يخشى محدثي الذي كان يعبر عن شعوره بالألم وهو يتكلم عن تجربة مع مجموعة من الشباب، ضمَّته معهم حافلة واحدة في عمرة عيد العمال، أن يتحول التديُّن لدى بعض الشباب إلى مجرد (شكل) ظاهري لا عمق له في نفوسهم، فتصبح علامات الالتزام الديني زيف مبطن، وهو أمر خطير للغاية.
ولعل محدثي الرجل الخمسيني على صواب فيما يقول، فهو يتحدث عن ممارسات شاهدها بأم عينه في رحلة (عمرة)، وليست رحلة إلى منتجع سياحي أو حتى إلى (بلاج الجزاير)، وإن كانت رحلات الترفيه إلى أي مكان كان لابد وأن تكون بعيدة عن مظاهر سوء الخلق والفوضى والهمجية، فما بالك برحلة إيمانية إلى البقاع المقدسة الطاهرة.
هي جلسة حديث عابر مع ذلك الإنسان، لكن في ملاحظاته ما يستحق أن نقدمها للقراء الكرام، فمن المواقف التي ذكرها عن رحلة (العمرة)، وجود عدد من الشباب الذين كانوا طوال الطريق يقرأون الأدعية والأذكار، وتنوعت الكتيبات الخاصة بأعمال العمرة في أيدي بعضهم، وكان سعيداً بهذا الجو في رحلة برية امتدت لساعات، لكن الوضع اختلف حينما بلغوا الديار المقدسة ليسجل بعض المشاهد التي رآها وكانت من السوء بحيث يجزم بأن أولئك الشباب يقرأون الأدعية والأذكار لمجرد القراءة لا الفهم والامتثال، ولمجرد التباهي ربما بحلاوة الصوت.مجموعة من الشباب، وإن كانوا يرتدون الأزياء التي لا تناسب زيارة البقاع المقدسة، من بنطلونات مزركشة بعضها من النوع (الطايح)، وبعضها الآخر من الذي تتدلى منه حلقات الحديد أو ما شابه، والأقمصة ذات الشخبطات الغربية، اختلفوا مع مقاول الحملة، فما كان منهم إلا أن صبّوا جام غضبهم على الحافلة، ففتحوا غطاء المحرك في غفلة من المقاول والسائق، وأتلفوا بعمد وتقصد المحرك بوضع كمية من الملح فيه، ليقف ذلك المقاول يضرب راحاً براح. في المضيف، لم يكن هناك احترام للنعمة، فكان البعض يعبث ويلعب بالأطعمة، وكأن أولئك الشباب جاءوا ليقضوا وقتاً في تصوير برنامج هزلي كتلك البرامج التي نشاهدها في التلفاز حيث التراشق بالطماطم أو الشطائر ونعم الله التي يجب أن تحترم وتشكر لتدوم.
وليس بغريب بعد ذلك، أن يشاهد هو وغيره، نماذج من أولئك الشباب من الجنسين، شبان وشابات، وكأنهم في متنزه مفتوح للمعاكسات والترقيم، فهذا يقوم بحركات ليجذب انتباه الفتيات، وهذا يقوم بحركات فكاهية سخيفة، وتلك ترفع عباءتها ليرى الناس – ربما – ماركة بنطلون الجينز أو الحذاء الذي تلبسه أعزكم الله، وأخريات لم يجدن بأساً في إظهار بضع خصلات من شعرهن تتدلى على جباههن، أما الألوان الغريبة العجيبة على الوجه فحدث ولا حرج. بين أولئك وهؤلاء، شباب وشابات في قمة الأخلاق، يدركون أنهم إنما يقومون برحلة إيمانية يرجون منها الثواب من الله سبحانه وتعالى، أما زمرة المظاهر، فلم تكن تنفع معهم كلمات المرشدين الدينيين، ولا كلام أولياء أمورهم، ولعل في مقدور علماء الدين و المعلمين، أن يلفتوا نظر الشباب إلى أن التوجه إلى العتبات المقدسة، يتطلب استعداداً نفسياً إيمانياً قويماً طيباً، وليس لتصرفات هوجاء لا تصدر إلا من المغفلين والأغبياء