سامي النصف

«الخليج للاستثمار» والسباحة ضد التيار

قلنا مع بدء الأزمة الاقتصادية العالمية انها بمثابة زوبعة عاتية ألقت بجمع من الناس في مياه البحر وانهم وإن تساووا في لحظة السقوط إلا أن الفارق بينهم سيحدث في سرعة الخروج من ذلك اليم المتلاطم فالإدارة الكفؤة هي أشبه بالسباح الماهر الذي سيخرج سريعا من الماء وسيتلوه السباح الأقل مهارة وهكذا حتى ينتهي الأمر بنجاة من ينجو وغرق من يغرق ممن لم يتعلموا السباحة.

ومن ذلك فمع اللحظة الأولى لسقوط الاقتصادين المحلي والعالمي في بحور الخسائر والانكماش بادرت الإدارة الكفؤة لمؤسسة الخليج للاستثمار (G.I.C) المملوكة بالكامل لحكومات الدول الخليجية باتخاذ اجراءات سريعة لاخراج نفسها من البحر وتأكيد دورها الريادي في إطلاق المشاريع التنموية التي تدعم اقتصادات الدول الخليجية وتوفر فرص العمل الملائمة لأبنائها.

فلم تهتز المؤسسة بسبب الأزمة ولم تقم كغيرها بالانسحاب من المشاريع الرئيسية التي ابتدأتها بل أعادت سريعا هيكلة نفسها وعززت التواجد في مشاريعها، ومن ذلك نجاحها الفائق في الحصول على التمويل الدولي اللازم لاستكمال مشروع «الدر» للطاقة في البحرين والذي بلغت كلفته الإجمالية 2.1 مليار دولار والكفيل بعد الانتهاء منه بتوفير ثلث احتياجات البحرين من الكهرباء والماء.

كما تبنت الإدارة التنفيذية لمؤسسة الخليج مفهوم ان تكون مبادرا لا تابعا وان تخلق فرص العمل بدلا من انتظارها ومن ذلك الدخول في استثمارات جديدة متعددة في الدول الخليجية قاربت كلفتها النصف مليار دولار حيث تم إنشاء أكبر شركة لإعادة التأمين في الخليج، كما توجت نشاطها في قطاعي الحديد والصلب بإنشاء أكبر مشروع في العالم العربي لإنتاج كريات الحديد و«الستانلس ستيل» اضافة الى مشروعي «مرافق» و«الشقيق» في المملكة العربية السعودية.

وقد تم خلق قاعدة اختصاص عالية الكفاءة ضمن جدران المؤسسة على مفهوم ضرورة الاستشراف المستقبلي، فقطاع مزدهر اليوم قد لا يكون بالضرورة أحد القطاعات الهامة في المستقبل وطبقا لذلك فقد تم خلق صندوق للتنمية الصناعية والطاقة، والتعاون مع مؤسسة كونفرس بورد لدراسة أفق النمو الاقتصادي في الخليج خارج نطاق النفط وهي دراسة هامة يمكن للحكومات الخليجية الاستفادة منها في برامج عملها.

إن تسليط الضوء على تجربة مؤسسة الخليج للاستثمار أمر هام يمكن التعلم منه فهي وإن كانت مؤسسة حكومية 100% إلا أنها تدار بكفـــاءة عالية جدا تشابه أنجح إدارات القطاع الخاص، ومعروف ان المؤسسة قد تم تأسيسها برأسمال مدفوع قدره 540 مليون دولار إلا أنها استطاعت خلال مسيرتها ان تحقق أرباحا مجمعة زادت على 2.9 مليار دولار عبر الاستثمار الاحترازي والبعد عن القروض الكبيرة ذات الآجال الصغيـــرة، أو القيام بمشاريع ذات مخاطر كبيرة في دول أخــرى لا يمكن السيـــــطرة على تشريعاتها أو أنظمتــــها النقدية.

آخر محطة:
 
(1) بينما نحن مشغولون في الصراع السياسي الحاد، خسر مئات الآلاف من الكويتيين من حملة أسهم الشركات المساهمة الكويتية 2.9 مليار دينار لا دولار من مدخراتهم خلال شهر أكتوبر فقط، ولا أحد يسأل عن أحوالهم.

(2) نشر في صحف الأمس لقاء أظهر ان استثمارات بيت التمويل في مملكة البحرين فاقت 20 مليار دولار بسبب التسهيلات التي يتلقونها هناك، والسلام والتحية لمن ابتدع قانوني 8 و9 لـ 2008 (الجديد B.O.T) الذي «طفش» الأموال والاستثمارات من البـــلد والذي يصر البعض على عدم تعديله.

