احمد الصراف

«الطراوة» والندى.. وقلوب الجُفاة

«في وسط عينيك السوداوين، وبين خصلات شعرك الفاحم بنى الحزن منزلا لي. إن سواد عينيك يشبه سواد ليلي، وسواد شعرك كسواد شفتي. وعندما لا تكونين بجواري فإن دموعي تنساب كالسيل الذي يهدم كل وجود، ولكن عندما تكونين بقربي فإن وحدتي تذهب أدراج الرياح، وتستطيع عيناي الدامعتان النوم هانئتين. لقد خرج الربيع من بين يدي، وازدهرت براعم «وردة الثلج» في قلبي، وأنا جالس في غرفتي أحترق شوقا لك يا «وردة الثلج» المتفتحة بالحياة. آه، ماذا أقول عن شبابي الضائع وصوتي المكتوم؟!».
هذا مقطع من أغنية «وردة الثلج» للمطرب الإيراني آبادانا كوروش، وقامت فرح بترجمته بتصرف. ويمكن الاستماع الى الأغنية على الرابط التالي:
 http://www.youtube.com/watch?v=w1MGn_AV3Go

* * *
أجرى تركي الدخيل مقدم البرنامج التلفزيوني الناجح «إضاءات» في قناة العربية، لقاء معنا قبل أيام، شعرت بعد الانتهاء من تصويره بأنني أخذت من المقابلة ومن المقدم أكثر مما أعطيت، هذا إن كنت أعطيت شيئا!
أخذت أفكر، وأنا في طريق العودة إلى الفندق في دبي، في أننا جميعا تقريبا، ننتمي الى أمة قلقة ومهمومة بالكثير من الأوهام، وتسود بيننا روح الكآبة بشكل واضح، ولا مكان أو وقت لدينا للفرح أو الضحك، ولا نتجرأ حتى في الحديث علنا عن تبادل القبل او تقبل فكرة الحب الجميلة أو العاطفة الجياشة أو تلاقي العيون وتلامس الأيدي، دع عنك فكرة العناق والرقص على أنغام جميلة تحملك الى ما فوق السحاب بطبقات وتجعلك تشعر بإنسانيتك ووجودك الفريد وأن لك دوراً وموقعا في هذه الحياة يتجاوزان بمراحل ما يحاول ذلك الفكر المغالي في تزمته، او تعاسته، ان يضعك فيه او يقنعك به! فنحن إما في حالة بكاء ونحيب موسمية في ذكرى دينية أو عائلية ما، وإما أننا في حالة تجهم وجدية مستمرة وأبدية داخل بيوتنا ومكاتبنا وخارجها، وكأن الفرح معيب والضحك عار. ونحاول دائما التغطية على ضحكنا وفرحنا، بحيث لو تركنا مكانا ما، بعد فاصل قصير من السعادة، نستحلف بعضنا البعض «بالستر» عما سمعنا أو واجهنا وبطلب الرحمة للجميع بسبب قهقهة او نكتة مليحة!! فالتجهم، الذي ربما بدأ تصنعا، قبل قرون، أصبح السمة الغالبة للمسلم بشكل عام ومرادفا للتقوى، ودليلا على الالتزام الديني. حتى طريقة «تعاملنا» مع العزاء الذي عادة ما يكون ليومين او ثلاثة لدى البعض، تدعو للرثاء بسبب صرامتها وخلوها من أي عاطفة او رقة، وتصبح مأساة لدى البعض الآخر، وهم الغالبية، حيث يستمر العزاء لستة أيام ليصل الى ذروته في اليوم السابع، ليمتد الى ذكرى الأربعين، وليتكرر الطقس الحزين ذاته بعد عام من الوفاة! وتتخلل كل ذلك مجموعة طقوس حزينة ومتعبة اجتماعيا وأسريا وماديا، بحيث يصبح هم وعبء القيام بها، في أحيان كثيرة، أكبر من هم الوفاة نفسها!
ولو تمعنا في حياة بقية شعوب العالم، حتى الفقيرة والمسحوقة منها، لوجدنا ان الحال لديهم مختلفة تماما، وان لا حاجة لخيال واسع لتصور ان نظرتهم للحياة تختلف تماما عن نظرتنا.
ففي تلك المجتمعات، ومن دون استثناء، يعتبر الضحك والمرح والاستمتاع بالحياة أشياء جميلة، كما ان الأجمل منها هو الحب، بكل أنواعه العذرية وغير ذلك. وان هناك بالفعل أمورا رائعة في الحياة تجعل الواحد يرى الفراشات الملونة في الصحارى القاحلة ويتخيل قطرات الندى على أوراق الأشجار في عز صيف خليجي حار، ولا يرفع حاجبيه عجبا أو صوته استنكارا ان رأى حبيبين يتبادلان القبل، أو عشاقا يتهادون في مشيتهم وعيونهم وأيديهم متشابكة بسبب جمال اللحظة وروعة الموقف.
قد يكون البعض منا على حق بسبب عقيدته أو منطقه وموقفه من الحياة والموت، ولكن لا يمكن لأحد ان يقنعني بان السياحة والاستمتاع برؤية روائع مدن الأرض جريمة أخلاقية، او ان التواجد في الأوبرا خلاعة بذيئة، او ان حضور مسرحية او مشاهدة فيلم سينمائي رائع فتنة، او زيارة متحف أو معرض صور أو رؤية تماثيل فنية امر محرم، او ان الذهاب الى مدينة ملاهٍ أمر سيئ، او ان التزلج على الجليد والتزحلق على الماء والمشاركة في الرقصات الفولكلورية وتسلق الجبال وممارسة الرياضة وحضور المسابقات وركوب الخيل والاستماع الى الموسيقى في الهواء الطلق والاسترخاء «نصف عار» تحت الشمس الدافئة في المناطق الباردة والتمتع بالطبيعة، وتجميع الفراشات ومراقبة الطيور ورسمها وتصويرها واستكشاف مصبات الأنهار وموارد المياه، وارتياد الصحارى والغابات وتعلم لغات الشعوب الأخرى ورقصاتها، والرقص في «الكرنالات» وحضور المهرجانات والاحتفال بعيدي الاستقلال والتحرير.. وغيرها الكثير من الأمور التي تعتبر لدى البعض محرمة ومفسدة أو مكرهة أو غير مستحبة أو مضيعة للوقت! فوجودنا على هذا الكوكب أمر سعيد ورائع بحد ذاته، ويستوجب هذا الوجود منا ان نحتفل به ونتعامل معه بما يستحق من اهتمام، وبعيدا عن وجوه المغالين منا من اصحاب القلوب الجافة التي لا تود التعرف الى «الطراوة»، على الاقل علنا، والتي لا تعرف حقيقة جمال الندى على ورقة شجرة في بيت حبيب في صباح صيف حار!

أحمد الصراف

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *