«لم تكن ليلة هادئة… كانت منذ عصريتها وهي توحي بأن أمرا جلل سيقع، وكما أن ليالي العيد تبان من عصاريها، بان سوء تلك الليلة من وقت العصر، فأظلمت الديرة على أهلها ولم تكن ليلة من ليالي العيد أبدا، بل كانت ليلة من أشد ليالي البلد حزنا، حينما انفجرت القنبلة التي تحدث عنها الجميع… وحذر منها الجميع… وعرفها الجميع… وحدد مكانها الجميع، وأدرك الجميع كيف يبطل مفعولها… لكن الجميع، إلا بعضه، فضل العافية، وفضل إغلاق العينين وسد الأذنين لحين انتهاء انفجار القنبلة»…
لست أعلم إن كانت تلك المقدمة تصلح لرواية قد يكتبها أحدنا مستقبلا… ولماذا رواية، فلتكن قصة قصيرة أو خاطرة على الأقل، فرحم الله من زار وخفف! وقد تكون هذه الرواية الأكثر مبيعا وخصوصا أننا أصبحنا سلعا كثيرة تعرض للبيع حتى أصبح الوطن كله عرضة لمثل هذه الأفكار… أفكار المتاجرة والبيع والشراء.
الحال اليوم سيئ بلا شك، والأسوأ منه أن هناك حالا من المتاجرة في التصريحات الداعية إلى التصدي للعنف والتخريب، تشمل المطالبة بإلقاء القبض على المخربين وتوقيع أشد العقوبات عليهم، وحماية الأرواح والممتلكات والحفاظ على الأمن والسلم، ومنع الدخلاء والمدسوسين من العبث في بلادنا! وخذ على هذه الشاكلة الكثير.
لكن، إلى من توجه هذه التصريحات؟ من الطبيعي أن تكون موجهة إلى وزارة الداخلية وكوادرها ورجالها، وكأن ما يحدث في البلد يجب أن يعالج أمنيا وليس سياسيا! وكأنه الواجب على الوزارة أن تستعرض أمامنا اليوم ونحن نشاهد ونكتفي بالفرجة. وكأن مؤسسات المجتمع المدني يجب ألا تتكلم، وكأن على علماء الدين الأفاضل ألا ينتقدوا الممارسات العنيفة الخارجة عن رضا وموافقة العلماء لسبب اتجاهها خارج حدود السلمية. وكأن فيلم «الأكشن» يجب ألا ينتهي إلا بانفجار قنبلة مدوية قد تيقظنا من سباتنا، لكننا سنجد أنفسنا مصابين بالعاهات والإصابات الخطرة!
الوضع في البلد في غاية الحساسية، لكن ليس من العقل أن تتحرك وزارة الداخلية وحدها لإبطال مفعول «القنبلة»، وعلى تجار التصريحات المصاغة جيدا أن يدركوا بأن الأدوار موزعة على الجميع، وأن يكون خطاب التهدئة يشمل كل الأطراف، بعد أن يقضي على كل أسباب ودوافع العنف والعنف المضاد.
وللحديث بقية قطعا