احمد الصراف

حرمة الموسيقى

لا يوجد فكر في العالم، من أقصاه لأقصاه، يحرم سماع الموسيقى غير فكرنا الديني السياسي، الذي لا صلة له بالواقع ولا بالعقل والمنطق. فرسالة الموسيقى تتعدى وتتحدى جميع الحدود ولا يمكن لعقل أن يستوعب مدى تأثيرها في النفس ومدى سطوتها الرائعة على المشاعر والأحاسيس بحيث تنسيك الكثير من الآلام والأوجاع، وتجعلك في الوقت نفسه انسانا سامي الخلق عذب الاحساس، وهذه هي رسالة الفن الحقيقية، ودور المطرب في هذا الفن الرفيع لا يقل عن دور الملحن أو العازف، فتجمع الثلاثة طالما أعطى البشرية، طوال تاريخها أروع الأغاني وأعذب الأصوات وأكثرها قربا للنفس البشرية التواقة لكل جميل وطبيعي ورائع.
وفي حياتنا المعاصرة، لا يمكن الفكاك بسهولة من صوت الموسيقى وانتشارها العجيب بحيث أصبحنا نسمعها في ردهات الفنادق وأروقتها، وتلحق بك الى المصاعد ويتسلى بها المسافرون على الطائرات وفي الحافلات والسفن. كما أنها تسلي المتسوقين ومراجعي العيادات الطبية وممارسي الرياضة. ولا يمكن أن تغفلها الأذن في الكثير من المحال والأماكن العامة الأخرى. كما أنها تواجهك متحدية في السينما ومن خلال الشاشة الصغيرة والاذاعة وجميع أماكن التسلية واللهو، وكل هذا الحضور الطاغي شكَّل في مرحلة ما معضلة للكثير من رجال الدين المسلمين، من أزهريين وغيرهم، ومن آية الله الخميني، قائد الثورة الايرانية، الذي كان يعتقد مع غالبية معاصريه من رجال الدين، ومن سبقهم، بحرمة الاستماع لها أو عزفها، ولكن مع كثرة السؤال عنها جعله في نهاية الأمر يخفف من حدة موقفه بشأنها، بعد أن أدرك بحسه السياسي أن التحريم المطلق لن يجدي نفعا مع شعب محب للحياة ومباهجها، كانت الموسيقى طوال تاريخه تشكل العمود الفقري للهوه ومرحه وعنوانا لشغفه بالمتعة. ولكن من جانب آخر لم يكن بمقدور الخميني ترك الباب مشرعا أمام كل أنواع الموسيقى الراقصة أو الأغاني المبتذلة، فأفتى وقتها بجواز سماع ما لا يلهي من اللحن الموسيقي، وحرم الماجن منه والغناء، ولكن ربما غاب عنه أن أي لحن لا يلهي، ويجبرك على الاستماع له، ليس بلحن أصلا!! كما أنه ليس هناك من في مقدوره وضع خط فاصل بين ما هو ماجن أو مائع من الموسيقى وما هو عكس ذلك!!
موقف الخميني من الموسيقى لا يختلف عن موقف السواد الأعظم من رجال الدين والمفتين، فغالبيتهم يجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه عند سؤالهم عن موقفهم منها، وهو يشبه وضع الـ Catch 22، فلا هم في حل من تحليل سماع الموسيقى على اطلاقها أو تحريمها كلها، وذلك لصعوبة تصديق أن هناك لحنا ماجنا محرما وآخر وقور حلالا. فما يصدر عن آلة «كمان» ــ ان كان جميلا وممتعا ــ لا يختلف كثيرا عن صوت الايقاع الجميل الذي يصدر عن دف بدائي!! فكما أن صوت «الكمنجة» يمكن أن يهز وسطا فان صوت آلة الدف يمكن أن يؤدي إلى الشيء ذاته، وحفلات الصوفيين الدينية الراقصة التي لا يستخدم فيها عادة غير الدفوف، خير دليل على ذلك.
يمكن، حسب فهمي المتواضع، تقسيم الموسيقى إلى أنواع ثلاثة أساسية في عصرنا الحديث:
موسيقى كلاسيكية أوروبية، موسيقي عصرية لكل دولة أو مجموعة من الدول، وأخيرا موسيقى شعبية. ولكل نوع من هذه الموسيقى محبوها والمعجبون بها، وسعداء الحظ هم أولئك الذين يستمتعون بكل أنواعها.

أحمد الصراف