سامي النصف

منتدى باريس وربيع الطائف

أقلنا الطائر الميمون الى باريس للمشاركة في أنشطة منتدى العمل التطوعي الذي تقيمه سفارتنا في فرنسا بالتعاون مع جامعة دوفين وتشارك فيه الشيخة امثال الاحمد رائدة العمل التطوعي في الكويت والعم برجس حمود البرجس ود.انس الرشيد ود.نايف الركيبي والسادة خالد بشارة وعبدالعزيز العنجري وعبدالله الشاهين والسيد حسين القلاف والسيدة رفعة العجمي.

وللعمل التطوعي فوائد جمة منها انه يخلق اهدافا خيّرة للشعوب تجتمع حولها بدلا من تركها تتفرق وتتمزق على معطى مكوناتها السياسية والعرقية والدينية.. الخ، كما يساعد العمل التطوعي على تحسين العلاقات بين الدول حيث ندر ان قامت حروب بين عواصم تحتضن وتفعّل العمل التطوعي داخلها او بين بعضها البعض.

كما يساهم العمل التطوعي في دعم وتعزيز عمليات التنمية المستدامة كونه يوفر على الدول كثيرا من الموارد المالية التي يمكن ان تستخدم في اوجه صرف اخرى، ففي بريطانيا على سبيل المثال يوجد 22 مليون متطوع سنويا يقدمون ما يفوق 90 مليون ساعة عمل ينتج عنها وفر مالي يقارب 40 مليار جنيه استرليني، وقد شهدنا كيف وفر فريق الغوص الكويتي الكثير من الاموال على الدولة عبر مساهمته الفاعلة في التعامل مع كارثة مشرف.

وفي الطائرة كان لنا حديث مطول مع الاخ الفاضل د.نايف الركيبي حول حقبة مهمة من حقب تاريخ الكويت وهي الفترة الممتدة من خريف عام 1990 حتى ربيع عام 1991 بالطائف بعد انتقال الحكومة اليها وكيف تحولت الطائف الى غرفة العمليات الفاعلة التي دعمت عمليات المقاومة العسكرية والمدنية في الداخل وقادت التحرك الديبلوماسي في الخارج حتى اندحر العدوان ورفع العلم الكويتي على ارضنا، وكان للمملكة العربية السعودية قيادة وشعبا دور وموقف لا ينكره الا جاحد او «ناكر جميل».

ومن النقاط التي ذكرها ابوعبدالله وتستحق الاشارة والاشادة والتنويه الموقف التاريخي لامبراطور اليابان الذي كان قد تقدم بدعوة لكثير من قادة الدول للمشاركة في حفل تنصيبه عام 1990 ولكن ما ان حدث الغزو وانتقلت القيادة الكويتية للطائف حتى ارسل الامبراطور مبعوثا شخصيا للشيخ الراحل جابر الاحمد طيب الله ثراه ليجدد من خلاله دعوته لحضور الاحتفال والذي اناب عنه سمو الشيخ ناصر المحمد لحضوره وليبلغ القيادة الكويتية انهم الغوا دعوة الرئيس صدام لاعتدائه على الكويت، اين ذلك الموقف من موقف بعض الدول الشقيقة؟!

آخر محطة: 1 – الشكر الجزيل لسفيرنا النشط في فرنسا السيد علي سليمان السعيد ولطاقم السفارة المكون من السادة بدر العوضي ومحمد الجديع ومحمد حياتي ومحمد الشملان وفهد المضف وحسن كايد والسيدة هناء عبدالعزيز حسين ود.فايز الكندري ود.مشعل جوهر حياة على كرم الضيافة وحسن الاستقبال.

2 – ليس لدينا ما نخجل منه في تاريخنا لذا نكرر الدعوة لتشكيل لجنة دائمة لكتابة تاريخ الكويت على ان يتضمن تفاصيل اعمال حكومة الطائف المهمة.

احمد الصراف

صديقي محمود «جست»!

