محمد الوشيحي

هجّصوا مع دبدوب يا بيرم

أكثر من استخدم كلمات «هجص» و«هجايص» و«تهجيص»، ومعناها بلغتنا الدارجة «الهبل والخبال»، هما الأديبان الكبيران الراحلان بيرم التونسي ومحمد عفيفي رحمهما الله. وبيرم التونسي، أو «الكاتب الشاخر» كما أسماه زملاؤه، والذي غنت له أم كلثوم روائع خالدة لا يمكن أن تنتهي صلاحياتها، هو في الوقت نفسه كاتب مقالات لا يشق له ماء ولا هواء. وكان قد «زوّد عيار» النقد على وزارة الداخلية آنذاك فقررت طرده إلى تونس، مسقط رأس جده، وعند الحدود المصرية قال له الضابط المسؤول عن الترحيل وهو يدفعه بشدة ويركله برجله: «غور يا حمار يا ابن الكلب»، فالتفت له «الشاخر» وقال كلمته الشهيرة وهو ينفض ملابسه من الغبار بعد أن أسقطته الركلة: «يخرب بيوتكو، فيه حمار في الدنيا أبوه كلب؟ حتى الشتايم هجصتوها».
رحمة الله عليك يا بيرم، والله لو شاهدت «هجايصنا» في الكويت لترحمت كثيرا على «هجايصكم». يا رجل مسؤولونا يحفظون الهجص من الجلدة للجلدة، و«يسمّعونه» عن ظهر غيب، ويضيفون عليه ويحسّنونه، ويستيقظ الواحد منهم وقبل أن يرتشف قهوته يقوم بتلميع زجاج الهجص بيده الكريمة. نحن ملوك الهجص والميادين تشهد، ولا فخر. وخذ عندك بعض هجايصنا وامسك الخشب:
في بنك الكويت الوطني هناك عبقري عالمي في الاقتصاد اسمه «إبراهيم دبدوب»، اشتغل في البنك منذ اليوم الأول لإنشائه، عام 1952، وتدرج في المناصب إلى أن أصبح الرئيس التنفيذي للبنك، وبسببه وبمساعدة زملائه أضحى البنك الآن يمشي وهو يرفع أسفل ثوبه كي لا تبلله الغيوم عند مرورها من تحت أقدامه. هذا العبقري، دبدوب، الذي تتنافس على عقليته الفذة دولٌ ومؤسسات اقتصادية كبرى، لم نمنحه الجنسية بسبب ديانته المسيحية، تصدّق يا بيرم؟ أستحلفك بالله هل مر بك أو بجانبك هجص كهذا؟ قانون الجنسية يرفض تجنيسه ويرحب في الوقت نفسه بتجنيس مفسري الأحلام ودراويش الموالد؟ و«يا زمان الهجايص وش بعد ما ظهر، كل ما قلت هانت جدّ هجصٍ جديد»، بالإذن من الشاعر الأمير خالد الفيصل! على أية حال، لا أظن أن دبدوب سيشكو الفاقة وسيركع على ركبتيه يستجديهم تجنيسه، فهو يحمل جنسية دولية في عقله، وأينما التفت ستلتفت رقاب دول وبنوك.
وخذ عندك يا بيرم آخر تفتيحة للهجص مع دبدوب، نيو كولليكشن: قبل أيام، طلبت الحكومة من محافظ البنك المركزي الشيخ سالم الصباح تشكيل فريق لمتابعة أزمة المال ومعالجتها، فاختار المحافظ فريقه ومن بينهم دبدوب، ثم اضطر إلى الاستغناء عنه بـ «تعليمات عليا» بحجة أنه غير كويتي، وأبقى على مجموعة من أهل الاقتصاد، كلهم، أو جلهم، كان لا يزال في ظهر أبيه عندما كان دبدوب يعقد الصفقات ويكتب الدراسات والتحليلات الاقتصادية. تصدق؟
ألم يلعب الفأر في عبّك يا بيرم كما يلعب الآن في عبّي؟ بذمتك، ألم تساورك الشكوك حول اللجنة وأهدافها بعد أن استغنوا عن عبقري الاقتصاد؟ طيب تعال معي لنسألهم: أين جاسم السعدون (أحد أفضل العقليات الاقتصادية الكويتية) من اللجنة هذه؟ أم أنه غير كويتي هو الآخر؟ إلا إذا كانوا قد عرضوا عليه المشاركة فرفض.
هجايصنا يا بيرم لا حد لها ولا سد، وأول الهجص أن رئيس حكومتنا لا يجرؤ على التوقيع، ونائبه الأول لا يهمه أن يهوي البلد إلى أسفل سافلين، المهم فقط ألا ينتقده كاتب صحافي في مقالاته ولو بجملة واحدة، وإن تعرض للنقد فسيشتكي لطوب الأرض.
وليس آخر هجايصنا أن يتم تكليف جهاز أمني حساس بمراقبة هواتف الكتّاب، وتتبع حياتهم الشخصية لابتزازهم، ومحاولة اختلاق التهم لتلبيسهم إياها، كي يسهل حينها تجيير أقلامهم لصالح وزير لا يجيد سوى ارتداء البشت والتذمر من النقد… هل عاد «برزان التكريتي» إلى الحياة يا بيرم؟
قل لهم يا بيرم بأنهم إذا تمادوا في غيّهم فسنتحدث لوسائل الإعلام العربية والعالمية عن مضايقاتهم لنا، وقل لهم أيضا إننا لم نتحدث لوسائل الإعلام عن هذا الموضوع حماية لسمعة البلد، وقل لهم بأن هذه الطريقة جبانة ولا يستخدمها إلا الجبناء، ولا تنسَ أن تذكرهم بأن حبوب الصبر سقطت من أيادينا الواحدة تلو الأخرى ولم يبقَ سوى حبة واحدة في اليد، وستحل الكوارث لو سقطت هذه الحبة… لا تنسَ يا بيرم.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *