بعد التحرير بأشهر قليلة، كنت أستمع مصادفة لإذاعة الكويت واسترعى انتباهي سؤال موجه من مستمع إلى السيد عجيل النشمي تعلق بحكم خروج المرأة من بيتها، وحمل السلاح والمشاركة في قتال العدو المحتل والمغتصب؟! إجابة الشيخ أو «فتواه» كانت واضحة جداً، حيث قال إن مكان المرأة هو بيتها ورعاية زوجها و«تحضير الطعام» له وتربية أولادها(!!)
لم يصدق أحد ممن رويت لهم تلك الفتوى، واعتقدوا بأنني أبالغ، ولم أهتم كثيرا بتغيير رأيهم.
مرت 19 سنة وقام سمو أمير البلاد بتشريف حفل تخرج اول دفعة من ضباط الشرطة من السيدات، وبهذه المناسبة قامت «الوطن» بتوجيه سؤال للسيد عجيل النشمي، ما غيره، عن جواز قيام الرجل بأداء التحية للمرأة في السلك العسكري إذا كانت من رتبة أعلى! فقال إن إدخال المرأة في العسكرية في غير حالات الاستثناء أمر غير مرغوب فيه، بل ينبغي أن يمنع! وأضاف أن الإشكال والاحراج في موضوع تحية الرجل للمرأة، أو العكس، عسكريا، يخالفان الأعراف المحلية، قبليا وحضريا، فمكان المرأة الذي حدده الدين هو القيام بأعباء المجتمع كتربية الأبناء ورعايتهم، فهذا أكرم وأستر لها(!!).
ربما نسي السيد النشمي العجيل أن جميع المجتمعات، والكويت ليست باستثناء، تخلت عن مئات آلاف الأعراف والتقاليد، منذ فجر التاريخ حتى اليوم، والذاكرة والمجال لا يساعدان على حصرها جميعا. ولكننا نعلم جميعا تقريبا أن الزواج إسلاميا، كان، ولأكثر من ألف عام، ولا يزال لدى الكثيرين، يتم شفاهة من دون عقد مكتوب أو موثق! ولكن متطلبات العصر وضروراته ارتأت التخلي عن هذا العرف الراسخ في القدم وضرورة توثيق عقود الزواج وتسجيلها في دوائر الدولة الرسمية. وفي محاولة لثني المعترضين على ذلك قامت الحكومات بربط مساعداتها المالية والسكنية باشتراط وجود عقد زواج مكتوب لطالب المساعدة، وهنا سارع جماعة الشيخ عجيل في التخلي خلال لحظات عن عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم، وقاموا بتسجيل عقود زواجهم وتوثيقها، طمعا في الحصول على قرض التسليف وبيت الاسكان! وهنا نجد أن متطلبات العصر والحياة التي نعيشها، والرغبة في امتلاك شيء ثمين، كانت ولا تزال أقوى من أي تقليد أو عرف. وعليه نرجو من رجال الدين إكرامنا بسكوتهم عن الأعراف والتقاليد فليس هناك من لم يكسر تقليدا أو يتجاهل عرفاً، وفهمكم كاف.
أحمد الصراف