الخُمس نظام مالي إسلامي فرض للتعامل مع غنائم الغزوات في عهد الرسول، وقد توقف العمل به بعد وفاته، إلا ما كان يدفع إلى «بيت المال»، واحتساب الخُمس ليس سهلاً وتختلف التفسيرات بشأنه من جهة إلى أخرى، ولكن بشكل عام يقوم على أساس قيام المرء باحتساب 20% من مربحه السنوي أو غنمه وتسليمه إلى جهة ثقة وعادلة تمثل النبي أو من آل بيته، حسب التفسير الشيعي، ليتصرف به بالطريقة التي يراها مناسبة، وبسبب شك الشيعة التاريخي في توافر حكام ثقاة يمكن الوثوق بهم فقد أجمعوا على أفضلية دفع الخُمس إلى ولي الإمام أو نائبه، ولكن مع الوقت زاد عدد هؤلاء وتعددت المرجعيات مع زيادة أتباعهم، أو مقلديهم من دافعي الخُمس.
ويمكن القول إن نظام الخُمس الحالي لم يترسخ إلا مع إنشاء أول دولة شيعية اثني عشرية في التاريخ، فالدولة الفاطمية، على الرغم من تشيعها، لم تكن اثني عشرية ولا يوجد ما يثبت انها كانت تطبق نظام الخُمس.
وعلى الرغم من الاستقلالية العظيمة التي وفرها ويوفرها هذا النظام المالي للمؤسسة الدينية الشيعية، وهي الاستقلالية التي تفتقدها المؤسسة الدينية السنية، أياً كانت، أقول على الرغم من هذه الاستقلالية التي وفرتها لرجال الدين وقوت موقفهم من السلطة ومكنتهم من بقاء هياكلهم التنظيمية كما هي عليه لسنوات طويلة وأعطتهم القدرة على الوقوف في وجه أقوى الملوك وأعتى الطغاة، فان تطبيق النظام، بصورته الحالية، لم يخل من المثالب.
فلو نظرنا لما دفعه ويدفعه الشيعة، ومنذ خمسة قرون تقريباً، من أموال طائلة إلى رجال الدين في صورة «خمس» لوجدنا ان من الصعب تقديرها بصورة دقيقة بسبب ضخامتها.
ولو قامت أي جهة مستقلة بإجراء مسح ميداني لمنجزات المؤسسات الدينية في قم ومشهد والنجف وكربلاء، وهي المواقع التاريخية الدينية التي عادة ما تصب فيها غالبية أخماس الشيعة، والتي أصبح البعض منها يتجه للبنان في السنوات الأخيرة، لوجدنا أن الظاهرة الوحيدة الواضحة في هذه الأماكن، عدا لبنان، هو تعدد وكبر حجم المدارس الدينية، أو الحوزات فيها، والتي يتلقى بها عشرات الآلاف من الطلبة العلوم الدينية من دون مقابل مع توفير الغذاء والمسكن والملبس لهم مجاناً، ولا يوجد خلاف ذلك ما يمكن الاعتداد به بشكل واضح ومحسوس، فكل ما تم إنجازه من مؤسسات إنسانية في هذه المدينة أو تلك المنطقة لا يسد إلا جزءاً صغيراً من احتياجات المجتمعات الشيعية للمدارس الجيدة والجامعات المميزة والمشاريع الاقتصادية التي توفر العمل لمئات آلاف العاطلين وغير ذلك الكثير مما تعانيه مجتمعاتهم في العراق وإيران!
لا نريد هنا الدخول في تفاصيل أكثر، فهذا ما يدلنا عليه منطقنا وفهمنا الديني وقد نكون على خطأ في كل أو بعض ما ذكرناه، ولكن من الصعب مثلا معارضة قولنا ان طريقة دفع أو تحصيل الخُمس كان له أكبر الأثر في تفرق وتعدد المراجع الدينية وتنافرها وأحياناً تصارعها على كيكة الخُمس، فهذا النظام الضريبي الديني كان له أثر واضح في منع وحدة الصف الشيعي ووحدة قراره ومرجعيته، حتى في الوطن الواحد أو ضمن المدرسة أو الحوزة الدينية، فلو اتحدت هذه المراجع، وفي الاتحاد قوة، فإن الخُمس سيتجه لصندوق الجهة الموحدة وليس لحساب مرجع محدد، وفي ذلك تضعيف لدورالمرجع ومكانته السياسية والاجتماعية!
وأخيراً يمكن القول انه على الرغم من رسوخ نظام الخُمس، لكن هناك اتجاهاً متزايداً بين رجال الأعمال الشيعة، وفي الخليج بالذات، للقيام بعملية التصرف بالأخماس المستحقة عليهم في أوجه الخير التي يرونها مناسبة من دون المرور في قنوات «وكلاء المراجع»، خاصة بعد زيادة الأقاويل عن بعض تصرفات هؤلاء وزيادة أعدادهم في كل دولة.
ملاحظة: قام السيد محمد السداح، صاحب «المدرسة الانكليزية» بالاتصال بنا بخصوص مقال الأمس، ليؤكد لنا بأن ما كتبناه لم يكن دقيقاً وان الطالب الهندي لم يفصل، وقد عاد منذ فترة إلى الدراسة، وانه يدرس لديهم منذ سنوات، وولي أمره على علم بتعليمات المدرسة التي تمنع الطلبة من تربية اللحى، وسبق ان قام بتوقيع تعهد بهذا، وان إدارة المدرسة حريصة على حقوق الإنسان ومصلحة الطالب، وهنا نعتذر للمربي الفاضل محمد السداح عن أي اساءة قد تكون لحقت به أو بمدرسته التي كان لها دور مميز في رفع مستوى التعليم الخاص في الكويت.
أحمد الصراف