محمد الوشيحي

بلا ربطة عنق… أفضل

سقى الله أيام الصبا. كنا في المرحلة المتوسطة عندما سمعنا للمرة الأولى عن شاعر في مدرستنا نعرف لقبه ولا نعرف اسمه، وغطت سحابة شهرته المنطقة كلها، وكان يسبقني بثلاث سنوات دراسية، وكنا نتداول أشعاره في قصاصات يمدني بها صديقه منصور الوشيحي، شقيقي الأكبر، ومني تتسرب القصاصة إلى بقية الأصدقاء.

كبر الصبية والتحقوا بالمدرسة الثانوية، وازدادت متابعتهم لما يكتبه شاعر مدرستهم ومنطقتهم "وضّاح"، وتأثرت به كثيراً، فكتبت أولى قصائدي بالفصحى وأنا في الرابعة عشرة، في الصف الأول الثانوي، وكانت قصيدة فاسقة ماجنة على أشد ما يكون الفسق والمجون، وعرضتها على مدرس اللغة العربية، فقرأها والتفت نحوي: "قصيدتك يا ابني فيها شعر لكنها تنقض الوضوء، وكل من يقرأها يجب أن يستحم قبل أن يصلي"، ومازالت ذاكرتي تحتفظ ببيتين منها لا يصلحان لمن هم أقل من ثمانين سنة…

ورفعت الأيام طرف ثوبها وراحت تعدو وتعدو وتعدو، وعدونا معها، فلا خيار آخر أمامنا، فالتقينا في الطريق شاعراً عراقياً مبهراً اسمه أحمد مطر، احتلت قصائده مساحة ليست بالصغيرة من أذهاننا، وحفظناها وتبادلنا الانبهار بها، وأحمد مطر واحد من أشهر كارهي أميركا على ظهر هذا الكوكب… وفي الأيام تلك، حُل البرلمان عام 86، وجاءت الحكومة بالمجلس المسخ "المجلس الوطني" تسحبه من قفاه وتجلسه في صدر الديوان، فغضب الناس، وقامت "دواوين الاثنين" المعارضة عام 89، وعادت قصائد "وضاح" للساحة من جديد، وتم تداول اسمه كشاعر المعارضة…

وجاء الغزو العراقي، فقرأنا قصيدة ولا أعظم صاغها أحمد مطر بعنوان "العشاء الأخير لصاحب الجلالة إبليس الأول"، مقفاة موزونة، يقول في بعض أبياتها وهو يصف خطة أميركا في تدبير الغزو:

بغضي لأمريكا لو الأكوان ضمت بعضه لانهارت الأكوانُ

هي جذر دوح الموبقات وكل ما في الأرض من شرٍّ هو الأغصانُ

حبكت فصول المسرحية حبكةً يعيا بها المتمرس الفنانُ

هذا يكر وذا يفر وذا بهذا يستجير ويبدأ الغليانُ

حتى إذا انقشع الدخان مضى لنا جرحٌ وحلّ محله سرطانُ

 

وكانت نحو خمسين بيتاً من الشعر أو ستين، وكنت أحفظها كاملة، تسرّب بعض أبياتها من ذاكرتي خلسة أثناء نومي، واحتفظت بأغلبيتها إلى اليوم.

واستمرت الأيام تعدو في مضمارها، وعدوتُ معها، إلى أن تزاملت مع شاعريّ المحببين "وضّاح" وأحمد مطر، بل وشاركتهما الكتابة في الصحيفة نفسها، بل في الصفحة نفسها، فيا لهذه الأيام…

على أن أحداً لا يكره أميركا أكثر من أحمد مطر إلا النائب السابق والمنظّر السياسي الثقيل د. عبدالله النفيسي، الذي توقّع أن تختفي الكويت والإمارات والبحرين وقطر من الخارطة، فلا بقاء للدويلات الصغيرة، واقترحَ النفيسي أن تتحد دول الخليج، وكنت سأؤيده لو أنه اقترح ضم لبنان معنا، وسأؤيده لو أنه طالب بإلغاء مراكز الحدود أولاً، أو توحيد العملة، أو على الأقل توحيد الملابس قبل الاتحاد، بشرط أن لا نرتدي "الوزار" كما يفعل أهلنا في الإمارات وعمان، ولا نلبس الغترة التي تشبه المظلة والعقال أبو دندوشة كما يفعل أهلنا في قطر، ولا نضيّق الدشاديش كما يفعل أهلنا في السعودية، ولا نرتدي الدشداشة بلا غترة كما يفعل أهلنا في البحرين… لذا، أرى أن نمشي خلف رئيس برلماننا ونرتدي البذلة بلا ربطة عنق، كما يفعل أهلنا في إيران.

سامي النصف

الوجه الآخر لمدينة الكويت..!

يوم آخر امتلأ سمعك وبصرك فيه، سواء كنت مواطنا أو مقيما، بقضايا الصراعات السياسية التي لا تنتهي والتي نقلتها وسائل الاعلام لمخدعك ودار نومك، لذا سأقترح عليك ان ترى الجانب الجميل والهادئ والثقافي من الكويت ولن تكلفك تلك الزيارات الممتعة والمفيدة شيئا عدا ندمك على انك لم تقم بها منذ زمن.

اصطحب عائلتك او اصدقاءك معك وابدأ بمتحف بيت الكويت للاعمال الوطنية الذي يقع خلف قصر سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وشاهد صالة الهوية الكويتية والبانوراما الرئيسية واجنحة الدول الشقيقة والصديقة التي ساهمت مشكورة في تحرير بلدنا، ثم ادخل لقاعة الصور الفوتوغرافية وبعدها صالة جرائم صدام المرعبة، والتي تضم تمثاله الذي احضر من بغداد، ثم بانوراما قصة الشهيد المبكية، واخيرا صالة الوثائق الصدامية التي من ضمنها وثيقة رسمية لامر القبض على طفل كويتي عمره 6 سنوات جريمته انه شوهد يلوح بالعلم الكويتي الممنوع.

بعد الانتهاء من ذلك المتحف الذي يستحق من شاده الاشادة والثناء، واصل سيرك بمحاذاة البحر حتى تجاوز المستشفى الامريكاني التاريخي الذي مازال تحت الترميم ثم بيت البدر وتوقف عند بيت السدو الجميل الذي يظهر جانبا هاما من تاريخ الكويت القبلي وشاهد فنون السدو الملونة وستلتقي هناك على الارجح بسائحين اجانب قادمين من المطار او الميناء حيث البواخر الراسية.

وعلى يمين بيت السدو يقع متحف الكويت الوطني الــذي ينقـــسم لثلاث صالات تســـتحق الزيارة، اولـــها صالة الاثار الكويتية واليونــــانية القديمة التي تظـــهر ان استقرار الانسان على ارض الكويت يحـــدد بـ 8 آلاف عـــام قبل الميـــلاد، وتنقـــسم الاثـــار المعروضة في الصالة الى العـــصر البرونزي (1100 ق.م) والهيلينستي (330 ق.م) والعصر الاســـلامي حيـــث كانت الكويت احدى المحطات الرئيسية من والى بغداد عاصـــمة الدولــة العباسية، ثم اتجه بعد ذلك للصالة الثانية التي تحتوي على اثار نشأة الدولة واختم زيارة المتحف بالقبة السماوية التي تطلعك على اخبار المجرات وبعض اسرار الكواكب السيارة.

اكمل مشوارك لمتحف البحار الواقع خلف ديوان عائلة الروضان الكرام، وبعد الانتهاء ستجد بالقرب منه متحف الفن الحديث حيث اللوحات والتماثيل وعلى بعد خطوات منها ستجد بيتا كويتيا قديما هو المرسم الحر الذي لا يعلم احد سبب منع الفنانين من استخدامه لاظهار ابداعاتهم كما هو الحال في السابق وتركه خاليا تنعق فوق اطلاله البوم.

عودة الكويت الى سابق عهدها كمنارة اشعاع حضاري تحتاج الى تفعيل مراكز التنوير كي تساهم في ابعاد الشباب عن قضايا التطرف والمخدرات.

يمكن بعد ذلك زيارة مكتبة البابطين وقراءة المخـــطوطات والصـــحف العربية القديـــمة والنادرة ثم الى مدرسة المثــنى التاريخية حيث يقع نادي السينما ونشــاطاته المتنوعة، والذي يقع خلف المكـــتبة الوطنية (تحت الانشاء)، ولمحـــبي شراء الملابس يمكن زيارة مجموعة البيوت والبوتيكات الاثرية الواقعة بمقابل المستشفى الاميري ويمكن العودة عن طريق البحر عبر الصليبخات للمدينة الترفيهية التي مازالت في رونقها وتستحق الزيارة خاصة لمن لديه اطفال، الكويت الاثرية خيار يستحق المشاهدة.

