د. شفيق ناظم الغبرا

أحداث الكويت حول الفرعيات

الأحداث الأخيرة في الكويت حول الفرعيات القبلية محل تساؤل، رابطة الدم ورابطة القبيلة هي أولى الحلقات في العلاقات بين الناس، وهذا ليس عيبا في الناس، فنحن نأتي إلى الدنيا بروابط عائلية وأسرية لم نخترها فتشكل أول وعينا وبداية انتمائنا. ولكن هذا لا يصنع مواطنا، لأن رابطة الدم لا تبني الأوطان ولا تؤسسها،  فلو أسس الشيخ عبدالله السالم الكويت الحديثة على أساس رابطة الدم لما قام بما قام به من بناء أسس دستورية وبرلمانية وقانونية. الوطنية جاءت إلى عالمنا عبر تجربة حية بين الناس تؤكد وجود دائرة أوسع تجمع أبناء وبنات البلاد وهي بهذا توسع من انتماءاتهم الصغرى.
ولكن في الوقت نفسه هناك تناقضات في الموقف الراهن تجاه القبيلة يثير تساؤلات عديدة: يصعب أن نفهم كيف يمكن أن نجرم رابطة القبيلة ونحن في الكويت، في العقدين الماضيين وأكثر، شيدنا الكثير من سياسات البلاد على رابطة القبيلة بقصد ومن دون قصد؟ لقد جعلنا الأولوية في البلاد لاسم العائلة والقبيلة والجد الأول والثاني والخامس والعاشر؟ إن نظامنا السياسي والاجتماعي اليوم يقوم على أساس قرب الأفراد أم بعدهم من هذه العائلة أو تلك و من هذه القبيلة أم تلك، من هذا الشيخ القبلي أم الأسري أم ذاك؟ ألم نشجع في مسيرة طويلة القبيلة والعائلة ورابط الدم والقربى والواسطة على حساب رابطة الكفاءة، ورابطة النوعية، ورابطة العلم، ورابطة الانجاز ورابطة المعرفة، ورابطة الأفكار والقناعات والبرامج والحزب، والتي نجدها تتقاطع عبر كل الفئات والديانات والطوائف والقبائل والفئات؟ ألم نشجع أي الروابط نريد في بلدنا هذا؟ سـؤال موجه لصانعي القرار ولصانعي السياسة ولصانعي المستقبل أكان مستقبلا مظلما أم مشرقا؟ ونتساءل: كيف تحاربون القبلية وقد شيدتم كل شيء على أساس المحاصصة القبلية في الوزارة وفي خارج الوزارة وفي التعيينات وفي الترقيات وفي الدوائر. ألم نبن أجهزة ادارية هي امتداد للقبيلة؟ وألم نركز على اعتبار هذا النظام اليومي في حياتنا وسيلة للاستقرار؟
ما أراه اليوم هو تناقضات كثيرة في تنفيذ القرار. مثلا نحن الآن نجرم الفرعيات القبلية، ولكن في الوقت نفسه لا نجرم الفرعيات الحزبية؟ وهل يمكن أن تتوافر ديموقراطية في البلاد بلا أحزاب. فإما قبائل وطوائف تقوم على رابطة الدم والعائلة والقبيلة والطائفة، وإما نصيغ قانونا للأحزاب يسمح لها بضم الناس إليها بشرط عدم شرعية حزب يقوم على طائفة واحدة أو عائلة واحدة أو قبيلة واحدة أو دائرة واحدة: فالأحزاب يجب أن تمزج بين الناس ويجب أن يكون لديها معيار للعضوية والمؤتمر الوطني وطريقة بناء البرنامج وانتخاب القيادة وطرح كل شيء في السماء المفتوحة. ويجب أن يكون هذا كله علنيا وبدون أجندة سرية وأخرى مخفية تعلن عكس ما تبطن. كل شيء يجب أن يكون في الفضاء المفتوح وبلا تمييز بين حزب وآخر. السؤال أين قانون الأحزاب الذي يسمح للقبيلة والطائفة والعشيرة والعائلة أن تنضوي تحت لوائه وفق تصورات وبرامج ورؤى؟ بلا هذا سنبقى ندور في فلك القبيلة والاسرة، نجرم القبيلة ونترك الاسرة ثم نجرم القبيلة ونترك التيار السياسي. ان دولة القانون تسعى لعمل قانون لكل الاحتياجات الأساسية في الحياة السياسية السوية: بلا هذا سوف تلبي الناس احتياجاتها بوسائل غير شرعية ثم يتحول ذلك إلى ظلم بحق الناس واساءة لدولة القانون.
المخرج ليس سهلا. فهو يتطلب تصورا كبيرا وشاملا لبناء وطن حديث لا يقوم على التفرقة والتمييز وفق القبيلة والعائلة والطائفة، بل يقوم التمييز على أساس التميز الايجابي وفق الجهد والكفاءة والقدرات والتضحية والعطاء وانجاز المهام وتحسين الأداء والإضافة النوعية. ما بنيناه حتى الآن هو وطن الفرعيات القبلية والأسرية (ولا فرق بين الاثنين) ورابطة تنبذ الكفاءة والعطاء. فماذا نتوقع؟ ان التغير يتطلب تصورات جديدة، تفكير جديد وسياسات جديدة. أما أن نتعامل مع الخطأ بخطأ ومع الخطأ بعدم تأمين البدائل الحقيقية فنحن نقود البلاد إلى المجهول.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *