التشريعات كالدشاديش يفترض ان تُفصّل من قبل محترفين على مقاس مصلحة البلد كي يستفاد منها، كثر لدينا ترزية التشريعات والقوانين غير المحترفين فهذا يضيف للدشداشة الوليدة ذراعا وذلك ياقة وآخر جيبا، وهكذا حتى ينتهي الأمر بلباس «مسخ» أرضى الجميع بقبول زياداتهم وتعديلاتهم إلا انه أصبح في الوقت ذاته دشداشة فريدة لا يستطيع ان يلبسها أو يستفيد منها أحد، ومبروك دشداشة «الخصخصة» الجديدة والفريدة من نوعها في العالم والتي يبيت القطاع الخاص عريانا ولا يلبسها!
وفي العالم أجمع الذي يفترض اننا ننتمي إليه، ما ان تختط الدولة نهجا إستراتيجيا كالخصخصة حتى «تطوع» الدساتير والقوانين والتشريعات لخدمة ذلك الهدف، لدينا حدث العكس وتم تطويع مشروع الخصخصة لخدمة التشريع الذي كتب إبان حقبة اشتراكية الستينيات والذي جعل القطاع الحكومي يترهل بالشكل الذي جعل الجميع يؤمن بالخصخصة كوسيلة لإصلاح أحواله، وكيف للوطن ان يقفز للأمام ويتقدم مادمنا نشد على رجله الوثاق والحبال ممثلة بوثائق وتشريعات الماضي البالية؟!
قانون الخصخصة وئد قبل ان يولد وطرد ضمن تعديلاته العقلاء من المستثمرين وجعل مفتوحا على قلة قليلة من مغامري الاستثمار من الباحثين عن سيولة بأي ثمن، حاله كحال قانون الـ B.O.T الذي تكفل بقتل ودفن ذلك التوجه الطموح ثم وقف قاتلوه باكين يستقبلون المعزين بقتله، بعض القوانين تعدل باسم مصلحة الكويت وهي الأكثر ضررا بتلك المصلحة!
وتطبخ التشريعات والتعديلات في العالم أجمع على نار هادئة بينما تسلق التعديلات في الكويت على نار الاستعجال الحارقة ثم نكتشف لاحقا استحالة تطبيقها كحال فرض الضوابط الشرعية على الناخبات والمرشحات التي جعلت برلماناتنا المتعاقبة فاقدة الشرعية والأهلية الدستورية لمشاركة النساء في الانتخابات وهن غير ملتزمات بضوابط «آخر لحظة». إضافة ضوابط الشرعية «من تاني» لقانون الخصخصة قضت على ما تبقى من أمل لذلك الوليد المشوه، وتنجح بامتياز العمليات التي يجريها هواة التشريع تحت قبة برلماننا العتيد ويتبادل الجراحون عادة التهنئة وينسون ان المريض قد مات!
وجرت العادة على ان تبدأ الخصخصة بالقطاع الأسهل ثم الأكثر صعوبة وهكذا حتى «تنتهي» بقطاع الطيران في نهاية لائحة مشاريع التخصيص كونه القطاع الأكثر صعوبة في الكويت، وتصديقا لمسؤول سابق لم يعرف عنه قط الصدق او الكفاءة تم اختيار قطاع الطيران لأن يكون «أول» قطاعات التخصيص حتى اذا فشلت التجربة – وهي فاشلة لا محالة – صاح الاشتراكيون والشيوعيون الجدد: «ألم نقل لكم ان الخصخصة غير نافعة؟!».
آخر محطة:
(1) قال لي عبر الهاتف وهو مواطن كويتي معروف كبير السن لم يود ان نذكر اسمه، ان كثرة الأخطاء في تشريعاتنا قد جعلت الإصلاح التشريعي في حكم المستحيل لوفرة المستفيدين من الجمود، رغم ان إصلاح السلطة الثانية كفيل بإصلاح وحسن أداء السلطات الثلاث الأخرى (بما فيها السلطة الرابعة)، لذا يرى المتصل أنه لا حاجة – كما يطرح – لتعديل محدود في الدستور الذي أصبح الخصم والحكَم – حسب قوله – بل ان الحل المؤسسي يكمن في خلق مجلس تأسيسي جديد يخلق تشريعات متطورة مواكبة للعصر تقفز بنا سريعا للأمام بعد ان كاد ركب ومراكب الأمم الأخرى تختفي بعيدا تحت الأفق في وقت لايزال فيه ركبنا ومراكبنا تراوح محلها وصراخ ركابها يملأ فضاء المدينة!
(2) في مجتمعات الديموقراطية الحقيقية ـ لا الديكتاتوريات المستترة ـ لا يكفر سياسيا ووطنيا من يقول بمثل هذا القول، بل يعقب عليه بعقلانية وحكمة دون تجريح، سواء بالرفض او الموافقة، فأين نحن من تلك المجتمعات؟!