سعيد محمد سعيد

متفوقون… يتحدون الظروف

 

نماذج مشرفة من شباب البحرين من الجنسين، لم يرضخوا لقساوة الحياة وشدة الأزمات، وخصوصا أولئك الذين عاشوا في كنف أسر ضعيفة أو متوسطة الحال، فتحدوا الظروف بتفوقهم ومثابرتهم، حتى استطاعوا بعزيمة وإصرار، مواصلة تعليمهم الجامعي، وذات العزيمة والإصرار التي يتمتعون بها، ستمكنهم من مواجهة أي عقبات تعترض طريق حياتهم المهنية مستقبلا.

هناك فئة من الشباب أكملوا تعليمهم الجامعي بتفوق وإرادة قوية، ولم يكترثوا لعقبات التمييز أو الإقصاء أو حرمانهم من الحصول على فرصهم الوظيفية وفق تكافؤ الفرص، فحققوا حلمهم، وبالتأكيد، أن من يتوكل على الله فهو حسبه، وهذا ما نأمله من شباب الدفعة الحادية عشرة من طلبة برنامج سمو ولي العهد للمنح الدراسية العالمية.

ولعل هؤلاء الشباب يقدمون أنفسهم كنموذج وقدوة لغيرهم ممن يستسلمون للظروف في بداية الطريق، فيتركون الدراسة والتحصيل العلمي لعلمهم بأن النتيجة واحدة وهي: لماذا التعب طالما سنبقى في صفوف العاطلين أو سنعمل في وظائف دون المستوى لا تليق بشهاداتنا العلمية؟

قد نعذرهم ونتفق معهم في أن هناك عددا كبيرا من الخريجين تعرضوا للظلم، لكن أن تواصل طريقك المهني وأنت مؤهل علميا أفضل بكثير من أن تكون بلا شهادة ولا حرفة، فالله سبحانه وتعالى يفتح في كل يوم أبواب التوفيق للمجتهدين، فما عليكم سوى التحلي بالصبر والإرادة وتحدي الظروف.

منذ تأسيسه في العام 1999، وفر برنامج سمو ولي العهد أكثر من 100 بعثة للطلبة البحرينيين المتفوقين في جامعات عالمية مرموقة، سواء كانوا من خريجي المدارس الخاصة أم الحكومية، وبلا شك فإن برنامجا كهذا استحق ثناء وتقدير أولياء الأمور وابنائهم الطلاب والطالبات، بل وشجع الكثير من المتفوقين على أن يواصلوا تفوقهم للحصول على هذه البعثات وخصوصا مع وجود النية لتقديم فرص لأولئك الشباب لمواصلة دراستهم الجامعية، حتى أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى صرح خلال استقباله الدفعة الحادية عشرة من طلبة البرنامج يوم الثلثاء الماضي بأن «عنصر الاستمرار كان أكبر تحدٍ لنا في هذا البرنامج، ولكن التزامنا التام نحو الفرد البحريني جعل من التحدي مسئولية وطنية نتبنى عبرها النخبة المتميزة ونعمل معا لبناء الأفضل».

شباب البحرين من المتفوقين (ثروة) حقيقية لا يجب التفريط بها أيا ما كانت الظروف، فمن المؤسف أن نسمع عن حالات من التسرب بين طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية بل وحتى الابتدائية؛ لأسباب تعود في معظمها الى مصاعب المعيشة، لكن لا يجب أن ننسى بأنه على مر السنين، كانت الكوادر البحرينية المتميزة في مجالات الطب والهندسة والتعليم والتخصصات المهمة هم من أبناء الأسر الفقيرة في حالها المعيشي، الكبيرة بطموحها وتفاؤلها بالمستقبل.

سامي النصف

تأملات في مرحلة قادمة

إحدى مشاكلنا الكبرى ترديدنا كلمات مدمرة يقولها احد ساستنا فيرددها الجميع بعده دون وعي او تفكير، كحال لوم الدولة على عدم انشاء بنى أساسية بعد مشاريع أوائل الثمانينيات الكبرى، والحقيقة ان ذلك أمر طبيعي جدا فعندما تقوم الدولة بإنشاء عدد من المستشفيات والواجهات والطرق والجسور كما حدث آنذاك فعليها ان تتوقف لسنوات بعدها كي «تحلل» ما صرف فيها وليس من الحكمة والفطنة ان تبادر في العام الذي يليه بإنشاء المزيد منها ناهيك عن الظروف التي مررنا بها آنذاك من انهيار لأسعار النفط وعجوزات الميزانية وكلفة سوق المناخ والحرب العراقية ـ الإيرانية والانتهاء بالغزو وعمليات إعادة الإعمار.

والدعوات المجنونة قائمة لإنشاء المزيد من المستشفيات والطرق حتى تطفئ النار المشتعلة في قلوب بعض السياسيين والمواطنين ممن يريدون ان تتوافر أسرّة أو وسادات خالية تنعق فوقها البوم تنتظر زحلقة المواطن عند خروجه من حمام الهنا لتقول له «شبيك لبيك سريرك في المستشفى او عيادة اسنانك فاضية امام يديك»، كما يحلم البعض منا بمدينة فاضلة يقود بها سيارته في شارع مخصص له وحده ويحمل اسمه، ان تلك الأحلام وأوهام الفلاسفة ستصرف لتحقيقها مبالغ، ولن تتحقق قط، قد تجعل دينارنا يعادل في قيمته عند انتهائها قيمة دينار جار الشمال فننجح في غفلتنا فيما فشل صدام في تحقيقه، وكم من احلام لنا في الليل تحولت الى كوابيس مرعبة عند سطوع شمس النهار!

ومن «الكليشيهات» التي صمت الآذان الشكوى المريرة من توسع الانفاق في الباب الأول (الرواتب) والطلب بتحويل أموال ذلك الباب الى الباب الرابع (المشاريع)، والحقيقة ان الباب الاول يعكس التسريب الحقيقي والمنصف والحكيم لدخل النفط على ملاكه من مئات الآلاف من الكويتيين، اما الباب الرابع فكل مبلغ يصرف فيه (في دولة مجانية الخدمات) يعني ذهاب 90% من الأموال للشركات الأجنبية المنفذة و10% لعدد من المتنفذين لا يزيدون على اصابع اليد الواحدة مع السفك «المزدوج» لعوائد النفط اي صرف أولي للبناء وصرف دائم على صيانة وإدارة ما تم بناؤه.

ومن الأمور المستغربة الدفع بالخصخصة عبر حجية تزايد اعداد الشباب الكويتي القادم للعمل في الأعوام المقبلة في وقت يعلم به الدافعون بتلك الحجة ان القطاع الخاص لم يوظف عبر 50 عاما (نصف قرن) الا 2% من الكويتيين بينما وظّف القطاع العام الذي يحاربونه 98% من الكويتيين وفّر لهم سبل العيش الكريم ومنحهم التدريب والخبرة اللازمة للعمل في القطاع الخاص، فأي من القطاعين يجب دعمه وتقويته لتوفير فرص العمل للشباب الكويتي؟!

ومن الأمور المضحكة جدا ان نجد من يعتبر ان «الأرض عرض»، ويحارب بشدة توفير الدولة الأراضي للمشاريع المختلفة التي يستفيد منها الشباب، يتباكى بشدة على انعدام الفرص للمواطنين الكويتيين، وسؤالنا المستحق كيف توفر الفرص لإنشاء مشاريع ومصانع وكراجات وحرف صغيرة وأنتم من يمنع الدولة من توفير الأراضي العامة القاحلة الصفراء؟ اي هل ستقام المشاريع في الهواء؟! وللموضوع صلة.

آخر محطة:

أغلب منشآت القطاع العام ليست محتاجة لتحويلها للقطاع الخاص ـ الذي يجب ان يدعم بشكل آخر ـ كي يكمل تدميرها وتفكيكها وبيعها بعد طرد المواطنين منها، ما تحتاجه الكويت كنوع من التغيير هو بدء عمليات تطهير وتغيير في الوزارات والمؤسسات والإدارات والشركات الحكومية التي سادت عليها منهاجية «الحرمنة» و«الحمرنة» فدمرتها، ولو سلمت لأيد كفؤة أمينة لتحولت لحسن الأداء والربحية وتوسعت بالتبعية عمليات التوظيف فيها، فكبرى الشركات الرابحة في الخليج مازالت ـ للمعلومة ـ ملكا لدولها لا لقطاعها الخاص.

