محمد الوشيحي

لا تعترضوا عشاءها

الإعلام هو القنبلة النووية التي يخشاها الجميع، هو السلاح الذي إذا رفعته عالياً خضعت الرقاب، وكم من قليل أصل، وكم من نذل، وكم من متسلّق، أُفسحت لهم المجالس لامتلاكهم القنبلة النووية، الإعلام… و"أم الهيمان" – الملوثة بيئياً – لا إعلام لها، لذا لا أحد في هذا الزمن الملوث يلتفت إلى أحزانها، الجميع تركها تبتلع الآلام وتدخّن الآهات. سنوات وهي تئن ولا مجيب. تصرخ: "أنا آدمية"، فيردّون: "أنتِ والكلاب الضالة كأسنان المشط، مأواك المصانع وبئس المصير".

أم الهيمان رمت شالها الوردي، وأهملت تسريح شعرها. لم تعد شوارعها تكترث بقبلات المطر المبلولة. لم تعد ترفع رأسها لتجيب نداء الرعد. لم تعد تقابل عشيقها فوق السطوح بحجة نشر الغسيل. أم الهيمان تعيش في بيجامة نومها منذ فترة، لم تتزين، وهل تتزيّن مريضة قلب أهملها أهلها؟

يجيبني أحد سكانها عندما سألته عن سبب اختفائه: "ستجدني في المستشفيات والصيدليات المناوبة. حفظت أسماء الأدوية وعناوينها". بشّرته: "اطمئن، ستنقل الحكومة اجتماعاتها إلى أم الهيمان تضامناً معكم، كما فعلت حكومة جاك شيراك عندما احترقت الغابات المتاخمة لسكان الريف الفرنسيين، إذ عقدت الحكومة الفرنسية اجتماعاتها على مدى أيام في عربة كبيرة متنقلة بالقرب من المناطق المنكوبة إلى أن قطعت عرق المشكلة وسيّحت دمها، وشيراك لا يحب شعبه أكثر مما يحب الشيخ ناصر المحمد شعبه… تلفّتوا حولكم وستجدون عربة كبيرة متنقلة محاطة بحراسة".

وأمس، تذكرت حكاية الأم التي لديها من الأبناء عشرة، وكل منهم يعتقد أن الآخر تكفّل بإطعامها، فاعتادت النوم على لحم بطنها، وعندما تنبه أحد أبنائها، حمل إليها وجبة، فاعترض أخوه طريقه وأبلغه: "أمّنا تناولت عشاءها كما أبلغني أشقاؤنا، لا تقلق"، فرجع الأول يحمل وجبته، وماتت أمهم جوعاً. واليوم يحمل النائب خالد الطاحوس وجبة العشاء فيعترض النائب سعدون حماد طريقه مطمئناً: "لا تقلق"، ويصرخ شقيقهما الثالث النائب خالد العدوة: "أخشى على أمنا من التخمة"، فيغضب النائب فلاح الصواغ: "تقدم يا الطاحوس وسنتبعك بصحن الفاكهة، أنا وكتلة التنمية والإصلاح"، ويصمت بقية الأشقاء العشرة… ويواصل الطاحوس وكتلة العمل الشعبي المسير حاملين صحن العشاء إلى الأم الجائعة.

***

موعدنا الليلة في ساحة الإرادة لنعلن رفضنا كسر الأقلام وخنق الحريات. موعدنا الليلة لنكشف زيف جمعية حقوق الإنسان الراقصة في بلاط الحكومة، التي انتظرت أسبوعاً كاملاً، وبعد أيام من تجاوب منظمة حقوق الإنسان العالمية، قبل أن تستأذن لتكتب بياناً خجولاً ولا خجل العروسة ليلة دخلتها. ولله در الزميل الدكتور غانم النجار، المهتم صدقاً بحقوق الإنسان، بغض النظر عن البطاقة المدنية لهذا الإنسان. موعدنا الليلة لنثبت لأنفسنا قبل الآخرين أننا شعب حر لا يقبل الاقتراب من كرامته، والحريات كرامة.

حسن العيسى

حوائط المركزي لا تفرق بين الأحرار والأشرار

"حبس المتهم احتياطياً إجراء شاذ وخطير… والأصل ألا تسلب حرية إنسان إلا تنفيذاً لحكم قضائي واجب النفاذ، لكن قد تقتضي مع ذلك مصلحة التحقيق منعاً لتأثير المتهم على الشهود أو العبث بالأدلة ودرء احتمال هربه… حبس المتهم احتياطياً لفترة محددة".

سجلت العبارات السابقة للأستاذ د. رؤوف عبيد على كتاب د. حسن المرصفاوي الذي كان يدرسنا مادة الإجراءات الجزائية قبل أكثر من 35 عاماً، وجدت في عبارات رؤوف عبيد عن القانون أصدق تعبير وأقرب روح لمفهوم العدل والعدالة… لكن ماذا يهم الآن غير التذكير بأن قانون الإجراءات الجزائية ولد عام 1960 من القرن الماضي أي قبل بعث دستور الدولة عام 62…!

أكثر من نصف قرن مضى ومع ذلك ما يصادر حرية الفرد وينتقص من كرامته، ولا يقيم وزناً بين قاتل سفاح محترف يسفك الدماء دون ذنب وصاحب رأي أو قضية مؤمن بها صاحبها يتصور أنه بعرضها قولاً أو كتابة وهماً أو حقيقة أنه يحقق مصلحة وطنية، مازال قائماً يحكم العلاقات الاجتماعية، وهو قانون الإجراءات الجزائية أهم القوانين لضمان حريات الأفراد وللمفارقة أخطرها أيضاً في سلبها.

طلبة القانون يعرفون في بداية دراستهم أن النيابة العامة خصم شريف، هي تمثل المجتمع والدولة في ملاحقة المتهمين، وتقدم الدليل بمساعدة أعوان الأمن من الشرطة للمحاكم… هذه النيابة كما قلت "خصم" شريف… ماذا كتبت؟ خصم… بمعنى أنها خصم للمتهم، وهي بهذه الخصومة قد يغيب عنها الحياد الذي تتطلبه العدالة، لذلك أوجدت بعض التشريعات مثل التشريع المصري في مراحل تاريخية مختلفة، والتشريع الجزائري على سبيل المثال، ما يسمى قاضي التحقيق، الذي تكون مهمته إصدار أوامر الحبس الاحتياطي بعد أن يستمع إلى طرفي القضية وهما جهة التحقيق كالنيابة وجهة الدفاع عن المتهم، وهنا نكون أقرب إلى روح العدالة، فمن يحقق في القضية، وهو وكيل النيابة، ليس هو الشخص ذاته الذي يتصرف بها ويصادر حرية المتهم، فقاضي التحقيق هنا أكثر تجرداً وأكثر بعداً عن التأثر بخصوصية القضية، وما قد يصيبها من تيارات اجتماعية أو سياسية.

في الكويت… حسب قانون الإجراءات الجزائية من حق وكيل النيابة أن يحبس المتهم 21 يوماً على ذمة القضية، وليس للمتهم التظلم إلا للجهة ذاتها التي أصدرت حكم الحبس الاحتياطي، ففيها الخصام وهي "الخصم والحكم"، كما قال المتنبي قبل ألف سنة تقريباً، وتمضي مدة الحبس الاحتياطي مدة قد تصل إلى ستة أشهر، وإن استغرقت النيابة حدها الأقصى بالحبس الاحتياطي مدة 21 يوماً، يظل المتهم خلالها بعيداً عن الاتصال الفعلي بسلطة القضاء التي ستفصل في القضية وتحسم أمر حريته…!

ألا ترون أن آلية الوصول إلى القضاء تنتهك أهم معايير العدالة حين تشل حريات الأفراد… وتغرق حرية الفرد في استبداد النصوص التشريعية المطاطة الخطيرة!

ألا تتفقون معي على أنه لا سبيل لإنصاف الفرد في ما لو حكم ببراءته في ما بعد… أي بعد 21 يوماً أو ستة أشهر… ألا تدركون أن حوائط السجن المظلمة لا تفرق في دولنا البائسة بين صاحب الكلمة وحامل سكين تنقط دماً أحمر.

احمد الصراف

يوم مات عبدالقادر الشيخ

تجاوبا مع مقال براشوت «شارلز بلوم»، كتبت القارئة «ف.ش» القصة الحزينة التالية:
في صباح 6 مارس الماضي فوجئنا بأصوات فزع تصدر من المطبخ، وعندما هرولنا لاستطلاع الأمر وجدنا عبدالقادر الشيخ جثة هامدة على أرض المطبخ، نتيجة إصابته بذبحة قلبية حادة وهو لم يتجاوز الستين من العمر.
الصدمة كانت كبيرة ومؤلمة، فعبدالقادر لم يكن يعمل سائقا فقط، بل كان صديقا وأخا للجميع وأبا للصغار وحتى للكبار، وكان صادقا وأمينا، ولم يكن يكتفي بأداء عمله، بل كان يصر على القيام به بطريقة محترفة مع ابتسامة آسرة حنونة طالما مكنته من دخول قلب كل إنسان عرفه.
وعندما ننظر الآن الى السنوات الخمس الماضية التي أسعدنا عبدالقادر بالعمل لدينا، نشعر بالامتنان والرضا لأننا عاملناه باحترام ومودة، كما عاملنا هو، وعندما كنا نقدم له الشكر كان يقول إنه لا يفعل شيئا غير واجبه.
وعلى الرغم من قبولنا برضا تام المصير السيئ الذي لقيه، فإن هناك ما يزعج الضمير ويقلقه، خصوصا عندما نتساءل عما كان بإمكاننا فعله لمنع إصابته بتلك الذبحة القلبية القاتلة، أو على الأقل التقليل من آثارها. فعلى الرغم من أنه لم يشكُ أبدا من أي أمراض أو مشاكل فإنه كان يستحق اهتماما أكثر منا عندما كان يبدو مصفرّّ الوجه في الأشهر القليلة الماضية من حياته، فهل كان لديه ارتفاع في ضغط الدم مثلا، أم أن الكوليسترول لديه كان عاليا؟ أم أنه كان يعاني من مشاكل في القلب؟ فعندما قام من نومه صباح ذلك اليوم الحزين، كما أخبرنا زميله، كان يشكو من آلام في كتفيه، ألم يكن من المفترض الاتصال بالطوارئ بدلا من الاكتفاء بتدليك الظهر والصدر لتخفيف الألم؟ أليس من المفترض أن نخبر من يقوم بمساعدتنا في أعمال البيت بأرقام الطوارئ لمثل هذه الحالات ونشجعهم على الاتصال بالإسعاف عند الحاجة؟ فإصابات القلب هي السبب الرئيسي لغالبية الوفيات، ولكن، من يلقَ منهم العناية في الوقت المناسب يعمّر عادة لسنوات طويلة بعدها، وهنا تكمن مسؤوليتنا في إعطاء بعض المعلومات عن أعراض الذبحة الصدرية وغيرها للخدم، وتشجيعهم على مراجعة الأطباء، أو على الأقل طلب عرضهم عليهم.
وأخيرا، أشعر أن من واجبي كأم وكدكتورة أن أقدم الشكر لأمثال عبدالقادر الشيخ الذين تركوا أسرهم وأوطانهم ليعملوا لدينا بأمانة ويحضروا لنا «برشوتاتنا»، ويجعلوا حياتنا أكثر راحة.

أحمد الصراف