آخر محطة:

متحف الكويت الوطني في حاجة لعمليات ترميم تشمل الارضيات وتشغيل النوافير والاعتناء بالاشجار وانشاء محلات لبيع التحف والأعلام وايجاد مقاه ومطاعم في المباني المتضررة منذ الغزو أو في السفن الخشبية الموجودة في الساحة ويمكن لموارد البيع والايجار ان تستخدم للاعتناء بالمتحف.

سعيد محمد سعيد

اكتب لي «تقريراً مثيراً» أعطيك «خيراً» كثيراً!

 

يبدو أن تجارة كتابة «التقارير المثيرة» ستشهد رواجاً كبيراً، لاسيما في البلدان العربية والإسلامية، بل وتحديداً في الدول والمجتمعات التي تتداخل فيها صور التآمر بالتخابر بالتجسس بالطائفية بالعرقية بالتصفيات، وأضف من الـ (باءات) ما شئت حتى تصل إلى آخر (باء) منها وهي باء (بيع) الأوطان.

تلك التقارير المثيرة أصبحت بالفعل تجارة رابحة، ولا نقصد هنا التقارير السرية والمخابراتية والاستخباراتية التي تجريها جماعات متصلة بجماعات مرتبطة بكيانات، بل تلك التقارير تشمل أيضاً التقارير الصحافية المقروءة والمرئية التي تصرف عليها الفضائيات مئات الآلاف من الدولارات من أجل قلب الحقائق والكذب على المتلقي العربي والاستخفاف بعقله والترويج لسياسات معينة، وتشمل أيضاً (سرقة) التقارير من كشوف شركات عملاقة أو مؤسسات أو أحزاب، وهكذا، ينال من يؤلف أو يسرق أو يتخيل أو يتآمر أو يتخابر أو يتجسس أو يكذب في تقاريره، خيراً كثيراً كثيراً سرعان ما يتحول إلى حبال تلف على العنق، أو عملية من وراء الستار تطيح برأسه.

هل تعلمون بأن غالبية التقارير السرية التي تجرى على مستوى الدول العربية والإسلامية، تركز في مساحتها الكبرى على مراقبة أنفاس المواطن العربي، وأكل المواطن العربي، وكيفية زيادة آلام المواطن العربي، وما هي الإجراءات الاحترازية في حال استفاقة المواطن العربي من نومه، لكن هناك بالمقابل تقارير أخرى سرية ومثيرة للغاية لا تمنعها بعض الدول المحترمة عن مؤسساتها التشريعية، وخصوصاً تلك المتعلقة بمصلحة البلاد والعباد، وبوجود الثقة طبعاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

الآن هناك نمط جديد أو قل لون جديد من ألوان التقارير السرية، لا تحتاج إلى مجموعات أو فرق عمل أو أهداف كبيرة كانت أم صغيرة… وتحديداً للدقة، هو لون ليس جديداً لكنه متجدد، فبإمكان مسئول هنا أو هناك الاستعانة بموظف أو موظفة أو أكثر لجمع معلومات بشأن (موظف أو مسئول مستهدف)، وتحويل بعض الموظفين والموظفات إلى آذان وعيون (استخباراتية) في مكان العمل، وتتوقف الترقيات والأعطيات على مدى قوة تلك العين وتلك الأذن على العمل.

عموماً هي تجارة فيها ربح كبير، وفيها خسارة أكبر، فالحلال بين والحرام بين… ومهما كانت نوعية التقارير التي يدر من ورائها أصحابها أرباحهم، فلا شيء أفضل من التعامل الصريح والحوار الجاد في كل القضايا، كبرت أم صغرت، في مجتمع كمجتمعنا، لم يعرف عنه يوماً أنه (منغلق).

وحتى لا تبقى الأوجاع والشكوك وتبادل الاتهامات قائمة، فإن أي (تقرير مثير) أياً كان لونه، لا يجب أن يكون (في طي الكتمان)، وخصوصاً أن الناس في البحرين، علماء ونواباً وناشطين ومؤسسات، لديها من القنوات من يوصلها إلى القيادة، وإلى المسئولين في الأجهزة الحكومية على اختلافها… لقطع دابر النوايا السيئة.