محمد الوشيحي

لون الخضرة اخضر

الأوضاع عندنا مقلوبة كزراعة البصلة، رجلها في السماء ورأسها في الأرض. وعندما شاع خبر شبكة التجسس الإيرانية، راحت الحكومة تأكل الرز بالمرق مع الملائكة، وتغط في سبات ونبات، وتركتنا نحن أطفالها نرتعد مبلولين، بردانين، نتبادل نظرات الرعب، ونبتلع ريقنا.

وبعد صمت صامت، استمر يومين، خرج المتحدث باسم الحكومة د. محمد البصيري، ليؤكد لنا، بعد الحمد لله، أن الخضرة خضراء، والحُمرة حمراء، والصلاة على النبي. فصرخنا كما صرخت فيروز «عيدا كمان»، ففعل، فقلّبنا التصريح بحثاً عن كلمة لها اسم وعنوان، ثم وضعنا التصريح على آذاننا وهززناه بقوة كي نسمع خرفشة تفرحنا، فإذا هو كالفضاء الفاضي والخواء الخائي، فيئسنا فعفسنا التصريح ورميناه في الشارع ونحن نضحك على المقلب، ومررنا بحُنين وأخذنا خفّيه وعدنا أدراجنا. الشيء الوحيد الذي فهمناه من التصريح هو اسم المصرّح. والبصيري يعرف جيداً نوع العملة التي تحتاج إليها أسواق الحكومة، ويعرف أن المتحدث باسم الحكومة يجب أن يتحدث فلا يقول شيئاً. نظام هوبّا هوبّا.

والحمد لله أن الذي قبض على الشبكة هو «الاستخبارات العسكرية» في وزارة الدفاع لا مجلس الوزراء. والاستخبارات نعرفها ونثق بها، ونعرف رئيسها اللواء خالد الجراح الذي يحيط نفسه بمجموعة من خيرة الضباط، يعملون بصمت وحب جارف لهذا البلد المسكين. ولتعرفوا الفرق، قارنوا بين تعامل سفاراتنا في الخارج مع المدنيين، وبين ملحقياتنا العسكرية – التي تتبع الاستخبارات – مع العسكريين وأهاليهم. ولعل أكثر ما يطمئننا، برغم عكّ الحكومة، هو أن من يفرش فراشنا ويغطينا بالبطانية، كي ننام، هما خالد الجراح وعذبي الفهد ورجالهما. ولو أن الحكومة هي من يفرش فراشنا للدغتنا العقارب ولهشّمتنا الفيَلة ولتفتتنا، ولتعرّف علينا أهالينا من ساعات أيدينا وموبايلاتنا.

ولا أدري متى نتخلص من روح الفأر التي تلبستنا، فنبحث عن روح أسد أو نمر أو حتى قرد يجيد التشعبط على أغصان أميركا كلما هبّت الرياح الشرقية. وعندما صرخنا في حكومتنا: «أغلقي الباب الذي بيننا وبين إيران، وكدّسي خلفه الطاولات والخزائن والكراسي»، ردّت علينا بصوت لقماني: «ليس بين الطيبين حجاب»، وفتحَت لهم الباب كي يدخلوا في الحوش، ولا يتجاوزوه، لكنها فوجئت بهم في غرفة النوم، وعندما استفسرت أجابوها: «نحن لسنا نحن».

وتقول إحدى النظريات العسكرية: «فكّر بعقلية الآخر»، والآخر هو الحكومة، ولو كنت أنا مكان الحكومة لأعلنت: «الشبكة اعترفت بأن من يموّلها هم نواب التأزيم وسكّان أم الهيمان». 

حسن العيسى

لنَسْمُ قليلاً

لم يكن النائب العراقي عزت الشابندر ممثلاً لأرض السواد – وهي العراق – حين صرح بكل فجاجة بأن الكويتيين في حاجة إلى صدام مرة أخرى كي يؤدبهم، فالعراقيون أنفسهم قبل الكويتيين هم مَن تجرعوا مرارة السم أيام حكم نازي العروبة صدام حسين، وإذا كان تصريح الشابندر حماقةً ما بعدها حماقة، فمن العقل ألا نجاريها بعنتريات مقابلة صدرت من بعض نوابنا حين وجدوا في شخصية نيابية عراقية سيئة مثل الشابندر مناسبة لتقويض كل محاولة للتعاون بين دولتين جارتين، الأولى هي الكويت، التي مازال الكثير من أهلها يحملون جروح الماضي من جراء الغزو الصدامي، والثانية هي الدولة العراقية التي تحاول لملمة أشلائها المبعثرة من بين الطوائف المتقاتلة، ومن بين سياسات انتهازية وفساد مالي وحروب بالوكالة عن دول أخرى يُهْرَق فيها الدم العراقي رخيصاً.

لم يكن احتجاز الطائرة المستأجرة للخطوط العراقية في مطار لندن من قِبَل الجهات القضائية، تنفيذاً لأحكام صادرة لمصلحة الخطوط الكويتية، عملاً موفقاً من الناحية السياسية؛ فقد كانت تلك الرحلة «عرساً عراقياً» بتعبير الأستاذ عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط، الذي أضاف: «إنه مهما كان الحق القانوني فإن الحسابات السياسية عندما توجد تبقى لها الكلمة العليا… ولا يوجد خلاف سياسي يبرر الاستيلاء على طائرة وفتح جروح بين البلدين تكلف الكويت والعراق أكثر وأكبر من مطالب شركة الطيران الكويتية». كان من الأولى أن نتسامى فوق جروح الماضي، ولا نشغل أنفسنا بتهليلات وصرخات الحروب «القبائلية» للثأر من الجانب العراقي أو الكويتي، فالعراق بحاجة إلى الكويت، كما أن الأخيرة بحاجة إلى العراق مهما طال الأمد. ومَن يتصور غير ذلك فليفكر في طريقة لنقل مثلث الأرض الكويتية من رأس الخليج لحشْرِهِ في قلب القارة الأوروبية، فهذا قدرنا وهذا مصيرنا وعلينا التفكير بحصافة العقلاء. وحين يصرح وزير الخارجية الكويتي د. محمد صباح السالم بأن الكويت على استعداد لاستثمار التعويضات التي حصلت عليها من العراق في إنشاء البنية التحتية للعراق وتطوير الجزء الجنوبي منه ليكون منطقة صناعية، فذلك يدل على حصافة الدكتور محمد الصباح ووعيه بمسؤولية الكلمة، وهو يعرف، مثل زميله العراقي السيد هوشيار زيباري، أن مشكلة العلاقة بين الكويت والعراق هي مسألة إقرار الحكومة العراقية واعترافها القاطع بقرار الأمم المتحدة لعام 1993 بتقسيم منطقة الحدود بين البلدين… لكن أين هي الحكومة العراقية اليوم؟ ومتى ستنتهي التجاذبات السياسية في الدولة العراقية المتشظية؟! وحتى يحلَّ ذلك اليوم القادم فأضعف الإيمان الآن أن نبدأ في ترميم الجسور بين الدولتين، والتسامي فوق النعرات العصبية التي يطلقها هذا الطرف أو ذاك، ولا يجوز رهن علاقتنا المستقبلية مع العراق بابتزازات ورهانات انتخابية تسكب الزيت على نيران الجهل والتعصب الأعمى.

احمد الصراف

تعالوا لننهل من العيش لذاته

بفضل أسعار النفط العالية أصبح لدى الكويت فائض مالي كبير. ولو استثنينا ما صرف على التحرير، أو ما سرق وضاع من استثمارات في الخارج، لأمكن القول ان الحكومة لم تصرف الكثير في السنوات الثلاثين الماضية. ولهذا، يعتقد البعض أن ذلك التقتير وشح المشاريع الكبيرة يجب أن يقابلهما الآن صرف سريع وواسع، وهنا تكمن الخطورة! فمن الواضح أن بنيتي الدولة، الفوقية والتحتية، غير مؤهلتين أصلا لمقابلة الاحتياجات الحالية للسكان، فكيف ستكون الحال عليه عندما يصل العدد الى أربعة أو خمسة ملايين نسمة؟! علما بأن الدولة تعاني حاليا شحا في الكفاءات، فكيف بالمستقبل؟! فمعاناة مناطق كثيرة من انقطاع في الكهرباء وانفجار محولات وخروج آلاف خطوط الهاتف من الخدمة وتعطل مصافي النفط وحدوث حرائق في مرافق متعددة.. هي جميعها نتيجة سوء التنفيذ والإشراف في مختلف الأعمال المدنية والكهربائية والميكانيكية في السنوات السابقة، إما بسبب عيوب قانون المناقصات المركزية، التي حرصت على ترسية الأرخص من المناقصات أو شراء الأرخص من المواد، مع غياب واضح للضمير لدى غالبية من نفذوا وأشرفوا على تلك الأعمال، أو في أحسن الأحوال قلة خبراتهم، قبل عشر أو عشرين سنة!
السيناريو السابق سيتكرر حتما، فالكفاءات شبه معدومة، والنظام التعليمي مهترئ والأجهزة الإشرافية فاسدة، وليس هناك ما يشجع على صرف أموال الأمة على ما يسوى ولا يسوى من مشاريع، ولكن يبدو أن البعض يريد الاستفادة من الفوائض المالية بطريقة أو بأخرى قبل أن تفقد قيمتها أو تسرق أو تصرف على شراء الخردة!
يقول أحد المهندسين -وسبق أن سانده مهندس آخر في مخاوفه-: إن أكثر من مرفق حيوي بالغ الخطورة والأهمية، كالمطار ووزارتي الطاقة والمواصلات، تعاني الأمرين، سواء من اضطرارها الى توظيف المتردية والنطيحة من مخرجات معاهد التعليم والتدريب. كما تشكو جهات عدة من الأنظمة والقوانين الحالية التي تجبر العديد من الشركات المنفذة للأعمال الفنية الدقيقة وحتى الخطرة على الاستعانة بــ «خبرات وكفاءات كويتية»، وهي على علم بأن هؤلاء يمتلكون كل شيء إلا الخبرة والكفاءة! فكيف يشرف على مشاريع بعشرات الملايين خريجو معاهد تطبيقية داخلية ومن حاملي شهادات هندسة من الخارج، وهم الذين لم يغادروا الكويت أصلا، ولا يعرفون الفرق بين «إز» و«واز» الإنكليزيتين؟ والخطورة أن نتيجة عمل هؤلاء لن تظهر إلا بعد سنوات من مغادرتهم لكراسي مناصبهم، ووقتها لن يتساءل الطيار عمن أعد وجهز له «براشوته»، لأنه سيكون قد مات نتيجة عدم فتحه في الوقت المناسب. ويبدو أن نواب مجلس الأمة الممثلين لهذه النوعية من «المهندسين» والخبراء هم المعارضون الأشداء لمشاريع الخصخصة التي ستكشف «عوراتهم» كوادرهم في اليوم الأول!
* * *
• ملاحظة: حذّر نواب من أن قانون الخصخصة سيجعل الكويتيين يعملون «صبّـابي قهوة» لدى التجار! والغريب أن النواب أنفسهم سبق أن أصدروا قوانين تجبر التجار على توظيف الكويتيين لديهم!

أحمد الصراف