سامي النصف

تأملات في مرحلة قادمة

إحدى مشاكلنا الكبرى ترديدنا كلمات مدمرة يقولها احد ساستنا فيرددها الجميع بعده دون وعي او تفكير، كحال لوم الدولة على عدم انشاء بنى أساسية بعد مشاريع أوائل الثمانينيات الكبرى، والحقيقة ان ذلك أمر طبيعي جدا فعندما تقوم الدولة بإنشاء عدد من المستشفيات والواجهات والطرق والجسور كما حدث آنذاك فعليها ان تتوقف لسنوات بعدها كي «تحلل» ما صرف فيها وليس من الحكمة والفطنة ان تبادر في العام الذي يليه بإنشاء المزيد منها ناهيك عن الظروف التي مررنا بها آنذاك من انهيار لأسعار النفط وعجوزات الميزانية وكلفة سوق المناخ والحرب العراقية ـ الإيرانية والانتهاء بالغزو وعمليات إعادة الإعمار.

والدعوات المجنونة قائمة لإنشاء المزيد من المستشفيات والطرق حتى تطفئ النار المشتعلة في قلوب بعض السياسيين والمواطنين ممن يريدون ان تتوافر أسرّة أو وسادات خالية تنعق فوقها البوم تنتظر زحلقة المواطن عند خروجه من حمام الهنا لتقول له «شبيك لبيك سريرك في المستشفى او عيادة اسنانك فاضية امام يديك»، كما يحلم البعض منا بمدينة فاضلة يقود بها سيارته في شارع مخصص له وحده ويحمل اسمه، ان تلك الأحلام وأوهام الفلاسفة ستصرف لتحقيقها مبالغ، ولن تتحقق قط، قد تجعل دينارنا يعادل في قيمته عند انتهائها قيمة دينار جار الشمال فننجح في غفلتنا فيما فشل صدام في تحقيقه، وكم من احلام لنا في الليل تحولت الى كوابيس مرعبة عند سطوع شمس النهار!

ومن «الكليشيهات» التي صمت الآذان الشكوى المريرة من توسع الانفاق في الباب الأول (الرواتب) والطلب بتحويل أموال ذلك الباب الى الباب الرابع (المشاريع)، والحقيقة ان الباب الاول يعكس التسريب الحقيقي والمنصف والحكيم لدخل النفط على ملاكه من مئات الآلاف من الكويتيين، اما الباب الرابع فكل مبلغ يصرف فيه (في دولة مجانية الخدمات) يعني ذهاب 90% من الأموال للشركات الأجنبية المنفذة و10% لعدد من المتنفذين لا يزيدون على اصابع اليد الواحدة مع السفك «المزدوج» لعوائد النفط اي صرف أولي للبناء وصرف دائم على صيانة وإدارة ما تم بناؤه.

ومن الأمور المستغربة الدفع بالخصخصة عبر حجية تزايد اعداد الشباب الكويتي القادم للعمل في الأعوام المقبلة في وقت يعلم به الدافعون بتلك الحجة ان القطاع الخاص لم يوظف عبر 50 عاما (نصف قرن) الا 2% من الكويتيين بينما وظّف القطاع العام الذي يحاربونه 98% من الكويتيين وفّر لهم سبل العيش الكريم ومنحهم التدريب والخبرة اللازمة للعمل في القطاع الخاص، فأي من القطاعين يجب دعمه وتقويته لتوفير فرص العمل للشباب الكويتي؟!

ومن الأمور المضحكة جدا ان نجد من يعتبر ان «الأرض عرض»، ويحارب بشدة توفير الدولة الأراضي للمشاريع المختلفة التي يستفيد منها الشباب، يتباكى بشدة على انعدام الفرص للمواطنين الكويتيين، وسؤالنا المستحق كيف توفر الفرص لإنشاء مشاريع ومصانع وكراجات وحرف صغيرة وأنتم من يمنع الدولة من توفير الأراضي العامة القاحلة الصفراء؟ اي هل ستقام المشاريع في الهواء؟! وللموضوع صلة.

آخر محطة:

أغلب منشآت القطاع العام ليست محتاجة لتحويلها للقطاع الخاص ـ الذي يجب ان يدعم بشكل آخر ـ كي يكمل تدميرها وتفكيكها وبيعها بعد طرد المواطنين منها، ما تحتاجه الكويت كنوع من التغيير هو بدء عمليات تطهير وتغيير في الوزارات والمؤسسات والإدارات والشركات الحكومية التي سادت عليها منهاجية «الحرمنة» و«الحمرنة» فدمرتها، ولو سلمت لأيد كفؤة أمينة لتحولت لحسن الأداء والربحية وتوسعت بالتبعية عمليات التوظيف فيها، فكبرى الشركات الرابحة في الخليج مازالت ـ للمعلومة ـ ملكا لدولها لا لقطاعها الخاص.

احمد الصراف

ظاهرة الاقتراب من الموت

يعتقد البعض أنهم مروا بتجربة العودة من الموت، أو الاقتراب الشديد منه. وقد دوَّن الكثيرون تجاربهم في كتب ومنشورات، وعلى الرغم من تعدد خلفيات وثقافات أصحاب هذه التجارب، فانهم اتفقوا تقريبا على رواية مشاهد محددة لظواهر معينة. ولهذا بدأ العلماء قبل 100 عام تقريبا بالاهتمام بهذه الظاهرة وتدوين تجارب الأفراد ومراقبة الحالات ومحاولة وزن الأجساد بآلات قياس وزن بالغة الدقة، وادعوا أنهم وجدوا فروقا لا تذكر بين وزن الجسم قبل الوفاة وبعدها، أو خروج الروح، كما يقال.
ومع زيادة وسائل الاتصال وانتشار الانترنت زادت تقارير العودة الى الحياة بعد الموت، وتأسست من أجل ذلك جمعيات وصدرت كتب عدة في هذا المجال المثير والمحير، وعن تجارب الموت التي واجهوها، وكتبوا حتى عن «الحياة في الجانب الآخر»! وتوجد على الانترنت مواقع عدة تعالج هذه الظاهرة التي يؤمن بها عدد متزايد من البشر، وأن الأرواح موجودة ولها وزن يمكن قياسه وأنها عندما تغادر الجسد تجتمع في مكان محدد، وقد تعود مرة أخرى الى الأرض لتتجسد في شكل بشري أو آخر.
هذا في جانب، أما في جانب آخر فقد اكتشف العلماء مؤخرا، بعد سلسلة من الاستطلاعات والاختبارات، أن لظاهرة الموت والعودة الى الحياة سببا آخر لا علاقة له بالأرواح. فعندما يظن المرء أنه يرتفع بروحه عن جسده بحيث يراه ممددًا تحته على السرير، أو يشعر بدرجة من النشوة والطمأنينة «غير الدنيوية» التي لم يشهد مثلها طيلة حياته، أو أنه يسير داخل نفق مظلم في آخره ضوء ساطع، أو أنه يلتقي بأقاربه الموتى، قبل «استيقاظه» من هذه الحالة، وهي الحالات التي أجمع غالبية من مروا بهذه التجربة أنهم مروا بواحدة أو أكثر منها، وهي الحالة أو الظاهرة التي تسمى علميا «تجربة الاقتراب من الموت»، أو«العودة من الموت»، هي ظاهرة يكثر حدوثها خصوصا وسط أولئك الذين يخضعون لمبضع الجرّاح أو في اللحظات التي يعانون فيها ذبحة صدرية. لكن دورية «كريتيكال كير» الطبية البريطانية نشرت قبل أيام بحثا أعده فريق علمي من سلوفينيا يقول انه ربما وجد تفسيرا للأمر، حيث يقول فريق جامعة ماريبور انه وجد رابطا يمكن أن يؤدي الى حدوث هذه التجربة الغريبة، يتمثل في ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الدم. وتبعا له فان هذا الارتفاع يؤدي الى تغيّر التوازن الكيميائي في الدماغ، مما يؤدي بدوره الى خداع صاحبه. فيجد أن روحه ترتفع عاليا فعلاً فوق جسده، أو أنه يسير في نفق يصل بين الحياة والموت، الى آخره من تلك التخيلات الغريبة.
وقد نظر الفريق الطبي في حالات 52 من المرضى الذين عولجوا من أزمات قلبية بالمستشفيات، وكان كل منهم قد أُنعش و«أعيد الى قيد الحياة» بعد توقف قلبه عن الخفقان وانقطاع أنفاسه. وفحص مستوى الكيماويات في أجساد هؤلاء خلال معالجتهم، خاصة ثاني أكسيد الكربون، وطلب اليهم لاحقا الاجابة عما يتعلق بتجاربهم وأحاسيسهم خلال فترة المعالجة.
وتبعا لنتائج هذا الاستطلاع، فقد قال 11 من أولئك المرضى، انهم وقفوا على الحد الفاصل بين الموت والحياة، ومرّوا باحدى الحالات التي اخذت ظاهرة «العودة من الموت» اسمها هذا. وقالت الدكتورة زليخة كيتيس، التي ترأست فريق البحث: «وجدنا أن لدى أولئك المرضى الأحد عشر معدل تركيز ثاني أوكسيد الكربون في دمائهم يزيد كثيرا بالمقارنة مع تركيزه لدى أولئك الذين لم يشهدوا الظاهرة». وأضافت هذه الباحثة أن الأرجح هو أن «تجربة العودة من الموت» لا ترتبط بالعمر أو الجنس أو المعتقدات الدينية أو الخوف من الموت أو العقاقير التي يحقن بها المريض، مع اقرارها بأن مزيدا من التجارب ضروري لقطع الشك باليقين، فقد قالت ان الأمر يتعلق أساسا بزيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم، وان هذا هو المدخل الصحيح الى الفهم الكامل لأسباب تلك الظاهرة.

أحمد الصراف