التقيت بمحمود في الثانوية التجارية وأحببته لبساطته وطيبة قلبه، وكان ذلك في ستينات القرن الماضي. لم يكن محمود ذكيا ولا مواظبا على الحضور، كبقية أقرانه من الطلبة الفلسطينيين، ولكن لم يكن لطموحه وأحلامه حدود، فقد كان يحلم بأن يصبح يوما ما نجما سينمائيا أو رجل أعمال. كما كان يحلم دائما بالهجرة، وإلى أميركا بالذات. ولسبب ما كان واقعا في غرام كلمة جست JUST الإنكليزية، ويؤمن مخلصا بأنها من أهم الكلمات وأعظمها لفظا، خصوصا عندما ينطقها بطريقة استعراضية مادا ذراعيه على أقصى امتدادهما. وكان يردد كلمة «جست» في الجد والمزح والحزن والفرح، فان أعطيته شيئا يبادرك بالقول شكرا «جست»، وإن أخذت الكرة من بين قدميه لحق بك وهو يردد متحمسا «جست جست»، وكان على قناعة بأن سر اللغة الإنكليزية وجمالها -وهي اللغة التي لم يكن يعرف منها غير كلمات معدودة أخرى- يكمن في كلمة JUST، وفي أحد الأيام فاجأنا محمود بالقول انه غير قادر على الاستمرار في الدراسة، وانه سيتوقف عن الحضور ويتفرغ لطلب الفيزا لأميركا، وأنه سيستمر في التواجد ليل نهار أمام السفارة حتى يقبل طلبه، ولو تطلب الأمر النوم أمام بوابتها. مرت الأيام متثاقلة ونسينا محمود مع مشاغل الدراسة والاستعداد لامتحانات نهاية السنة، وفي يوم ما جاء من يخبرنا أن «محمود جست»، وهكذا أصبح اسمه الرسمي بيننا، قد نجح في الحصول على الفيزا وانه هاجر بالفعل إلى أميركا.
تركت الدراسة في نهاية ذلك العام وعملت في بنك الخليج ومرت سنوات طويلة تغيرت فيها أحوالي كثيرا وتزوجت وانجبنا ابنة، وفي أحد الأيام وعندما كنت في إحدى محطات تعبئة الوقود لمحت من يشبه «محمود جست» مرتديا غترة وعقالا فوق بدلة العمل التي كانت مقررة على العاملين في شركة البترول وقتها. وعندما جاء دوري في المحطة أوقفت محرك السيارة ونزلت منها متجها نحوه فيما أنا مرتبك خشية التسبب في احراجه، فقد كنا نجلس معا على مقاعد الدراسة نفسها ونتقاسم «سندويتشة» الفول أو الفلافل من مطعم أبوخليل القريب. ولكنه لم يتعرف عليّ، فربما تغيرت ملامحي أنا كذلك، أو ربما دفعته عزة نفسه لأن يتماسك ويتجاهلني، وبادلته الأمر ذاته رحمة به وبنفسي. وعندما انتهى من تعبئة خزان الوقود دفعت له الحساب بعد إضافة خمسة دنانير عليها، وأسرعت لتشغيل سيارتي ومغادرة المحطة، ولكن سرعان ما لحق بي محمود مناديا، بعد أن انتبه إلى أنني دفعت له أكثر من ضعف ما هو مطلوب مني، طالبا مني التوقف وعندما فعلت مد يده بمبلغ الخمسة دنانير، قائلا انني دفعت له أكثر من اللازم، فلم آخذ المبلغ منه، بل سألته إن كان يعرف الإنكليزية فقال: «شوي»، فقلت له:IT IS JUST FOR YOU فرفع يده لرأسه شاكرا ولم يقل شيئا.
وفي اليوم التالي، شعرت بأنني قصرت معه وانه كان يجب عليّ فعل شيء من أجل صديق قديم، ولكني لم أره بعدها أبدا، بالرغم من أنني قمت باستخدام تلك المحطة مرات عديدة في الأسابيع التالية، وعندما اتصلت بشركة البترول الوطنية، حيث يعمل، لأسأل عنه في شؤون العاملين سألتني الموظفة عن أسمه الكامل فارتبكت ولم أجد جوابا، بعد أن اكتشفت أننا، وفي غمرة سعادتنا بمحمود وبإطلاق لقب «جست» عليه نسينا اسم عائلته!

أحمد الصراف