د. شفيق ناظم الغبرا

الشباب مفتاح المستقبل!

الاحتكاك الدائم مع الطلبة، وهو احتكاك أمارسه منذ أعوام طوال في جامعة الكويت، كما أمارسه في كل زيارة إلى الجامعات المنتشرة في العالم العربي. فمستقبل العالم العربي مرتبط بالقدرات الشابة التي بدأت تكتشف يوماً بعد يوم مدى ضعف الخطاب المقدم لها من القوى التقليدية، كما وتكتشف أن مستقبلها بسبب الفساد وضعف الإدارة وحدة تسيس القضايا قد يكون هو الآخر في مهب الريح. فهناك طاقة صاعدة تكتشف كل يوم أنها إذا لم تكن أكثر جرأة على النقد، وأكثر استعداداً لتحدي تردد الكبار في صنع القرار الحكيم فسوف تجد نفسها بلا مكان وبلا أوطان. لهذا قد يفقد الجيل الصاعد الاستقرار والاقتصاد المزدهر والوظيفة التي حلموا بها بعد تخرجهم في الجامعات. إنهم يكتشفون مع كل حدث وتطور بأن طريقهم لن يكون مفروشاً بالورود، وأن أحلامهم لن تتحقق بلا جهود مضاعفة، خصوصاً أن الأزمة المالية الأخيرة تترجم في واقعنا تتويجاً لسياسات فيها الكثير من الترهل والضعف في التخطيط. ومقابل هذا الاكتشاف فإن الجيل الصاعد من جهة أخرى يعاني من ضعف في الإعداد، ومن سوء حظه أنه نتاج برامج تعليمية ركيكة، وأن الكثير من التعليم في العالم العربي بحاجة إلى انتفاضة شاملة إن كنا نريد أن ينجح الجيل القادم في التصدي لمشكلاته بفعالية.
الأجيال السابقة طرحت آمالها على مدى العقود السابقة وأصبح كل شعار طرح في الماضي يلخص الكثير من الطموحات. بدأنا مع الاستقلال هو الحل، ثم القومية هي الحل، ثم الدولة هي الحل، ثم القطاع العام هو الحل، وفلسطين هي الحل، ثم الإسلام هو الحل، ثم أميركا هي الحل، السلام هو الحل، ثم برز تيار الإرهاب هو الحل، والقطاع الخاص هو الحل والمقاومة هي الحل. وفي كل شيء لم يكن هناك تعامل بناء مع مشكلات عميقة في البنيان العربي تنعكس على المجتمعات العربية من خلال تقسيمات المجتمع القبيلة والطائفية والنفسية والمالية والاقتصادية، أو من خلال طريقه التفكير، وطريقة صنع القرار، أسلوب الإدارة ووسائل الحكم، الحال الثقافية والحال الإنسانية، ضعف الشفافية وسواد الديكتاتورية. هكذا انتقلنا إلى أن وصلنا إلى حال تردي في أوضاعنا من فلسطين حيث جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، إلى ليبيا حيث مجتمع بالكاد يخرج من دائرة العقوبات وسياسة المغامرة.
ونكتشف أيضاً أن القطاع الخاص لم يكن الحل. فهو جزء من الحل، إلا أنه بفضل سعيه نحو الربح المضخم يقع في أخطاء اجتماعية واقتصادية كبرى. أما الدولة والقطاع العام فقد تبين أنهما ضحية فئات صغيرة وقليلة العدد توجه الدولة برمتها وفق تصوراتها التي سرعان ما تصل إلى طرق مسدودة. ففي ظل غياب الشفافية والحريات والنقد والمراجعة تسقط الدول في تحقيق مشروعها الوطني. أما الإسلام فقد خرج بصورته الحركية والسياسية الراهنة من دائرة الحل، لأن كل فريق إسلامي رأى الواقع من وجهة مختلفة، وقد تقوقع الجميع في ظل شعار المقاومة لكل شيء، وقد وقع في صفوفها الانشقاق تلو الآخر، ووقعت هي الأخرى ضحية المزايدة في المواقف والتصعيد في التشدد إلى أن وصل الأمر إلى ما وصلنا إليه من انقسام شيعي سني، ومسيحي إسلامي، وإرهابي مسالم، وإسلامي ليبرالي، وسط العالم العربي وفي مدنه الرئيسية. هكذا تعمقنا في التفتت والتشرذم، عوضاً عن الوحدة والوطنية.
الجيل الصاعد الذي يتشكل أمامنا لا يريد أن يكون ضحية التعصب أو الفئوية في العمل الحكومي والجشع في القطاع الخاص، ولا يريد أن تستقطبه تيارات يسيطر عليها جيل لم يحقق لنفسه ما يريد أن يحققه لها. في هذا يقع في عالمنا العربي فراغ كبير بين جيل الآباء وجيل الأبناء. إن الأجيال الصاعدة تنشأ في ظل ظروف صعبة، فالأعداد السكانية في تزايد، والقيم الاقتصادية لم تعد متوافرة للجميع، كما كانت منذ عقود، والتعليم في تراجع، والتهميش هو النصيب الأهم للجيل الصاعد. سيلقى على عاتق هذا الجيل أن يكد ليكتشف، وأن يبحث ليعلم، وأن يتفكر بما هو حوله ليتطور. عليه أن يكتشف الآن أن الأمور قد تبدو بعكس ما هي عليه، وأن الاكتشاف والتساؤل هما وسيلته الوحيدة لإنارة طريقه.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *