سامي النصف

أكذوبة «رجال الأعمال أعداء للأوطان»

استضاف الزميل يوسف الجاسم ضمن برنامجه الشائق «ذاكرة وطن» على قناة الوطن عدة شخصيات تاريخية كويتية اكتشفنا من خلال حديثها الدور الخيّر لرجال الكويت في الماضي ممن لم يكونوا يعتمدون في عيشهم على الوظائف الحكومية حيث كان القلاليف الكويتيون يبنون أجود سفن المنطقة وأكبرها والتي يعمل عليها النواخذة والبحارة الكويتيون ممن استفردوا بحمل غلة الهند والعراق الى المنطقة وإلى سواحل افريقيا.

وفي مرحلة لاحقة أي حقبة الخمسينيات والستينيات قام رجال الأعمال الكويتيون بمخاطرة كبيرة عندما تصدوا لإنشاء شركات ومؤسسات مالية وطنية تحل محل الشركات الأجنبية، فكان إنشاء البنوك وشركات الطيران والناقلات والبترول الوطنية ومطاحن الدقيق وغيرها، وقد اضطروا في بعض الأحيان ليرهنوا، كأعضاء مجلس إدارة البعض من تلك الشركات، كل ما لديهم دعما لبقائها وهو أمر غير مسبوق في العمل التجاري.

إن مصطلح تاجر أو رجل أعمال ينطبق على كل من لا يعتمد على الوظيفة الحكومية في رزقه، ولا يصح في هذا السياق إلقاء التهم جزافا وبشكل عام على جميع رجال الأعمال واتهامهم دون بينة بأنهم السبب في موجة الغلاء – المتراجعة – التي أصابت البلد والتي كان سببها الرئيسي هو الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة والبناء والمواد الغذائية.

لقد قامت الثقافة الاشتراكية والماركسية التي سادت الوطن العربي في فترة من الزمن بالتلطيخ المتعمد لدور رجال الأعمال في المجتمع عبر تصويرهم بشكل سيئ دائما، والغريب ان أحدا لو زار نجوع وقرى مصر لوجد ان مبرات وأعمال خير رجال اقتصاد ما قبل عام 52 تغطي أغلب تلك المناطق وذلك عبر إنشاء المدارس والمصحات والمصانع التي توفر فرص العمل وتمنع الهجرة للمدن أو السفر للخارج، وقد تم القضاء على تلك الطبقة المنتجة في مرحلة ما بعد 52 وحلت محلها طبقة طارئة تقوم بالاقتراض والهرب أو استخدام الأموال لخدمة نزواتها وأهوائها الشخصية.

آخر محطة:
 تابعت اللقاء الشائق لجريدة «الرؤية» مع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس وتوصياته الأربع في ختام اللقاء والتي توصي بقيام ثورة في التعليم وضرورة خلق فكر ليبرالي جديد يستقطب الجماهير وإعادة الهيبة لرجال المرور كونها المدخل لانضباط الشارع العربي والحاجة لتفرغ كل قطر عربي لتطوير ذاته بدلا من الانشغال بهموم ومشاكل الآخرين.

