محمد الوشيحي

إن مع العسر يسراً

بلغة الاقتصاديين، في أوقات جني الأرباح تتهاوى الأسهم ويحمرّ مؤشر السوق. والحكومة اليوم تجني أرباحها الهائلة، ومؤشر الدولة أحمر دم غزال، والأسهم تتهاوى، والدولة تتعرى، لم يبقَ عليها إلا الفانيلة العلّاق، بس، وكأنّها ستصوّر فيديو كليب مع الفنان التونسي أحمد الشريف، الذي عرفناه بالفانيلة العلاق، والحريات مسحوبة من قفاها إلى أمن الدولة، والزميل محمد عبد القادر الجاسم رايح جاي، بين النيابة وأمن الدولة، كما مترو الأنفاق ذي الوجهتين، والضباع تتمشى على البحر، وتتناول الآيسكريم بالفانيليا والفراولة، وقليل من المكسرات، وكثير من تكسير الكلمات، وسرقة العصر "طوارئ 2007" لم ينتهِ التحقيق فيها، ولن ينتهي، واللص يجلس واضعاً رجليه على الطاولة بكل زهو، كما يفعل ضابط المباحث في الأفلام المصرية، والحالة حالة، ودانا علم دانا.

لكن الخالق يقول: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً"، سبحانه. وأثناء كتابة المقالة بلغتني أنباء جعلتني أقفز من مكاني فرحاً، أنباء تقول إن "حبّات المسبحة السوداء بدأت تتساقط، الواحدة تلو الأخرى، وإن اللصوص بدأوا جمع حاجياتهم للهرب بسرعة من المكان، قبل هجوم سكان العمارة الغاضبين عليهم".

واليوم شعرت أن "خليجنا واحد"، فعلاً لا قولاً، وأن الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، هي التي تضع المرهم على جراح شقيقاتها الصغريات، وتسهر على راحتهن، وتمنعهن من السهر مع أصدقاء السوء. والسعودية تعلم أن شقيقتها الكويت فاتنة حسناء، بابلية العينين، يوسفية الوجه، وأنها عرضة لشباب الأسواق ومعاكساتهم، والكويت لم تشكّ يوماً في حضن السعودية، ولم تنم بقرب السعودية وحقيبة يدها تحت الفراش، بل تضع حقيبتها بما فيها على الكوميدينو، فهي تعلم أن السعودية إن لم تزِدها فلن تُنقصها، وقد جرّبت ذلك عام 1990.

وآه ما أجمل دفء مياه الخليج العربي، وما أجمل اجتماع الشقيقات الخليجيات على صحن واحد، وعلى قلب واحد، وما أجمل الصدق في الحديث، وما أبشع المجاملات، وألا لعنة الله على أصدقاء السوء، أعداء شقيقاتنا، المتربصين بهن خلف كل جدار.

والكويت التي تشاهدها اليوم فتظن مخطئاً أنك أتيت متأخراً عن حفلة حمراء راقصة أقيمت فيها البارحة، دارت فيها الأقداح على أشد ما يكون الدوران، فتبعثرت الكراسي في الصالة، وتناثرت الكاسات على الأرض، وتهشمت… هي ليست كذلك، بل هي تعرضت لأكبر من ذلك، تعرضت لعملية سرقة منظمة وتحطيم وتكسير، وتم تفتيت شعبها، وتكبيل أيادي حرياتها، وتم تشويه لوحاتها الفاخرة المعلقة على جدرانها، وتم تقطيع أوراق شجرتها، وتم قتل نسورها وصقورها فخلا الفضاء للغربان وعلا نعيقها، فرفع الناس رؤوسهم إلى السماء وقرأوا بخشوع: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً"، واستجاب لهم ربهم.

* * *

اليوم تحل ذكرى وفاة أميرنا الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، وتسقط دمعة حزينة صامتة.

سامي النصف

حصاد الأسبوع

باقتا ورد لوزير الشؤون الفاضل د.محمد العفاسي، الأولى لعدم المجاملة في الحق وإحالته متجاوزي وزارته للنيابة العامة، والثانية للجهد الطيب الذي بذله في مؤتمر حقوق الإنسان في جنيف ومساهمته في تبرئة اسم الكويت من التهم التي ألصقت بها.

وتهنئة قلبية للدكتور الفاضل عبدالله المعتوق على تقلده رئاسة مجلس إدارة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، والشكر موصول للعم الفاضل يوسف الحجي وللعاملين في الهيئة وعلى رأسهم الزميل العزيز يوسف عبدالرحمن على ما بذلوه ويبذلونه من جهد لرفع المعاناة عن المحتاجين في العالم وإعلاء اسم الكويت بين شعوب الأرض.

