ربما كان بعض الصالحين المخلصين من أبناء هذه البلاد الطيبة يعتقدون فيما مضى من السنين، وخصوصا في الثمانينات أو التسعينات أو ربما في الألفية الجديدة… كانوا يعتقدون أن الطائفية والسؤال عن مذهب المرء أثناء تقدمه للعمل في سلك العسكرية، وتصنيف الناس وفقا للإنتماء الطائفي ستختفي في المقبل من السنوات، إذ العقول ستكبر، والوعي سيزداد، والعداوة ستنتهي… و… و… !
لكنهم – يا حبة عيني – ما كانوا يدرون بأن الأمور ستزداد سوءا، لأن تلك القلوب الصالحة المخلصة التي راودتها الفكرة، كانت صافية طيبة، وبعد ذلك، ازداد توزيع القلوب السيئة بملايين النسخ، وليس هناك من فكرة مفجعة أكثر من أن عباد الله، يعلمون أن التقوى هي مقياس القرب إلى الله تعالى، لكنهم، مع ذلك، يجدون الفعل الطائفي والممارسة الطائفية والتكفيرية والتفتيتية هي أقوم وأفضل من التقوى… وأن الانصياع لتوصيات مؤتمرات الخداع والفتنة من تحت الطاولات وفوقها هي أدسم وأوجب أن تتبع.
والآن… هل أنت سني أم شيعي؟
صحيح، لن يصل الأمر إلى أن يسألني الطبيب قبل أن يعالجني هذا السؤال، ولن أجد نفسي مضطرا إلى أن أجيب على سؤال مماثل إذا ذهبت لشراء «النخي والباجلة»، ولن أتورط في استجواب مباشر من جانب شخص يجلس بجانبي في السينما يسألني ويسألك عن مذهبنا، ولربما كانت المصيبة الكبرى هي أن أجد نفسي مرغما على إشهار مذهبي حين يدفعني العطش إلى دكان بقالة لشراء الماء، فلا يبيعني البائع قنينة ماء إلا بعد أن يتعرف على مذهبي… فإن كان مني وأنا منه باعني، وإن لم أكن كذلك اشتراني، وفي كلتا الحالتين، سيبيع ويشتري في الناس!
بالمناسبة، عاش اثنان من الزملاء أسبوعا كاملا في جو جميل أثناء حضورهما دورة تدريبية في إحدى الدول العربية… أحدهما من البحرين والآخر من المملكة العربية السعودية… أبلغني الأول أن الأمور سارت على ما يرام من أول يوم تعرفنا فيه مع بداية الدورة حتى اليوم قبل الأخير، عندما مدحني وشكر الله على هذه الصداقة، لكنه أقسم علي أن أجيب على سؤال واحد: «هل أنا سني أم شيعي»؟!
يا إخواني، لن أوجه خطابا من نوع الخطاب المعتاد الممل بشأن مكافحة الطائفية والدعوة إلى تقريب القلوب والنفوس، أو الحذر من مؤامرات الأعداء… لن أتحدث في هذا الموضوع، ولكنني أحذركم، وأولكم نفسي الجانية: لا تهملوا الراديتر أو تتركوا الإطار الاحتياطي معطوبا، ولا تنسوا غاز تبريد السيارة في هذا الصيف والأصياف المقبلة… فلربما وجدت نفسك ترتجف أمام الميكانيكي الذي يلوح بالـ «بيب سبانه» في وجهك وهو يصرخ: هل أنت سني أم شيعي… قل، ثكلتك أمك؟