محمد الوشيحي

عندما يجوع الخليجيون

منذ نحو سبعمئة وثمانين سنة، وأنا أحاول تغيير نظامي الغذائي، خصوصاً أثناء السفر. إذ لا يجوز أن أستيقظ من نومي فلا أتناول شيئاً، وأبقى على حالتي هذه طوال اليوم، فأجوع وأجوع وأجوع، حتى أترنح لشدة الجوع، قبل أن ألجأ إلى أقرب مطعم، وأقبّل خشم الجرسون كي يستعجل الطلب، فهو أغلى الناس وأحلى الناس. وأثناء الانتظار، أنهض من مكاني متظاهراً بالبحث عن المغسلة كي أختلس نظرة على المطبخ لأتأكد من أن "الأمور تسير على خير ما يرام"، كما يقول المستشارون للحكام، حفظهم الله. أقصد يحفظ الحكام ومستشاريهم. فلا يجوز أن تدعو للحاكم وتترك مستشاره بلا دعوة، سلط ملط. فهم يؤخذون "باكيج"، حاكم ومستشاره في طرف العلبة.

ويطول غياب الجرسون، فأقرر قتل الوقت، وألتفت إلى الزبائن ملوحاً لهم بيدي: "هلا بالشباب، هلا والله، الجوع كافر، من عنده نكتة؟"، ولا مجيب، فأستجديهم: "واحد يقول نكتة، يرحم أمكم، بموت من الجوع"… وما إن يُقبل الجرسون يتهادى حاملاً أطباق الأكل حتى أكرّ عليه ولا سيد القلاف: "عنّك عنّك عنّك". ثم يبدأ الانتقام يا ريّس، أي والله. ولو كان الأمر بيدي لأطفأت الأنوار. وقد علّق أحد الأصدقاء يوماً: "أنت لا تتناول الطعام مثلنا، أنت تنام معه، يا عمي ما قصة (الآه) التي تطلقها بعد كل لقمة؟"، فعلّقت: "أنا أنام مع الأكل بالحلال، وبرضا الطرفين، لكن غيري ينام مع الشعب". طبعاً أقصد حكومات أوروبا وبرلماناتها.

وأنا خليجي، والخليجيون منذ عام واحد وثمانين (عام تأسيس مجلس التعاون الخليجي) يجوعون ويجوعون ويجوعون إلى أن تحدث كارثة، وتنطلق أصوات المنبّهات، فيهرولوا للاجتماع على عجل، ويحضر بعضهم بالبيجامة، ثم يخرجوا من اجتماعهم بتوصيات: "الستائر في اجتماع الدوحة أطول منها في اجتماع الكويت"، و"كراسي اجتماع الرياض أكبر من كراسي اجتماع مسقط"، وينشئوا لجنة للكراسي ولجنة للستائر.

ونحن نحب إيران، وإيران تحبنا، وبليغ حمدي يقول على لسان ميادة الحناوي: "يا حلاوة الحب آه، وحبيبي وأنا وياه"، الله يا بليغ، كم أنت بليغ، وكأنك تعرفنا وتعرف إيران.

وأمس استيقظ الخليجيون فوجدوا إيران جنب السرير، فغضبوا، واجتمعوا، وقرروا إنشاء لجنة للستائر ولجنة للكراسي، وأصدروا بيانهم: "إيران بايخة"، فتدخّل الحكماء وغيّروا لهجة البيان فأصبح: "إيران ليست حلوة"، فتدخل العقلاء وشذّبوا البيان وهذّبوه فأصبح: "إيران ليست"، وعند المراجعة تبيّن أنها جملة غير مفيدة، فألغوا كلمة "ليست"، وصدر البيان الختامي: "إيران"، فردت إيران: "نعم؟"، فردوا عليها: "تبين شيء من البقالة؟".

سامي النصف

للسخونة السياسية أثمان تدفع!

الخصخصة ليست برشامة دواء نأخذها مساء فنستيقظ على صباح مشرق جميل، تختفي فيه كل اشكالات الادارة الحكومية وتزداد ضمنه كفاءة الموظف الكويتي وحبه للعمل فيصبح كحال الاعلامية الاميركية جاكي سينروز التي فازت ليلة قبل الامس بـ 266 مليون دولار في اليانصيب الوطني فأصرت على ان تبقى في دوامها الليلي حتى الصباح ثم اعلنت بعد ذلك انها لا تستطيع العيش دون عمل لذا ستبقى في وظيفتها رغم الجائزة.

في عام 1993 اقرت الدولة استراتيجية الخصخصة، وكان يفترض في ذلك الزمن البعيد ان تدور حوارات جادة ومثمرة بين الحكومة ومجلس الامة للاتفاق على خطة طويلة المدى تجدول خلالها القطاعات المراد خصخصتها، فالبعض تتم خصخصته حتى عام 2000 والبعض الآخر في فترة 2000 ـ 2010 وثالث 2010 ـ 2020.. الخ (بدأت الخصخصة في مصر قبل 40 عاماً ومازالت مستمرة حتى اليوم).

وكان من الضرورة بمكان ان يتفق على نوع الخصخصة المطلوبة لكل قطاع (للخصخصة اشكال عدة)، فقطاع الطيران يمكن ان يبقى لاسباب استراتيجية ضمن ملكية الدولة على ان تخصص الادارة فيه عبر عقد ادارة مع شركة طيران متقدمة، القطاع النفطي يمكن ان يكون ضمن نوع آخر من الخصخصة وهي خصخصة ادخال الشريك الاستراتيجي الكفيلة باحضار التقنيات الحديثة التي نحتاجها لاستخراج النفط من المكامن الصعبة في حقول الشمال مع ابقاء الملكية للدولة.

قطاع ثالث يمكن ان يخصص بطريقة الـ «B.O.T» اي استئجار واستثمار وتطوير لحقبة من الزمن ثم عودة الملكية للدولة، قطاع رابع يتم بيعه بالكامل لجهة مختصة ترتقي بأدائه كحال الخدمات البريدية، قطاع خامس عبر الاكتتاب العام وتمليك العاملين فيه جزءاً من الاسهم (القطاعات الرابحة فقط)، وسادس قد يكتفي بتغيير ادارته المترهلة واستبدالها بدماء شابة مقتدرة تمنح صلاحيات كاملة لادارته بنفس منهاجية القطاع الخاص حيث ان الخصخصة هي «وسيلة» لتحسين الخدمة ورفع العوائد المالية للدولة وليست «غاية» بذاتها (تجربة طيران المصرية والاردنية واللبنانية).

وواضح ان شيئا من هذا لم يحدث بسبب انشغال السلطتين الاولى والثانية بعمليات التسخين السياسي المستمرة حتى انتهى الامر بقرار تخصيص «الكويتية» في وقت ترفع فيه الدولة شعار كويت المركز المالي الذي احد متطلباته الرئيسية وجود شركة طيران وطنية تحضر المستثمرين والسائحين من مختلف اصقاع الارض حتى لو تعرضت لخسائر مالية حيث سيتكفل ما يصرفه القادمون للبلد بتعويض تلك الخسائر وهو امر لا يمكن ان تقوم به شركات الطيران الخاصة (لا مانع على سبيل المثال من ان تخسر «الاماراتية» مئات الملايين مادامت تكفلت باحضار سائحين ومستثمرين يصرفون المليارات في البلد).

آخر محطة:

 1 – نرجو الا تصبح الخصخصة وسيلة لاثارة الاحقاد على المخلصين من تجار الكويت صغارهم قبل كبارهم ممن جل ذنبهم انهم لم يقبلوا بالركون للوظيفة المضمونة والراتب الحكومي.

2 – اخبرني احد كبار تجار المواد الغذائية في الكويت بأنهم غير مؤيدين للخصخصة حيث ان لهم تجربة مرة معها فقبل ان تخصص شركة المخازن العمومية كان سعر متر التخزين بدينار، اما بعد الخصخصة فأصبح بـ 6 دنانير فلماذا نشتم حسب قوله على شيء لم نطالب به؟!

حسن العيسى

قولوا لنا ما العمل؟

كأننا نقترب من إعلان ثورة أكتوبر 1917 المجيدة التي أطاحت بالنظام القيصري في روسيا وإقامة دولة العمال الاشتراكية، "بروليتاريا" الموظفين في حكومة "خليها على الله" وتوابعها سيعلنون الثورة الكبرى على مشروع قانون الخصخصة، وعلى رأسمالية التجار المتنفذين الذين سرقوا الدولة بالأمس بشكل غير رسمي، وسيبتلعونها غداً رسمياً تحت جلباب الخصخصة، ولن يجد عمال جنرال موتورز وكرايزلر وتقنيو وكالة ناسا للعلوم الفضائية وغيرهم من قوى الإنتاج الورقي و"ترويقة" فول وفلافل الضحى وظائفهم غداً، عندما يستغني عنهم التجار وكلاء السيارات ومستحضرات التجميل، وهم "كمبرادور" الاستعمار  وصندوق النقد والبنك الدولي والعميل توني بلير.
ماذا يحدث اليوم في الكويت وأي معركة بؤس ضد مشروع قانون الخصخصة؟ وحتى هذا المشروع ولد على الطريقة الريعية الخليجية من ضمانات لليد الوطنية تذهب بمعنى التخصيص مع غياب كامل لمنظومة تشريعات للشفافية وضريبة دخل ورقابة مالية فعالة تضبط سير إجراءات التخصيص حتى لا يظلم الناس في مصادر رزقهم… ويصير إحلال قوى العمال الآسيوية مكان العمالة الكويتية…
الخصخصة ليست وصفة دواء تشفي من داء الريع والاتكال الكويتيين اللذين تزامنا مع تصدير أول برميل نفط كويتي في أربعينيات القرن الماضي، وتم تدريجياً القضاء على روح العمل والإنتاج عند الإنسان الكويتي، وحل محلها مفهوم الجنسية الكويتية كوسيلة وحيدة لضمان بحبوحة العيش الرغيد، وصار الأجر مقابل الجنسية لا العمل. وليست الخصخصة هي الطريق إلى القضاء على الفساد في دولة الموظف العام. العكس أحياناً هو الصحيح، ففي باكستان الخصخصة تساوي الفساد، وأعلن وزير الداخلية في روسيا عام 1993 أن 30 في المئة من المحال والصناعات الصغيرة استولت عليها المافيا الروسية وأصحاب الإثنيات العرقية بعد بداية التخصيص في روسيا، وهنغاريا التي بدأت الخصخصة عام 1989 تم تسمية اقتصادها المختلط بـ "جلواش الشيوعية"، وجلواش هي شوربة فوضى من اللحم والخضار اشتهرت في دول أوروبا الشرقية.
ندري بكل عورات الخصخصة التي ليس لها أول ولا آخر، لكن ما الحل وأمامنا لغة الأرقام التي تحدث بها بقوة جاسم السعدون في لقاء تلفزيون الراي مع التحالف الوطني؟ ما العمل حين يصير من الاستحالة توفير رواتب لـ 80 في المئة من العاملين في الحكومة حين يتضاعف سكان الكويت عام 2035؟! وما العمل ونحن أمام واقع أن 90 في المئة من دخل الدولة يكمن في سلعة البترول وأنه سيتناقص وقد توجد له بدائل خلال السنوات القادمة؟! وما العمل عندما أضاعت السلطة بوصلة التعليم وأحلت الكم بدل النوع، واستثمرت في أسهم وسندات وأوراق مالية بمديري محافظ مالية ماركة "بلاعين البيزة" يتقادمون على كراسيهم ولا أحد يزحزحهم عن جبالهم الراسخة في التكسب والارتزاق من المال العام بدلاً من الاستثمار في الإنسان الكويتي بالثقافة والتعليم الجيد؟
ندري ونعلم بكل ذلك… ندري أننا مع الخصخصة وبوجود حكومة وحكومات ليس لديها رؤية للمستقبل وتغرق في شبر ماء نخاطر وندخل في عالم المغامرة… لكن من جديد ما الخيار الآخر أمام ثوار إمبراطورية الموظف العام وجيوش اجلس في بيتكم والراتب مضمون…؟! بدلاً من تحريك التجمعات والمسيرات، أما كان من الأولى أن يقدم ثوار "الطبقة الثالثة" الكويتيون – تأسياً بمجلس طبقات الشعب الفرنسي قبل ثورة 1789 – رؤيتهم وطريقهم لحل معضلة تفجر الوظيفة العامة، وأن يقدموا مشاريع القوانين التي تضمن مستقبل الأجيال مثل قانون ضريبة الدخل، ويبدأوا في تشريع ضوابط الرقابة على التخصيص مثل قوانين الشفافية ومنع الاحتكار وغيرها؟ أم ماذا… هل نحن أمام معركة ضمان الغد للأجيال أم ضمان الشعبويات وضمان سيادة الجهل والتواكل…؟

احمد الصراف

التحول للإسلام

هاتان تجربتان حقيقيتان حدثتا مع صديقين مختلفين أرويهما بكل أمانة وتجرد من دون تعليق.
الأولى حدثت قبل سنوات في قصر العدل عندما ذهب الصديق الأول وشريكه لانهاء بعض الأعمال، وأثناء تواجدهما في مكتب المسؤول الكبير الذي طلب منهما التفضل بالجلوس دخل أحد الموظفين ليخبر المسؤول بأن هناك من ينتظرون للدخول عليه من أجل إنهاء ترتيبات دخولهم في الإسلام بصورة رسمية، فسمح لهم، فدخلوا ووقفوا أمامه بكل أدب فبادرهم بالسؤال عن صحة نواياهم فأكدوا له ذلك فقال لصديقي: هل تود الشهادة على صحة دخولهم الإسلام؟ فطلب اعفاءه من المهمة وزكى شريكه الأكثر تدينا منه للقيام بالمهمة، وأبدى هذا موافقته بهزة من رأسه. وما ان طلب المسؤول من «المهتدين» الجدد ان يرددوا وراءه ما سيتلوه عليهم حتى دخل ساع يحمل مجموعة من الأوراق التي تحتاج لتوقيع المسؤول، فانشغل بها عن المهمة المقدسة. ثم عاد لهم وقال: قولوا من بعدي: أشهد أن….! وهنا رن جرس التلفون فقام بالرد على المكالمة وعاد ليطلب منهم ان يرددوا وراءه: أشهد أن لا إله… وهنا سمع طرقا على الباب فأذن للطارق بالدخول وإذ بهم مجموعة من المراجعين فأنهى معاملاتهم وعاد للمهتدين ليقول: إلا الله وأن محمدا! وهنا رن هاتفه النقال فانشغل به لأكثر من دقيقتين وعاد للمهتدين ليقول لهم كملوا: عبده ورسوله… يلا خلاص صرتوا مسلمين.
أما الحادثة الثانية فتتعلق بامرأة سيلانية تعمل لدى عائلتين، الأولى عربية مسلمة، من 7 صباحا وحتى الواحدة ظهرا، وبعدها عند عائلة غربية مسيحية. العربية المسلمة لا تسمح لها بتناول أي طعام، أو التوقف عن العمل، أما الغربية فعكس ذلك تماما.
وفي أحد الأيام طلبت هذه السيدة السيلانية من صديقتنا ان تساعدها في الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت اسلامها، وبالسؤال تبين ان الاجراءات يمكن ان تتم اما في مبنى الرقعي أو في برج التحرير، فاختاروا البرج لقربه.
وعندما طلبت الخادمة من مخدومتها، العربية المسلمة، السماح لها بالتغيب لذلك الغرض رفضت من غير ان تخصم عليها مبلغ 3 دنانير! وتقول الصديقة بأن ليس لــ «المهتدية» الجديدة سبب يدعوها لأن تكذب في حق مخدومتها، وهي التي ستتحول لديانتها!
من أجل ذلك ذهبوا لبرج التحرير الأقرب لهم وأثناء انهاء اجراءات الطباعة ووضع الأختام سمعت صديقتي موظفة «محجبة» ولئيمة تقول للموظف المناط به انهاء المعاملة: ليش هذيله ما يروحون الرقعي؟ برج التحرير صاير كأنه مكتب خدم!!
لا تعليق.

أحمد الصراف