لقاء ممتع مع النائبات الفاضلات أقامته الزميلة «القبس» واحتضنته جمعية الصحافيين الكويتية، حضره رئيس تحريرها الزميل وليد النصف و«الدينامو» حسين عبدالرحمن، ورأيت ضمن مداخلتي ان النائبات أضفن كما شديدا من الاحتراف للعمل النيابي عبر عملهن الجاد في اللجان وعدم تجريح بعضهن البعض عند التباين في المواقف اضافة الى الشجاعة و«المرجلة» في الآراء وجعل بوصلتهن مصلحة البلد، فلا موالاة دائمة ولا معارضة دائمة كحال كثير من النواب الآخرين.

سألني مذيع «العربية» مساء امس ان كان سبب سقوط طائرة الخطوط الأفريقية الليبية هو خطأ الطيار أم الأنواء الجوية وضعف الرؤية أم الخلل الفني؟ فكانت الإجابة ان أيا من تلك العوامل وحده لا يسقط عادة الطائرة، أما ما يسقط الطائرات فهو اجتماع تلك العوامل معا، فالرحلة المنكوبة كانت قادمة من جنوب أفريقيا في رحلة ليلية شاقة جاوزت 9 ساعات مما يتسبب في إجهاد شديد للطيارين ويجعلهم أكثر احتمالا للتعرض للخطأ البشري وكثير من حوادث الطيران تقع ـ كحال «الليبية» ـ في الصباح الباكر بعد رحلة ليلية مجهدة.

كذلك فقد كانت الرؤية ضعيفة في مطار طرابلس وقيل ان الكابتن يوسف الساعدي قد أعلن الطوارئ بسبب أعطال فنية ولربما حريق في الطائرة، وقد تحدثت في اللقاء عن مصادفة الرقم «103» مع حوادث الطيران المرتبطة في ليبيا، فنجاة الطفل الهولندي جعل عدد الضحايا «103»، وقد سبق لليبيا ان اتهمت بإسقاط الطائرة بان آم «103»، كما ان أكبر حادث في تاريخ ليبيا وقع عام 1992 في نفس مكان الرحلة الحالية للرحلة الليبية رقم «1103».

آخر محطة:

(1): العزاء الحار للشعب الليبي الشقيق ولأهالي طاقم وركاب الرحلة الأفريقية المنكوبة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(2): في هذه الأوقات المبكرة ورغم التصريحات، لا يمكن استبعاد العامل الأمني حتى انتهاء التحقيقات الأولية.

حسن العيسى

ليس من أجله وإنما من أجلنا

هي قضيتنا لا قضية زميل وصاحب رأي، اتفقنا أو اختلفنا معه في ما يقول وفي ما يكتب، هي قضيتنا حين نفكر، هي قضيتنا حين نعبر، هي قضيتنا حين ننتقد ونسطر ما نراه يضر بالمصلحة العام ويثير هواجسنا من مستقبل مقلق، ومهما كانت قسوة الكلمة على الغير المتضرر، فالكلمة ليست فعلاً ولا عملاً. هي تعبير عن رأي، وهي إفصاح عن المعنى كما يريده صاحبها، وإذا أجاز المشرع، وهو يتخبط في معنى حرية التعبير حين صدّر تشريعات "دراكو"، كما هي ممثلة في قوانين الجزاء وأمن الدولة والمطبوعات والنشر، أن يُعمل مثل تلك التشريعات فتلك مسؤوليته من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو (المشرع) يوكل ضمناً إلى سلطة القضاء حق تعديل حالة الشذوذ لتلك التشريعات، كي يرمم عوارها لمصلحة الحرية الإنسانية وحق التعبير. وهذا أساس تلك الحرية وقوامها الراسخ في العصر الحديث. هكذا نفهم مبدأ الفصل بين السلطات وهكذا يتعين علينا أن نقف دون تردد لمصلحة حق الكلمة مسموعة كانت أو مكتوبة.

ليست هي قضية المواطن محمد الجاسم اليوم بعد أن زج به في سجون أمن الدولة، لأنه كتب وعبر عن رأيه، وليس من حقنا وليس من حق أحد أن يشق صدر الزميل محمد الجاسم وينبش عما قصده ومبتغاه حين كتب وعبر، وليس من حق أحد أن يزج برؤيته وفهمه الخاصين في تفسير ماذا أراد صاحب الكلمة وماذا عساه رمى حين كتب وقال! فالقضية هي قضية كلمة لا أكثر، هي قضية حروف لا يجوز أن يكون جزاؤها السجون ومصادرة الحرية… هي رأي بالنهاية، هي رأي آخر نقبله أو نرفضه، هي مسألة من شأننا الخاص، ولنا كذلك حق اللجوء إلى حكم القانون من غير تعسف ومن غير جور… أكرر من غير تعسف ومن غير افتراضات سوء النية، ونصب الفخاخ لصاحب الرأي.

خلقت القوانين- وقبلها الأعراف قبل التدوين- كي تحافظ على المجتمع، وتؤسس كيان الدول حين وجدت فكرة القانون في العصور الغابرة، واليوم ليس القانون أداة لحفظ نظام الحكم فقط، وإنما وسيلة لحفظ كيان الدولة المشتق من حفظ حريات الأفراد في دولة الحداثة…!

قبل أن نلجأ إلى حكم القانون علينا الاطمئنان إلى حكم العدالة، والعدالة هي الإنصاف وروح الإنسانية… والإنسانية لا تعني غير كرامة الإنسان وحريته في ممارسة وجوده، فهي حرية العقل الواعي… تلك أولويات وبديهيات لا يجوز الحياد عنها ولا يصح أن نهشها تحت أي ذريعة كانت.

ختاماً، من حقنا نقد رأي محمد الجاسم وبيان أوجه الخطأ فيه، لكن ليس من حق أحد ولا من سلطانه أن يصادر حريته ويروعه بسيف القانون متى انحرفنا عن سكة سير صاحب الشأن، فبالتأكيد أنه متى سكتنا اليوم عن سجن صاحب الرأي، فسنصمت غداً حين نكون شهوداً على مذبحة حرية الفكر.

سعيد محمد سعيد

سياسة «اللوح الخشبي»

 

ربما كان الشعور بالألم بالنسبة لخمسة أطفال يشاهدون والديهما يتشاجران وقت تناول الطعام أشد وأوجع من ألم اللوح الخشبي الذي ضرب به الزوج زوجته وشقيقها وفق ما قرأنا في الصحافة أمس.

وليست هذا القضايا هينة كما يرى البعض، أو أن على الصحافة ألا تتناولها وتبتعد عنها تحت عبارة «نشر غسيل الناس»، فهذا كلام فارغ مجوف لا يعي صاحبه ما يقول، فالمجتمع البحريني، ويجب إعلانها بقوة، يعاني من ممارسات خفية خطرة للغاية، لكنها تظهر إلى سطح الحياة العامة في شكل بشر يعانون من الأمراض النفسية والتوتر والخوف والقلق، وأن قيام الصحافة والإعلام بشكل عام بطرح مثل هذه القضايا إنما لتنبيه الناس، فلو لم تنشر «الوسط» يوم أمس خبر ضرب الزوجة وشقيقها باللوح الخشبي لما استطاع القراء، وهم شريحة من المجتمع، أن يتداولوا الآراء فيما بينهم عبر التعقيبات.

فالخبر أعلمنا بقيام النيابة العامة التابعة للمحافظة الوسطى بحبس متهم بحريني (زوج) ضرب زوجته وشقيقها، لمدة 7 أيام على ذمة التحقيق، وتشير تفاصيل القضية إلى أن الزوج والزوجة اللذين أمضيا 17 عاماً من الحياة الزوجية ولديهما 5 أبناء حصل بينهما خلاف وقت الغداء فقامت الزوجة بسكب الأرز و»المرق»، فقام الزوج بسكب «المرق» على ظهر زوجته، وفي اليوم الثاني حدث خلاف على وجبة الغداء ثانية، فقام الزوج بضرب زوجته، فطلبت الزوجة من أحد أبنائها إبلاغ شقيقها للحضور، فما كان من الزوج إلا أن ضرب زوجته وشقيقها بلوح خشبي.

سياسة اللوح الخشبي، هي واحدة من الممارسات الخفية، ففي البحرين، ووفق دراسة محلية، هناك 30 ألف امرأة بحرينية تتعرض للعنف سنوياً، ولا يمكن حصرها في ضحية واحدة هي الزوجة، فهناك من يعيش في صراع نفسي داخلي ينمو ويتعاظم خطره وهم الأطفال الذين كثيراً ما تقع أعينهم وأفئدتهم على مشاهد تجعلهم يصابون بصدع خطير من الداخل، حينما يعيشون لحظات من الألم والخوف والهلع بسبب الخلافات بين الأب والأم، وما يتبعها من اضطراب في حياة الأسرة التي ستفقد فيما بعد استقرارها وأمانها.

لست مع الرأي القائل بأن الصحافة تنشر غسيل الناس! إنما هي تقوم بنقل وقائع وأحكام شهدتها جلسات المحاكم، وتبلغ الناس بها… فلا أسماء ظاهرة ولا أوصاف لأصحاب القضايا، إنما شرح موجز للواقعة والحكم التالي لها.

نعيش اليوم في وضع صعب للغاية وانظروا حولكم، فعلاوة على (التجنيس العشوائي المرفوض) الذي يرجعه البعض كسبب محوري في كل مشكلة وفي كل قضية وفي كل مصيبة يعاني منها المجتمع البحريني، لا يجب أن ننسى بأن هناك مشاكل اجتماعية يكون السبب فيها المواطنون، لنلقي نظرة على طبيعة العلاقات والمعاملات في الشارع، العمل، المستشفى، الخباز بل وحتى في المسجد، سنجد أن احمرار العين والاستعداد للهجوم والتنازع، هو السمة السائدة على الكثير من الناس، وهذه أخطر من كل القضايا والملفات العالقة، لأنها تدمر اللبنة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة.