معروف تاريخيا أن من قتل من المسيحيين، في حروب دينية، على أيدي مسيحيين آخرين يزيد بكثير عما قتل منهم على أيدي أعدائهم منذ نشأة الكنيسة وحتى اليوم. كما هو معروف أيضا أن من قتل من المسلمين في حروب طائفية على يد «إخوة» مسلمين يفوق بكثير ما قتل منهم في كل حروبهم مع الغير، حتى الرموز الدينية والتاريخية لكل طرف قتلت وحرقت وشوهدت بأيدي جماعتهم المضادة لهم، وليس بيد غيرهم المعادين لهم، وبالتالي يبلغ الأمر قمة النفاق عندما ينادي البعض بالحوار بين الديانات، ليس لسخافة الهدف بحد ذاته، بل لأننا لم نتحاور بعد مع أنفسنا ولم نتفاهم مع ذواتنا، ونصر على القفز على المراحل والتحاور مع الفاتيكان وغيره، والتقاء رجال الدين الإسلامي بالكرادلة والمطارنة والبابا، ونحن نعلم ما يعتقده هؤلاء بعضهم في بعض، وما يمثله كل طرف من فكر مخالف تماما لفكر الآخر ومعتقده وعقيدته، فالحوار مطلوب عندما يكون هناك اختلاف يمكن تجاوزه للوصول الى أرضية مشتركة على أساس مبادئ عامة، أو حقائق محددة، ولكن الحوار الديني هو أقرب ما يكون لحوار الطرشان، فكل طرف يقوم باستماتة بإبداء وجهة نظره في مجموعة من الأمور الخلافية، والطرف الآخر وكأنه غير موجود أو كالأطرش لا يسمع، ويبتسم منتظرا دوره وهو يقول لنفسه، ما هذا الهراء؟ دعني أوضح لك، فينتقل الطرش فجأة للجهة الأخرى… وهكذا!
لقد صرفت الملايين على مؤتمرات الحوار هذه، والتهم المشاركون فيها أطنانا من أطايب الطعام ولثم بعضهم وجوه بعض تقبيلا، ولكن بعد نصف قرن تقريبا لم يتقدم الحوار شبرا واحدا ولم ينتج عنه تزحزح أي طرف بوصة عن سابق مواقفه، وبالتالي فإن هذه المحاورات والمناقشات واللقاءات «الأخوية» لا تعدو أن تكون تمثيلا من كل طرف على الطرف الآخر، فكل مشارك مؤمن ومصدق لما جاء في كتابه، ولا نية لديه لتصديق محتويات كتاب الآخر، وحجة الأول أنه الأسبق الى الحقيقة وبالتالي على الآخرين الاقتداء به، والثاني يدعي أنه الناسخ وهو الذي يعرف الحقيقة وبيده ناصيتها، وما على الآخرين سوى قبول رسالته ومن ثم السير خلفه، وبالتالي لا تلاقي، خاصة أنه لا براهين أو حججا بيد أي طرف يمكن أن يستغلها لإفحام غيره، ولو كانت تلك الحجج والبراهين دامغة وغير مشكوك فيها لما كانت هناك خلافات أصلا! فجدول الضرب تم وضعه وآمن به الجميع منذ يومه الأول، ووقوع خلاف عليه أمر غير متوقع لبساطة فكرته ووضوحه. أما هذه المحاورات فأمرها غريب حقا، فهدف أي مشارك فيها إما الاحتكاك بعلية القوم وسكن أفخم الفنادق وتناول أطايب الطعام، وهؤلاء لا يرجى منهم أي خير، فهم والخواء واحد. أو أنهم مدركون لعقيدتهم، وأن الطرف الآخر لن يرضى عنهم حتى يتبعوا ملته! ولا أدري كيف قبل هؤلاء فكرة الجلوس مع غيرهم!
لست ضد أي تقارب مع الآخر بالطبع، ولكن محاولة حرق المراحل لم تؤد ولن تؤدي الى أي نتيجة، والحلم بوحدة دينية يشبه حلم الوحدة العربية، فطالما أننا، ككيانات، ضعاف في كل شيء فاتحادنا لن ينشأ عنه غير صفر!
أحمد الصراف