محمد الوشيحي

سميّة… هو لن يقول امباع

في الندوة التضامنية مع المحامي والكاتب محمد عبدالقادر الجاسم، تحدثت ابنته «سمية»، التي لا أظنها قطفت وردتها الخامسة عشرة من بستان عمرها بعد، فبكت وأبكت، لكن ما لفت الحضور هو جملتها التي قالتها ببكاء المتحدي: «إثبت يا يُبه»، فدوّى التصفيق في القاعة، وانهمرت قطرات الدموع من العيون! الله عليكِ أيتها المهرة الأصيلة. الله عليك أيتها السامية، يا من أدركتِ، رغم صغر سنك، أن ما يحدث هو «مرحلة مهمة» في تاريخ صحافة الكويت، فإما أن يطأطئ الصحافيون، أو أن يرفعوا رؤوسهم.

اسمعيني جيداً أيتها المهرة: والدك هو المخطئ بانتقاده الحكومة، فكل ذنب الحكومة أن الفساد كبر في عهدها حتى طاول أشجار الغابات، وبفضلها احتلت الكويت المركز الأخير على مستوى الخليج، ونتيجة لأدائها سلّ الطائفيون سكاكينهم وفركوا أيديهم قبل الوجبة الرئيسية التي فاحت رائحة ليمونها وكمّونها.

والدك هو المخطئ، فالحكومة لم تعبث بالأموال العامة، كي تستحق النقد، ولم تنثر الأعلاف للأغنام كي تهتف بصوت واحد «امباع»، وكي تنثر «روثها»، أجلك الله، في أغلب الصحف والفضائيات. وإذا كان والدك لا يأكل الأعلاف ولا يجيد نطق «امباع»، فهذه مشكلته، وليحتمل نتائجها. هي خمسة حروف لا أكثر، ألف بدون همزة، ميم بهمزة، باء، ألف، عين وقواة عين.

سمية، أما سمعتِ الأغنام وهي تقول: «ليحمد محمد الجاسم ربَّه أن الكويت ليست مثل غيرها، فلا أسنان تُقلع، ولا عيون تُفقأ، ولا جلود تُحرق وتُسلخ، كما يحدث في بعض الدول القمعية»! ألم أقل لك إنهم أغنام، لا يعرفون إلا «القصّاب» و»المقصب» و»السلخ». ها هم يشيرون بأصابعهم إلى دول القمع، ويغمضون أعينهم عن أوروبا! أغنامٌ هم ورب الكعبة، وقد ارتفعت أسعار الأغنام هذه الأيام بعد ارتفاع أسعار العلف… صحيح أن الكويت لا تقارن بدول القمع، لكن إذا استمر تشبث الرئيس بمنصبه، بهذه الطريقة وبأي ثمن، فلن نستبعد أي شيء.

سمية، تذكري أن الأيام تجري، وأنها أثناء جريها تتساقط منها الأشياء، فلا تحرص عليها، ولا تنحني لالتقاطها، إلا ما يستحق. وموقفك وكلمتك – أنتِ وعمّتك الفاضلة السيدة وفاء، عندما طالبتما والدك بالثبات – من الأشياء التي لن تفرط فيها الأيام أبداً… وكما يتناقل البشر الأحداث جيلاً بعد جيل، تتناقل الأيام الأحداث كذلك، فتحكي «كبار الأيام» إلى أبنائها وأحفادها من «صغار الأيام» ما رأته بأعينها، وستقول الأيام لأحفادها: «ثبتت صبية وشمخت برأسها، وانحنت شوارب ولحى حتى لامست تراب الحظيرة». الأيام لا تكذب. وها هي الأقلام تدوّن كلمتك كي يقرأها أحفادك.

سمية، أعلم أنك لن تشاهدي والدك هذا العيد، وأن سحابة دموعك لن يتوقف مطرها طوال عطلة العيد، لكنّ عزاءك وعزاءنا أن والدك لن يقول «امباع». 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *