنفسهم قبل الكويتيين هم مَن تجرعوا مرارة السم أيام حكم نازي العروبة صدام حسين، وإذا كان تصريح الشابندر حماقةً ما بعدها حماقة، فمن العقل ألا نجاريها بعنتريات مقابلة صدرت من بعض نوابنا حين وجدوا في شخصية نيابية عراقية سيئة مثل الشابندر مناسبة لتقويض كل محاولة للتعاون بين دولتين جارتين، الأولى هي الكويت، التي مازال الكثير من أهلها يحملون جروح الماضي من جراء الغزو الصدامي، والثانية هي الدولة العراقية التي تحاول لملمة أشلائها المبعثرة من بين الطوائف المتقاتلة، ومن بين سياسات انتهازية وفساد مالي وحروب بالوكالة عن دول أخرى يُهْرَق فيها الدم العراقي رخيصاً.

لم يكن احتجاز الطائرة المستأجرة للخطوط العراقية في مطار لندن من قِبَل الجهات القضائية، تنفيذاً لأحكام صادرة لمصلحة الخطوط الكويتية، عملاً موفقاً من الناحية السياسية؛ فقد كانت تلك الرحلة «عرساً عراقياً» بتعبير الأستاذ عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط، الذي أضاف: «إنه مهما كان الحق القانوني فإن الحسابات السياسية عندما توجد تبقى لها الكلمة العليا… ولا يوجد خلاف سياسي يبرر الاستيلاء على طائرة وفتح جروح بين البلدين تكلف الكويت والعراق أكثر وأكبر من مطالب شركة الطيران الكويتية». كان من الأولى أن نتسامى فوق جروح الماضي، ولا نشغل أنفسنا بتهليلات وصرخات الحروب «القبائلية» للثأر من الجانب العراقي أو الكويتي، فالعراق بحاجة إلى الكويت، كما أن الأخيرة بحاجة إلى العراق مهما طال الأمد. ومَن يتصور غير ذلك فليفكر في طريقة لنقل مثلث الأرض الكويتية من رأس الخليج لحشْرِهِ في قلب القارة الأوروبية، فهذا قدرنا وهذا مصيرنا وعلينا التفكير بحصافة العقلاء. وحين يصرح وزير الخارجية الكويتي د. محمد صباح السالم بأن الكويت على استعداد لاستثمار التعويضات التي حصلت عليها من العراق في إنشاء البنية التحتية للعراق وتطوير الجزء الجنوبي منه ليكون منطقة صناعية، فذلك يدل على حصافة الدكتور محمد الصباح ووعيه بمسؤولية الكلمة، وهو يعرف، مثل زميله العراقي السيد هوشيار زيباري، أن مشكلة العلاقة بين الكويت والعراق هي مسألة إقرار الحكومة العراقية واعترافها القاطع بقرار الأمم المتحدة لعام 1993 بتقسيم منطقة الحدود بين البلدين… لكن أين هي الحكومة العراقية اليوم؟ ومتى ستنتهي التجاذبات السياسية في الدولة العراقية المتشظية؟! وحتى يحلَّ ذلك اليوم القادم فأضعف الإيمان الآن أن نبدأ في ترميم الجسور بين الدولتين، والتسامي فوق النعرات العصبية التي يطلقها هذا الطرف أو ذاك، ولا يجوز رهن علاقتنا المستقبلية مع العراق بابتزازات ورهانات انتخابية تسكب الزيت على نيران الجهل والتعصب الأعمى.

احمد الصراف

تعالوا لننهل من العيش لذاته

بفضل أسعار النفط العالية أصبح لدى الكويت فائض مالي كبير. ولو استثنينا ما صرف على التحرير، أو ما سرق وضاع من استثمارات في الخارج، لأمكن القول ان الحكومة لم تصرف الكثير في السنوات الثلاثين الماضية. ولهذا، يعتقد البعض أن ذلك التقتير وشح المشاريع الكبيرة يجب أن يقابلهما الآن صرف سريع وواسع، وهنا تكمن الخطورة! فمن الواضح أن بنيتي الدولة، الفوقية والتحتية، غير مؤهلتين أصلا لمقابلة الاحتياجات الحالية للسكان، فكيف ستكون الحال عليه عندما يصل العدد الى أربعة أو خمسة ملايين نسمة؟! علما بأن الدولة تعاني حاليا شحا في الكفاءات، فكيف بالمستقبل؟! فمعاناة مناطق كثيرة من انقطاع في الكهرباء وانفجار محولات وخروج آلاف خطوط الهاتف من الخدمة وتعطل مصافي النفط وحدوث حرائق في مرافق متعددة.. هي جميعها نتيجة سوء التنفيذ والإشراف في مختلف الأعمال المدنية والكهربائية والميكانيكية في السنوات السابقة، إما بسبب عيوب قانون المناقصات المركزية، التي حرصت على ترسية الأرخص من المناقصات أو شراء الأرخص من المواد، مع غياب واضح للضمير لدى غالبية من نفذوا وأشرفوا على تلك الأعمال، أو في أحسن الأحوال قلة خبراتهم، قبل عشر أو عشرين سنة!
السيناريو السابق سيتكرر حتما، فالكفاءات شبه معدومة، والنظام التعليمي مهترئ والأجهزة الإشرافية فاسدة، وليس هناك ما يشجع على صرف أموال الأمة على ما يسوى ولا يسوى من مشاريع، ولكن يبدو أن البعض يريد الاستفادة من الفوائض المالية بطريقة أو بأخرى قبل أن تفقد قيمتها أو تسرق أو تصرف على شراء الخردة!
يقول أحد المهندسين -وسبق أن سانده مهندس آخر في مخاوفه-: إن أكثر من مرفق حيوي بالغ الخطورة والأهمية، كالمطار ووزارتي الطاقة والمواصلات، تعاني الأمرين، سواء من اضطرارها الى توظيف المتردية والنطيحة من مخرجات معاهد التعليم والتدريب. كما تشكو جهات عدة من الأنظمة والقوانين الحالية التي تجبر العديد من الشركات المنفذة للأعمال الفنية الدقيقة وحتى الخطرة على الاستعانة بــ «خبرات وكفاءات كويتية»، وهي على علم بأن هؤلاء يمتلكون كل شيء إلا الخبرة والكفاءة! فكيف يشرف على مشاريع بعشرات الملايين خريجو معاهد تطبيقية داخلية ومن حاملي شهادات هندسة من الخارج، وهم الذين لم يغادروا الكويت أصلا، ولا يعرفون الفرق بين «إز» و«واز» الإنكليزيتين؟ والخطورة أن نتيجة عمل هؤلاء لن تظهر إلا بعد سنوات من مغادرتهم لكراسي مناصبهم، ووقتها لن يتساءل الطيار عمن أعد وجهز له «براشوته»، لأنه سيكون قد مات نتيجة عدم فتحه في الوقت المناسب. ويبدو أن نواب مجلس الأمة الممثلين لهذه النوعية من «المهندسين» والخبراء هم المعارضون الأشداء لمشاريع الخصخصة التي ستكشف «عوراتهم» كوادرهم في اليوم الأول!
* * *
• ملاحظة: حذّر نواب من أن قانون الخصخصة سيجعل الكويتيين يعملون «صبّـابي قهوة» لدى التجار! والغريب أن النواب أنفسهم سبق أن أصدروا قوانين تجبر التجار على توظيف الكويتيين لديهم!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ما ترهم يا حكومة ويا هايف

إن ما أحدثته الحكومة خلال أقل من شهر من تناقض صارخ، يجلعنا متيقنين بأن هذه الحكومة لا تعلم ماذا تريد، وهي اليوم ترمي بكل ثقلها على المجلس ليتخذ قرارا صعبا في شأن الكوادر أو المحفزات أو أي تسمية كانت، فموافقة المجلس على تلك المحفزات تلغي كل أمل في وقف الاحتكار المتوقع في الخصخصة. إقرار كوادر أو مكافآت أو زيادات أو صفقة حكومية نيابية أو سمّوها ما شئتم هو أبرز مواضيع الأسبوع الماضي. كما هو معروف فإن وضع الحوافز السليم يكون للتخصصات التي تعاني نقصا في الدائرة أو الإدارة أو الجهاز المُقدم للحوافز، وهذا في حال أن تكون التخصصات دقيقة أو غير مرغوبة لمشقتها وصعوبتها، وأن تكون بيئة طاردة للعاملين فيها. إلا أن ما حدث في الأسبوع الماضي من قرار وزاري يضاف إلى ملفات تخبط الدولة الكثيرة يجعلنا ننظر إلى هذا البلد بعين الشفقة والتعاطف الشديدين، فقد قررت الحكومة صرف الأموال للجميع تقريبا دون تحديد أي أسباب منطقية أو حتى غير منطقية. فالمؤذن الكويتي أقرت له الزيادة والمراسل والمهندس والصيدلي والعاملون في هيئة الرياضة، والعاملون في «كونا»، والعاملون في هيئة المعلومات المدنية، والعاملون في معهد الأبحاث، وأصحاب التخصصات الاقتصادية… وغيرهم. طيب إن كانت كل تلك المجالات تعاني نقصا شديدا يستدعي صرف حوافز إضافية فإن هذا يعني أن مخرجات التعليم في الكويت لا تستوفي متطلبات الدولة، وهو ما يعني أن لدينا قصورا حادا في شتى مجالات التعليم يجعلنا نبحث عن التخصصات السابق ذكرها، ونخصص لهم الزيادات كي نتمكن من استجلابهم!! ولكننا بدل أن نزيد الطاقة الاستيعابية للمجالات التعليمية التي نحتاجها كي توفر لنا عددا أكبر من أصحاب التخصصات المرغوبة فإننا نلجأ إلى مكافأة الأعداد القليلة المتوافرة (إن كانت قليلة فعلا) كي نتمكن من نيل رضاهم. أما إن كانت المسألة هي الزيادة من أجل الزيادة فحسب، وهو الأمر المتوقع من حكومة اللا منطق، فهذا يتعارض مع تصويتها قبل أسبوعين على خصخصة القطاع العام، فقانون الخصخصة الذي نص على ألا يتم تقليص رواتب الموظفين أو إنهاء خدماتهم بعد تحويل الملكية من العام إلى الخاص، وشرط القطاع الخاص السابق الذي يفرض عليه نسبة الـ %40 من العمالة الوطنية، يجعلان كل من يرغب في المنافسة على نيل حصة من التخصيص في الأوضاع الطبيعية يتراجع عن رغبته تلك بسبب تلك الشروط التي باتت تعجيزية خصوصا للشركات الصغيرة، أما الشركات الكبرى فمن الممكن أن تتدبر أمورها. إن ما أحدثته الحكومة خلال أقل من شهر من تناقض صارخ (يعني حتى لو نبي ننسى ما يمدي) يجلعنا متيقنين بأن هذه الحكومة لا تعلم ماذا تريد، وهي اليوم ترمي بكل ثقلها على المجلس ليتخذ قرارا صعبا في شأن الكوادر أو المحفزات أو أي تسمية كانت، فموافقة المجلس على تلك المحفزات تلغي كل أمل في وقف الاحتكار المتوقع في الخصخصة. أعلم جيدا أن المجلس أو بعض مرددي نغمة المال العام فيه لن يتكلموا اليوم لوقف مهزلة الكوادر، لأنها في النهاية أموال تذهب إلى جيوب الناخبين، وقلة هم أصحاب الجرأة في رفض هذا العبث، ولكن لا بد لنا أن نشير إلى أن ما يحدث لا يقبله عقل أو منطق. خارج نطاق التغطية: لجنة الظواهر السلبية برئاسة النائب محمد هايف أقرت عقوبة قانونية وضعية للمعاكسين والمعاكسات، وتحت كلمة قانونية وضعية ألف خط، وسؤالي لأعضاء اللجنة بعيدا عن إمكانية تطبيق قانون كهذا إن أقر: لماذا لم تتقدموا بعقوبة إسلامية بدل العقوبة الوضعية؟ هل يجوز أن تستبدلوا الإسلام بالقانون الوضعي؟ أم أن دينكم «عالمشتهي»؟ 

سامي النصف

التحريض جريمة.. التعميم جريمة

التحريض جريمة نكراء يجب ان يعاقب عليها التشريع ويفرض على من يرتكبها اشد العقوبات بعد ان تفشت بشكل خطير في البلد، وإحدى وسائل التحريض القائمة بخبث ومكر ادعاء قضايا «لم يقل» بها احد ثم الرد عليها بشدة وتجريح الآخرين وضرب الوحدة الوطنية عبر تلك الردود التي هي اشبه بحروب طواحين الهواء والتي سببها الحقيقي والوحيد رغبة القائل في أن ينتخب او يعاد انتخابه حتى لو احرق البلد بسبب الهواء الساخن الخارج من حنجرته.

والتعميم جريمة اخرى لا تقل عن الاولى تدميرا وتأجيجا للنفوس وضربا للوحدة الوطنية ودفعا بالبلد الى حافة الهاوية، ومرة اخرى يجب ان تصدر تشريعات رادعة تمنع من يقوم بإسقاط حالات فردية على الجموع، وكم من اوطان احرقها المحرضون والمعمِّمون!

ان ما يقوله فرد اهوج على فضائية يجب ان يرد عليه ويلجم بالحجة والقانون، ولا يعمم ما يقوله وكأنه يمثل من لم يقولوا انهم عينوه ناطقا رسميا باسمهم، ان الايمان ـ فعلا لا قولا ـ بالدستور ودولة المؤسسات كفيل بردع كل من يسيء الى الآخرين، واذا كانت هناك ثغرات قانونية فيجب تسكيرها باقتراح تشريعات جديدة كفيلة بعدم تكرارها مستقبلا لا اللجوء الى نهج التحريض والتأجيج، فالقضية ليست قضية فردية بل قضية سلامة وطن يجب تعزيز الوئام الاجتماعي والسياسي بين افراده.

ومما رأيناه وتابعناه من تعميم يهدف الى التحريض، الادعاء بأن تطبيق القانون فيما يخص ازالة التجاوزات، ومنع الفرعيات، والخصخصة، وتعديل الدستور، والازدواجية، يستهدف ابناء القبائل الكرام الذين قامت الدولة على اكتافهم وعبر تضحياتهم، وان القوانين لا تطبق في مناطق الآخرين التي لا تبعد الا كيلومترات قليلة، ويمكن بسهولة التأكد من ان القوانين مطبقة على الجميع فيها.

ويزداد الامر سوءا عندما يدعي تلك الازدواجية في تطبيق القانون احد نواب الامة كونه تلزم محاسبته الشديدة من قبل الناخبين لفشله في استخدام ادواته الدستورية لمحاسبة الوزراء المعنيين الذين يدعي انهم طبقوا القانون في منطقته وتركوا المناطق الاخرى، اذ ليس من الحكمة بمكان اشعال الحرائق وإيغار صدور الاخوة بعضهم تجاه بعض لأجل الحصول على الكراسي الخضراء ملايينية المردود.

مثل ذلك ما قيل عن قضية الخلية التجسسية الاخيرة التي علينا الا ننفخ في نارها قبل تكشف حقائقها كاملة والتأكد من صحتها، وهي قضية ان ثبتت لا تمس في النهاية احدا غير القلة من المعنيين بها، والانحراف كما هو معروف قائم في كل الشعوب والاعراق والملل، ولا نريد ان يتاجر احد بتلك القضية عبر القول ان بها اساءة الى احد، فالتهمة غير موجودة اصلا حتى يتبارى المرشحون المستقبليون لدحضها.

اخر محطة:

 1) نتحدث كمواطنين كثيرا عن تحسين الخدمة الصحية والبحث عن وزراء رجال دولة حازمين في قراراتهم، وعندما نحصل على احدهم نسمح للبعض بعرقلة اعمال الوزير الاصلاحية عبر اسئلة وادعاءات كيدية كحال القول بتحويل اطفال السرطان الى المسيحية في بيت عبدالله الذي شهد الجميع بعدم صحته.

2) ضمن تلك المحاربة التي لا تستهدف الصالح العام، تضمين «اسم» مسؤول في وزارة الصحة على انه المسؤول عن الهيئة التمريضية هذه الايام كما اتى في السؤال البرلماني الذي نشر في صحف امس، رغم ان ذلك المسؤول قد ترك ذلك المنصب قبل اكثر من عام وليس لمثل هذا خلقت الاسئلة البرلمانية يا.. نائب، وأين قبل ذلك الإصلاح التشريعي ولجنة القيم يا.. نواب؟!

3) حرص الزميل د.محمد الرميحي على ان يجعل للزميلة «أوان» رونقاً رزيناً وراقياً يعكس طبيعة مُلاّكها، لذا نرجو أن يعاد النظر في قرار توقف الجريدة بدءا من 10/5/2010، كي تبقى شمعة مضيئة أخرى في دربنا الإعلامي.

احمد الصراف

مسرحية حوار الأديان

معروف تاريخيا أن من قتل من المسيحيين، في حروب دينية، على أيدي مسيحيين آخرين يزيد بكثير عما قتل منهم على أيدي أعدائهم منذ نشأة الكنيسة وحتى اليوم. كما هو معروف أيضا أن من قتل من المسلمين في حروب طائفية على يد «إخوة» مسلمين يفوق بكثير ما قتل منهم في كل حروبهم مع الغير، حتى الرموز الدينية والتاريخية لكل طرف قتلت وحرقت وشوهدت بأيدي جماعتهم المضادة لهم، وليس بيد غيرهم المعادين لهم، وبالتالي يبلغ الأمر قمة النفاق عندما ينادي البعض بالحوار بين الديانات، ليس لسخافة الهدف بحد ذاته، بل لأننا لم نتحاور بعد مع أنفسنا ولم نتفاهم مع ذواتنا، ونصر على القفز على المراحل والتحاور مع الفاتيكان وغيره، والتقاء رجال الدين الإسلامي بالكرادلة والمطارنة والبابا، ونحن نعلم ما يعتقده هؤلاء بعضهم في بعض، وما يمثله كل طرف من فكر مخالف تماما لفكر الآخر ومعتقده وعقيدته، فالحوار مطلوب عندما يكون هناك اختلاف يمكن تجاوزه للوصول الى أرضية مشتركة على أساس مبادئ عامة، أو حقائق محددة، ولكن الحوار الديني هو أقرب ما يكون لحوار الطرشان، فكل طرف يقوم باستماتة بإبداء وجهة نظره في مجموعة من الأمور الخلافية، والطرف الآخر وكأنه غير موجود أو كالأطرش لا يسمع، ويبتسم منتظرا دوره وهو يقول لنفسه، ما هذا الهراء؟ دعني أوضح لك، فينتقل الطرش فجأة للجهة الأخرى… وهكذا!
لقد صرفت الملايين على مؤتمرات الحوار هذه، والتهم المشاركون فيها أطنانا من أطايب الطعام ولثم بعضهم وجوه بعض تقبيلا، ولكن بعد نصف قرن تقريبا لم يتقدم الحوار شبرا واحدا ولم ينتج عنه تزحزح أي طرف بوصة عن سابق مواقفه، وبالتالي فإن هذه المحاورات والمناقشات واللقاءات «الأخوية» لا تعدو أن تكون تمثيلا من كل طرف على الطرف الآخر، فكل مشارك مؤمن ومصدق لما جاء في كتابه، ولا نية لديه لتصديق محتويات كتاب الآخر، وحجة الأول أنه الأسبق الى الحقيقة وبالتالي على الآخرين الاقتداء به، والثاني يدعي أنه الناسخ وهو الذي يعرف الحقيقة وبيده ناصيتها، وما على الآخرين سوى قبول رسالته ومن ثم السير خلفه، وبالتالي لا تلاقي، خاصة أنه لا براهين أو حججا بيد أي طرف يمكن أن يستغلها لإفحام غيره، ولو كانت تلك الحجج والبراهين دامغة وغير مشكوك فيها لما كانت هناك خلافات أصلا! فجدول الضرب تم وضعه وآمن به الجميع منذ يومه الأول، ووقوع خلاف عليه أمر غير متوقع لبساطة فكرته ووضوحه. أما هذه المحاورات فأمرها غريب حقا، فهدف أي مشارك فيها إما الاحتكاك بعلية القوم وسكن أفخم الفنادق وتناول أطايب الطعام، وهؤلاء لا يرجى منهم أي خير، فهم والخواء واحد. أو أنهم مدركون لعقيدتهم، وأن الطرف الآخر لن يرضى عنهم حتى يتبعوا ملته! ولا أدري كيف قبل هؤلاء فكرة الجلوس مع غيرهم!
لست ضد أي تقارب مع الآخر بالطبع، ولكن محاولة حرق المراحل لم تؤد ولن تؤدي الى أي نتيجة، والحلم بوحدة دينية يشبه حلم الوحدة العربية، فطالما أننا، ككيانات، ضعاف في كل شيء فاتحادنا لن ينشأ عنه غير صفر!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

إلى بن طفلة والزيد

لا شيء أشدّ إيلاماً من طعنة صديق في ظهرك، إلا أن يسرق ابن عمك رمحك ويضعه على الجمر حتى يحمرّ، ويطعن به ظهر صديقك… حدث هذا عندما كتبت جريدة «الآن» مقدمة لمقالتي السابقة (الكيبل)، بطريقة يراد منها دق إسفين بيني وبين جريدتي، جريدة «الجريدة». لذا يبدو أن على الصديقين، بن طفلة والزيد، استعادة فروسيتهما بسرعة، بعد أن نسياها.

و»الآن» فاتنة لها غواية. ولطالما امتدحتني وهاجمَتني – وغيري – تعليقات معلّقي الآن (بغضّ النظر عن صدق التعليقات أو توجيهها، أو أن من يكتبها هو فلان أو علان)، ولم أتذمر مقدوحاً، ولم أتشكر ممدوحاً، فلم أعتد ذلك… أيضاً لطالما هاجم بن طفلة والزيد، ناشر جريدتنا، الزميل محمد الصقر، ورئيس تحريرها، الزميل خالد الهلال، صراحة مرات، وغمزاً ولمزاً مرات أُخَر. وأدرك جيداً لو أن كاتباً من مدغشقر هاجم الصقر أو الهلال لبروزت «الآن» مقالته ولونتها بالأحمر ولاحتفت بها وسارت خلفها بالطبلة والمزمار. ولطالما شعرتُ بافتراء «الآن» وملّاكها على الصقر والهلال، ولم أتدخل، ولن أفعل، فللصقر والهلال أدواتهما. لكن المثير أن جريدة «الجريدة» لم ترد على هجوم «الآن»، لا مباشرة ولا بالغمز واللمز، بحجة أن «الجريدة» أُنشئت لتقدّم صحافة عالية المهنية، ولا وقت لديها للألعاب النارية وتصفية الحسابات. وجهة نظر. بل إن الزيد وبن طفلة يتذكران جيداً أن أكثر من ناصَرَ «الزيد»، بعدما تعرض لهجوم جسدي، هم كتّاب جريدة «الجريدة».

وعندما صدرت هذه الصحيفة، أو بالأحرى بعد أن شاع خبر قرب صدورها، توقعتُ أن نشهد قصفاً جويّاً متبادلاً بينها وبين جريدة «الوطن»، انتقاماً لثماني عشرة سنة من افتراء «الوطن» على الصقر والهلال، فعلّق يومذاك الغائب الحاضر وليد الجري: «الصقر والهلال لن يفعلا ذلك، خذ العلم»، وصدق أبو خالد.

أختلفُ مع الصقر؟ نعم، من الدعامية إلى الدعامية، باستثناء الماكينة. ولكَم شَغَلْنا محققي المرور بكثرة التصادم بيننا، لكنه ليس من الصنف الذي يطعن في الظهر. ولم يستعن يوماً بالظلام ولا بالسراديب. وكانت، ومازالت، نقاط التوافق والخلاف بيننا واضحة. وقد علّق أحد الزملاء العرب بدهشة: «للمرة الأولى أقرأ مقالة لكاتب يعلن فيها منع مقالة له، وتنشر الجريدة كلامه». وللعلم، منعت لي مقالات عندما كنت أكتب في جريدة «الراي»، ومُنعَ لغيري، في «الراي» وفي «الجريدة» وفي بقية الصحف.

عوداً على بدء… ما أشعل الدماء في عروقي، وأثار امتعاضي وقرفي، أن تُهاجِم «الآن» الصقر والهلال مستعينة بخيلي وإبلي، وأن تعتبر «مساحتي» في «الجريدة» ثغرة يمكن التسلل من خلالها ومغافلة أصحابي! وبن طفلة يعلم أن عادات قبيلتنا، التي هي دستورها، تفرض على الرجل الانتصار لصاحبه على ابن عمه، حتى وإن كان صاحبه هو المخطئ، فما بالك إن كان ابن العم هو المخطئ. وآه ما أجمل بعض عاداتنا… وأكرر، لك يا بن طفلة وللزيد ما قلته قبل قليل، أظن أن عليكما استعادة فروسيتكما، وألا تكررا خطيئتكما، كي لا نتبادل إطلاق النيران فيفرح بكما الشامتون. 

سامي النصف

الأولى مليئة بالطرائف والأخيرة بالمصاعب

في انتظار تشكيل الوزارة العراقية الجديدة التي اشعرتنا بالأسف الشديد لما آل اليه الحال لدى جار الشمال بعد ان تفشت الانانية والعصبية العرقية والدينية في تصرفات ساسة العراق وأضحى مستقبل بلد السواد شديد السواد بسبب ما يدور في دهاليز وسراديب ساستهم.

شكل السيد عبدالرحمن النقيب اول وزارة عراقية في 11/11/1920 من 8 وزراء ثم حاول الرئيس ان يرضي العائلات والعشائر العراقية فاضاف إليها عددا من الوزراء اكثر من وزرائها الاصليين بحجة دعم هؤلاء للحكومة، وعندما احتج برس كوكس على توزير الشاب الغر فخري جميل أجابه الرئيس «ان فخري ابن فلان وجده فلان فبأي وجه اقابل اجداده في الآخرة ان لم ادخله الوزارة».

وكان اقوى وزراء تلك الحكومة السيد طالب النقيب الذي تقلد وزارة الداخلية، وقد اعلن ذات مرة ان راتب وزير الداخلية يجب ان يكون ضعف راتب الوزير العادي لعظم مسؤولياته، وقد اتفق جميع الوزراء بالمقابل على رفض ذلك الطلب غير المنطقي. انعقدت الجلسة ونظر السيد طالب النقيب بغضب إلى وزير المالية ساسون حسقيل وسأله عن موضوع الزيادة فارتعب واجاب «موافق» وتسارع الوزراء الآخرون بالقول «موافق» حتى وصل الدور إلى الوزير عبدالمجيد الشاوي فقال «منافق».

وأثقل احد مراسلي الصحف الاجنبية وزير الدولة فخري جميل بأسئلة عدة مما جعله يضيق ذرعا بتلك الاسئلة المحرجة ويلتفت الى زميله الوزير اليهودي ساسون حسقيل ويقول له «اجبه ابا خضوري نيابة عنا، فأنتم (الكفار) يعرف بعضكم كيف يرد على الآخر».

وتقلد وزارة الصحة بتلك الحكومة السيد مهدي بحر العلوم ولم يكن يؤمن آنذاك بالعلم الحديث، لذا كان كلما قصده احد للتوسط للعلاج عند احد اطباء وزارة الصحة الانجليز طلب منه ان يراجع الطبيب الشعبي «ملا جواد» الذي يعالج المرضى بالادعية والاعشاب، ويقال ان احد الوزراء كاد يفقد بصره بسبب بعض الادوية الشعبية التي وصفت له، ورحم الله تلك الحكومة حيث عم عمى البصائر ارض الرافدين هذه الايام.

آخر محطة:

 1 – التهنئة القلبية للعم محمد الهاجري على حفل زواج ابنه الديبلوماسي فرج الذي يقام هذا المساء في صالة الهاجري بضاحية عبدالله السالم، وعقبال زواج شقيقه الاكبر الصديق العزيز جابر الهاجري الذي طال امد عزوبيته وحان زمن فك نحسه حتى يترك متابعة اخبار كرة القدم المصرية وما يفعله اشهر لاعبيها.. ميدو!

2 – في الاسكندرية التي قدمت منها مساء الامس يوجد مقام كبير للشيخ «بسيس» الذي كان يمتهن مهنة الصالحين اي رعي الاغنام، واشتهر عنه انه وبعكس ما يقال عن السادة من قدرة على تحريك الحيطان، كان الراحل الكبير كما يروى هناك مختصا بخرقها والافراج عن المواشي المحبوسة فيها قبل ان تهلك، للشيخ مقام كبير في «كنغ مريوط» تباع فيه الاقمشة والاعلام الخضراء بأثمان باهظة لوضعها على البيوت كدلالة على زيارته، كالحال في الكويت قديما عند زيارة مقام الخضر في فيلكا.

حسن العيسى

شروق من غير فجر

تاهت قضية شروق الفيلكاوي في أضابير «اللا اهتمام» بحقوق المرأة، وركنت العدالة الإنسانية جانباً على حافة الطريق الكويتي الغارق في هموم الرواتب والكوادر وهبات دولة الخلافة الكويتية، ونسينا الشروق وغطسنا في الظلام.
 تقدمت شروق الفيلكاوي الحاصلة على ليسانس حقوق بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف إلى وظيفة «وكيل نيابة فئة ج» حسب إعلان وزارة العدل المقرر عن حاجة الوزارة إلى شغل تلك الوظيفة، غير أن الإعلان قصر أن يكون المتقدم إلى الوظيفة من ماركة «ذكر» كويتي على خلاف حكم الدستور والقانون، فطعنت شروق في هذا الإعلان، بعد أن رفضت الوزارة قبول أوراقها للتقدم إلى الوظيفة، واعتبرت شروق إعلان الوزارة بمنزلة قرار إداريٍّ سلبي، لها حق الطعن فيه بعد التظلم ورفض تظلمها، وتقدمت بصحيفة دعوى تطعن فيها بعدم دستورية ذلك القرار الإداري السلبي، وتنعى عليه مخالفته للدستور ومبادئ المساواة التي نص عليها الدستور.
 لنقف قليلاً هنا ونسأل إذا كنتم تتذكرون كيف كانت ردود إدارة الفتوى والتشريع أيام زمان حين طعنت مجموعة من الناشطات في عدم دستورية قانون الانتخابات (قبل التعديل) وكان رد الحكومة عبر إدارة الفتوى يتلخص في رفض الطعون، وكانت مع «الخيل ياشقرا» ومع النص القانوني الظالم، ولو بركل أبسط المبادئ الدستورية، كذلك حدث الأمر ذاته مع شروق الفيلكاوي، ووقفت الإدارة الحكومية تتلمس السبل الفقهية وآراء الشرع لرفض دعوى شروق، وكأن الدول يحكمها رأي الفقهاء الديني، لا قطعية النص الوضعي…! وعندما طُرح النقاش في الصحافة أخذ بعض أساتذة القانون الدستوري يناقشون الموضوع بما ذهبت إليه المدرسة الشرعية التابعة للفقيه زيد أو للفقيه عبيد بشأن هل تعد ولاية القضاء عامة أم خاصة؟ وهل يجوز للمرأة توليه أم لا يجوز! وإذا كان هذا رأي النخبة فقيسوا عليه آراء العامة!
 حكمت محكمة الدرجة الأولى الإدارية برفض الدفع بعدم دستورية قرار وزارة العدل وقررت «أن التعيين في وظائف القضاء يستند إلى السلطة التقديرية للجهة الإدارية، ولزوم توافر الشروط القانونية في المرشح، وأن الرقابة في هذا المجال التقديري هي في التحقق من أن القرار الصادر في هذا الشأن يستند إلى سبب موجود مادياً وصحيح قانوناً…». ثم قالت المحكمة: «… لما كان ما تقدم، وكان الثابت بنص المادة الثانية من الدستور أن دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع، وكان المرسوم… في شأن تنظيم القضاء وإن لم يتضمن نصاً صريحاً بحظر تعيين المرأة في القضاء، إلا أنه كذلك لم يورد نصاً بوجوب مساواتها بالرجل في شغل تلك الوظيفة….»!.
 لننتهِ من حكم المحكمة، ونسأل أولاً: هل نحن محكومون بالنص التشريعي الوضعي وبنصوص الدستور الذي يؤكد مبدأ المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم؟ أم أن المدارس الفقهية الدينية هي التي تحكمنا؟! وثانياً: إذا لم يكن قانون تنظيم القضاء قد تضمن نصاً صريحاً بحظر تعيين المرأة… أَفَليس من الأولى أن نرجع هنا إلى الأصل، ونقول إن الأصل هو الإباحة لا التحريم؟ وإن الأصل هو المساواة لا عدم المساواة؟! وإن الأصل هو الدستور لا مدارس الفقه؟! وإن الأصل في حكم القانون هو العدل، والعدل هو الإنصاف لا الانحياز؟! وإن الأصل هو أن يكون القانون أداة تطوير المجتمع لا انعكاساً ومرآة لمعتقداته ورغباته متى اصطدمت بالحقوق الطبيعية للإنسان التي تسمو فوق أي اعتبار؟!
 أمام شروق طريق الاستئناف والتمييز… فإن لم ينفع ذلك… فهناك طريق التشريع… فهل سيتحرك من أجلها نوابنا التقدميون أم سيتركون قضية شروق من غير شروق فجر الحرية والكرامة؟