احمد الصراف

يا حيفاه

أكملت قبل اسبوع 23 الف يوم من عمري المديد، وعلى الرغم من كبر الرقم، فإنه لايزال لدي، بموجب حسابات شركة التأمين على الحياة وتقارير طبية مستقلة، ما يقارب نصف ذلك الرقم من الايام السعيدة، قبل ان اموت طبيعيا في منتصف التسعين، وعليكم الحساب والتكسير، والتمني سلبا او ايجابا!
صحتي جيدة، وذهني لايزال متوقدا، واشعر بأنني في قمة نشاطي الجسدي والفكري، وانه لايزال امامي الكثير لأقوم به، وفوق هذا وذلك فإن قلبي وعقلي مليئان بأفكار تتعلق بعشرات المشاريع والخطط ولكن.. مع كل هذا، يكتنف جوانبي، احيانا كثيرة، حزن شديد، واشعر بين الفترة والاخرى وكأن اصابع لزجة تنسل خلسة بين أضلاعي لتعصر قلبي.. ألما!
لا يعود سبب ذلك لاسباب شخصية، فقد حققت في حياتي، حتى الآن، كل ما كنت اشتهي واتمنى، وربما اكثر من ذلك، ولا اشعر برغبة في تولي منصب سياسي او الحصول على جاه او التقرب لأي كان، فقد تلبستني القناعة بشكل لا فكاك منه، ورضيت بذلك الاسر الجميل طوعا!! ولكني اشعر بالحزن لما آلت اليه الاوضاع في وطني من جهة، ولعدم وجود ولو بصيص أمل في ان تنصلح الامور فيه، ولو بعد حين، من جهة اخرى، حتى ذلك الضوء الذي يتخيل البعض وجوده في نهاية النفق قد لا يعدو ان يكون مصابيح شاحنة ضخمة قادمة بسرعة كبيرة باتجاه خط سيرنا المتعثر!
لقد وصل التسيب والشلل والفساد الاداري حدا اصبح فيه الاصلاح امرا بعيد المنال، ان لم يكن مستحيلا، وكل عاقل يقبل تولي المنصب الوزاري مثلا، او اي منصب آخر عالي الاهمية، لا شك مدرك بأن قبوله عائد بالدرجة الأولى لما يأتي مع ذلك المنصب من جاه ونفوذ ومصلحة شخصية، وليس لإصلاح الأوضاع ووضع الامور في نصابها الصحيح، فهذا فوق طاقة اي فرد منا!
والأمثلة على خروج وزراء «اصلاحيين» مطأطئي الرؤوس من الوزارة دون انجاز شيء، اكثر من ان تحصى، فقد تأخر الوقت كثيرا لإحداث اي انقلاب ايجابي في الاوضاع او فعل شيء مفيد بعد ان تمكنت قوى التخلف والرجعية والفساد من الامساك بغالبية مفاصل الدولة، ان لم يكن جميعها.
واأسفاه على وطني.. واأسفاه على احلام آبائنا واجدادنا التي احترقت.. واأسفاه على ضياع كل الجهود الطيبة، وكل تلك المليارات التي أُنفقت على التعليم لنحصد منها كل هذا الجهل، وكل هذا الكم من الخواء المعجون بالتعصب القبلي والطائفي والديني الذي اختلط مع الفساد المالي والإداري ليصبح كتلة صماء واحدة.
آه كم انت جميلة وحلوة يا بلدتي. آه كم انت رائع يا وطني.. ولكن يا حيفاه!

أحمد الصراف

سامي النصف

حقول.. طائرات.. مصفاة وعلوقات كويتية

بعد ان سمعنا مقامات حزن شديدة على عدم قيام مشاريع كبرى في الكويت منذ السبعينيات، عاد من يقوم بغناء تلك المقامات البكائية الحزينة نفسه لمحاربة إنشاء أي مشاريع جديدة في الدولة! حيث تم قتل مشاريع B.O.T عبر إطلاق علوقة «التفريط بأراضي الدولة» عليها، كما خنق الاقتصاد الوطني بإصدار قوانين متعجلة وغير مدروسة تختص بالعقار والتسهيلات والقروض، مما تسبب في الانهيار السريع للبورصة وتضرر مئات آلاف المواطنين ممن هللوا وبذكاء شديد لصدور تلك القرارات الضارة بهم.

وقبل 15عاما تم الإعلان عن طرح مشروع حقول الشمال واستمعت وغيري من اعلاميين ومواطنين من قبل المختصين النفطيين للفوائد الجمة لذلك المشروع الحيوي الذي قيل انه سيضاعف إنتاجنا النفطي من حقول الشمال عبر استخدام الوسائل الحديثة للتنقيب ويريح في الوقت نفسه مكامن النفط المستهلكة في الجنوب، ولو أنجز ذلك المشروع في حينه لكسبنا عشرات المليارات من مضاعفة إنتاجنا النفطي وبيعه بالأسعار غير المسبوقة التي وصل اليها برميل النفط في الأشهر الماضية، مرة أخرى تم إطلاق علوقة «سرقة العصر» على ذلك المشروع الحيوي، وتم إصدار شهادة وفاة سريعة بحقه، ولم يذرف أحد دمعة واحدة على مصلحة الكويت التي دفنت معه.

وكانت طائرات «الكويتية» قد تقادمت وقارب عمرها العشرين عاما وأصبحت شديدة الكلفة في التشغيل وتدنت بالتبعية عناصر السلامة فيها، لذا قرر مجلس إدارتها السابق تفعيل صلاحياته وشراء أسطول حديث بتمويل ذاتي دون الحاجة لفلس واحد من الدولة وبأسعار «لقطة» معلنة للجميع وبمواعيد تسليم مبكرة وعبر شركة مساهمة كويتية.

مرة أخرى تطلق العلوقات ويختلط الحابل بالنابل ويتصدى للموضوع من أراد تحويل ذلك المشروع العام الى مشروع تنفيعي خاص به، ولما فشل في مسعاه ألغاه، مما تسبب في خسارة المال العام 2.2 مليار دولار كما بينا في مقال مفصل سابق، وأصبحت احدى أقدم مؤسسات الطيران في المنطقة في مهب الريح رغم كل ما يقال.

هذه الأيام نرقب كمواطنين وإعلاميين الصراع المحموم حول مشروع المصفاة الرابعة، ولا يفهم أحد حقيقة ما يحدث، فلم نشهد حوارات هادفة حول ذلك المشروع تسوّقه وتبين أهميته وتبرر كلفته وتظهر فوائد إبقائه ومضار إلغائه أو بالمقابل مضار إبقائه وفوائد إلغائه، لقد شبعنا من عمليات الصراخ ومنهج الصراعات السياسية والاقتصادية التي يدفع الوطن والمواطن ثمنها غاليا وبتنا في حاجة ماسة لمنصة حوار هادئ تستضيف أصحاب الرأي والرأي الآخر حتى ننتهي الى القرار الصحيح بعد ان ادمنّا وادمانا كم القرارات الخاطئة التي نتخذها.

آخر محطة:
ليس من الإنصاف في نهاية الأمر ان يصبح الوطن بين خيارين مرّين، فإما إيقاف كل المشاريع الحكومية عبر التشكيك فيها وإطلاق «العلوقات» السياسية عليها ومن ثم استمرار مسيرة التعطيل التي عشناها خلال الـ 30 عاما الماضية، أو عدم دراسة جدوى تلك المشاريع بشكل جاد والقبول بمضاعفة أسعارها مقارنة بما لدى الآخرين.

احمد الصراف

الذروة في الاتكالية

اجرت الزميلة «الانباء» مقابلة تاريخية مع الوكيل المساعد لشؤون المساجد في وزارة الاوقاف. تاريخية المقابلة تكمن في كونها مثالا للدلالة على ما آلت اليه الاوضاع في الكويت من تخلف وسحق لشخصية المواطن ودفعه دفعا لأن يكون مواطنا فاشلا واتكاليا على الدولة في المال وعلى الوافد في العمل، وبعد كل هذا، نصر على التصدي للسخيف من الظواهر، وترك الامور السلبية الاساسية في الدولة الدينية من دون مساس!!
يقول السيد الوكيل إن وزارته واصلت الليل بالنهار على مدى اربعة اشهر استعدادا لشهر رمضان (!) وان صح هذا الكلام، وهو لا شك صحيح، فإنه خير دليل على مدى تواضع، او تفاهة انتاجية الموظف الحكومي!! فنصف هذه الفترة كان كافيا لكي يقوم سلاح الهندسة في الجيش الاميركي، وقبل 18 عاما، بنقل جبال من الاسلحة والمعدات والاطعمة من على بعد 15000 الف كيلو متر جوا وبحرا، اثناء الاستعداد لحرب تحرير الكويت!!
ما علينا. يقول السيد الوكيل المساعد ايضا في مقابلته التاريخية ان الوزارة في سعيها لنشر الثقافة، ولم يحدد نوعية الثقافة هنا، ربما لان رنين الكلمة اعجبه وخلاص، قامت بـ«تفعيل» مجموعة كبيرة من المصليات النسائية على المستوى الثقافي (!!) ولا تسألوني عن المقصود بهذا الكلام.
وتبلغ الذروة مداها في مقابلة الوكيل المساعد عندما ذكر أن الوزارة قامت هذه السنة باستقدام ائمة وقراء من دول اسلامية، ومن مصر واليمن بالذات، للمساهمة في القيام بوظائف قراءة وختم القرآن!!
ولو علمنا أن العدد المطلوب لا يتجاوز المائة او حتى ضعف ذلك، ولو علمنا أن هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن ومقيم في الكويت من المؤهلين لاداء مهام الامام والمؤذن، واكثر من نصف هؤلاء من المواطنين من خريجي كليات الشريعة في جامعات الكويت ومصر والسعودية، اضافة الى خريجي المعاهد الدينية في الكويت وغيرها، لوجدنا ان في الامر ما يدعو للعجب!! فإذا كنا لا نزال، وبعد 300 عام من تاريخ هذا الوطن، ومائة عام من التعليم شبه المنتظم، لا نزال بحاجة لمقرئي قرآن، فما هي اذا حاجاتنا للاطباء والمعماريين والمهندسين المدنيين والكهربائيين والمعلمين ومختصي الاشعة والتوليد والبيطريين والكيميائيين، ومشغلي محطات تقطير المياه وتوليد الكهرباء واصحاب مئات الوظائف الاخرى غيرهم؟ فإذا كان الامر كذلك، وهو حقا كذلك، فلم اذا لا نحترم الغريب الذي يعالجنا ويبني جسورنا ويشيد بيوتنا ويعمر مدننا ويشغل كهرباءنا ويستخرج بترولنا.. بمثل ما نحترم المؤذن او مقرئ القرآن؟ ومتى سنشعل النار في انفسنا لكي يتخلص العالم منا مرة والى الابد بسبب كل هذا الجهل والتخلف والتعصب العنصري الذي نعيش فيه؟ وكيف نكون نتاج خير امة ونحن لا نعرف حتى كيف نكتفي ذاتيا بمقرئي القرآن والمؤذنين، وبعد اكثر من 14 قرنا من ظهور الاسلام؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