احمد الصراف

عندما طار يعقوب المعاق

كان يوما عاديا، او هكذا ظننت، عندما اخبرني الطبيب ان ابننا المعاق، والمصاب بمرض عقلي خطير، سوف يتقوس ظهره لا محالة ان لم يتعود الجلوس على كرسي خاص بالمعاقين من امثاله، ولكن كيف لي بالحصول على مثل هذا الكرسي وثمنه يزيد على ثمن السيارة الخربة التي اقودها؟! فأي كرسي مناسب لا يقل ثمنه عن 1200 دينار.. سمع صديق بمشكلتي فنصحني بزيارة جمعية تدّعي الخير من خلال العناية بالمرضي، وهكذا كان، وما ان دخلت «بوابة» مكاتبهم في الاندلس، الضاحية المنسية، وليس المقاطعة الاسبانية، زال توتري عندما قرأت ملصقا عند المدخل يعلن عن توافر «كرسي لكل معاق»! في الداخل قدمت طلبي مصحوبا بعقد ايصال الايجار والتقارير الطبية الكاملة، ولكن الموظفة، غير المهذبة، صرفتني قائلة انها ستتصل بي فور توافر كرسي متحرك.
بعد انتظار شهر زرتهم ثانية، فقالوا ان الفترة قد تطول اكثر، فالكويتي ينتظر اشهرا وغير محددي الجنسية او البدون.. دهرا! وبالتالي ما علي غير الانتظار، فلا وطن ولا اهل لي غير هذا، ولا تراب لي غيره.
جاء رمضان، شهر الخير، وولى، ومر شهران آخران ووليا، وفجأة وردتني مكاملة هاتفية تخبرني بوصول الكرسي العظيم، وكانت مفاجأة سارة، فقد اصبح حمل الطفل يوميا من عيادة الى اخرى ومن غرفة علاج الى غيرها مشكلة كبيرة، خصوصا لامه، بسبب زيادة وزنه. وفي الجمعية كان هناك خبر لم نتوقعه، فقد اعطونا كرسيا مستعملا، وفي حالة سيئة، وكان من قبل لمعاق بالغ الكبر والحجم وليس لطفل ضامر الجسد! لم تُقبل اعتراضاتي بطبيعة الحال، ونصحوني بقبول الكرسي حاليا واجراء بعض التعديلات عليه في ورشة محددة. سكت وغادرت والدموع تكاد تطفر من عيني، فقد كان الشهر سيئا بالنسبة لي من الناحية المادية والصحية. وفي الورشة كلفني تعديل ذلك الكرسي اللعين، والأمل في الوقت نفسه، خمسين دينارا، لا أزال مدينا بها لصديق.
بعد التجربة، وجدنا ان الكرسي غير مناسب، فأربطته بالكاد تكفي لتثبيت الصبي في مكانه، وفي أحد الايام اوصلت زوجتي وابننا لاحدى العيادات وتركتهما للالتحاق بعملي المتواضع، ولكن ما ان وصلت حتى وردتني مكالمة من الزوجة تخبرني ان الصبي في حالة سيئة، وان علي العودة لمساعدتها، فتركت عملي مضطرا، وربما سأطرد منه قريبا، وذهبت لاكتشف ان عباءة زوجتي قد تبللت بدموع عجزها وبؤس وهوان حالها وحالنا، والصبي ينتحب في كرسيه والجروح تملأ وجهه ويديه، وتبين انه وقع من علىالكرسي الكبير وسقط في منتصف الطريق، ولولا مساعدة بعض المارة في رفعه من الشارع، لحدث ما لا تحمد عقباه، وضعت الكرسي في صندوق السيارة وحملت الابن حملا لكي تتم معالجة جروحه.
وفي مساء ذلك اليوم، وبسبب جروحه وتدهور حالته، بعد ان رفضت لجان تلك الجمعية اعطاءنا ما يكفي لشراء ادوية مهدئة له، قررنا، أنا وامه، ان ينام يعقوب بيننا على فراشنا الصغير، حيث يمكننا الاهتمام به اكثر، فهو لا يصدر صوتا عندما يصاب بنوبة ما، بل ينكمش على نفسه وكأنه يعتصر مشكلته ليخفيها عنا، وربما ليخفف عنا معاناته، وهكذا قضينا تلك الليلة ونحن نضم بعضنا بعضا، وكل واحد منا يشكو من ألم ما.
عندما افقت من نومي في صباح ذلك اليوم الغريب، لم اجد يعقوب، بل وجدت زوجتي جالسة على طرف السرير، وهي تتمتم بما يشبه الهذيان، فسألتها عن يعقوب، إذ ليس بإمكانه مغادرة السرير منفردا بسبب اعاقته الشديدة التي تمنعه من السير، فلم ترد، فاتجهت اليها ورأيت الشرود في عينيها، فهززت كتفيها وأنا أسألها عن يعقوب، فقالت بصوت حزين «يعقوب طار.. يعقوب ما راح يرجع»! فعرفت ان ابننا قد مات من نوبة شديدة، وكان هذا لعجزنا عن توفير ما يكفي من الدواء له، وعرفت وقتها اننا، لسبب لا علاقة لنا به، من المنسيين الذين لا يستحقون رحمة أحد، وان فقراء مدغشقر ومرضى كينيا اكثر استحقاقا منا للمساعدة والمال والدواء، فهل نحن حقا من بشر الكويت؟!
عندما انتهيت من مراسم الدفن وهز الايدي القليلة التي تقدمت لتقديم واجب العزاء في المقبرة، قدت سيارتي، ودموع الحزن تنهمر مدرارا من عيني، وذهبت الى تلك الجمعية «الخيرية» وسلمت الموظفة كرسيهم المستعمل، وتعمّدت عدم مطالبتهم بما صرفته من مال عزيز على اصلاحه، فقد يستفيد منه معاق آخر!
* * *
هذه رسالة قارئ كتبها تجاوبا مع ماكتبته عن الجمعيات الخيرية بشكل عام، والتي لا تزال تصر على الاهتمام بالانسان الآسيوي والافريقي وتجاهل المعدم والمريض في الكويت، يقومون بذلك وهم على علم تام ان ما يحتاجه البيت يحرم على المسجد اصلا!
نهدي هذه الحقيقة الى وزيري الشؤون والخارجية، لعل وعسى يتوقفان عن مدح الجمعيات الخيرية ليل نهار، ويطالبانها بالاهتمام بمرضى وفقراء الداخل قدر اهتمامهم بأمثالهم في الخارج!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

في انتظار 60 ألف دينار

 

فعلا، كان ملف الإسكان، على مدى الأسبوع الماضي وما قبله من مدة، هو الملف الأكثر حيوية على أكثر من مستوى، وهذا هو المنهج الذي يتمنى كل مواطن أن تتواصل فيه الدولة والمجلس الوطني ومؤسسات المجتمع المدني للنظر في القضايا والملفات المهمة ووضعها على طاولة البحث بعيدا عن حملات المواجهة الإعلامية تارة، و(التطنيش)المتعمد والسيئ تارة أخرى، على أن تترجم المباحثات الى خطوات عملية على أرض الواقع، وألا تصبح جعجعة بلا طحين.

وفي اعتقادي، فإن الصورة الأكثر جمالا في المشهد، هي لقاء (تطييب الخواطر) بين جميع هيئات جمعية الوفاق الوطني الإسلامية مع معالي وزير الإسكان الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة، وأهمية هذا اللقاء لا تنحصر فقط في استعراض المشاريع الإسكانية في دوائر الوفاق، وتوزيع القسائم الإسكانية على المستحقين في مناطق الدير وسماهيج والحد وشرق سترة والمدينة الشمالية ودار كليب، فمن وجهة نظري، تكمن أهمية اللقاء في إزالة آثار الماضي المترتبة على ملف «القرى الأربع» وعدم السماح للأطراف التي دخلت بسوء نية لتأجيج الوضع أيا كان المسار الذي تمثله، وإسدال الستار على مرحلة التصادم والعداء، واستبدالها بمرحلة التفاهم والبناء.

ولعله من الأهمية بمكان، تحريك ملف رفع القروض الإسكانية للمستحقين من 40 الى 60 ألف دينار وفقا لقرار مجلس الوزراء الذي أقر الشروع في التنفيذ بدءا من دورة الموازنة للعامين 2009 – 2010 وزيادة فترة السداد من 25 الى 30 عاما، واعتبار هذا الملف حيويا وخصوصا مع حال (الحيرة) التي يواجهها من يحق لهم التقدم بطلب زيادة القرض الإسكاني بسبب عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ القرار، وهي الإشكال الذي يواجهه المراجعون لوزارة الإسكان من المستفيدين الذين لم يتمكنوا من الحصول على جواب واضح بشأن تقدمهم بطلبات زيادة قروضهم.

فعلى رغم صدور القرار، إلا أن الكثير من المواطنين المستفيدين أبدوا استغرابهم من عدم إمكانهم التقدم بطلبات رفع القروض أثناء مراجعتهم للوزارة، ووقوفهم مكتوفي الأيدي أمام الرد الذي يقول: «لا يمكنكم التقدم بهذا الطلب، فالقرار لم يطبق حتى الآن وفي انتظار صدور أوامر بتطبيقه وتحديد آليته»، وخصوصا أن بعض المواطنين المستفيدين بدأوا تحركاتهم في البحث عن منازل للشراء تفوق طبعا مبلغ 60 ألف دينار، لكنهم يأملون في تطبيق القرار لتضاف الزيادة إلى قنوات أخرى تدعم موازنتهم من خلال الاقتراض من المصارف، ولعل من المهم بالنسبة إلى المراجعين، أن تتضح لهم الصورة ويحصلون على الجواب الوافي حتى إذا كان ليس في مقدورهم الاستفادة من القرار باعتباره سيطبق على الطلبات الجديدة اللاحقة، وليس الطلبات الممنوحة السابقة