محمد الوشيحي

آيات وبايات

خذوها مني وارموها في البحر، أو خذوها مني وأعيدوها إليّ، أنتم وضمائركم: «ستتغير الخارطة التجارية الحالية في الكويت تغيراً جذرياً، وستختفي بعض الأسماء وستتبدد كالرذاذ، وستحل محلها أسماء لم يكن لها إعراب تجاري من قبل، بسبب قانون الخصخصة، وبسبب الرقابة الهشة التي ستسمح للشركات بالدوران على حل شعرها بلا رقيب ولا عريف. وستنتقل كفة القوة من الأسرة الحاكمة إلى الأسر التجارية الصاعدة المتوحشة». وأدي دقني جاهزة للحلاقة بلا معجون ولا عطر «أفتر شيف». فكما اختفت أسماء أسر تجارية قرأنا وسمعنا عنها، وسيطرت أسماء أخرى، بعد موت أبي الدستور الشيخ عبدالله السالم، ستختفي غداً بعض الأسماء الحالية وستظهر أسماء جديدة بدلاً منها.

ولا نحتاج إلى قارئة فنجان، أو ضاربة ودع، أو منجّمة أبراج، أو أي مشعوذة مهما كان مسمّاها الوظيفي كي تتنبأ لنا بأسماء التجار الجدد والبُدد (أي البائدين)، فكل من يتحكحك اليوم بجدران مجلس الوزراء سيحلّق مع النسور في عالم المال والأعمال، وسينافس «آيات الله الإيرانيين» بالثروة والسلطة والجاه، وستنتشر شركاته القابضة والخانقة والعاصرة في أرجاء البلد، أما التاجر الذي ينهبل ويمشي على القانون ما يلخبطوش، ويحترم نفسه ووطنه وشعبه، فسيصبح «عزيز قوم…»، وسيقول على طريقة «باي تونس»: «هذه ليست الكويت، وهؤلاء ليسوا الكويتيين». وكان الاحتلال العثماني قد ولّى على تونس عميلاً تونسياً لُقّب بـ»الباي»، وعلى الجزائر عميلاً جزائرياً لُقّب بـ»الداي»، ولا أدري ما معنى الباي ولا الداي، ولا يهم. ما يهم هو أن الأستاذ الباي ودّى تونس في الباي باي، وعاش ولا القياصرة، وترك الشعب يطبخ التراب ويأكل الهواء، مرة مطبوخاً وأخرى مسلوقاً، وأعدمَ وعذّبَ وسجنَ معارضيه تحت شعار «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ». وعاشت تونس تحت عصاه ليلاً طويل القامة، إلى أن نجح انقلاب بورقيبة. عندها أُصيب أخونا الباي بلحسة في مخه، وراح يمسح دموعه ويهذي: «هذه ليست تونس، وهؤلاء ليسوا التوانسة».

ولم يكن بيني وبين الخصخصة عداوة ولا محبة، حالها عندي حال بقية الأشياء، إلى أن قضيت اليومين الماضيين بالتنقل بين ذوي الدراية، أخرجُ من بيت هذا إلى ذاك، ومن مكتب ذاك إلى ذياك، فاتضحت لي الصورة بلا رتوش، فعدت إلى بيتي مهرولاً، واحتضنت أطفالي، وقلت لهم بفحيح «بعد عشر سنوات ستسألوني وسأجيبكم: كانت الكويت دولة رفاه، كما أراد لها عبد الله السالم، وكان الشعب يشارك الأسرة الحاكمة الحكم عبر برلمانه، فلعبت الحكومة ونوابها لعباً محرّماً، فاختفى الرفاه، وتلاشى البرلمان واختفى، واختفى معه حكم الأسرة الحاكمة الفعلي، وبقي في البروتوكولات، واختفت كويت عبدالله السالم، وأصبح التجار قسمين (آيات وبايات)، ويا ويلكم من سطوة وجشع وعنف غالبية الآيات، تجار الخصخصة، ويا سواد ليلكم. الفاتحة على أرواح الضعفاء والبسطاء». 

حسن العيسى

طبعاً الشيوخ أبخص

قالوا "من صادها بالأول عشّى عياله"، وقالوا أيضاً "من سبق لبق"، وكلنا نعرف "أنهم" الأوائل في الصيد دائماً، و"أنهم" الأسبق في "التلبق"، وإذا كان كل إناء بما فيه ينضح، فالكويت بالمحسوبيات والواسطات تنضح ويفيض إناؤها ويُغرِق طلاب العدل والمظلومين.
النائبة رولا دشتى سألت وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عن أسماء شاغلي الوظائف القيادية وما يعادلها في الوزارات والإدارات الحكومية… وتضمن سؤالها استفساراً عن "الأسس والمعايير التي يتم على أساسها الترشيح للوظائف القيادية وتجديد التعيين فيها"؟
لو كنت مكان الوزير لتكلمت بصراحة، وقلت لها: إنك تعرفين وأنا أعرف… وكلنا عيال قرية… فلماذا هذا السؤال المحرج، فالتعيين والتجديد في الوظائف القيادية  وحتى ما دون القيادية، يجريان حسب قاعدة الذين اصطادوا أولاً عشّوا أقاربهم ومعارفهم ومحاسيبهم، فالوزير عندما يصل المنصب يسارع إلى زرع المعارف في المناصب القيادية… وهؤلاء يردّون الجميل بدورهم في شتل الوظائف الأدنى لأحبابهم ومحاسيبهم، وتمتد الأمور بهذه الصورة من بداية رأس الهرم الإداري حتى القاعدة، وهكذا يُعمَّم الفساد الإداري وتُقنَّن المحسوبية، وإذا كان هناك قانون مثل قانون الخدمة المدنية لضبط الأمور،  فنحن ندرك أن مجال الاستثناء واسع، وفتح المنافذ في حوائط النص سهلة متى فسدت النفوس.
كتب مرة مظفر عبدالله وسنجار محفوظ في جريدة الطليعة "…إن الحديث عن توزيع المناصب صار يعلو على التطوير والإصلاح في أعمال الوزارات، وبذلك فقَدَ المنصب القيادي ميزة الاستقرار والثبات التي تُعين على التفكير الهادئ الذي يتطلبه أيُّ عمل من أجل التطوير  والإصلاح، وخلقت هذه المعادلة الجديدة جواً من النفاق أو الخضوع الذي يفرضه ميزان القوة بين الوزير والوكيل، وما لم يكُن الأخير سائراً على هوى الأول، فإن التهديد بعدم التجديد هو أقل ما يمكن أن يناله أصحاب المناصب القيادية…".
وفي لقاء جريدة الطليعة كانت آراء نواب مثل عبدالله الرومي وحسن جوهر متفقة مع هذا الرأي، وبدوره اجتهد النائب وليد الطبطبائي وقدم اقتراحاً بقانون تنص المادة الثانية منه على "…إن التعيين في المناصب القيادية بمرسوم ولمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرتين متتاليتين،  ولا يجوز بعد انقضاء هذا التجديد تعيين ذات القيادي في أي وظيفة قيادية أخرى… ويكون التعيين بعد الإعلان بشفافية عن الوظيفة المطلوب شغلها والشروط الواجب توافرها فيها…".
محاولة جيدة من النائب وليد لكن، كما يقولون "الشق عود"، والقضية أكبر من القانون ونصوصه، هي أولاً وقبل كل شيء قضية "قبائلية" لا "قبلية"، في إدارة كل الدولة، والفرق بين القبلية والقبائلية تجدونه عند المفكر السعودي عبدالله الغذامي في كتابه تحت عنوان "القبلية والقبائلية"، فالقبلية ظاهرة طبيعية، أما الثانية فهي مرض معدٍ ووباء أصاب أبناء العوائل قبل أبناء القبائل والطوائف… لا فرق…  وفرَّخ لنا المحسوبية والواسطة والفساد… فضاع العدل والإنصاف والمساواة في الفرص.
في النهاية، لننتظر الإجابة من السيد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء على  سؤال رولا…! لكن لماذا يُتعِب نفسه في البحث عن معضلة حل السؤال؟ ليجيبها بأن… الشيوخ أبخص يا سيدتي…!

احمد الصراف

آية الله وتوطين العمل الخيري

لعلم من لم يعلم فقد كانت الكويت، ولقرون، فقيرة يعاني أهلها شظف العيش وقسوة الحياة وقلة في كل مورد وزيادة في الأمراض واتساعا في الأمية، وعلى الرغم من عمري القصير نسبيا، مقارنة بعمر الدول والأمم، فانني «لحقت» أو شاهدت الكثير من قسوة العيش تلك، خصوصا في أوقات الفيضانات والحر الشديد والعواصف الرملية المخربة وحتى القحط. وأثناء تلك السنوات كانت دول كثيرة مثل الهند (باكستان) وإيران والعراق تنعم بالكثير من الخير وصفاء العيش والخاطر مع توافر مختلف الموارد والخيرات لديهم، ومع هذا لم يتذكرنا أحد منهم ويرسل لنا ما يقيم أودنا أو يبعد عنا شر الأوبئة وأخطار المجاعة.
وبناء على قاعدة أن ما يحتاجه البيت يحرم على المسجد، فإن كل الأموال التي جمعت في نصف القرن الماضي، سواء في صورة خمس أو زكاة وأرسلت الى خارج الكويت لصرفها على حوزات علمية أو بناء مساجد أو حفر آبار وتجييش دعاة، ما كان يجب أن تخرج قبل أن تنتهي حاجة أهل البيت، أو الكويت، ومن فيها.
ومن هذا المنطلق كتبنا قبل أيام نؤيد فكرة آية الله الكويتي، الشيخ علي الصالح، المتعلقة بسعيه لإبقاء أموال الخمس داخل الكويت وصرفها على حاجات الناس بدلا من إرسالها للخارج الذي يبدو أنه في غنى عنها. فكيف نرسل أموالنا لخارج الكويت وهناك عشرات الآلاف الذين هم بأمس الحاجة اليها، ومن يقول ان مستوصفا في قرية في باكستان أو جنوب لبنان أو في أي مكان في العالم أكثر أهمية من مستوصف في الصليبية مثلا التي تفتقد كل خدمة؟. ولماذا نهتم بإرسال مئات ملايين الدولارات لمساعدة فقراء الهند وأندونيسيا وبنغلادش، بينما يعيش عشرات الآلاف منهم في الكويت في أسوأ الظروف، وبشهادة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل؟ الذي صرح للصحافة قبل أيام أن الوزارة رفعت الحد الأدنى للأجور ليصبح 60 دينارا، وأن هناك من العمال من يتقاضى 18 دينارا فقط في الشهر، هذا غير عشرات آلاف «البدون» الذين يعيش غالبيتهم في ظروف بائسة حقا وهم بأمس الحاجة للمساعدة، فكيف يحرم عليهم ويحل لفقراء أفريقيا وآسيا؟
لقد سبق أن شكلت «الشؤون» لجنة دائمة لتوطين العمل الخيري، ولكن لارتباط مصالح الكثيرين داخل الكويت، ومن مسؤولي الجمعيات، بإرسال الأموال للخارج، حيث لا رقابة على طريقة الصرف، فقد حوربت اللجنة ولم تستطع فعل شيء. وقد أصدر الوزير الكبير العفاسي قرارا بإعادة تشكيلها، ولكن من المتوقع أن يجد التشكيل الجديد مصير سابقه نفسه بفضل جهود أصحاب المصالح الكبيرة في أموال الجمعيات!

***
ملاحظة: صرح آية الله كاظم صديقي في خطبة الجمعة الماضية في طهران ان السبب وراء تزايد حدوث الزلازل في العالم يعود لتزايد العلاقات الجنسية غير المشروعة. وان الكوارث الطبيعية هي نتيجة سلوكنا، وان الكثير من النساء اللواتي لا يرتدين ملابسهن كما يجب يفسدن الشباب!! ربما نسي مولانا أن آخر زلزال كبير ضرب إيران حدث في منطقة قروية نائية لا مجال فيها لما ذكره من أسباب.

أحمد الصراف