ماذا حدث يوم الأربعاء الماضي؟

تقول أكثر نظريات نشوء الكون قبولا لدى العلماء «السنعين» ان انفجارا كونيا عظيما حدث قبل مليارات السنين نتج عنه كل هذه المجرات والكواكب والنجوم التي نعرفها والتي لا نعرفها، علما بأن احدث الملاحظات الفلكية بينت ان المادة العادية في الكون، مثل المجرات والغازات والكواكب والنجوم، لا تشكل الا نسبة 4% من مجموع الكون.
ولمحاكاة تلك الظروف التي ادت إلى ذلك الانفجار الكبير، بدأت مجموعة من العلماء في مركز المنظمة الاوروبية للبحوث النووية، «سيرن»، الذي يقع على الحدود الفرنسية ــ السويسرية، في عام 1996، مشروع بناء جهاز ضخم كلف حتى الآن ما يقارب عشرة مليارات دولار يمكن عن طريقه مراقبة نتيجة اطلاق حزمتي اشعة من جسيمات البروتونات، البالغة الصغر، في اتجاهين متعاكسين، وبسرعة تقارب سرعة الضوء، واحداث تصادم رهيب بينها وتسجيل وتصوير ما سيؤدي اليه ذلك التهشيم لمكونات البروتونات، وما سينتج عن التصادم من مكونات جديدة!! وقد زودت القناة الضخمة، التي بنيت عميقا تحت جبال الألب، والتي ستمر فيها حزمتا اشعة جسيمات البروتونات، بكاميرات تصوير واجهزة دقيقة بإمكانها التقاط مليون صورة في الثانية الواحدة.
يوم الاربعاء الماضي كان حدثا علميا عالميا حضره مباشرة اكثر من تسعة آلاف عالم فيزيائي من جميع دول العالم، باستثناء عالمنا الذي كان ساعتها بلا شك منشغلا بالاختلاف على امور اكثر اهمية. وقد راقب كل علماء العالم بانتباه كبير تجربة الانطلاق تلك، علما بأن كثيرين منهم سيشاركون في تحليل المعطيات والبيانات المتأتية من التجربة على امل معرفة اسرار مكونات الذرات من خلال تهشيمها. ويعتقد الفيزيائيون ان جهاز التصادم يمكن ان يقدم المفاتيح لفهم طبيعة هذه «المادة» الغامضة. ولكن العالم البريطاني البروفيسور فيردي قال لـ «بي بي سي» إن الطبيعة قد تفاجئنا، وعلينا ان نكون مستعدين لكشف النقاب عن اي شيء تطرحه امامنا!!
.. وإلى غد مشرق مجيد.. والى امة عربية واحدة!!

• ملاحظة: قام الأميركيان سيرغي برين ولاري بيغ، مؤسسا شركة «غوغل»، وخلال 10 سنوات فقط، بتحويل بضعة آلاف من الدولارات الى شركة يبلغ ثمنها في السوق 150 مليار دولار!! ونجحت حكوماتنا المتتالية، خلال ثلاثين عاما، في تحويل 150 مليار دولار نقدا الى مجموعة من المشاريع الفاشلة والادارات المتهالكة والتعليم المتخلف والمستشفيات الخربة والعقول الاكثر تخلفا ورجعية وخرابا!!

أحمد الصراف

د. شفيق ناظم الغبرا

عودة التاريخ ودور الدول

إن الأحداث الأخيرة التي تطل علينا من روسيا في جورجيا تأكيد على عودة دور الدولة وربما عودة التاريخ، فروسيا الجديدة أكدت دورها كدولة ضمن الحدود الروسية أولاً ثم بدأت بتأكيد دورها خارج حدودها. كما أن الأحداث التي تطل علينا مع عودة التطبيع العالمي مع أنظمة عربية عديدة كانت في عداد الخارجة عن القانون الدولي لتؤكد لنا أنه لا بديل في العالم الجديد عن وجود الدولة وانحياز الدول لبعضها البعض. فالدول تتصارع في الغرب والشرق لكي تتفاهم ثم تعقد الصفقات دون التفات كبير للشعوب والبيئة وغيرها من المسائل. هكذا أصبح من السهل على الولايات المتحدة أن تتفاهم مع الرئيس الليبي العقيد القذافي رغم التاريخ شديد السلبية بين البلدين والضيق الذي تشعر به المعارضة الليبية التي تؤمن بالديموقراطية. وفي الوقت نفسه أصبح من الممكن للرئيس الفرنسي أن يتفق مع سورية رغم الشعور بالضيق في صفوف قطاعات لبنانية رئيسية، كما قد يكون ممكناً أن تتفق الولايات المتحدة مع أحمدي نجاد وإيران بغض النظر عن آراء المعارضة الإيرانية بما فيها إخراج العراق لـ «منظمة مجاهدي خلق» المعارضة من أراضيها. هكذا سنجد أن الدول ستنحاز في نهاية اليوم للدول وأنه بينها لغة مشتركة وتسعى لحماية مصالحها من خلال الاتفاق مع الدول على المسائل القابلة للاتفاق بغض النظر عن مدى تناقض ذلك أم تناغمه مع قضايا أخرى مثل الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والمعارضة، والانتخابات، والمشاركة السياسية، والحريات. متابعة قراءة عودة التاريخ ودور الدول

