كنا نعتقد ان الكويت مركز العالم والمصدر الرئيسي في بضاعتي الحقد والحسد، فأصبحنا ولله الحمد والمنة مركزا عالميا كذلك لامور عديدة اخرى، ليس منها المركز المالي الذي كنا نحلم به ونسعى جاهدين لتحقيقه كمصدر بديل للنفط حفاظا على مستقبل ابنائنا ولحاقا باشقائنا الخليجيين ومن ذلك فقد اضحى بلدنا:
مركز العالم ومحيط الارض في الخلاف والشقاق والتناحر والخصام، فالتحالفات السياسية تُفك، والكتل البرلمانية تتفتت، والاقرباء يتقاضون، والتجار يتصارعون، والعقائد الفقهية والدينية تتباعد وتتعادى، وكنا نسمع في السابق ان في البرلمان 50 حزبا مختلفا فأصبحت 150 حزبا او اكثر لكثرة وسرعة تغيير المواقف والمراكز من المعارضة الى الموالاة والعكس والتي ينتج عنها المناكفة الدائمة وخلق الازمات المتلاحقة.
مركز العالم ومحيط الارض في التسابق على الاخذ من الاوطان دون عطاء حقيقي، فالجميع يطمع في زيادة مكاسبه الذاتية على حساب مصالح الوطن الذي قارب ان يموت غرقا باسفكسيا الاختناق من كثرة الدمع المسفوك كذبا وزيفا على احواله.
مركز العالم ومحيط الارض في التقلب والكراهية والنكد وانكار الجميل ووفرة سكاكين الغدر والخسة التي ترمى بغزارة على ظهور القلة الباقية والمنقرضة من الكرام والاتقياء والانقياء ممن تجلهم وتحافظ عليهم امم الارض قاطبة لندرتهم، ويضربون لدينا ضرب غرائب الابل حتى يتم تهجيرهم للخارج او اغلاق ابوابهم عليهم في الداخل.
مركز الافراط والتفريط بالاستهلاك غير الراشد في العالم، فبلد شديد الحرارة لا نهر ولا مطر فيه يعتبر رقميا – وكما تدل جميع الاحصاءات الدولية – الاول في استهلاك المياه، بدلا من ان يصبح القدوة الاولى – كما يفرض العقل والمنطق والحس السليم – في ترشيد المياه التي لا حياة ولا اوطان دونها.
مركزا متقدما في وفرة الامراض النفسية المستعصية، فالعيون غائرة والعقول مشتتة والأجبنة مقطبة والمقابر مليئة بمن ذهبوا اليها طواعية حزنا وكمدا بسبب امراض الكآبة غير المبررة في بلد يفترض ان يكون سكانه الاسعد في العالم.
مركزا متقدما في الجهل الغريب والتخلف الاعجب، فكلما زاد عدد المتعلمين وخريجي الشهادات العليا في البلد زاد لجوؤهم ولجوء الناس معهم لمن لا يحمل حتى الشهادة الابتدائية ليضرب لهم الودع ويفك عنهم المعمول والمسحور، وبدلا من قضاء الاوقات الثمينة في القضايا البحثية التي تدل على الرقي العلمي، اصبح هؤلاء يقضون جل اوقاتهم امام قنوات السحر والخزعبلات كشهرزاد واخواتها.
مركزا عالميا متقدما في معدلات حوادث الطرق وضحايا المرور رغم اننا بلد فريد لا جبال ولا ضباب ولا وديان ولا ثلوج ولا اعاصير او فيضانات فيه، ورغم فسحة شوارعنا واضاءتها (ليلا ونهارا) وحداثة سياراتنا الا اننا وبعبقرية فريدة مازلنا نحافظ ولا فخر منذ سنوات عدة على تلك المراكز الاولى في العالم، مما يجعلنا نتساءل ماذا لو كان لدينا كبقية امم الارض جبال وطرق ضيقة وثلوج.. الخ.
آخر محطة:
اصبحنا ولله الحمد والمنة كذلك مركز الكتابة والكتاب في العالم، حيث فاق عدد الكتاب عدد القراء، كما اصبح لدينا دون امم الارض قاطبة شيوخ اجلاء واساتذة افاضل ومرجعيات شامخة كالجبال الشم يحج اليهم طلاب العلم من المشرق والمغرب كي يعلموهم مبادئ الكتابة الصحافية والقراءة والاطلاع ويمنحوهم صكوك البراءة والغفران، ولا يهم في هذا الصدد ان كان آخر ما قرأته تلك المرجعيات العظمى هو كتاب «مع حمد قلم» المقرر على الصف الأول الابتدائي!