انتابت شعوب دول مجلس التعاون، ومنها الكويت، سعادة غامرة عندما ارتفعت أسعار النفط قبل أسابيع قليلة الى مستويات غير مسبوقة. ولم تعرف هذه الشعوب المغلوبة على أمرها والمغيبة في عالم فضائيات الدروشة والشعوذة وفتاوى القتل والتحريم والسحل، والمغرمة بمتابعة مسلسلات التفاهة اليومية أن هذا الارتفاع المؤقت في الدخل سينقلب وبالا عليها في السنوات القليلة المقبلة بشكل كارثي، ان لم تقم حكوماتها باتخاذ خطوات عملية لاستغلال هذه الثروة الطارئة والطائلة التي نزلت عليها في تأمين مستقبل أجيالها القادمة وفي انتاج بدائل محلية للطاقة. فان بقيت أسعار البترول على معدلاتها المرتفعة الحالية، فيمكن عندها الاستمرار في بيعه للدول الأخرى، والاستفادة من الفرق بين ثمن الطاقة المحلية البديلة الرخيص وسعر البترول العالي. وان بدأ العالم الغربي ودول جنوب شرق آسيا بايجاد بدائل لديهم عن بترول الشرق الأوسط، أو تقليل اعتمادهم عليه، وهذا آت حتما، فهم يسيرون بخطى حثيثة في هذا الاتجاه ويحققون تقدما ملحوظا كل يوم، فعندها لن يكون لدينا فقط مصدر طاقة بديل، بل سيكون بامكاننا كذلك بيعها للدول المجاورة، الأكثر تخلفا منا في هذا المجال، وهذا لا يمكن أن يتحقق ان لم نأخذ زمام المبادرة والتحرك اليوم قبل الغد. للعلم فقط فان المشاريع التي تدار حاليا في الكويت بالطاقة الشمسية لا تزيد على العشرة بكثير، بالرغم من توافر مليارات كيلوواط الطاقة الشمسية المجانية لدينا!!
أما ما أعلنته بعض الدول الخليجية من رغبة في الحصول على التكنولوجيا النووية، فانه أمر بالغ الخطورة، ولسنا في مستواه. فان كانت الدول المتقدمة «جدا» تحذر من اللجوء إلى هذا المصدر بسبب مخاطره البيئية والفنية، وصعوبة التحكم في تشغيله بصورة آمنة، فكيف يمكن لمجموعة من الدول الخليجية المتخلفة استغلال الطاقة النووية كمصدر بديل وهي التي لم تتجاوز خبراتها حتى الآن مرحلة اطلاق الغازات الذاتية!!
وربما لا تعرف حكوماتنا، وان عرفت فالمصيبة أعظم، أن هبوط أسعار النفط إلى نصف ما هي عليه الآن، سيتسبب في القضاء على كل خططها التنموية المتواضعة أصلا، ويصعب تخيل تداعيات هذا الأمر على مجتمعات وقبائل ريعية لا تعرف من الانتاج شيئا غير أن نفطا يقوم الآخرون باستخراجه من أرضها ويتصرف غيرهم ببيعه ونقله إلى المستهلكين ويأتون بعائده ليتم انفاقه على الطعام والشراب والملبس والشيشة ولاصدار فتاوى تكفير الآخر والحط من شأنه!!
ان انخفاض أسعار النفط إلى مستويات دنيا ليس بالأمر المستبعد، على ضوء التطورات المالية الخطيرة التي تشهدها أسواق المال في العالم أجمع، وستكون لها تأثيرات مالية سلبية مباشرة علينا، وعلى حاجة العالم للبترول بشكل عام،. ولكننا نجد أننا أمام كل هذه التحديات الخطيرة مشغولون بمنع «اليوتوب» وقتل فأرة كرتونية ولاهون باسقاط القروض واستجواب وزير الشؤون واقالة وزيرة التربية!!
ان حكومة الكويت مطالبة بالبحث الجدي عن مصادر بديلة للطاقة، فالتكنولوجيا المطلوبة معروفة والمواد متوافرة والأموال اللازمة موجودة، والشراء اليوم أفضل بكثير من الغد، فالأسعار سترتفع عندما يصيب التضخم كل شيء. وأعتقد مخلصا أن الاهتمام بتطوير مصادر بديلة للطاقة خير ألف مرة من بناء مدينة حرير لسنا «كفو» لادارة عشر ما تحتاجه من طاقات بشرية وخبرات، مما يعني اضطرارنا إلى جلب نصف مليون عامل من الخارج لينجزوا ما ترفض أيدينا القيام به، فما زالت غالبيتنا تحتقر من يعمل بيده لكسب قوت يومه!!
نقول هذا ونحن على ثقة بأن وزير الطاقة آخر من يفكر في موضوع خطير وحيوي كهذا. أما الثلاثون وكيلا الذين يعملون تحت امرته فلا أعتقد أن الهموم اليومية لغالبيتهم تتعدى الزيادة الأخيرة في الراتب، ومقاومة رياح التجميد أو الاقالة.
أحمد الصراف