احمد الصراف

ظاهرة الاقتراب من الموت

يعتقد البعض أنهم مروا بتجربة العودة من الموت، أو الاقتراب الشديد منه. وقد دوَّن الكثيرون تجاربهم في كتب ومنشورات، وعلى الرغم من تعدد خلفيات وثقافات أصحاب هذه التجارب، فانهم اتفقوا تقريبا على رواية مشاهد محددة لظواهر معينة. ولهذا بدأ العلماء قبل 100 عام تقريبا بالاهتمام بهذه الظاهرة وتدوين تجارب الأفراد ومراقبة الحالات ومحاولة وزن الأجساد بآلات قياس وزن بالغة الدقة، وادعوا أنهم وجدوا فروقا لا تذكر بين وزن الجسم قبل الوفاة وبعدها، أو خروج الروح، كما يقال.
ومع زيادة وسائل الاتصال وانتشار الانترنت زادت تقارير العودة الى الحياة بعد الموت، وتأسست من أجل ذلك جمعيات وصدرت كتب عدة في هذا المجال المثير والمحير، وعن تجارب الموت التي واجهوها، وكتبوا حتى عن «الحياة في الجانب الآخر»! وتوجد على الانترنت مواقع عدة تعالج هذه الظاهرة التي يؤمن بها عدد متزايد من البشر، وأن الأرواح موجودة ولها وزن يمكن قياسه وأنها عندما تغادر الجسد تجتمع في مكان محدد، وقد تعود مرة أخرى الى الأرض لتتجسد في شكل بشري أو آخر.
هذا في جانب، أما في جانب آخر فقد اكتشف العلماء مؤخرا، بعد سلسلة من الاستطلاعات والاختبارات، أن لظاهرة الموت والعودة الى الحياة سببا آخر لا علاقة له بالأرواح. فعندما يظن المرء أنه يرتفع بروحه عن جسده بحيث يراه ممددًا تحته على السرير، أو يشعر بدرجة من النشوة والطمأنينة «غير الدنيوية» التي لم يشهد مثلها طيلة حياته، أو أنه يسير داخل نفق مظلم في آخره ضوء ساطع، أو أنه يلتقي بأقاربه الموتى، قبل «استيقاظه» من هذه الحالة، وهي الحالات التي أجمع غالبية من مروا بهذه التجربة أنهم مروا بواحدة أو أكثر منها، وهي الحالة أو الظاهرة التي تسمى علميا «تجربة الاقتراب من الموت»، أو«العودة من الموت»، هي ظاهرة يكثر حدوثها خصوصا وسط أولئك الذين يخضعون لمبضع الجرّاح أو في اللحظات التي يعانون فيها ذبحة صدرية. لكن دورية «كريتيكال كير» الطبية البريطانية نشرت قبل أيام بحثا أعده فريق علمي من سلوفينيا يقول انه ربما وجد تفسيرا للأمر، حيث يقول فريق جامعة ماريبور انه وجد رابطا يمكن أن يؤدي الى حدوث هذه التجربة الغريبة، يتمثل في ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الدم. وتبعا له فان هذا الارتفاع يؤدي الى تغيّر التوازن الكيميائي في الدماغ، مما يؤدي بدوره الى خداع صاحبه. فيجد أن روحه ترتفع عاليا فعلاً فوق جسده، أو أنه يسير في نفق يصل بين الحياة والموت، الى آخره من تلك التخيلات الغريبة.
وقد نظر الفريق الطبي في حالات 52 من المرضى الذين عولجوا من أزمات قلبية بالمستشفيات، وكان كل منهم قد أُنعش و«أعيد الى قيد الحياة» بعد توقف قلبه عن الخفقان وانقطاع أنفاسه. وفحص مستوى الكيماويات في أجساد هؤلاء خلال معالجتهم، خاصة ثاني أكسيد الكربون، وطلب اليهم لاحقا الاجابة عما يتعلق بتجاربهم وأحاسيسهم خلال فترة المعالجة.
وتبعا لنتائج هذا الاستطلاع، فقد قال 11 من أولئك المرضى، انهم وقفوا على الحد الفاصل بين الموت والحياة، ومرّوا باحدى الحالات التي اخذت ظاهرة «العودة من الموت» اسمها هذا. وقالت الدكتورة زليخة كيتيس، التي ترأست فريق البحث: «وجدنا أن لدى أولئك المرضى الأحد عشر معدل تركيز ثاني أوكسيد الكربون في دمائهم يزيد كثيرا بالمقارنة مع تركيزه لدى أولئك الذين لم يشهدوا الظاهرة». وأضافت هذه الباحثة أن الأرجح هو أن «تجربة العودة من الموت» لا ترتبط بالعمر أو الجنس أو المعتقدات الدينية أو الخوف من الموت أو العقاقير التي يحقن بها المريض، مع اقرارها بأن مزيدا من التجارب ضروري لقطع الشك باليقين، فقد قالت ان الأمر يتعلق أساسا بزيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم، وان هذا هو المدخل الصحيح الى الفهم الكامل لأسباب تلك الظاهرة.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

آيات وبايات

خذوها مني وارموها في البحر، أو خذوها مني وأعيدوها إليّ، أنتم وضمائركم: «ستتغير الخارطة التجارية الحالية في الكويت تغيراً جذرياً، وستختفي بعض الأسماء وستتبدد كالرذاذ، وستحل محلها أسماء لم يكن لها إعراب تجاري من قبل، بسبب قانون الخصخصة، وبسبب الرقابة الهشة التي ستسمح للشركات بالدوران على حل شعرها بلا رقيب ولا عريف. وستنتقل كفة القوة من الأسرة الحاكمة إلى الأسر التجارية الصاعدة المتوحشة». وأدي دقني جاهزة للحلاقة بلا معجون ولا عطر «أفتر شيف». فكما اختفت أسماء أسر تجارية قرأنا وسمعنا عنها، وسيطرت أسماء أخرى، بعد موت أبي الدستور الشيخ عبدالله السالم، ستختفي غداً بعض الأسماء الحالية وستظهر أسماء جديدة بدلاً منها.

ولا نحتاج إلى قارئة فنجان، أو ضاربة ودع، أو منجّمة أبراج، أو أي مشعوذة مهما كان مسمّاها الوظيفي كي تتنبأ لنا بأسماء التجار الجدد والبُدد (أي البائدين)، فكل من يتحكحك اليوم بجدران مجلس الوزراء سيحلّق مع النسور في عالم المال والأعمال، وسينافس «آيات الله الإيرانيين» بالثروة والسلطة والجاه، وستنتشر شركاته القابضة والخانقة والعاصرة في أرجاء البلد، أما التاجر الذي ينهبل ويمشي على القانون ما يلخبطوش، ويحترم نفسه ووطنه وشعبه، فسيصبح «عزيز قوم…»، وسيقول على طريقة «باي تونس»: «هذه ليست الكويت، وهؤلاء ليسوا الكويتيين». وكان الاحتلال العثماني قد ولّى على تونس عميلاً تونسياً لُقّب بـ»الباي»، وعلى الجزائر عميلاً جزائرياً لُقّب بـ»الداي»، ولا أدري ما معنى الباي ولا الداي، ولا يهم. ما يهم هو أن الأستاذ الباي ودّى تونس في الباي باي، وعاش ولا القياصرة، وترك الشعب يطبخ التراب ويأكل الهواء، مرة مطبوخاً وأخرى مسلوقاً، وأعدمَ وعذّبَ وسجنَ معارضيه تحت شعار «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ». وعاشت تونس تحت عصاه ليلاً طويل القامة، إلى أن نجح انقلاب بورقيبة. عندها أُصيب أخونا الباي بلحسة في مخه، وراح يمسح دموعه ويهذي: «هذه ليست تونس، وهؤلاء ليسوا التوانسة».

ولم يكن بيني وبين الخصخصة عداوة ولا محبة، حالها عندي حال بقية الأشياء، إلى أن قضيت اليومين الماضيين بالتنقل بين ذوي الدراية، أخرجُ من بيت هذا إلى ذاك، ومن مكتب ذاك إلى ذياك، فاتضحت لي الصورة بلا رتوش، فعدت إلى بيتي مهرولاً، واحتضنت أطفالي، وقلت لهم بفحيح «بعد عشر سنوات ستسألوني وسأجيبكم: كانت الكويت دولة رفاه، كما أراد لها عبد الله السالم، وكان الشعب يشارك الأسرة الحاكمة الحكم عبر برلمانه، فلعبت الحكومة ونوابها لعباً محرّماً، فاختفى الرفاه، وتلاشى البرلمان واختفى، واختفى معه حكم الأسرة الحاكمة الفعلي، وبقي في البروتوكولات، واختفت كويت عبدالله السالم، وأصبح التجار قسمين (آيات وبايات)، ويا ويلكم من سطوة وجشع وعنف غالبية الآيات، تجار الخصخصة، ويا سواد ليلكم. الفاتحة على أرواح الضعفاء والبسطاء». 

حسن العيسى

طبعاً الشيوخ أبخص

قالوا "من صادها بالأول عشّى عياله"، وقالوا أيضاً "من سبق لبق"، وكلنا نعرف "أنهم" الأوائل في الصيد دائماً، و"أنهم" الأسبق في "التلبق"، وإذا كان كل إناء بما فيه ينضح، فالكويت بالمحسوبيات والواسطات تنضح ويفيض إناؤها ويُغرِق طلاب العدل والمظلومين.
النائبة رولا دشتى سألت وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عن أسماء شاغلي الوظائف القيادية وما يعادلها في الوزارات والإدارات الحكومية… وتضمن سؤالها استفساراً عن "الأسس والمعايير التي يتم على أساسها الترشيح للوظائف القيادية وتجديد التعيين فيها"؟
لو كنت مكان الوزير لتكلمت بصراحة، وقلت لها: إنك تعرفين وأنا أعرف… وكلنا عيال قرية… فلماذا هذا السؤال المحرج، فالتعيين والتجديد في الوظائف القيادية  وحتى ما دون القيادية، يجريان حسب قاعدة الذين اصطادوا أولاً عشّوا أقاربهم ومعارفهم ومحاسيبهم، فالوزير عندما يصل المنصب يسارع إلى زرع المعارف في المناصب القيادية… وهؤلاء يردّون الجميل بدورهم في شتل الوظائف الأدنى لأحبابهم ومحاسيبهم، وتمتد الأمور بهذه الصورة من بداية رأس الهرم الإداري حتى القاعدة، وهكذا يُعمَّم الفساد الإداري وتُقنَّن المحسوبية، وإذا كان هناك قانون مثل قانون الخدمة المدنية لضبط الأمور،  فنحن ندرك أن مجال الاستثناء واسع، وفتح المنافذ في حوائط النص سهلة متى فسدت النفوس.
كتب مرة مظفر عبدالله وسنجار محفوظ في جريدة الطليعة "…إن الحديث عن توزيع المناصب صار يعلو على التطوير والإصلاح في أعمال الوزارات، وبذلك فقَدَ المنصب القيادي ميزة الاستقرار والثبات التي تُعين على التفكير الهادئ الذي يتطلبه أيُّ عمل من أجل التطوير  والإصلاح، وخلقت هذه المعادلة الجديدة جواً من النفاق أو الخضوع الذي يفرضه ميزان القوة بين الوزير والوكيل، وما لم يكُن الأخير سائراً على هوى الأول، فإن التهديد بعدم التجديد هو أقل ما يمكن أن يناله أصحاب المناصب القيادية…".
وفي لقاء جريدة الطليعة كانت آراء نواب مثل عبدالله الرومي وحسن جوهر متفقة مع هذا الرأي، وبدوره اجتهد النائب وليد الطبطبائي وقدم اقتراحاً بقانون تنص المادة الثانية منه على "…إن التعيين في المناصب القيادية بمرسوم ولمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرتين متتاليتين،  ولا يجوز بعد انقضاء هذا التجديد تعيين ذات القيادي في أي وظيفة قيادية أخرى… ويكون التعيين بعد الإعلان بشفافية عن الوظيفة المطلوب شغلها والشروط الواجب توافرها فيها…".
محاولة جيدة من النائب وليد لكن، كما يقولون "الشق عود"، والقضية أكبر من القانون ونصوصه، هي أولاً وقبل كل شيء قضية "قبائلية" لا "قبلية"، في إدارة كل الدولة، والفرق بين القبلية والقبائلية تجدونه عند المفكر السعودي عبدالله الغذامي في كتابه تحت عنوان "القبلية والقبائلية"، فالقبلية ظاهرة طبيعية، أما الثانية فهي مرض معدٍ ووباء أصاب أبناء العوائل قبل أبناء القبائل والطوائف… لا فرق…  وفرَّخ لنا المحسوبية والواسطة والفساد… فضاع العدل والإنصاف والمساواة في الفرص.
في النهاية، لننتظر الإجابة من السيد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء على  سؤال رولا…! لكن لماذا يُتعِب نفسه في البحث عن معضلة حل السؤال؟ ليجيبها بأن… الشيوخ أبخص يا سيدتي…!

احمد الصراف

آية الله وتوطين العمل الخيري

لعلم من لم يعلم فقد كانت الكويت، ولقرون، فقيرة يعاني أهلها شظف العيش وقسوة الحياة وقلة في كل مورد وزيادة في الأمراض واتساعا في الأمية، وعلى الرغم من عمري القصير نسبيا، مقارنة بعمر الدول والأمم، فانني «لحقت» أو شاهدت الكثير من قسوة العيش تلك، خصوصا في أوقات الفيضانات والحر الشديد والعواصف الرملية المخربة وحتى القحط. وأثناء تلك السنوات كانت دول كثيرة مثل الهند (باكستان) وإيران والعراق تنعم بالكثير من الخير وصفاء العيش والخاطر مع توافر مختلف الموارد والخيرات لديهم، ومع هذا لم يتذكرنا أحد منهم ويرسل لنا ما يقيم أودنا أو يبعد عنا شر الأوبئة وأخطار المجاعة.
وبناء على قاعدة أن ما يحتاجه البيت يحرم على المسجد، فإن كل الأموال التي جمعت في نصف القرن الماضي، سواء في صورة خمس أو زكاة وأرسلت الى خارج الكويت لصرفها على حوزات علمية أو بناء مساجد أو حفر آبار وتجييش دعاة، ما كان يجب أن تخرج قبل أن تنتهي حاجة أهل البيت، أو الكويت، ومن فيها.
ومن هذا المنطلق كتبنا قبل أيام نؤيد فكرة آية الله الكويتي، الشيخ علي الصالح، المتعلقة بسعيه لإبقاء أموال الخمس داخل الكويت وصرفها على حاجات الناس بدلا من إرسالها للخارج الذي يبدو أنه في غنى عنها. فكيف نرسل أموالنا لخارج الكويت وهناك عشرات الآلاف الذين هم بأمس الحاجة اليها، ومن يقول ان مستوصفا في قرية في باكستان أو جنوب لبنان أو في أي مكان في العالم أكثر أهمية من مستوصف في الصليبية مثلا التي تفتقد كل خدمة؟. ولماذا نهتم بإرسال مئات ملايين الدولارات لمساعدة فقراء الهند وأندونيسيا وبنغلادش، بينما يعيش عشرات الآلاف منهم في الكويت في أسوأ الظروف، وبشهادة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل؟ الذي صرح للصحافة قبل أيام أن الوزارة رفعت الحد الأدنى للأجور ليصبح 60 دينارا، وأن هناك من العمال من يتقاضى 18 دينارا فقط في الشهر، هذا غير عشرات آلاف «البدون» الذين يعيش غالبيتهم في ظروف بائسة حقا وهم بأمس الحاجة للمساعدة، فكيف يحرم عليهم ويحل لفقراء أفريقيا وآسيا؟
لقد سبق أن شكلت «الشؤون» لجنة دائمة لتوطين العمل الخيري، ولكن لارتباط مصالح الكثيرين داخل الكويت، ومن مسؤولي الجمعيات، بإرسال الأموال للخارج، حيث لا رقابة على طريقة الصرف، فقد حوربت اللجنة ولم تستطع فعل شيء. وقد أصدر الوزير الكبير العفاسي قرارا بإعادة تشكيلها، ولكن من المتوقع أن يجد التشكيل الجديد مصير سابقه نفسه بفضل جهود أصحاب المصالح الكبيرة في أموال الجمعيات!

***
ملاحظة: صرح آية الله كاظم صديقي في خطبة الجمعة الماضية في طهران ان السبب وراء تزايد حدوث الزلازل في العالم يعود لتزايد العلاقات الجنسية غير المشروعة. وان الكوارث الطبيعية هي نتيجة سلوكنا، وان الكثير من النساء اللواتي لا يرتدين ملابسهن كما يجب يفسدن الشباب!! ربما نسي مولانا أن آخر زلزال كبير ضرب إيران حدث في منطقة قروية نائية لا مجال فيها لما ذكره من أسباب.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

اثنيناتكم تفشلون

قانون الخصخصة الذي أقر في مداولته الأولى في الأيام الماضية هو قضية المرحلة في الكويت، ولا أعتقد إطلاقا أن الأمور ستهدأ بالانتهاء من الإقرار في المداولة الأولى، بل قد تتسبب هذه الخصخصة بأزمات وسهام متطايرة من كل جانب.

لم يتسن لي حتى لحظة كتابة هذا المقال أن أحصل على نسخة متكاملة للقانون المقر، وأنا على يقين بأن الحديث سيطول حول هذا القانون ونصوصه بعد حين، ولكن الحديث عن خصخصة قطاعات الدولة ليس بالحل الجديد للبعض، ولكنه غريب بالنسبة لمضامينه كما أراها أنا.

فتخصيص القطاع العام كله أو جزء كبير منه يعني أن القطاع العام فاشل في الإدارة، وعليه فيجب أن يستبدل بقطاع خاص يتمكن من إصلاح مكامن الخلل والفساد المتفشي بالقطاع العام، ولكي نترجم هذا الكلام إلى لغة أبسط فإن هذا يعني أن الحكومة، وهي المهيمنة على القطاع العام، فاسدة وفاشلة وغير قادرة على الإدارة.

وهذا ما يعني أيضا أن الحكومة الموقرة، وبتصويتها في المداولة الأولى على قانون الخصخصة، كانت أول المؤيدين لفشلها وعدم قدرتها على إدارة الدولة، مما يجعلها تحتاج إلى إدارة خارج نطاقاتها للتمكن من إنقاذ الوضع، والطريف حقا هو أن الدولة فرحة جداً بما يسمى السهم الذهبي الذي تمتلكه في مسألة التخصيص مما يجعلنا نعود إلى نقطة البداية، فالحكومة فاشلة في الإدارة وفي الوقت ذاته تريد أن تتسلم زمام مسألة الخصخصة، وهو ما يعني الفشل مجدداً بكل تأكيد.

المصيبة حقاً، هي أن من صوّت في هذا الاتجاه من النواب وعددهم عشرون نائباً، لم يعوا، أو بالأصح تجاهلوا، نقطة فشل الحكومة وباركوا تصويتها مع أن تأييدهم لهذا القرار يؤكد الفشل الحكومي العام، ويجب أن يعلنوا عدم التعاون مع الحكومة الفاشلة في إدارة القطاع العام.

نأتي إلى الصوت النيابي المعارض للخصخصة وتخوفه الرئيس كما قرأت من تفاصيل الجلسة ينقسم إلى شقين: الأول، هو أن تخصص ثرواتنا الطبيعية والصحة والتعليم، مما يجعلها عرضة للنهب المنظم من بعض أصحاب النفوذ الاقتصادي، وهو حجة رفض معقولة ومقبولة في رأييّ. أما الحجة الثانية، فهي الخوف على البسطاء من أن تقطع أرزاقهم في حال الخصخصة، وهو أيضا ما يعني اعتراف ضمني بأن كل الموظفين من الكويتيين ليسوا أكفاء، ويستحقون البقاء في مناصبهم، ومتى ما طُبّقت الخصخصة، فإن الكثير سيخسرون وظائفهم لعدم أهليتهم، فمن المستحيل أن يتم الاستغناء عن المنتجين من الموظفين مهما كانت دكتاتورية القطاع الخاص، فمن يحقق الفوائد والإنتاج المتميز من المستحيل أن يتم الاستغناء عنه، فالإنتاج يعني الأرباح، وهو هدف القطاع الخاص.

إذن فالمحصلة هي اعتراف المجلس والحكومة بأن الحكومة فاشلة في الإدارة، وأن الشعب الكويتي أو جزء كبير منه غير منتج وعالة على الأعمال، وهو ما يعني أن الخصخصة والتأميم ليسا هما الحل، بل بناء مجتمع مؤهل قادر على استحضار ماضينا القريب الذي كان الكل فيه يبني ويعمّر وينتج من أجل هذا البلد، وهذا خير من ألف قانون تنمية وقانون إصلاح سياسي.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

الطيران والبركان والبهتان

يقول خبراء سلامة الطيران في العالم للطيارين على سبيل المزاح: ان من يبحث عن السلامة المطلقة عليه ألا يقلع بطائرته ويبقى في المقابل ببيته كي لا يتعرض للعواصف والغيوم البركانية والرعدية والمطبات الهوائية والأعطال الفنية وأخطاء الطيارين..إلخ.

كنا نعتقد أن خيار البقاء في البيت للحفاظ على السلامة هو مزحة حتى وافتنا الأنباء بتوقف عمليات الطيران في شمال أوروبا بدعوى الحرص على سلامة الركاب عن طريق إبقاء الطائرات على الأرض كي لا تصطدم بالسحب البركانية المحملة بالرماد والمعادن المذابة المضرة.

رغم مرور أكثر من مائة عام على بدء عمليات النقل الجوي ووجود آلاف البراكين المتفجرة بالعالم وقيام ملايين الرحلات خلال تلك المدة إلا أن مجموع الحالات التي تعرضت فيها الطائرات لإشكالات مع السحب المصاحبة لثورة البراكين لا يزيد على 80 حالة فقط لم يصب أو يقتل أحد بسببها رغم خطورتها كونها تسببت سابقا في إيقاف مؤقت لمحركات الطائرة البريطانية (عام 82 فوق إندونيسيا) والهولندية (عام 89 فوق الاسكا) وقد تم تشغيل المحركات والهبوط بسلام في كلتا الحالتين.

إن هناك ما يقارب 100 بركان ثائر في أيسلندا وحدها، وهناك كذلك مئات البراكين الساخنة في إندونيسيا وهاواي وغيرهما من أصقاع الأرض فهل سيتم إيقاف حركة الطيران دوليا عند كل انفجار بركاني؟!

ومعروف كذلك أن السحب البركانية لا يتوقف ضررها على المنطقة الجغرافية المحيطة بالبركان بل تنتقل تلك السحب الساخنة للاجواء العليا، ثم تنزل بعد ذلك على مناطق تبعد عشرات آلاف الأميال من مناطق البراكين فهل سيُمنع الطيران في العالم أجمع مع كل بركان يثور؟!

لقد سقطت قبل أشهر قليلة طائرة الإيرباص الفرنسية بسبب مضاعفات الدخول في غيوم رعدية معتادة وما نتج عنه كما يعتقد من تجمد أنابيب قياس السرعة وما تبعه من عدم قدرة الطيار على التحكم في سرعة الطائرة وتفككها وتحطمها ومقتل المئات من ركابها، وقبل ذلك تحطمت عشرات الطائرات بسبب عمليات التغيير المفاجئ في سرعة وتوجه الرياح عند الإقلاع والهبوط (WIND SHEAR) فهل ستغلق المطارات عند وجود غيوم رعدية أو تغيير في الهواء كونها تسببت في العديد من الحوادث في وقت لم تتسبب فيه غيوم البراكين في حادث واحد؟

آخر محطة:

مصائب قوم عند قوم فوائد، فانهيار أسعار أسهم شركات الطيران بسبب قرارات الإغلاق غير المتوقعة صاحبه ارتفاع وجني أرباح هائلة للعديد من القطاعات الأخرى، نرجو أن تكون رقابتهم على بورصتهم أفضل من الرقابة غير الموجودة على بورصتنا.

احمد الصراف

الإجرام في حق الأنوثة المسلمة

باستعراض التاريخ البشري في الألفي سنة الماضية، يمكن ملاحظة ان جميع المجتمعات البشرية تقريباً اضطهدت المرأة ومارست مختلف صنوف الظلم والتعسف ضدها، تارة باسم العادات والتقاليد و«تارات» باسم الدين. وقد تخلت كل المجاميع البشرية عن «ذكوريتها» وسعت جاهدة، خاصة في السنوات المائة الأخيرة، لمساواتها مع الرجل، وحدها المجموعة الإسلامية المباركة، باستثناء تونس وتركيا، وإلى حد ما لبنان، لم تكتف بالاستمرار في ممارسة شتى صنوف الاضطهاد والتعسف ضدها، بل وأصبح الظلم أكبر وأشد وطأة على الأنثى بشكل عام. فوضعها مثلاً في أفغانستان وإيران وباكستان (الهند سابقاً) ومصر، وحتى الجزيرة العربية، كان أفضل بكثير قبل نصف قرن منه الآن (!).
والمحزن ان العديد من الدول النفطية الإسلامية ترسل آلاف الدعاة وتطبع ملايين المنشورات وتصرف مليارات الدولارات لنصرة الدين وإعلاء شأنه، ثم تأتي حادثة واحدة ضد طفلة بريئة ترتكب باسم الدين، لكي تنسف جهود سنوات، المأساة ان لا أحد من المعنيين «شرعاً»، وفي أي مذهب، على استعداد للتصدي لهذه الظاهرة المؤسفة والمطالبة بوضع حد لها!
ففي إحدى محافظات اليمن «السعيد» أدخلت طفلة لا يتجاوز عمرها 11 عاماً، أي دون سن المراهقة، المستشفى بسبب تعرضها لتمزق خطير في جهازها التناسلي نتيجة اعتداء زوجها عليها. كما لقيت فتاة أخرى في الثالثة عشرة من العمر حتفها اثر اعتداء زوجها جنسياً عليها. وقد تطرق كثير من وسائل الإعلام الغربية إلى هاتين الحادثتين المؤسفتين بإسهاب كبير، وورد في إحداها ان الضحية الأولى قبل والدها «الفاضل» تزويجها قبل عام شريطة عدم دخول زوجها بها قبل بلوغها (يا لجمال التعبير)، غير ان الزوج لم يستطع الانتظار، كما هو متوقع، فتسبب عنفه الجنسي وجهله في وفاة الفتاة. والمرعب ان زيجات كثيرة مثل هذه تتم في مناطق إسلامية عدة مثل باكستان وموريتانيا وأفغانستان والدول الخليجية ومناطق طالبان وإيران، ولكن بسبب سوء أوضاع اليمن سياسياً واقتصادياً، فإن وسائل الإعلام الغربية ركزت عليها أكثر من غيرها في الفترة الأخيرة.
وتقول أمل باشا، رئيسة مؤتمر النساء العربيات، ان %50 من نساء اليمن يتزوجن قبل سن 18، وبعضهم يتم تزويجهن في سن الثامنة. وورد في وكالة أنباء الاسوشيتد برس ان زوج الفتاة اليمنية التي لقيت حتفها نتيجة قيامه (البالغ من العمر 23 عاماً) باغتصابها، موقوف على ذمة التحقيق! ولا أعتقد شخصياً انه سيتعرض للأذى، فالشرع اليماني يحميه، فهو لم يتصرف بغير حلاله!
* * *
• ملاحظة: يقيم الفلكي عادل السعدون اليوم معرضاً لمجموعته من الخرائط التاريخية، وأقدمها خريطة نادرة رسمها «بطليموس» سنة 100م وأعيدت طباعتها سنة 1482م. وللمعرض أهميته من ناحية تثبيت حقوق الكويت نحو جيرانها، وحسم الجدل حول بعض التسميات المتنازع عليها.
يقام المعرض في صالة أحمد العدواني، ضاحية عبدالله السالم، مركز الضاحية، ويستمر لأسبوع من 9 صباحاً وحتى 1 ظهراً ومن 5 إلى 7 مساء.

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

وبراءة التجار 
في عينيه

لم أعد أميز الحق عن شقيقه الباطل، ولا الصدق عن شقيقه الكذب، فتبكّمت، على رأي الزول السوداني «الطيب صالح». أتحدث هنا عن أهم القوانين في تاريخ الكويت، قانون الخصخصة. لذا أعدت قراءة القانون بإمعان، ثم ولّيت وجهي شطر الرئيس أحمد السعدون، أبي القانون ومتعهّده من المهد إلى اللحد (المعلومة الملتبسة عند الناس أن السعدون وافق على القانون فقط، بينما الحق أنه هو من أطعمه وكساه وتعهد برعايته)، واستمعت إلى رأيه، فاقتنعت، ويممت وجهي شطر منزل النائب الفذ خالد الطاحوس. وفي الطريق استمعت، هاتفياً، إلى حجة الزميل سعود العصفور الرافضة رفضاً قاطعاً لقانون «الخسخسة»، وبيّن لي مثالبه وثغراته والخطر الماحق الذي سيحيق بالبلد والناس في حال تمريره. وسعود العصفور دقيق، دقّته تجلب المرض لي ولأمثالي من الفوضويين والبوهيميين وأنصار «يا عمي عدّيها» وعشاق «هوّنها وتهون».

وفي منزل الطاحوس، بيّن لي أبو مشعان أسباب رفضه القانون، وهي أسباب وجيهة وبنت حسب ونسب. ثم عدت إلى منزلي وراجعت ما كتبه الأستاذ أحمد الديين عن خطورة القانون، فاختلط حابلي بنابلي، وتذكرت «الزجل اللبناني» الذي يتنافس فيه شاعران على قوة الحجة، إذ يمتدح هذا الماء ويذم النار، فيمتدح ذاك النار ويذم الماء، أو يمتدح أحدهما الجبل ويذم السهل، فيمتدح الآخر السهل ويذم الجبل، وما إن ينتهي أحد الشاعرين من رده حتى تقتنع بما قاله فتصفق له وترثي لحال الآخر، فيرد الآخر فيقنعك فتصفق له وترثي لحال الأول، وهكذا.

باختصار، كانت ليلة صداع من الطراز الفاخر، فقد دخلت في تفاصيل اقتصادية ونِسَب مئوية وقضايا قانونية وبلاوي زرقاء باهت لونها، لا أول لها ولا آخر، ولم أتوصل، حتى اللحظة، إلى إجابة قاطعة عن سؤالي الوحيد: «هل نحن أمام خصخصة أم خسخسة؟».

على أن المضحك هو ما قاله لي أحد التجار الظرفاء المتحمسين للقانون، وبراءة التجار في عينيه، وقد كنت أظن التجار ثقلاء دم، ملحوسي مخ، إلا من رحم ربي، فخيّب هو ظني وأزال الغشاوة عني. إذ شبّه حفظه الله تجارنا بتجار أوروبا، وساوى بين حكومتنا وحكومات أوروبا، وعندما سألته عن سلطة الرقابة أجابني بجدية: «الحكومة، عبر المجلس الأعلى للتخصيص، ستراقب حركات الشركات وسكناتها، وستحاسبها بقسوة». لا إله إلا الله.

عموماً، لم يقل لي السعدون كل شيء، بسبب ضيق الوقت، لكنني قرأت ما بين سطوره، أكرر، لم يقل لي وإنما قرأت ما بين سطوره، وأزعم أنه يخشى من أن يتمكن بعض تجار النهب، بمساعدة نواب الحكحكة، من إقرار قانون مائع دلّوع يمسح على رأس المخطئ، ويكون أقصى عقابه «لا تعودها»، أي لا تكررها، لذا صاغ هو بنفسه القانون، ورسم الخطوط الأرضية، وغلّظ العقوبات، والباقي على ربنا ومولانا. ولا يعني هذا تأييدي له، إلا أنني أحد الذين يثمّنون اجتهاده وعمله وسهره الدؤوب، وعلى مَن يشك في ذلك أن يناقشه، ليس في القانون هذا فحسب، وإنما في قوانين الدول المتقدمة، ليغرقه الرئيس السعدون في سيل من المعلومات والمقارنات. وأشهد أن السعدون بذل جهده، وفوق جهده، وأشهد أن إحدى عينيه كانت مفتوحة على صياغة القانون، والأخرى على المواطن. فشكر الله سعيك يا أبا عبدالعزيز، حتى وإن خالفناك.