بيـّن تقرير صادر عن «الشفافية العالمية» وجود فساد كبير في جميع الدول العربية، التي حلت جميعها في ذيل قائمة الدول التي تتمتع بمؤشرات شفافية عالية.
لا تهمني، او ربما لا أعرف الكثير عن اوضاع الدول الاخرى، ولكني شعرت بحزن حقيقي عندما علمت أن الكويت حلت في المرتبة 65 من بين 180 دولة، وكانت السابعة على المستوى العربي، حيث سبقتنا قطر والبحرين والامارات وعمان وحتى الاردن وتونس!
كما اشار التقرير الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي عن تراجع ترتيب الكويت الى المركز 52 بين 181 دولة في قائمة ممارسة نشاط الاعمال. ولكنها حصلت على المركز 134 في ما يتعلق بسهولة اجراءات بدء النشاط التجاري، متراجعة بحدة عن مركزها السابق، والمتخلف اصلا! كما شمل التراجع والموقع المتخلف كل الانشطة الاخرى!
السؤال هو: كيف لدولة غارقة حتى اذنيها في بحر العبادة والخشوع بكل مظاهره، من مساجد ولحى و«دشاديش» قصيرة وأغطية رأس بلا عقال ومعاهد تحفيظ وجمعيات بـ«الهبل» ومحاضرات تلذذ وتفسير احلام وقنوات بكاء ومغفرة وملايين تصرف على اعلانات التدين، ولها كل هذا العمق في العمل الخيري، الذي يسيطر المنتمون له من المتشددين على اكثر من نصف الوظائف الحكومية الحساسة، كيف يمكن ان تنزل الى هذا الدرك الاسفل اداريا وينتشر فيها فساد غريب لا يوجد ما يبرره، مع كل ما تبدو عليه قياداتنا الحكومية والادارية من امانة ونظافة يد وتدين وخشوع؟!
يقول احد المهندسين ان اي معاملة بناء يستغرق انجازها اكثر من ستة اشهر، وتصل الفترة الى سنة او اكثر احيانا، وتتغير خلال هذه الفترة الطويلة امور كثيرة، ولكن لا احد يود ان يفهم، او يغير الوضع، لأن فيه فائدة للجميع الا صاحب المعاملة، وهذا يسري على غالبية، ان لم يكن جميع الادارات الحكومية، ويقول انه اكتشف انه من الممكن تحديد مدى فساد اي ادارة تقريبا من عدد التواقيع التي تتطلبها اي معاملة، فكلما زادت زاد التأخير وزادت فرصة الحصول على رشوة هنا او هدية هناك، او حتى مكالمة هاتفية من صاحبها «يترجى» فيها من لا يساوي احيانا فلسا احمر ان يساعده في التوقيع عليها.
ويقول تاجر مواد غذائية ان عملية فحص مادة غذائية عادية، قبل السماح ببيعها، يستغرق احيانا ثلاثة اشهر، واسباب ذلك كثيرة، واهمها تخلف الاجراءات والمختبرات وقدم الاجهزة المستخدمة في فحص المواد الغذائية، ويؤكد التاجر ان هذا يزيد من تكلفة البيع بطبيعة الحال، علما بأن كل الذين تولوا مسؤولية البلدية، في السنوات العشر الاخيرة على الاقل، من وزراء ومديرين عامين او نوابهم تعهدوا المرة تلو الاخرى بفعل شيء لتعديل وضع مركز الفحص الخرب، ولكن لم يتحقق شيء، مع ان الكلفة الاجمالية تافهة والاجهزة متوافرة في الخارج والقرار سهل والاموال موجودة.. ولكن التسيب الاداري والفساد هما المسيطران! وعليه، لماذا ينتشر الفساد في الادارة الحكومية، واين تكمن المشكلة؟
هل في الحكومة، ام في الادارة العليا، ام في المتوسط أم في الطبقات الوظيفية الدنيا؟
هل هناك من يعتقد ان زيادة الرواتب ستقضي على الفساد والتسيب الاداري؟
ام ان اسقاط قروض موظفي الدولة للمؤسسات المالية هو الحل الناجع لجميع مشاكلنا؟!
لماذا ينخر سوس الفساد في الادارة الحكومية ولا نجد له وجوداً في المؤسسات الخاصة؟!
ما الفرق بين دفع رشوة للحصول على قرض مصرفي ودفع رشوة للحصول على رخصة فتح محل؟
لماذا أضطر شخصيا للتدخل احيانا، ومع رئيس مصلحة حكومية لتجنب دفع رشوة لحارس بوابة لتسهيل مرور شاحنة الشركة لداخل المخازن، ولم أضطر، حتى الآن، الى القيام بالشيء نفسه مع المؤسسات الخاصة، ومنذ التحرير حتى اليوم؟!
ماذا كان سيصبح عليه مركز الكويت في قائمة الشفافية لو كانت هناك ضرائب على الدخل؟ مع ما يعنيه ذلك من «اضطرار» للتلاعب في السجلات ورشوة الجُباة وتقديم اقرارات مزيفة وغير ذلك من صور الفساد.
القصة طويلة ومؤلمة ولا احد يود ان يضع يده على الجرح او يجيب عن سؤال طال طرحه: لماذا تغيرت نوايا الكويتي القديم، ولماذا انحدر مستوى الكثير من الكويتيين، ولا اقول المواطنين، الذين طالما اشتهروا بصدقهم ومصداقيتهم وامانتهم، الى هذا الدرك الاسفل من الفساد والحرمنة وسوء التصرف؟! هل كنا هكذا دائما، وسارعت الاحداث والازمات في كشف حقيقتنا؟ ام ان لاموال النفط دورا في ما اصابنا؟ ام ان التجنيس العشوائي هو الذي اثر في النسيج القديم وغيّر النفوس ودفع البعض للتكالب على الثروات فتبعهم الآخرون، بغية الحصول على شيء ما من كعكة الدولة بعد ان كانوا لسنوات قانعين بما لديهم حريصين على سمعتهم في «الفريج» وبين الاهل والاخوة؟ ام ان غياب المحاسبة الحكومية وتصدر السراق للمجالس وسياسة «الطبطبة» على ظهر المخطئ والجاني والاكتفاء بنقل المخطئ الى مكتب الوزير، ونقل العسكري الخرب الى ديوان الوكيل الى ان يأتي من يعيده بعد سنوات الى سلطته السابقة! قد يكمن السبب في بعضها او كلها، ولكن من الواضح ان نسبة من يعتقدون انها «خاربة خاربة» في ازدياد ان بلغ سيل الفساد الزبى؟
اعترف انني، وبعد كل هذه الاطالة، عاجز عن الاجابة عن كل الاسئلة اعلاه، على الرغم من انني املك بعضا منها، ولكن قانون المطبوعات يمنع التطرق لما اعرف، ولا اقول الا مرة اخرى.. واحيفاه!!
* * *
ملاحظة:
عقدت ندوة دينية متطرفة في مسجد يعود للدولة بمنطقة الشهداء، وألقى احد خطيبي الندوة، وهو محمد الثويني، الذي يعمل في مجال الدعوة والاعمال التجارية، كلمة هاجم فيا موقف الغرب من الاسلام، ومن انهم ضاعفوا نشاطهم في سبيل صد الناس عن الدخول في الاسلام!
الغريب ان الندوة اقيمت برعاية وزارة الاوقاف، التي رعى وكيلها لسنوات طويلة «مركز نشر الوسطية» وعمل في مختلف لجانه بأجر مجز، حتى جف الضرع! ولكن هولندا كذبت ادعاءات الندوة في اليوم نفسه بتعيينها لمهاجر مغربي مسلم عمدة لمدينة روتردام العظيمة!
أحمد الصراف