د. شفيق ناظم الغبرا

إيران وبدء الاحتواء الأحادي

هل دخل الشرق الأوسط في مرحلة التعامل مع إيران من خلال الاحتواء؟ وهل الاحتواء الأحادي لإيران أساس السياسة الأميركية الآن، والتي تتغذى بالمخاوف الأميركية من إيران الإقليمية وبالمخاوف الإقليمية من إيران التي تمسك بخيوط العالم العربي وقضاياه؟ يبدو أن الإجابة عن هذا التساؤل فيه الكثير من التأكيد. فالمنطقة إضافة إلى الولايات المتحدة تتحكم بها المخاوف العديدة في التعامل مع إيران، مع أنه لا مصلحة للمنطقة العربية بالتحديد في الدخول بصراع مباشر وجديد مع إيران، وذلك لأسباب الجوار ولأسباب تتعلق بالتاريخ والمستقبل. ومع ذلك يمكن القول إن عودة اليمين الثوري إلى السيطرة على مقاليد الأمور من خلال رئيس الجمهورية في الأعوام الثلاثة الماضية من خلال الكثير من الأجهزة في إيران وصولاً الى الانتخابات الأخيرة قد عمق هذه المخاوف. إن المنطقة تدخل الآن في مرحلة احتواء إيران، وذلك كرد على انتشار قوة إيران في العراق ولبنان وسورية، إضافة إلى التخوف من إيران نووية تفرض على الدول العربية الأخرى أن تتسلح نووياً. هكذا يبدو أننا عدنا إلى مرحلة الثمانينات ومحاولة احتواء الإسلام السياسي الآتي من إيران، والذي يصاحبه تصعيد في الصراع العربي – الإسرائيلي وتأزيم في لبنان وعنف في العراق ومواجهات مع الولايات المتحدة.
إن النظام العربي المكون من السعودية ودول الخليج ودول عربية اخرى بدأت تخشى أن يزداد انعكاس الوضع الداخلي الإيراني على السياسة الخارجية الإيرانية. فقد تحولت إيران باتجاه عزل كامل لجانبها الإصلاحي والتجاري والاقتصادي التي تمثلها شخصيات وتيارات كتلك التي يتزعهما الرؤساء السابقون لإيران رفسنجاني وخاتمي. فقد كانت تلك الشخصيات هي أول من مد يد العلاقة الإيجابية بين إيران وجيرانها بعد الحرب العراقية – الإيرانية والتي انتهت عام 1988. إن إيران العسكرية المسلحة بقدرات نووية والقادرة على ضبط وتيرة مجتمعها لصالح سيطرة تيار محافظ ومقاتل هو بداية مرحلة جديدة من التوتر الإقليمي. فلا الولايات المتحدة ستقبل بالنتيجة، ولا إسرائيل ستقبل بالقوة الإيرانية النووية ولا الدول العربية الأخرى ستقبل في هذا الميزان المتغير.   إن الخوف من إيران بعد أن اختفى الخطر الذي مثله صدام حسين، وبعد أن ضعف الخطر الذي مثلته «القاعدة» يؤدي يومياً إلى بروز المخاوف، وبالتالي إلى حصول تحول كبير في الفكر الاستراتيجي العالمي والإقليمي تجاه إيران. إن صدور ثلاثة قرارات دولية من مجلس الأمن في شأن إيران في الأعوام الثلاثة التي حكم فيها محمود أحمدي نجاد يؤكد أن الأمور تسير باتجاه التصعيد إلى أن تقع الانتخابات الإيرانية الرئاسية المقبلة في العام 2009. في هذا الإطار تشكل زيارة ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي إلى المنطقة استمراراً لهذا الحشد الجديد الهادف إلى الاحتواء. كما تشكل استقالة فالون( قائد المنطقة الوسطى التي تشمل الشرق الأوسط للجيش الأميركي)  عنصراً آخر في المعادلة الجديدة. بل تؤكد الاستقالة وجود شيء ما في الأجواء باتجاه المواجهة العسكرية الأميركية – الإيرانية. لهذا نعيش حال استقطاب ستترك أكبر الأثر على المنطقة.
إن محاولة احتواء إيران لن تكون عملية سهلة. فإيران ليست العراق، وقدرات إيران أكبر بكثير من العراق، ولديها الكثير من الأنصار في العالم الاسلامي والعربي بين السنة والشيعة، وليس فقط في صفوف الشيعة. كما أن لإيران علاقات مع «القاعدة»، وعلاقات أخرى قوية مع الإسلام السني(«حماس» وغيرها). كما أن إيران تمتلك من الأسلحة ما يمكنها من تحقيق أضرار إقليمية وأضرار إسرائيلية. لهذا فالحرب إن وقعت لن تكون سهلة أو مضمونة في نتائجها. كما أن الاحتواء البعيد الأمد لن يكون هو الآخر أمراً سهلاً وبلا ردود فعل إيرانية.
من جهة أخرى يمكن أن نستنتج بأن أي حرب أميركية مع إيران، وربما إسرائيلية مع «حزب الله» لن تكون نهائية. فهي ستكون مقدمة لمحاولة إعادة عقارب الساعة في القوة الإيرانية بضعة أعوام إلى الخلف، ثم سيبدأ العمل بعد ذلك لصالح الاحتواء البعيد الأمد والضغط للتغيير الداخلي. هكذا سيأخذ الأمر زمناً وأعواماً من الضغط والاحتواء. كما أن هذا كله لن يكون مضمون النتائج، نظراً إلى طبيعة القوى المتصارعة والمفاجآت التي تخلقها المواجهات الساخنة، كما نشاهد في العراق. فعلى سبيل المثال إن ردود فعل الرأي العام الأميركي تؤثر في الميزان، وحال المنافسة على الفوز بمقعد الرئاسة الأميركي بين الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري هي الأخرى ستترك أكبر الأثر على الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران. من جهة أخرى، إن الانقسام الأميركي يواجهه انقساماً إيرانياً في الضفة الأخرى. فإيران هي الأخرى تواجه أزمة اقتصادية خانقة وتململاً شعبياً هو الأكبر منذ مجيء الثورة، وبالتالي فإن أي مواجهة كبيرة مع الولايات المتحدة قد تخلق حالة شعبية تلوم الرئيس الإيراني على توريط إيران في صراعات فوق طاقتها. إن نقاط ضعف كل طرف في المعادلة قد تكون الأساس لسوء تقدير في الحسابات والخطوات. فقد تستعجل الولايات المتحدة خطوة استخدام القوة( قبل مغادرة بوش)، بينما قد يجد أحمدي نجاد أن المواجهة قد توحد إيران كلها خلفه وتخفف من التململ الداخلي. ولكن الاعتقاد شيء والواقع قد يكون شيئاً آخر.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *