احمد الصراف

شركة طيران الاستقامة الكويتية

يقول آينشتاين: في الحياة هناك أمران فقط لا حدود لهما، الفضاء والغباء البشري!
* * *
ستكون مؤسسة الخطوط الكويتية أولى ضحايا قانون الخصخصة، الذي كان من الممكن أن يكون مجديا لولا ذلك الاقتراح شبه الملزم الذي وافق عليه المجلس برضا حكومي، وحاصله أن الخصخصة يجب أن تكون وفق «أحكام الشريعة»، فهل هناك، كما تساءل كثيرون، خصخصة اسلامية، وأخرى غير ذلك؟
دعونا نطبق الخصخصة الاسلامية على «الخطوط الكويتية»، التي ربما سيسعى نواب الشدة واللحية والغلظة لتعديل اسمها لتصبح «خطوط الاستقامة الكويتية» حيث سيسمح لهم هذا الاقتراح بالتدخل في عملها من حيث السعي لمنع اختلاط العاملين فيها من مضيفين ومضيفات عن طريق تحويل الاناث للخدمة الأرضية فقط. ولكن من الذي سيقوم بتقديم الخدمة للسيدات المسافرات على ظهر الطائرة؟ وهل سيتم عزل الرجال عن المسافرات مثلا؟ وان صعب ذلك هل ستعود الشركة وتقوم بتوظيف المضيفات، ولكن بعد اجبارهن مثلا على ارتداء الحجاب؟ وما حكم من تود العمل مضيفة وهي ترتدي النقاب مثلا؟ هل ستعامل بشكل مختلف ويرفض طلبها؟ أم أن حقوقها كمواطنة وانسانة ومسلمة سيجبر الشركة على قبولها كما هي؟ وما المطلوب من المضيفة القيام به في حال وقوع حادث اضطراري يتطلب تدخلها وتقديم المساعدة للركاب الرجال؟ هل سيسمح لهن مثلا بلمس الرجال؟ أم ستتعلل بعضهن بالضوابط الشرعية، ويكتفين بمساعدة النساء فقط، وليذهب الذكور لمساعدة أبناء جنسهم؟ وماذا في حالة الاخلاء الاضطراري، هل سيسمح للمضيفة بأن تضم بذراعيها رجلا منهارا من الخلف وتساعده على المشي لكي يخرج من الطائرة سالما، ان تعذر وجود مضيف قريبا منه؟
وما حكم مبيت المضيفات في دول بعيدة من دون محرم؟ فهل ستجبر مضيفة رحلة لنيويورك مثلا للعودة الى الكويت على الطائرة نفسها لتجنب مبيتها «وحيدة» في فندق أميركي واختلاطها «المحرم» بالرجال؟
وماذا عن الطعام الذي يقدم على طائرة «طيران الاستقامة الكويتية»، خاصة في الرحلات القادمة من دول أوروبية وأميركية، والذي عادة ما تقوم باعداده شركات أغذية عالمية؟ فكيف سيتم اخضاعه ليكون «وفق الشريعة الاسلامية» والشركة سيكون همها الأول هو تحقيق الأرباح لمساهميها؟
وماذا عن حمامات «طيران الاستقامة»؟ هل ستتم التوصية على طائرات تتضمن حمامات «عربية» مزودة بشطافات أو أباريق معدنية لزوم التشطيف؟ وهل سيخصص جزء من الطائرة مثلا لاقامة الصلاة وتوظيف مؤذن وامام ليسافر مع كل رحلة طويلة؟ واذا كان المسجل يمكن أن يقوم مكان المؤذن في الجو فلم يحرم الأمر ذاته على مساجد الأرض؟
مئات الأسئلة الأخرى التي لن يستطيع أحد الاجابة عليها، لأن من وضع ذلك الاقتراح ومن وافق عليه لم يفكرا حتما في تبعاته، وفي المذهب الذي سيطبق عليه، وفيمن ستكون له الكلمة الأخيرة عندما يختفي العقل ويتوارى المنطق جانبا! نعود ونكرر مقولة اينشتاين بأن الفضاء والغباء البشري هما الأمران الوحيدان اللذان لا حدود لهما.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

إنما الأمم الأخلاق… شعائر و«مشاعر» ومسجات!

 

قد يكون من البديهي القول إن حالة «النكتة» وتبادل الطرفة واللطائف السياسية بين شعوب العالم، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية، هي حالة طبيعية تدخل تحت عنوان :»التنفيس»، لكن هناك نكتة سياسية محبوكة حبكة فكاهية لطيفة ذات معنى كبير وصائب، وقد يضحك بسببها حتى رئيس الدولة (المنكوت عليه) بينه وبين نفسه في السر!

وهناك أيضاً قائمة طويلة لا تنتهي من النكات السياسية والاجتماعية القذرة من ناحية استخدام المفردات والمعاني وقلة الذوق وسخافة الأسلوب، لكن المتلقي قد يموت من الضحك وهو يقرأها في موقع الكتروني أو عندما تصله عبر هاتفه النقال أو بريده الإلكتروني الخاص او حين يسمعها في جلسة أناسة مع الأصدقاء والأحبة، وتبقى مجرد نكتة حتى لو كانت تتجاوز حدود الأدب والأخلاق والعرف والذوق السليم.

