كتب نورمان واينبرغر -الحاصل على الدكتوراه في علم النفس التجريبي، الذي يعمل في جامعة كاليفورنيا، قسم البيولوجيا العصبية، وأحد مؤسسي مركز البيولوجيا العصبية للتعلم والذاكرة والموسيقى- أن للموسيقى قدرة غريبة على أدمغة المستمعين والموسيقيين، وأن الموسيقى تلازمنا كل الوقت ويمكن لتصعيد «أوركسترالي» مبهج أن يستدر دموعنا ويبعث ارتعاشات في فقراتنا. كما أن الموسيقى الزاخرة تضفي دفعة زخم انفعالية على خلفية الأفلام السينمائية، ويشدنا عازف الأرغن فنقف هاتفين مصفقين مستطيرين حماسة، كما يترنم الآباء والأمهات بدندنات لتهدئة الأطفال الرضّع. ويستطرد البروفيسور واينبرغر في القول إن لولعنا بالموسيقى جذورا موغلة في القدم، فقبل أكثر من 30 ألف عام كان هناك عزف على النايات المصنوعة من العظام وعلى أدوات نقر وقيثارات مصنوعة من عظام الفك، ويبدو أن تذوقنا للموسيقى «غريزي» فالرضع، حتى دون الشهرين، يلتفتون نحو الأصوات المتلائمة الممتعة. ويقول ان الخاتمة الموسيقية عندما تبعث هزات طرب عذبة فانها تقوم في الحقيقة باثارة مراكز السرور نفسها التي تثار عند تناول الشوكولاتة أو عند الاتصال الجنسي. وهنا يكمن لغز بيولوجي محير ومثير للاهتمام: لماذا الموسيقى؟ ولماذا تحظى بمحبة شاملة وقدرة فريدة على اعتصار العواطف لدينا؟ ألا يمكن أن انبثاقها قد سبب -بطريقة ما- تعزيز بقاء الانسان وارتقائه، وتنمية تماسكه الاجتماعي في تجمعات كانت قد غدت أكبر من أن تساس؟
ويقول واينبرغر انه ليست هناك أجوبة نهائية عن هذه الأسئلة، لكن العلماء، ومنذ عهد قريب، بدأوا تكوين فهم أكثر رسوخا عن كيف وأين تعالج الموسيقى في الدماغ؟ وأن دراسات أجريت على مرضى باصابات دماغية وغيرهم من السليمين وكانت المفاجأة اكتشاف عدم وجود مركز خاص في الدماغ يختص بالموسيقى، بل انها تشغل العديد من المناطق الموزعة فيه. ومع أن الكثيرين يتصورون أنهم ذوو وهن موسيقي، لكننا جميعا موسيقيون الى درجة ما!
ومن المعروف أن طرق العلاج الحديثة تستخدم الموسيقى الكلاسيكية، ولعباقرة عالميين معروفين، بشكل مكثف في رفع نسبة الفهم وتقليل الاصابة بالنوبات لدى الكثير من المصابين بأمراض في الدماغ، وبعد هذا يأتي من يكتب بأنه يعارض «فرض» الموسيقى على طلبة المدارس في الكويت! ولم يتردد في وصف «بيتهوفن» بالتافه، وان بطريقة غير مباشرة، وان هذا الموسيقار ومن «على شاكلته من عرب وعجم» لا يعنون له شيئا! واستغرب هؤلاء قيام وزارة التربية بفرض تدريس الموسيقى، على الرغم من أن أولياء الأمور يرون أنها «حرام»، ومن حق أبنائهم عدم دراستها لهذا السبب! ونسي هؤلاء أو تناسوا أن نسبة أكبر من أولياء الأمور ترى حرمة تدريس أمور كثيرة أخرى، وبالتالي من السخف ترك أمر وضع المناهج لأمزجة الطلبة ولآبائهم وأمهاتهم في دولة بين حكم المحكمة الدستورية الأخيرة مدنيتها المطلقة! وغريب حقا أن يشتكي هؤلاء من تدريس الموسيقى، هذه المادة الانسانية الراقية والعظيمة، ولا يشتكون من كل هذا الهراء الذي تتضمنه المناهج نفسها التي تحتاج عملية «شخل» كاملة.
أحمد الصراف