سامي النصف

الكويت وديوان المحاسبة العراقي

صدر قبل مدة قصيرة كتاب ذكريات الاستاذ حنا رزوقي الصائغ والذي عاصر كرئيس لديوان المحاسبة العراقي 6 عهود عراقية هي عهد الملك فيصل الثاني وعبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف واحمد حسن البكر وصدام حسين، وقد كان شاهد عصر على احداث كثيرة اخترنا تسليط الضوء على البعض منها.

يقول الكاتب ان العصر الملكي كان الوحيد الذي خلقت فيه الميزانيات بشكل صادق ومراقب ومتوازن، أما بعد ذلك فأصبح هناك صرف دون السؤال عن الموارد اللازمة لتغطيته، وقد كان شاهدا على لقاء قاسم بوكيل وزارة المالية الشجاع احمد عبدالباقي الذي سأله الطاغية عن احوال الميزانية فأجابه بأنها في أسوأ حال ما دام سيادتكم توزعون العطايا والمشاريع تحت الاضواء دون الرجوع الينا، ويضيف الصائغ ان اول ازمة مالية خانقة بتاريخ العراق حدثت في ابريل 1961 وقد تكون السبب الرئيسي في مطالبة قاسم بالكويت بعد شهرين من تلك الازمة.

وقد كان الصائغ ضمن الوفد العراقي برئاسة احمد حسن البكر الذي زار الكويت عام 63 للحصول على قرض كويتي بـ 30 مليون دينار، ويقول انه عند انتهاء الزيارة وفي قاعة المطار التي تصدرها الشيخ صباح السالم واحمد حسن البكر سأله الفريق صالح مهدي عماش وزير الدفاع: وين الفلوس؟! معتقدا انها تقدم نقدا، فأجابه الصائغ لقد تم تحويلها للبنك المركزي العراقي، وهنا هدده عماش بالاعدام ان وصلوا بغداد ولم يصل المبلغ، وقد استخدم عماش الشتائم الكبيرة بحق من يعيد ذلك القرض للكويت.

ومما يذكره الصائغ ان حكومة الكويت اهدت شيكا بمبلغ مليوني جنيه استرليني شخصيا للرئيس عبدالسلام عارف، الا انه طلب من وزير المالية ومنه ادخاله في حساب الدولة كونه لا يريده، ويضيف الصائغ: ان السيد نزيه الشهواني وهو صديق شخصي لعارف اخبره عام 95 بان عارف ظل يردد امامه حتى وفاته عام 65 أنه ارجع اموال هدية الكويت للخزانة العامة، الا ان البعثيين وعلى رأسهم البكر وعماش وصدام وآخرون احتفظوا بها لأنفسهم، ويرى رئيس ديوان المحاسبة العراقي ان النهب والسرقات المكشوفة بدأت في عصري البكر وصدام، ففي عام 74 أمر البكر باعطاء العقيد لطيف نصيف جاسم مبلغ 3 ملايين دولار نقدا ودون وصل او اوراق مستندية، ومثل ذلك مع وزير التخطيط آنذاك طه ياسين رمضان وعزة الدوري، ويقول ان عدنان الحمداني حاول استخدام الوضع المالي السيئ للدولة كوسيلة للحد من توسع سلطات صدام الذي كان يستخدم الاموال العامة كوسيلة لرشوة الآخرين، ويذكر انه كان يطلب منهم تحضير شنط سفر كبيرة تحوي مبالغ تصل الى 50 مليون دولار كانت ترسل لبعض الحكام العرب ممن كانت لهم مواقف شائنة لاحقة من غزو صدام للكويت.

وضمن المذكرات روايات عن المبالغ التي كان يحصلها صدام من دول الخليج ابان الحرب العراقية – الايرانية فيذكر انهم استقلوا الطائرة الخاصة صباحا في جولة لعدة دول خليجية وعادوا في المساء وكانت بحوزتهم 7 مليارات دولار دعما من تلك الدول وهو أمر غير مسبوق.
 
ويضيف: ان ذلك الامر تكرر معهم عدة مرات خلال الـ 6 اشهر اللاحقة حتى جاوز المبلغ المستحصل 18 مليار دولار منها 9 مليارات من السعودية و6 مليارات من الكويت و3 مليارات من الامارات.

وعلى هامش المذكرات يقول الصائغ ان وزير الاقتصاد العراقي د.عبدالكريم كنونة رأس ذات مرة المجلس الاقتصادي العربي وما ان جلس على يمينه امين عام الجامعة عبدالخالق حسونة حتى انفجر د.عبدالكريم بضحك هستيري لعدة دقائق وفيما بعد سأله الصائغ عن سبب الضحك فأجابه بأنه نظر لحسونة فتذكر مقولة المهداوي عنه ابان محكمة الشعب وبأنه «حسونة بزونة» فلم يتمالك نفسه من الضحك.

آخر محطة:
ويذكر الصائغ ما رواه له صديقه د.محمد حلمي مراد وزير التعليم العالي المصري عن سبب خروجه من الوزارة فيقول ان مجلس الوزراء انعقد في جلسته الاولى برئاسة عبدالناصر وقرأ رئيس الديوان عبدالمجيد فريد بنود الجلسة، وبعد قليل اعلن انتهاءها، ولما سأله مراد فيما بعد عما يحدث اجابه فريد بأن الموضوعات نوقشت وانتهت، فعندما يحني الرئيس رأسه لتحت فهذا يعني الموافقة، وعندما يرفعه يعني الرفض، ويقول د.حلمي انه سأله مازحا: ماذا لو كان الرئيس موافقا وحطت ذبابة على رأسه فحركه الى اعلى لطردها فهل يعني هذا الرفض؟ وقد اعفي د.مراد من الوزارة بسبب تلك المزحة في زمن لا مزاح فيه!

سامي النصف

الوصفة السحرية لحل الإشكالات العربية

درت وصلت في وطننا العربي من محيطه حتى خليجه، وزرت قراه ونجوعه وجباله واريافه وسهوله قبل زيارة مدنه وحواضره، واقول كمراقب ان حكوماتنا العربية لا تسيطر بأحسن الحالات الا على 60% من السكان و70% من الاراضي، اما الباقي فهو خارج سيطرة الدولة المركزية ولا ترتبط الاطراف بالعواصم الا بشكل شكلي مما سيسهل مستقبلا على تلك الاطراف ان تتخلى عن القلب وتستقل بذاتها، خاصة ان اغلب الثروات تتمركز فيها لا في العواصم.

واحد الاشكالات الحقيقية ضمن اقطارنا العربية التي هي للعلم من اجمل بلدان العالم في جبالها وسواحلها ومناخها وآثارها وتاريخها ومراكزها الدينية انها تعاني في الاغلب من الفقر الشديد وضعف البنى الاساسية من طرق ومستشفيات ومدارس رغم وفرة الثروات بسبب سوء الادارة وتضييع الموارد في الحروب العبثية المتلاحقة منذ نصف قرن حتى اليوم، فمن حروب خارجية الى حروب اهلية الى سرقات علنية للموارد.. الخ.

ان الحل الامثل للإشكال العربي بعيدا عن الشعارات المدغدغة الكاذبة التي جربت مرارا وتكرارا والذي سيحيل وطننا الكبير الى جنات تسعد بها الشعوب يتلخص فيما يلي:

البدء بهجمة سلام حقيقية شاملة تجاه جيران الوطن العربي، ونعني اسرائيل وايران وتركيا، ونحو الدول المؤثرة في العالم كالولايات المتحدة واقرار مبدأ اللا حروب معلنة او خفية مع الآخرين للمائة عام المقبلة، على الاقل. وخلق حالة سلام شاملة في الداخل عبر ايقاف حالات القمع والاستعلاء على الوان الطيف الدينية والمذهبية والعرقية الشركاء لنا في اوطاننا والبعض من هؤلاء هم اصل تلك الاوطان التي يتم الاستعلاء عليهم فيها. وجوب الطلاق النهائي للعمل السياسي من قبل شعبنا العربي وترك قلة محترفة تمارسه بنجاح، فقد اثبتت شعوبنا المرة تلو الاخرى انها اسوأ شعوب الارض قاطبة في ممارسة العمل السياسي الذي يعتمد على العقلانية والحكمة وأنصاف الحلول، بينما تمارسه شعوبنا طبقا لمقولة «لنا الصدر دون العالمين او القبر»، يعني «يا قاتل او مقتول». البعد كل البعد عن خيار الارهاب والحرب والاعتقاد بأن الغاية تبرر الوسيلة، فالاختلاف مع الآخر يبرر خطف طائراته وتفجير عماراته وقتل الابرياء من نسائه واطفاله، وهي امور لم تقم بها اي من الامم الاخرى، كما ان علينا الايمان بعدم احتكارنا للحقيقة، والتواضع والاعتراف بأن فضل الآخرين علينا وعلى الانسانية جمعاء يفوق ودون مبالغة بملايين المرات فضلنا التاريخي على الآخرين. والبعد كذلك عن الاعتقاد الخاطئ بأن بامكاننا حل مشاكل العصر المستعصية عبر النظر للماضي، ان علينا الاهتمام الشديد بالعلوم الحديثة والتكنولوجيات المتطورة والعمل الجاد منذ الصباح حتى المساء وباتقان شديد حتى نحاول ان نجاري الشعوب الاخرى التي باتت تسبقنا بقرون عدة. البدء بعمليات الحد من التكاثر والتناسل، فالشعوب المتقدمة تتناقص تباعا لمعرفتها ان القوة هي في نوع الانسان لا عدده، وان الاعداد المتزايدة على نفس الموارد تعني افتقار الجميع والضعف والانشغال بعد ذلك بالحروب المدمرة داخل الاوطان للحصول على مصادر العيش. كما علينا ان نتوقف عن الحلم بحلول تتحول عند وصولها الى كوابيس، فقد جربنا في السابق جميع ما يدعى هذه الايام انه حل، حيث لبسنا لباس الديموقراطية والليبرالية والدولة الدينية والاشتراكية والشيوعية والحكومات الثورية والعسكرية والقومية، وانتهت جميعها دون استثناء بكوارث، ان الإشكال هو في الشارع لا في القصر، وفي الناس لا في الحكومات، ولن تنهض امتنا الا بنهوض شعوبنا عبر الايمان بالفكر الجديد ودون ذلك سنبقى ندور كدوران الثور في الساقية.

آخر محطة:
         علينا كذلك كجزء مهم من الحل ايقاف عمل مئات الفضائيات الاخبارية التي تبلبل فكر المواطن العربي.

محمد الوشيحي

شجون… ورسائل

حلقة يوم أمس الاثنين من مذكرات الكبير الدكتور أحمد الخطيب في جريدة الجريدة، ذكرتني بمشواري مع الصديق العذب بدر ششتري قبل نحو أسبوع. وبدر شاب كويتي صغير عاد للكويت هذه الأيام ليقضي أجازته الدراسية من مصر التي يدرس في إحدى جامعاتها، لكنه ليس ككل الشباب، أبدا، وإنما هو وطن جميل على هيئة شاب، وصادق صدوق لا يخشى في حب الوطن لومة لائم، وهو صاحب الجملة الشهيرة التي تناقلها الناس بعدما نقلها عنه الغائب الحاضر وليد الجري في الندوة الانتخابية الأخيرة للزعيم أحمد السعدون، وكتب عنها الزميل سعد العجمي مقالة ولا أروع في جريدة الجريدة، ويقول فيها بدر لوليد الجري: «كلنا نعيش داخل الكويت، لكن وللأسف القلة منا تعيش الكويت بداخلهم»، وهي جملة تُرمى لها العقل (جمع العقال)، وتصفق لها الأيدي بحرارة، وتتمايل لها العقول إعجابا بجزالتها، وتدمع لها مقل القلوب حزنا لصدقها…
قلت لبدر بعدما خرجنا من عزاء الدكتور حسن جوهر الذي توفي قريبه رحمه الله -: تلقيت الكثير من الدعوات لزيارة الدواوين، وأحرص على تلبية الدعوات تلك، بحسب سماحية الوقت، لكن الأولوية الليلة لديوانية رجل يحب الكويت، فعلا لا قولا، وموقفه مشهود ومؤرخ في صفحات الشجاعة والوطنية، وهو النائب السابق الدكتور خالد الوسمي الذي ساهم في المحافظة على الدستور من التنقيح عام 81، لله دره ما أكبره وما أجمل كلامه عندما اجتمع مع النواب العوازم وكانوا ستة وهو سابعهم، ليحضهم على رفض التنقيح، فقال كلمته الصريحة الشهيرة (وأنا هنا أنقل كلام الوسمي كما جاء في مذكرات الكبير أحمد الخطيب حرفيا وبالفاصلة والنقطة، وإن كانت غالبية الناس تعرف مضمونه): «لم تكن لنا نحن العوازم أية قيمة سياسية أو اجتماعية عند النظام في السابق، كنا نجلس في آخر مجالس النظام عند الباب بقرب الأحذية المركونة هناك، وكنا نذهب دائماً إلى دواوينهم في أفراحهم وأتراحهم ولم نشاهد أي واحد منهم يردّ لنا التحية. وبعد صدور الدستور ودخولنا المجلس صرنا نتصدر مجالسهم وصاروا يأتون إلى دواويننا وقت أفراحنا وأتراحنا. وصارت لنا قيمة سياسية واجتماعية وصار منا الوزراء والنواب. فإذا فرّطنا بالدستور فسوف نرجع إلى الوضع البائس القديم. فعزّنا من هذا الدستور وحذار التفريط به». هذا ما قاله الوسمي، وهو كلام ينسحب على أبناء القبائل كلهم الذين لا يفرق بعضهم الآن للأسف بين «مجلس الأمة» و«شاعر المليون». متابعة قراءة شجون… ورسائل

سامي النصف

الكويت من الإمارة إلى الدولة

أحد الأمور التي نلحظها في مذكرات الساسة والقادة العسكريين الأجانب هو انصافهم وثناؤهم الشديد على خصومهم وهو ما يعطي ما يكتبونه كثيرا من المصداقية والموضوعية.

في المذكرات السياسية والعسكرية العربية نلحظ العكس من ذلك تماما، حيث ان الخصوم هم دائما شياطين وجبناء ومخطئون على طول الخط، اما من يكتب المذكرات فهم دائما ملائكة وملهمون ولا يأتيهم الزلل او الخطأ أبدا في القول او الفعل.

واحد الاخطاء الكبرى في الكويت التي ستدفع اثمانها الاجيال المقبلة غاليا هو قلة او انعدام كتابة المذكرات من قبل رجال الحكم والساسة والاقتصاد والفكر والاعلام والوزراء السابقين، بل وحتى الرجال العاديين مما يجعلنا مستقبلا امة دون تاريخ مما سيسهل عمل الطامعين والمزورين ويصعب من عمل من سينكر تلك الدعاوى المتوقعة اللاحقة في غياب القدرة على الاستشهاد بكتابات ومذكرات وذكريات من عاشوا حقبنا التاريخية المختلفة والتي لا يوجد – للعلم – ما نخجل منه او نخشى ذكره.

من ذلك المنطلق سرّنا كمبدأ اولي ان يقوم د.احمد الخطيب بكتابة مذكراته وقد وددنا ولايزال في الوقت متسع ان يكون حاله كحال رجال الامم المتقدمة السالف ذكرهم منصفا في حق خصومه ومتوازنا في حكمه على الامور، حيث ان تلك المذكرات كما قدم لها ستقرأ من قبل اجيال لم تشهد الاحداث التاريخية التي يتم التطرق لها، وفي غياب واضح لمذكرات الشهود الآخرين لتلك الحقب من اصحاب الرأي والرأي الآخر، مما يحمل الدكتور الفاضل مسؤولية مضاعفة عن وجوب الموضوعية في الطرح في تلك المذكرات.

وقد شهدنا في الجزء الأول من المذكرات حدة لا نود ان تتكرر في الجزء الثاني كونها دعاوى كان الطرف الآخر فيها من الراحلين، كما ان بعض تلك القشور جرفت الردود بعيدا عن صلب الاحداث التي عادة ما تصبح اضافة للطبعات اللاحقة من الكتاب، كما ابتعدت المذكرات عن تخطئة الذات او مدحها، كما تم في موقفين تاريخيين مشهورين: أولهما اللقاء مع عبدالكريم قاسم في اغسطس 1958م، والثاني امام انشاء «الحركة الثورية الشعبية في الكويت» في صيف 1968، فالأول يستحق التخطئة، والثاني يستحق الثناء.

وقد بدأت هذه الايام الزميلة «الجريدة» بنشر الجزء الثاني من مذكرات د.احمد الخطيب راجين، كمتابعين ومهتمين بتاريخ الكويت الحديث، ان يتم خلالها تعزيز الموضوعية واحترام الرأي الآخر والبعد بتلك المذكرات المهمة عن الشخصنة وتصفية الحسابات الشخصية والتباينات السياسية التي ليس موضعها كتب المذكرات والذكريات الهادئة والمتزنة والمنصفة، التي يجب ان تنأى بنفسها عما يحمله المقال اليومي من انفعال.

آخر محطة:
 
(1) لاحظت ان اسم المذكرات هو «الكويت من الدولة إلى الإمارة» بينما يفترض السياق التاريخي ان يكون العنوان على العكس من ذلك اي «الكويت من الامارة الى الدولة» اي من حالة «الامارة» التي عاشتها الكويت خلال الـ 250 عاما الأولى من عمرها الى حالة «الدولة» التي عشناها خلال الـ 50 عاما الماضية.

(2) كتب المقال بعد قراءة الحلقات الأربع الأولى من الجزء الثاني من المذكرات.