أصبحنا في الكويت نخـتص بين أمم الأرض بظاهـرة خلق المشــاكل ثـم البــحث جـاهدين عن حلول لهـا، ومثـل ذلك إشعال النيــران يمينا ويســارا ثم إجهاد النفس لإطفائها، لقد خلقت أخيرا قضـايا من العدم كدعـوى الحل غيـر الدستـوري لمجلس الأمة الذي سـيتـبـعه تعـديل للأسوأ للدستـور، واشغل العالم بها، لنكتشف في نهاية المطاف أن لا صحة لما طرح ولا حقيقة لما قيل.
دعـتنا بالأمس منطقـة العــاصـمـة التعليمية وثلة من النواب والدكاترة والدعاة لمناقشـة القيم السالبة الطارئة على المجتمع الكويتي أمام جـمع من الطلبـة والطالبـات والمسـؤولين والنظار والمدرسين وبحـضـور د. رشيـد الحمـد وزير التربـية الأسبق، وقد سـعدنا كـالعـادة بلقاء أجيالنا الصاعـدة والحديث المباشر معهم، وقد عقد اللقاء تحت مسمى «قيم للقمم».
كان أول المتحدثين داعـية فاضلا وصل اللقـاء متـأخرا مـا يقـارب الساعـة، ثم ألقى حـديـثـا وجـه به ســهـام الاتهــام في كل الاتجـاهات، فـأصاب رجـال الدين الآخـرين الذين اتهـمهم بالتـقصـير، ورجال الداخـلية والبلدية والتـجارة وخلق صـورة سوداوية تمامـا قـبـل مـغـادرته السـريعــة للمكان، فمــحلات الحـلاقة بها أسرة ولمبـات حمراء والـــشـواذ يسـتـوردون من شرق آسـيـا، وأوضح انه يزور، منذ عام 1994، 15 مـدرسة كل أسبوع للتـحذير من ظواهر مـثل المثليين وعبـدة الشيطان حتى وصلنا، حـسب قوله، لوضــعنا الحـالي الـذي انتـشــرت به تلك الظواهر.
وكان تـعقيـبي على مـا ذكره الداعـية الفـاضل قـريبا مما قـاله من أن رجـال الدين الآخـــرين ينـكرون عليـــه ذلك الأسلوب ويحذرونه من انه قد يـؤدي إلى إفشاء المنكر بدلا من الحـــد منه، حــيـث رأيت أن الأصل والفطرة السليمة في مجتمعنا، بل وحتى كل المجتمعات الإنسانية هو الخير، وان الظواهر السـيئـة هي في النهاية الشـذوذ النادر الذي يجب ألا يقاس عليـه، كما أن مـهمة التـعامل مـعه يجب أن تحـصر بالجـهات الرسـميـة المختصة لا أن تتـرك بيد أي إنسان مـهمـا حسنـت نواياه، فالداعيـة المعني على سـبيل المثال يقـول انه يتكلم ويحارب هذه الظواهر منذ 13 عاما في المدارس، إلا انه يقر في الوقت نفـسـه بانتـشـارها هذه الأيام، وهو أمر لا يحسب بالقطع له.
وقد كانت مداخلتا الأخوين الدكتورين عـايد الحـمـدان وخالـد المهندي من وزارتي الداخليـة والتربيـة تكاد أن تتطابقان مـع ما ذكـرناه، فقـد أوضحا أن عـملهـما المختص وارقـامهـما التي لا تكـذب تظهر أن مـثل تلك الحالات قليلة ولا يصح علميـا إطلاق مسمى «ظاهرة» عليـهـا، وان الكثـيـر منهـا ينتـهي بانتهاء المرحلة الثـانوية التي تتسم بجنوح الشبان والشابات.
كما حذرا من اجتهـادات غير المختصين في التعامل معها بعد أن ينفخوا بها، مذكرين بمن دفعـوا الأموال لبـعض الشبـاب للادعاء بأنهم من عبـدة الشيطان كـوسيلة إعلامية لخلق ظاهرة، ثم ادعاء محـاربتها، ومثل ذلك من اختلقوا أرقاما غير دقيقة للتـضخيم من حالات إدمان المخدرات لدى الشبـاب لإيجاد الدعم لعمليات المكافحـة، وطالبا بحصر تلك المحاربة بالمختصين فقط.
آخر محطة:
ما لا يختلف عليه اثنان هو ضــرورة إلا تجـعل أعمالنا الدرامـيــة ومـسلـسـلاتنا من تلـك الظواهر الســالبـة والشـاذة مـحـورا للأحداث بحـجـة أنها موجودة في الواقع أو بدعوى محاربتها، فمن الأفضل أن يـسلط الضوء على الشـخصـيات التي تمثل الخير والرحمة في المجتمع عبر ما يسـمـى إعلاميا «الدس المـوجب» بدلا من السالب، فقد انتشـر التدخين بين الشباب في الغـرب عندمـا كـان البطـل يدخن دائمـا في الأفلام (الدس السـالب)، واتجهـوا للرياضة والأكل الصحي عندما رأوا الأبطال يمارسون رياضـــة الجــري واكـل السلطـات (الدس الموجب).