السلطوية عكس الديموقراطية، هناك تناقض كبير بين سياسة القمع التي تمس الحريات الفكرية والإنسانية وبين الديموقراطية كمفهوم. في واقعنا السياسي العربي وفي تجربتنا في الكويت هناك تداخل بين التسلطية من جهة وبين الديموقراطية التي نطبقها. والكويت ليست استثناء، فهي مثلها في هذا مثل بقية الدول العربية التي تحاول السير في طريق الديموقراطية، بينما المناخ الثقافي والذهني والنفسي للثقافه العربية الإسلامية في الأسرة، كما في الشارع وفي المدرسة، كما في الجامعة وفي الحزب، كما في الجمعية ليس ديموقراطياً، ويميل إلى ممارسة التحكم، انطلاقاً من أن التحكم أفضل الطرق لتحقيق الأهداف(حماية التقاليد والعادات)، مع أن التاريخ والواقع يؤكد بأن التحكم هو أفضل الطرق وأقصرها للفشل في تحقيق هذا الهدف. متابعة قراءة السلطوية وتشويه الديموقراطية… تجربة الكويت وتجارب العرب
اليوم: 8 أكتوبر، 2008
تفنى أمة ليحيا فرد
المفهوم الإنساني العاقل هو أن يفنى فرد لأجل أن تحيا وتبقى أمة من البشر، وقد شهدت الإنسانية بالمقابل في القرن الماضي مفاهيم متوحشة معاكسة فحواها هي أحقية أن تفنى أمة ويموت الملايين من أجل أن يبقى فرد واحد في موقعه حتى لو أثبتت الأحداث والأفعال تباعا عدم أهليته لذلك الموقع.
خسر الألمان خلال السنوات الخمس الأولى من الحرب الكونية الثانية 3 ملايين قتيل ولم تدمر ألمانيا خلالها لكون الحرب كانت قائمة خارج حدودها ولامتلاكها آلاف المدافع والطائرات للدفاع عن أجوائها، وبعد تلك السنوات الخمس انهزمت الجيوش الألمانية على كل الجبهات وتوقفت المصانع وبانت الهزيمة واضحة جلية وكان المنطق يستدعي أن يضحي هتلر بكرسيه ويقبل الاستسلام أو الانتحار لإنقاذ ألمانيا من الدمار المحقق.
رغم معرفة الطاغية هتلر بتلك الحقيقة إلا أنه أصر على القتال مستخدما الأطفال من مخبئه المحمي تحت الأرض مما تسبب في الدمار الشامل لألمانيا وقتل خلال الأشهر التسعة الاخيرة من الحرب 5 ملايين الماني، وكان العسكر اليابانيون على الجبهة الأخرى يعتزمون القيام بالأمر ذاته أي إفناء الأمة اليابانية لأجل عيشهم وبقاء الإمبراطور هيروهيتو في سدة الحكم ولولا القنبلة النووية التي قتلت الآلاف لفني الملايين، وقد ساعد على إنهاء الحرب تعقل الإمبراطور الياباني وتوقيعه على وثيقة الاستسلام.
هذه المعادلة المجنونة تكررت مرارا وتكرارا في تاريخنا العربي الحديث، ويحسب للرئيس عبدالناصر تقديمه لاستقالته عام 1967 اعترافا بالخطأ ولإنقاذ الأمة، كما أتى في خطاب التنحي، إلا أن ذلك المفهوم لم يتكرر بعدها في محيطنا العربي فبقي عرفات رغم حرق عمان، ومثله شمعون وفرنجية ولحود رغم تدمير لبنان.
والمثال الصارخ الآخر هو صدام حسين الذي كان يعلم علم اليقين أن تركه للحكم سيرفع الحصار عن العراق ويوقف موت الأطفال، حيث كانت وسائل الإعلام وأبواقه المأجورة تفخر بموت 1.5 مليون منهم لأجل بقاء الطاغية على كرسيه رافعين شعار «تموت أمة ليبقى فرد».
والنظرية نفسها والمبدأ نفسه، أي التضحية بالشعوب لأجل الأفراد، قامت بهما ليبيا إبان حصارها الطويل، كما ان ذلك مشابه لما يجري في السودان هذه الأيام والذي سيتسبب تصادمه مع المجتمع الدولي في انشطاره لست دول، وقد سبق لقيادات ثورية في المنطقة أن أعلنت مفتخرة بحروبها أنها لا تهتم بعدد الضحايا من اتباعها بينما يتأثر عدوها عند جرح فرد واحد من أبنائه، وهي وصفة انتصار أفضل منها الهزيمة.
ولا يكتفي بعض ساسة ومفكري التثوير العربي بإفناء الأمة لأجل الفرد، بل يطالبون بإفناء أجيال الأمة المستقبلية لأجل ذلك الفرد أو امتداده بأبنائه القابعين على الكراسي عبر ترديد المقولة المدمرة بأن صدامنا مع الآخرين هو صراع أجيال فإذا لم ننتصر هذه المرة فعلينا أن نرحل تلك الحروب لأجيالنا المقبلة، بينما الآخرون يرحلون مشاريع الإعمار والبناء والتنمية لأبنائهم، وقيادات الضرورة لدينا يتوعدون أجيال الأمة بترحيل الخراب والدمار لهم، بئس المقولة!
وسطية الوزير الحريتي
تقدمت أحزاب الكويت السياسية الدينية لوزير العدل الأستاذ حسين الحريتي بترشيحاتها لشغل منصب أمين عام مركز الوسطية الذي شغر بمغادرة عصام البشير الكويت، غير مأسوف عليه، على الأقل منا ومن السلف!!
على الرغم من كفاءة بعض الذين رشحت أسماؤهم لشغل هذا المنصب الهلامي التوصيف، فان من الصعب تصور حيادية أي منهم مادام ترشيحهم جاء من حزب سياسي ديني محدد، فهذا سيجعله مدينا لذلك الحزب ساعيا لإرضائه ما أمكن من خلال طريقة صرف موازنة المركز الكبيرة أو شغل وظائفه العديدة من مناصري ذلك الحزب الذي أتى به أمينا، وهذا كفيل بإعادة مركز الوسطية لدوامة الصراع الحزبي الذي كان يتقلب بناره طوال سنوات ثلاث.
إن مشكلة المركز الحقيقية لا تكمن فقط في صعوبة إيجاد الشخص المناسب لشغل وظيفة أمانته ولا يكون محسوبا على حزب ديني معين، فهذا المحايد، إن وجد، لن تقف معه أي جهة سياسية وسيسقط في نهاية الأمر، وغير المحايد سوف يعارضه الطرف الآخر ويسقطه لا محالة بعد فترة، مشكلة «المركز العالمي لنشر الوسطية» تكمن في اسمه الذي لا يخب على إدارته فقط، أيا كانت، بل على الكويت برمتها. فليس هناك ما يمنع من الاعتراف بأننا نفتقد الكفاءات والقدرات والأموال اللازمة لنشر «وسطية» محددة في العالم أجمع. فهذا ليس دور الكويت ولا أي دولة إسلامية في العالم، لسبب بسيط هو عدم وجود تحديد معين لما تعنيه الوسطية ضمن «العائلة الواحدة»، فما بالك بين البلد والآخر أو القارة والأخرى!!
ما يعنينا حقا هو نشر الوسطية في وطننا الصغير، وهو ما فشل في تحقيقه هذا المركز وسيفشل في تحقيقه أي جهاز حكومي مسيس!! فنشر الوسطية لا يمكن أن يتحقق عن غير طريق المناهج الدراسية، فمنها بدأت مشكلة التطرف وفيها لا تزال تكمن وبتعديلها يكمن الحل!!
نتمنى على وزير العدل العادل حسين الحريتي الضغط على إبرة إنهاء حياة المركز إلى الأبد، بعد أن ثبت عدم جدواه، كما أن وضعه الإداري لن يستقر أبدا، فما يراه «الإخوان المسلمين» أمرا وسطا قد لا يكون كذلك برأي السلف ونظرهم، دع عنك رأي بقية التجمعات الدينية المخالفة الأخرى!! ففي تصفية المركز تكمن الوسطية الحقة، وفي إنهاء عمله يكمن وأد الفتنة بعد أن أصبحت شؤونه ساحة حرب لمختلف التوجهات الدينية ومصدر توتر سياسي لن ينتهي، فوضعه الإداري المهلهل أصلا وهدفه الهلامي غير الواضح وموازناته وحفلاته ستكون دائما شوكة في خاصرة كل وزير عدل قادم!!
ملاحظة:
وردتني عشرات الردود على الانترنت على مقال الاثنين «العريفي وغوغل»، وكانت في غالبيتها تهاجم وتنتقد موقفي من العريفي تارة او موقفي من محمد تقي تارة اخرى!! ولم يردني اعتراض واحد شمل الاثنين!! وهذا يعني ان كل طرف كان معترضا على الكتابة عن «صاحبه» ولكنه راض في الوقت نفسه عن الكتابة ضد «صاحب» الآخرين!! هل وصلنا لقمة التناقض وعدم الموضوعية؟ لا اعتقد ذلك، فلا يزال هناك متسع!!
أحمد الصراف