والمجتمع البحريني، حاله حال الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، يستقبل الناس فيه الطرائف والنكات ويرسلونها، سواء كانت توافق الذوق السليم أم لا توافقه، فالأمر سيان بالنسبة لدى البعض الذي لا يرى فيها ما يسيء إلى شخصه الكريم، ولا يرى فيها إساءة إلى الشخص المرسل إليه، وسواء كان المرسل أو المتلقي رجلاً أم إمرأة… مراهقاً أم رجلاً ناضجاً، تسقط حدود الأخلاق طالما هي نكتة سياسية، فلا ضير من أن يضحك الناس! لا بأس، بيد أن هناك تطوراً لافتاً في استخدام الوسائط الحديثة والرسائل الإلكترونية بأنواعها وتصاميم الجرافيك التي يعصر فيها (المبدع) رأسه وفنه لينتج عملاً مثيراً للضحك يرسله إلى آلاف الناس، ويقوم الآلاف بإرسالها إلى آلاف أخرى وهكذا تكبر خانة ألوف الألوف، لكن قلة هم أولئك الذين تتوقف لديهم الرسالة النكتة فيحذفونها لأسباب يجدونها لا تناسب ذوقهم ولا أخلاقهم ولا وازعهم الديني، حتى وإن كان السياسي أو الرئيس أو الحاكم غير محبوب بالنسبة إليهم، لكن هناك رادع أخلاقي يمنعهم من نشر مثل تلك النكات والمسجات والتصاميم السمجة.

ولأن الطرائف والنكات، محمودة أم مذمومة، لطيفة أم سخيفة، أصبحت اليوم تطير بسرعة عبر شبكة الإنترنت ومواقعه الإلكترونية، وعبر الهواتف النقالة والوسائط المتعددة، فإن منها ما يسيء إلى شعائر دينية مقدسة لدى فئة من المسلمين، ومنها ما يسيء إلى مشاعر مكونات ومجموعات بشرية، ومنها ما هو طائفي بغيض كريه، ومنها ما يأتي بردود فعل غير متوقعة بسبب سخافتها واستهزائها بشخصيات ورموز وشعائر دينية يمارسها المسلمون على اختلاف مذاهبهم والأدهى من ذلك، أن تتصدر صفحات جرائد محترمة يفترض أنها تتمتع بمهنية وموضوعية، ومع شديد الأسف، تتيح عروض الاتصالات المجانية فرصة ذهبية لأن تتكاثر الألوف تلو الألوف من المرسلين والمستقبلين الذين يشاركون في نشر (الوقح من الأعمال) فقط تحت عنوان: «ما فيها شي… خلنا نضحك»، وليس لإيقاف ذلك من سبيل إلا (الذوق السليم)، وخصوصاً أن الغالبية العظمى من (ناشري النكتة) هم من المراهقين والشباب وإن لف لفهم من هو ناضج عمراً وفكراً.

شخصياً، ضحكتُ كثيراً وأنا أقرأ طرفة وردت عبر بريدي الإلكتروني تقول: «يحكى أن حاكماً عربياً كان في رحلة صيد مع نفر من حاشيته، وبينما هم يبحثون عن الطرائد، رأى الحاكم أرنباً يركض فأخذ بندقيته ورماه لكنه أخطأ الهدف! فقال أحد أفراد الحاشية من المنافقين: «سبحان الله! أول مرة أشوف أرنب يركض وهو ميت»، أيضاً، شعرت بالأسى وأنا استقبل تصاميم ومسجات تسيء إلى بلادنا وإلى عوائلها وإلى رموزها وإلى مشاعرها الدينية، تخلو من الذوق والاحترام والأدب، وتقترب من صفة المنافقين الذين يرتدون لباس أولياء الله الصالحين.

سامي النصف

منتدى باريس وربيع الطائف

أقلنا الطائر الميمون الى باريس للمشاركة في أنشطة منتدى العمل التطوعي الذي تقيمه سفارتنا في فرنسا بالتعاون مع جامعة دوفين وتشارك فيه الشيخة امثال الاحمد رائدة العمل التطوعي في الكويت والعم برجس حمود البرجس ود.انس الرشيد ود.نايف الركيبي والسادة خالد بشارة وعبدالعزيز العنجري وعبدالله الشاهين والسيد حسين القلاف والسيدة رفعة العجمي.

وللعمل التطوعي فوائد جمة منها انه يخلق اهدافا خيّرة للشعوب تجتمع حولها بدلا من تركها تتفرق وتتمزق على معطى مكوناتها السياسية والعرقية والدينية.. الخ، كما يساعد العمل التطوعي على تحسين العلاقات بين الدول حيث ندر ان قامت حروب بين عواصم تحتضن وتفعّل العمل التطوعي داخلها او بين بعضها البعض.

كما يساهم العمل التطوعي في دعم وتعزيز عمليات التنمية المستدامة كونه يوفر على الدول كثيرا من الموارد المالية التي يمكن ان تستخدم في اوجه صرف اخرى، ففي بريطانيا على سبيل المثال يوجد 22 مليون متطوع سنويا يقدمون ما يفوق 90 مليون ساعة عمل ينتج عنها وفر مالي يقارب 40 مليار جنيه استرليني، وقد شهدنا كيف وفر فريق الغوص الكويتي الكثير من الاموال على الدولة عبر مساهمته الفاعلة في التعامل مع كارثة مشرف.

وفي الطائرة كان لنا حديث مطول مع الاخ الفاضل د.نايف الركيبي حول حقبة مهمة من حقب تاريخ الكويت وهي الفترة الممتدة من خريف عام 1990 حتى ربيع عام 1991 بالطائف بعد انتقال الحكومة اليها وكيف تحولت الطائف الى غرفة العمليات الفاعلة التي دعمت عمليات المقاومة العسكرية والمدنية في الداخل وقادت التحرك الديبلوماسي في الخارج حتى اندحر العدوان ورفع العلم الكويتي على ارضنا، وكان للمملكة العربية السعودية قيادة وشعبا دور وموقف لا ينكره الا جاحد او «ناكر جميل».

ومن النقاط التي ذكرها ابوعبدالله وتستحق الاشارة والاشادة والتنويه الموقف التاريخي لامبراطور اليابان الذي كان قد تقدم بدعوة لكثير من قادة الدول للمشاركة في حفل تنصيبه عام 1990 ولكن ما ان حدث الغزو وانتقلت القيادة الكويتية للطائف حتى ارسل الامبراطور مبعوثا شخصيا للشيخ الراحل جابر الاحمد طيب الله ثراه ليجدد من خلاله دعوته لحضور الاحتفال والذي اناب عنه سمو الشيخ ناصر المحمد لحضوره وليبلغ القيادة الكويتية انهم الغوا دعوة الرئيس صدام لاعتدائه على الكويت، اين ذلك الموقف من موقف بعض الدول الشقيقة؟!

آخر محطة: 1 – الشكر الجزيل لسفيرنا النشط في فرنسا السيد علي سليمان السعيد ولطاقم السفارة المكون من السادة بدر العوضي ومحمد الجديع ومحمد حياتي ومحمد الشملان وفهد المضف وحسن كايد والسيدة هناء عبدالعزيز حسين ود.فايز الكندري ود.مشعل جوهر حياة على كرم الضيافة وحسن الاستقبال.

2 – ليس لدينا ما نخجل منه في تاريخنا لذا نكرر الدعوة لتشكيل لجنة دائمة لكتابة تاريخ الكويت على ان يتضمن تفاصيل اعمال حكومة الطائف المهمة.

احمد الصراف

صديقي محمود «جست»!

التقيت بمحمود في الثانوية التجارية وأحببته لبساطته وطيبة قلبه، وكان ذلك في ستينات القرن الماضي. لم يكن محمود ذكيا ولا مواظبا على الحضور، كبقية أقرانه من الطلبة الفلسطينيين، ولكن لم يكن لطموحه وأحلامه حدود، فقد كان يحلم بأن يصبح يوما ما نجما سينمائيا أو رجل أعمال. كما كان يحلم دائما بالهجرة، وإلى أميركا بالذات. ولسبب ما كان واقعا في غرام كلمة جست JUST الإنكليزية، ويؤمن مخلصا بأنها من أهم الكلمات وأعظمها لفظا، خصوصا عندما ينطقها بطريقة استعراضية مادا ذراعيه على أقصى امتدادهما. وكان يردد كلمة «جست» في الجد والمزح والحزن والفرح، فان أعطيته شيئا يبادرك بالقول شكرا «جست»، وإن أخذت الكرة من بين قدميه لحق بك وهو يردد متحمسا «جست جست»، وكان على قناعة بأن سر اللغة الإنكليزية وجمالها -وهي اللغة التي لم يكن يعرف منها غير كلمات معدودة أخرى- يكمن في كلمة JUST، وفي أحد الأيام فاجأنا محمود بالقول انه غير قادر على الاستمرار في الدراسة، وانه سيتوقف عن الحضور ويتفرغ لطلب الفيزا لأميركا، وأنه سيستمر في التواجد ليل نهار أمام السفارة حتى يقبل طلبه، ولو تطلب الأمر النوم أمام بوابتها. مرت الأيام متثاقلة ونسينا محمود مع مشاغل الدراسة والاستعداد لامتحانات نهاية السنة، وفي يوم ما جاء من يخبرنا أن «محمود جست»، وهكذا أصبح اسمه الرسمي بيننا، قد نجح في الحصول على الفيزا وانه هاجر بالفعل إلى أميركا.
تركت الدراسة في نهاية ذلك العام وعملت في بنك الخليج ومرت سنوات طويلة تغيرت فيها أحوالي كثيرا وتزوجت وانجبنا ابنة، وفي أحد الأيام وعندما كنت في إحدى محطات تعبئة الوقود لمحت من يشبه «محمود جست» مرتديا غترة وعقالا فوق بدلة العمل التي كانت مقررة على العاملين في شركة البترول وقتها. وعندما جاء دوري في المحطة أوقفت محرك السيارة ونزلت منها متجها نحوه فيما أنا مرتبك خشية التسبب في احراجه، فقد كنا نجلس معا على مقاعد الدراسة نفسها ونتقاسم «سندويتشة» الفول أو الفلافل من مطعم أبوخليل القريب. ولكنه لم يتعرف عليّ، فربما تغيرت ملامحي أنا كذلك، أو ربما دفعته عزة نفسه لأن يتماسك ويتجاهلني، وبادلته الأمر ذاته رحمة به وبنفسي. وعندما انتهى من تعبئة خزان الوقود دفعت له الحساب بعد إضافة خمسة دنانير عليها، وأسرعت لتشغيل سيارتي ومغادرة المحطة، ولكن سرعان ما لحق بي محمود مناديا، بعد أن انتبه إلى أنني دفعت له أكثر من ضعف ما هو مطلوب مني، طالبا مني التوقف وعندما فعلت مد يده بمبلغ الخمسة دنانير، قائلا انني دفعت له أكثر من اللازم، فلم آخذ المبلغ منه، بل سألته إن كان يعرف الإنكليزية فقال: «شوي»، فقلت له:IT IS JUST FOR YOU فرفع يده لرأسه شاكرا ولم يقل شيئا.
وفي اليوم التالي، شعرت بأنني قصرت معه وانه كان يجب عليّ فعل شيء من أجل صديق قديم، ولكني لم أره بعدها أبدا، بالرغم من أنني قمت باستخدام تلك المحطة مرات عديدة في الأسابيع التالية، وعندما اتصلت بشركة البترول الوطنية، حيث يعمل، لأسأل عنه في شؤون العاملين سألتني الموظفة عن أسمه الكامل فارتبكت ولم أجد جوابا، بعد أن اكتشفت أننا، وفي غمرة سعادتنا بمحمود وبإطلاق لقب «جست» عليه نسينا اسم عائلته!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

ألقِها يا موسى

كل البيض الإعلامي التلفزيوني السياسي فاسد، وكل ما يحدث هنا هجص. طبعاً باستثناء تلفزيون الراي، ومذيعه الشاب الرائع عبد الله بوفتين، الذي وُلدَ وفي فمه ملعقة من صدق، وعلى وجهه مسحة من خجل، وعلى أنفه نظارة من بحث واستعداد للحلقة. يعيبه انخفاض سقفه. ولا أدري هل ذلك باجتهاد منه أم هي تعليمات الإدارة، الأكيد أنه سقف لا يليق بعملاق اسمه «تلفزيون الراي». فيا أهل «الراي» ليس لمثلكم الزحف، ولا الالتصاق بالجدران، ارفعوا سقفكم يرحمنا ويرحمكم الله وامشوا وسط السوق مشي العظماء لينزوي الآخرون في جحورهم وينكشفوا أمام الناس. ارفعوا سقفكم كي يضحك الناس على المذيعين البكّائين الذين انتشروا في الفضائيات انتشار الجراثيم في مكب النفايات. ارفعوا سقفكم في حدود القانون كي يميّز الناس بين المذيع السياسي الحقيقي وبين مذيعي التمثيل والتزوير. ارفعوا سقفكم وافتحوا الهاتف لتستقبلوا مكالمات المؤيدين والمعارضين، لا كما تفعل «فضائيات النفايات» التي لا تستقبل إلا ذوي الطبلة وذوي الصاجات وأحفاد الراقصة الفاضلة تحية كاريوكا. ارفعوا السقف فقد ملّ الناس الكذب، والجهل، وسوالف الورعان. ارفعوا سقفكم لتتساقط كل هذه الكائنات التي لا عمل لها إلا الشمشمة والنباح خلف مسلم البراك، وتترك انقطاع الكهرباء والماء في بلد تفيض منه المليارات وتنشف فيه الحنفيات.

شنو ما هذا الإعلام الذي يتحدث عن أوضاع إيرلندا أو السلفادور أو أي دولة أخرى ليست الكويت بالتأكيد؟ ما كل هذا التمثيل والبكاء على الهواء المسكوب؟… وأتذكر أنني تلقيت اتصالاً من صحافي (أصبح الآن مذيعاً كثير البكاء) ليُجري معي مقابلة صحافية. وبعد أن زارني في المكتب، طلب مني أن أحكَّ جبهتي وأسرح بنظري بعيداً، كي يلتقط لي صورة يكتب تحتها «الوشيحي يفكر بعمق»، فاعتذرت له ضاحكاً بكل ما أوتيت من قرف: «أنا أفكر على السطح، وأخجل من حركات كهذه»، فتحدث إليّ بنبرة الخبير المشير: «صدقني، أنا أعرف عقليات الناس، يجب أن تمثل عليهم، وهم أغبى من أن يكتشفوا شيئاً»! وهو ما أصبح يفعله في برنامجه. تمثيل باهت مكشوف مقزز.

وقبل ذلك تلقيت رسالة إلكترونية من شابين يطلبان إجراء لقاء صحافي يخدمهما في دراستهما في كلية الإعلام، على أن يدور الحوار حول «الكتابة الساخرة». وفي مكتبي، طلب أحدهما بأدب أن أُمسك بالقلم وأتظاهر بالكتابة ليلتقط لي صورة، على اعتبار أن الصورة التقطت لي فجأة وأنا أكتب المقالة، ومن دون علمي، فصارحته: «لك مستقبل في الإعلام الكويتي الغبي، لكنك بالتأكيد ستتعرض للخنق ونتف الشعر لو عملت في إعلام آخر يحترم نفسه»، ثم وبغضب حذرتهما: «مبدئياً، إذا كان من ضمن أسئلتكما سؤال عن أسوأ عيوبي، وتتوقعان مني أن أجيبكما (طيبة قلبي الزائدة عن الحد)، وما شابه من أسئلة وأجوبة، فعليّ اليمين لنتبادلنَّ التراشق بالطفّايات. اتركا الغباء والتمثيل»، فضحكا مرعوبَين وطرحا سؤالهما الأول: «ما سبب التباين الواضح في مقالاتك؟»، فصرخت فرحاً: «صح، هذه هي الأسئلة لا أمَّ لكما»، وخلعت غترتي وأشعلت سيجارتي وابتدأ مشوار الحوار.

واليوم، أجزم أن إنشاء فضائية مهنية صادقة ستكون – منذ أسبوعها الأول وهي في مهادها – كعصا موسى تلتهم حيّات السحرة والبكّائين… «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ».

***

أوف، نسيت الشاب المبدع في تلفزيون «الوطن»، عبد الوهاب العيسى، الذي يمتلك موهبة يُشار إليها بالانبهار، لولا أن قناته تكتب بـ «خط الرقعة». 

احمد الصراف

تلفون الفريق الرجيب

عندما يطبق القانون على الجميع بشكل متساوٍ تصبح الحياة أكثر جمالاً!
***
يتقاعس بعض موظفي مكاتب تحصيل فواتير الكهرباء عن تحصيل ما تراكم من مبالغ على المواطنين، وخاصة ما تعلق منها بفواتير بيوت السكن، على أمل أن يأتي يوم تسقط فيه الحكومة مبالغ هذه الفواتير عن الجميع. وهذه الحالة المؤسفة تنطبق على أمور كثيرة أخرى في حياتنا، فعدم تطبيق القانون أو التراخي في تطبيقه يساعد الغير على غض النظر عن الكثير من المخالفات الأخرى. فقانون منع التدخين في الأماكن العامة صدر قبل سنوات عدة وسبقنا به عدة دول في المنطقة، ولكننا لم نحرص يوما على تطبيقه حرفيا، ولم يعاقب أحد، حسب علمي، على عدم التقيد به، خاصة ان العسكريين يشاركون العامة في التدخين علنا في مخالفة صريحة للقانون ويصرون على سحق السيجارة بعد الانتهاء منها تحت بصاطيرهم أمام مرأى الجميع، وهؤلاء إما قليلو الإحساس بالمسؤولية، وهذا بالتالي ينسحب على طريقة أدائهم لوظائفهم، أو أنهم على غير علم بوجود قانون يمنع التدخين، وهنا المصيبة أكبر!
نعود لموضوع التقاعس عن تحصيل فواتير الكهرباء والذي يشبه موضوع منع قيادة المركبات من قبل المنقبات، حيث يشارك الجميع المناط بهم أمر تطبيق هذا القانون في غض النظر عنه، فتطبيقه على البعض سينتج عنه تطبيقه على الجميع، وهذا الجميع سيشمل حتما أهل بيت المناط به تطبيق القانون، وهو لا يوده لأهل بيته، وبالتالي من مصلحته الاستمرار في التغاضي عنه أملا في أن يأتي يوم تقوم الحكومة الرشيدة ذاتها وتأمر بإسقاطه، لعدم تقيد احد به. والأمر ذاته يسري على أمور أخرى كقانون منع ازدواج الجنسية والذي يشارك الكثير من المعنيين بتطبيقه في السكوت عنه لكي يسكت المسكوت عنهم عن إثارته للساكتين السابقين (عرفتوا شيء؟)، نقول هذا ونحن على ثقه بأن القانون لو طبق على خمسة أشخاص فقط لكرت سبحة المائة ألف الآخرين خلال أيام قليلة!!
نعود لموضوع التدخين في الأماكن العامة، ونقول ان ما يحزن حقا رؤية الكثيرين وهم يخالفون القانون علنا في المطار ويزيدون على ذلك برمي أعقاب سجائرهم على رخام الصالات والإضرار بصحتهم وصحة الآخرين، ولا يتردد المواطن والمقيم في التدخين في الأماكن العامة لأنه يرى الشرطي يدخن، وللقضاء على هذه الظاهرة المزعجة فإن الأمر برمته لا يتطلب غير مكالمة هاتفيه حازمة وحاسمة من وكيل وزارة الداخلية، الفريق أحمد الرجيب، يطلب فيها من الضباط هناك تطبيق القانون، في مرحلة أولى في المطار، وإحالة كل عسكري مخالف للتأديب، وحينها سيرى الناس العجب. فهل سنسمع بخبر هذه المكالمة؟

أحمد الصراف

سامي النصف

لا تمسّوا الهيبة ولا تخدشوا القضاء

السلطات في الدول هي أقرب للخيام التي تظلل على الناس فتحميهم من الحر والقر والشر، ولن تظل تلك الخيام الواقية باقية متى ما تسابق البعض منا على كسر أعمدتها ونزع أوتادها وقطع أحبالها وتمزيق نسيجها حتى ينتهي المطاف بنا إلى ما هو قائم في بعض الدول من دم يجري وخراب يسري.

 

إن هيبة السلطة هي الركن الاساسي في استقرار الأوطان، لذا فمن يريد الإضرار ـ بقصد أو دونه ـ بدولة من الدول أو شعب من الشعوب، يعمد لتشجيع سفهائها على عقلائها وتشجيع العامة على التطاول والتعدي على القانون تحت ألف ذريعة وذريعة، وطريق جهنم ـ كما يقال ـ مليء بأصحاب النوايا الحسنة وأصحاب النوايا السيئة كذلك.

 

ومن شروط الحفاظ على الخيمة التي تظللنا احترام مرافق القضاء تطبيقا لمواد الدستور، الذي تنص المادة 162 منه على أن «نزاهة القضاة وعدلهم أساس الملك وضمان للحقوق والحريات»، وفي المادة 163 «لا سلطان على القاضي في قضائه ولا يجوز التدخل في سير العدالة»، كما تنص المادة 166 على أن «حق التقاضي مكفول للناس» ولم تخرج المسؤولين من هذا الحق، بينما تنص المادة 167 على ان «النيابة العامة تشرف على شؤون الضبط القضائي..» إلخ. وواضح ان التجمهر على معطى قضية معروضة على القضاء فيه تجاوز على الدستور لكونه تدخلا في اختصاصاته ومحاولة للضغط عليه.

 

وفي هذا السياق فقد أتت الانباء من القاهرة بتأييد محكمة الاستئناف هناك حكم المحكمة الابتدائية بسجن محرر ورئيس تحرير صحيفة مصرية لمدة عام كامل مع الشغل والنفاذ كونهما تسببا في الاساءة لسمعة فنان مصري، ولم يحتجّ أحد على الحكم أو يتظاهر أو يدع ان به مساسا بحرية الرأي التي تنتهي كما هو معروف عند المساس بالآخرين.

 

وأحد الاشكالات التي سببت الاشكال الحالي اعتقاد خاطئ لبعض الصحافيين ان للآخرين ان ينتقدوا الوكلاء والوزراء، أما هم فمكانتهم أعلى من مكانة زملائهم، لذا يحق لهم ما لا يحق لغيرهم من توجيه الخطاب والسهام والاتهام لكبار المسؤولين، فهذا ما يرون انه المكانة اللائقة بهم، وهذا وهم وفهم خاطئ لدور الاعلامي والاعلاميين.

 

ان استخدام الجمهور للتجمهر نصرة لشخص ما دون غيره متى ما خالف القوانين أو تعدى على الآخرين به قفز كذلك على مواد الدستور وروحه التي تحث على المساواة بين الناس (المادة 29 وغيرها)، كما أن به تفخيما وتمييزا لبعض البشر وجعلهم أقرب للانبياء والرسل المعصومين عليهم السلام، كما أنه به مدا للحصانة البرلمانية من نواب الشعب الى جمع مختارين من ابناء الشعب، وليس ذلك من الديموقراطية في شيء.

 

آخر محطة: (1) نرجو أن تكون هذه المرة الاخيرة التي يتم الحديث فيها عن قضايا مازالت منظورة أمام مرفق القضاء الشامخ.

(2) لنا أن نتباين في الآراء، إلا أن‍ علينا أن نتفق على المعلومات التاريخية الثابتة، ومن ذلك ما أخبرنا به المحامي المخضرم مصطفى الصراف من أن نظرية بقاء 3 دول عربية في الخليج قال بها في السبعينيات أحد وزراء الاعلام الكويتيين البارزين وتناقلتها الصحف آنذاك، أي ان مصدرها محلي، لا شرقي ولا غربي كما يُدعى.

(3) وذُكر في إحدى صحف أمس ان احد الزملاء المبدعين والذي بدأ قبل مدة الكتابة بجريدة «الدستور» المصرية هو أول كويتي يكتب مقالا في الصحف هناك، وللمعلومة بدأت كتابة مقال أسبوعي عنوانه «كل أحد» في جريدة «الأهرام»، المصرية منذ خريف عام 2002 وتوقفت في ربيع 2003 بعد السقوط المفرح والمفجع لنظام صدام حسين في بغداد، كما كتب الزميل فؤاد الهاشم ـ كما أذكر ـ في صحيفة «الأخبار» المصرية، وهذا للتاريخ فقط.

(4) اختفى دون «احم أو دستور» قلم الزميل محمد مساعد الصالح بسبب المرض، نرجو الصحة والسعادة لأبي طلال والعودة سريعا لقرائه ومحبيه، فقدر الكتابة الساخرة في الكويت يقف على ثلاثة: الصالح والهاشم والوشيحي، وع‍لى الباقي الاعتزال، فدم البعض منهم لا يجاريه في ثقله إلا… الزئبق والحديد..!

احمد الصراف

أبو عمر وتفسير الأحلام

اتصل بي الصديق ابو عمر (د) قبل ايام واخبرني بأنه يود زيارتي وابنه ليبحث في امر اكمال دراسته في الخارج، لاعتقاده بأن لدي ما يفيده وابنه، تبين لي من حديثه ان الابن حصل على معدل عال يتيح له الالتحاق باحسن جامعات العالم، اضافة الى ان احوال «ابو عمر» المادية جيدة، وبإمكانه ارسال ابنه لاي مكان تحت الشمس، وبالتالي لم افهم اصراره على مقابلتي ثم تبين ان المشكلة تكمن في حيرتهما واختلافهما في اختيار التخصص المناسب من جهة، وعدم ثقة الاب في ابنه من جهة ثانية، حيث وصفه امامي بأن «عيونه زايغة» ولهذا يخاف ارساله لاميركا او اوروبا فيفلت ويضيع بين متع الدنيا وملاذها، خاصة انه ذو وجه صبوح وشخصية محببة، ولكن خياره الاخر بإبقائه بين جامعات منطقتنا لا يرضيهم، مع كل الهواجس الامنية التي اصبحت جزءا من حياة الشاب العربي، والمسلم بالذات.
طمأنته الى ان وضع ابنه لا يختلف عن وضع مئات لا بل آلاف الطلبة غيره، وان ما سيتعرض له من خطر (!) ليس بأكثر مما تعرض ويتعرض له من هم في وضعه، ولكن ابو عمر رفض حججي، فهذا ابنه الوحيد ويخاف عليه ولكنه يرغب في الوقت نفسه ان يقدم له افضل ما يستحق من مستوى تعليمي حرم منه هو، وهو الرجل العصامي الناجح.
على الرغم من الوقت الطويل الذي قضيناه ونحن نقلب الخيارات ونناقش البدائل ونقلب الاراء ونطرح الاحتمالات، فان ابو عمر استمر في حذره واصراره على ابراز عيوب كل حل او فكرة، وعندما شعرت بالتعب منه تذكرت فجأة ذلك الاعلان الذي نشره يوسف الحارثي في «الحياة» 2010/5/2 والذي اعلن فيه عن افتتاحه اكاديمية «تفسير الاحلام» في العاصمة السعودية الرياض، بعد ان توقف ممول قناة «تفسير الاحلام» الفضائية عن الصرف عليها، وكيف انه (وربما من منطلق حاجة المنطقة العربية الاسلامية الماسة لمفسري احلام وما يدره التفسير على العاملين به من اموال طائلة بسبب نسبة الجهل والتخلف التي تعشش في الكثير من عقول ابناء المنطقة المتخمين بالاموال) وجد انه مشروع ناجح منذ يومه الاول، لان قاعات الاكاديمية ستضم في عامها الاول 800 دارس، وهؤلاء سيتخرجون بعد سنوات قليلة حاملين ليس فقط دبلوما في تفسير الاحلام بل وماجستير.. وحتى الدكتوراه!
وما ان سمع ابو عمر بخبر الاعلان حتى قام، هاشا باشا، وطبع على جبهتي قبلة حارة وطلب من ابنه ان يقبل رأس عمه (انا) شاكراً، وغادر ولسانه يلهج بالشكر، وهو يقول انه يود اللحاق بأول طائرة مسافرة للرياض ليقوم بتسجيل ابنه في «اكاديمية تفسير الاحلام»!!.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

حسين الوشيحي… الدائري السابع

سامح الله عمنا الفلكي الكبير صالح العجيري، الذي أرعبنا بتصريح خصّ به الزميل فهد التركي ونشرته هذه الجريدة: "البوارح خلال أيام، والصيف هذه السنة سيكون حاراً جافاً مغبراً!"، والحمد لله أنه لم يقل سامّاً. سامحك الله يا عم، ألا يكفينا رؤية كل هذه الوجوه الأسمنتية لتزف إلينا بشرى كهذه.

لكنني رغم رعب التصريح "ضحكت حتى أذني" كما يقول الأشقاء التوانسة، بعد قراءته، فقد تذكرت صيف 2008، عندما اصطحبت أسرتي إلى أقصى شمال شرق تركيا، واستأجرت كوخاً بدائياً في منطقة بشوشة، من شيخ طاعن في السن، شخبط الزمن على وجهه ورقبته، لكنه في كامل لياقته ومرحه وحبه للحياة.

كنا نجلس في حديقة الكوخ، فيمرّ من تحت أقدامنا جدول ماء يتمايل كتمايل الغندورة المغرورة، صافٍ كخدّها، طويلٌ كعنقها، هادئ كابتسامتها، شقي كشفاهها، نحيف كخصرها، وتحاصرنا سلسلة جبال تقف وقفةَ إمبراطورةٍ شامخة متشحة بالخَضار، يتزحلق على متنها شلالٌ طفلٌ تركته أمه يمرح، وأوصت الأشجار الباسقة عليه، وفوقنا نسمة لم تحسم قرارها بعد، هل تبرد أم تعتدل، وأطفالي حولي، بعض الأحيان، وفوق ظهري وأكتافي أغلب الأحيان. منظر يشجعك على كتابة سبع مقالات سمان في يوم واحد، ويدفعك ولو كنت أعجمياً إلى نظم قصيدة تغيظ زهير بن أبي سلمى، ويحرّضك على تأليف مقطوعة موسيقية يتراقص على أنغامها العشاق متعانقين، ويشجعك على رسم لوحة فاخرة، بل ويشجعني أنا على الرسم، وأنا الذي في طفولتي أغضبت مدرس الرسم بعدما طلب من التلاميذ رسم لوحة واختيار عنوان لها، فاجتهدت ورسمت "بطة" و"أرنباً" و"أسداً" فوق ظهر "بقرة" تطير، من باب "كل الأحبة اتجمّعوا"، فذهل المدرس، لا لأنني حولت البقرة إلى "إير باص" فقط، بل لأنني رسمت البطة تأكل جزرة، والأرنب تأكل تفاحة، والأسد يلحس جبنة. سوء تفاهم. وكان عنوان اللوحة "حديقة الحيوان الطويلة".

أقول، في ظل أجواء الكوخ هذه، وبعد وجبة غداء نهري فخيم "حبسته" بكوب من الشاي "العصملّي"، بعثت برسالة هاتفية خبيثة إلى أخي غير الشقيق، حسين، الذي يكبرني بثمانية أشهر مازلت أدفع ثمنها: "الجدول يتسلل من بين أقدامي، والشلال يتراقص أمامي، والجبال تظللني، والنسمة تداعبني، والشمس تلعب معي استغماية، والعصافير في مسابقة سوبر ستار لاختيار أفضلها صوتاً. ربنا ولك الحمد… أخوك محمد الوشيحي من كوخ مزرعة في الحدود الشمالية الشرقية لتركيا"، وكنا في أغسطس، فجاءتني رسالته بعد دقائق: "سيارتي الفورد القديمة تحت أقدامي، تعطّل مكيفها، فتلثمت وفتحت زجاجها، والشمس ملتصقة بمخّي، والغبار يتراقص ويحذفني بالصخر على وجهي، والسموم تتراقص وتلفحني، وفي طريقي إلى الصناعية، والنفسية تتراقص تحت الصفر، والعبرة تخنقني، وإِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ… أخوك حسين الوشيحي، من الدائري السابع، ما بين منطقة (الظهر) ومقبرة صبحان".

* * *

توقُّفْ الزميل النقي سعد العجمي عن الكتابة جعلني أهاتفه وأتلفظ عليه بكلمات يمنعها قانون المطبوعات والنشر، ولم أقتنع بمبرراته رغم محاولته "إكناعي"… يا أبا محمد، اذهب إلى حيث كوخي ذاك ومزرعتي تلك وستعود بحال مختلفة، وقد تتراجع عن قرارك الموجع… سحقاً لك.

سامي النصف

الشباب وسط الضباب

في خضم الصراعات السياسية «الماسخة» التي تحتل كل أو جل اهتمامات الإعلام المحلي والتي تفرّغ لها أغلب برامج الهواء الساخن الحوارية، التقيت قبل أيام بمجموعة من الشباب والشابات الكويتيين ممن تم تسريحهم من شركات القطاع الخاص وأصبح المستقبل مظلما ومؤلما بالنسبة إليهم ومنهم من يعول أسرا وأبناء وعليهم التزامات مالية عديدة.

وأول شكاواهم أن عدم محاسبة الأجهزة الرقابية لأعمال الشركات الخاصة المسؤولة عنها، كحال جميع الدول الأخرى، أدى إلى خسائر ضخمة لم يحاسب عليها من تسببوا فيها بل سمح لهم ـ حسب قولهم ـ بتسريح من لا ذنب له في تردي أداء تلك الشركات الخاصة وشبه الحكومية التي تملك الحكومة ملكيات مؤثرة فيها، والغريب كما يذكرون ان بعضا من تلك الإدارات قامت بزيادة رواتبها ووظفت غيرهم.

ومما قاله من التقيتهم ان البعض منهم لا يريدون العودة للعمل الحكومي المترهل، لذا حاولوا التوجه لنظام المبادرة الفردية فوجدوا الشروط التعجيزية غير الموجودة في الدول الأخرى تنتظرهم، فمطلوب منهم على سبيل المثال 10 آلاف دينار كثمن لدراسة الجدوى الاقتصادية لمشروعهم (!)، ثم تفرض عليهم مشاركة الطرف الحكومي بـ 55 إلى 80% من المشروع، اي يصبح ذلك الطرف هو صاحب القرار الأول في المشروع (!) كما يفرض عليهم، إن نجح المشروع بعد تلك الشروط التعجيزية، ان يشتروا حصة الطرف الحكومي، لا عبر دفع ما دفعه مع نسبة ربح، بل بالقيمة السوقية لتلك الحصة، اي معاقبة المستثمر بسبب نجاح مشروعه، او فرض بقاء شريك مترهل لا يعمل شيئا.

وتخبرني سيدة منهم انها حاولت اللجوء لنظام العمل من المنزل والبيع والشراء عن طريق الإنترنت لسلع مختلفة، وهو أمر تسمح به الدول الأخرى وتمنح الرخص الخاصة به، إلا أنها اصطدمت بالتشريعات الحكومية البالية التي لا تسمح بذلك العمل، كما أن المؤسسات المالية والبنوك تتقاضى عمولات ضخمة غير مبررة على عمليات التحصيل المالي لما يتم بيعه، في وقت لا تخصم فيه بنوك الدول الأخرى إلا مبالغ زهيدة لتشجيع مثل تلك الأنشطة.

وفي هذا السياق تقوم الصناعة في الدول الأخرى على مواد أولية باهظة الثمن كالأخشاب وغيرها، وللمعلومة الكويت هي الأكثر انتاجا في العالم للمواد الخام المختلفة وبأسعار «مجانية»، فالزبالة الكويتية ثرية وممتلئة بتلك المواد التي يمكن استخدامها لإنشاء صناعات تحويلية وإعادة تصنيع يقوم بها الشباب، فالمواد الغذائية يمكن تحويلها عبر نظام المبادرة الفردية الى اسمدة عضوية، والجرائد الى اوراق بيضاء وعلب المشروبات الغازية الى ألمنيوم، وقناني الزجاج الى صناعة الزجاج، ومثل ذلك التواير وحديد السيارات.. إلخ.

ومما يساعد الشباب والشابات ويساعد الاقتصاد ويساعد الحكومة ويساعد ويدعم بشكل أساسي مشروع «كويت المركز المالي» ويحوله الى حقيقة قائمة، تطوير القطاع الحكومي (لا الخاص) الى ما هو قريب لا نقول في الدول المتقدمة، بل فقط في الدول الخليجية الأخرى، فلن يأتي مستثمر واحد يجد أن معاملة في الكويت تستغرق 6 أشهر لإنجازها لا تأخذ إلا 6 دقائق لدى الدول المجاورة. إن تطوير القطاع الحكومي يجب أن يسبق عمليات تخصيصه وبيعه.

آخر محطة:

زرت واللواء جاسم المنصوري مدير عام الإطفاء قبل مدة مركز المعلومات والتوثيق في الهيئة العليا لتطبيق الشريعة والتقينا هناك بكفاءة كويتية نادرة ممثلة في السيد عبدالرحمن الناصر مدير المركز، وقد ذهلنا مما رأينا، خطة التنمية وتطوير العمل بالقطاع الحكومي ومشروع الحكومة الإلكترونية في حاجة ماسة لإبداع السيد الناصر وعقليته الخلاقة، ولن تندم الجهة التي تستعين به.