حسن العيسى

قولوا لنا ما العمل؟

كأننا نقترب من إعلان ثورة أكتوبر 1917 المجيدة التي أطاحت بالنظام القيصري في روسيا وإقامة دولة العمال الاشتراكية، "بروليتاريا" الموظفين في حكومة "خليها على الله" وتوابعها سيعلنون الثورة الكبرى على مشروع قانون الخصخصة، وعلى رأسمالية التجار المتنفذين الذين سرقوا الدولة بالأمس بشكل غير رسمي، وسيبتلعونها غداً رسمياً تحت جلباب الخصخصة، ولن يجد عمال جنرال موتورز وكرايزلر وتقنيو وكالة ناسا للعلوم الفضائية وغيرهم من قوى الإنتاج الورقي و"ترويقة" فول وفلافل الضحى وظائفهم غداً، عندما يستغني عنهم التجار وكلاء السيارات ومستحضرات التجميل، وهم "كمبرادور" الاستعمار  وصندوق النقد والبنك الدولي والعميل توني بلير.
ماذا يحدث اليوم في الكويت وأي معركة بؤس ضد مشروع قانون الخصخصة؟ وحتى هذا المشروع ولد على الطريقة الريعية الخليجية من ضمانات لليد الوطنية تذهب بمعنى التخصيص مع غياب كامل لمنظومة تشريعات للشفافية وضريبة دخل ورقابة مالية فعالة تضبط سير إجراءات التخصيص حتى لا يظلم الناس في مصادر رزقهم… ويصير إحلال قوى العمال الآسيوية مكان العمالة الكويتية…
الخصخصة ليست وصفة دواء تشفي من داء الريع والاتكال الكويتيين اللذين تزامنا مع تصدير أول برميل نفط كويتي في أربعينيات القرن الماضي، وتم تدريجياً القضاء على روح العمل والإنتاج عند الإنسان الكويتي، وحل محلها مفهوم الجنسية الكويتية كوسيلة وحيدة لضمان بحبوحة العيش الرغيد، وصار الأجر مقابل الجنسية لا العمل. وليست الخصخصة هي الطريق إلى القضاء على الفساد في دولة الموظف العام. العكس أحياناً هو الصحيح، ففي باكستان الخصخصة تساوي الفساد، وأعلن وزير الداخلية في روسيا عام 1993 أن 30 في المئة من المحال والصناعات الصغيرة استولت عليها المافيا الروسية وأصحاب الإثنيات العرقية بعد بداية التخصيص في روسيا، وهنغاريا التي بدأت الخصخصة عام 1989 تم تسمية اقتصادها المختلط بـ "جلواش الشيوعية"، وجلواش هي شوربة فوضى من اللحم والخضار اشتهرت في دول أوروبا الشرقية.
ندري بكل عورات الخصخصة التي ليس لها أول ولا آخر، لكن ما الحل وأمامنا لغة الأرقام التي تحدث بها بقوة جاسم السعدون في لقاء تلفزيون الراي مع التحالف الوطني؟ ما العمل حين يصير من الاستحالة توفير رواتب لـ 80 في المئة من العاملين في الحكومة حين يتضاعف سكان الكويت عام 2035؟! وما العمل ونحن أمام واقع أن 90 في المئة من دخل الدولة يكمن في سلعة البترول وأنه سيتناقص وقد توجد له بدائل خلال السنوات القادمة؟! وما العمل عندما أضاعت السلطة بوصلة التعليم وأحلت الكم بدل النوع، واستثمرت في أسهم وسندات وأوراق مالية بمديري محافظ مالية ماركة "بلاعين البيزة" يتقادمون على كراسيهم ولا أحد يزحزحهم عن جبالهم الراسخة في التكسب والارتزاق من المال العام بدلاً من الاستثمار في الإنسان الكويتي بالثقافة والتعليم الجيد؟
ندري ونعلم بكل ذلك… ندري أننا مع الخصخصة وبوجود حكومة وحكومات ليس لديها رؤية للمستقبل وتغرق في شبر ماء نخاطر وندخل في عالم المغامرة… لكن من جديد ما الخيار الآخر أمام ثوار إمبراطورية الموظف العام وجيوش اجلس في بيتكم والراتب مضمون…؟! بدلاً من تحريك التجمعات والمسيرات، أما كان من الأولى أن يقدم ثوار "الطبقة الثالثة" الكويتيون – تأسياً بمجلس طبقات الشعب الفرنسي قبل ثورة 1789 – رؤيتهم وطريقهم لحل معضلة تفجر الوظيفة العامة، وأن يقدموا مشاريع القوانين التي تضمن مستقبل الأجيال مثل قانون ضريبة الدخل، ويبدأوا في تشريع ضوابط الرقابة على التخصيص مثل قوانين الشفافية ومنع الاحتكار وغيرها؟ أم ماذا… هل نحن أمام معركة ضمان الغد للأجيال أم ضمان الشعبويات وضمان سيادة الجهل والتواكل…؟

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *