احمد الصراف

بها فقط يكمن الحل!

تجارب الكويت السياسية، لفترة ما بعد الاستقلال واصدار الدستور وانتخاب مجلس امة من 50 عضوا، اثبتت ان الديموقراطية، مهما كانت درجة تقدمها، لا تكفي بحد ذاتها لضمان حقوق الانسان، وحقوق الاقليات والفئات الخاصة بالذات. فجميع الدول العربية والاسلامية التي تتبع النهج الديموقراطي، وما اقلها، غير قادرة على حماية الحريات المدنية لافراد المجتمع المدني لاسباب كثيرة يعود البعض منها لخلل تاريخي متجذر في طريقة تفكير قيادات هذه الدول، فالشطط المتطرف الذي قوبل به طلب بناء مسجد لطائفة «البهرة» المسلمة والمسالمة مثلا اظهر بوضوح كم هي ديموقراطية عرجاء عاجزة، واحيانا مزيفة، فما حصل مع البهرة يحصل كل يوم مع الاقليات الطائفية والدينية الاخرى، من شيعة ومسيحيين كويتيين، دع عنك ما يلقاه اتباع المذاهب والديانات الاخرى من غير المواطنين! فالمجتمع الكويتي اعتاد – خلال السنوات الاربعين الاخيرة، ومع انهمار اموال البترودولار – تهميش مواضيع كرامة الفرد واستقلاليته الفكرية، وكمثال صارخ على
ذلك ما يتعرض له معرض الكتاب كل عام من سلخ وشطب، اما ما تتعرض له حقوق المرأة من انتهاكات يومية في اروقة المحاكم فحدث ولا حرج، وربما يكون موضوع رفض كل الدول الاسلامية تقريبا التوقيع على مواثيق حقوق الانسان بنسختها الاصلية، ومن غير تحفظ، دليلا دامغا آخر على ان الديموقراطية التي نتكلم عنها ونؤمن بها في الكويت وغيرها من الديموقراطية الشرق اوسطية هي تلك التي تناسب مزاج الفئات المسيطرة ذات الصوت العالي والفهم المحدود لحقوق البشر الآخرين.
وبالرغم مما تعتقده الزميلة المبدعة ايمان البداح (الجريدة 29-11) من ان القانون كان وسيبقى بيد السلطة التشريعية، التي لا تقدر الحريات الفردية الدستورية، وان وسيلتنا الوحيدة للخروج من هذا المأزق، برأيها، تكمن في اللجوء للمؤسسات المدنية التي ستضغط على التعليم الذي سيخلق القيم الدستورية لدى النشء منذ الصغر، حتى لا نعيد انتاج التخلف والدكتاتورية، لكن المسألة اعقد من ذلك بكثير، فما العمل ان لم تتحرك مؤسسات المجتمع المدني؟ وما الضمان بأن هذه المؤسسات سوف لن تقر مناهج دراسية شبيهة بالحالية؟ وكيف يمكن الفكاك من اسر الفكر الديني بمجرد التمني وانتظار ما ستقدم عليه المؤسسات المدنية، وما العمل ان لم تسمح السلطة لهذه المؤسسات بالتدخل في التعليم العام والديني بالذات؟
الحل، برأيي المتواضع، يكمن فقط في وصول قيادة سياسية مؤمنة بفصل الدين عن الدولة للسلطة والتي بامكانها القيام، حتى قسرا لو تطلب الامر ذلك، بتطوير المناهج الدراسية وجعلها متسقة تماما مع مناهج المجتمعات المتقدمة والمنفتحة والاكثر انسانية، وهو الامر الذي حاول الكثير من قادة الدول الاسلامية القيام به من امثال محمد علي باشا ورضا شاه ومصطفى كمال، ولم ينجح منهم بشكل جذري غير الاخير الذي حول تركيا من دولة مهزومة ومتخلفة لدولة عصرية صناعية متقدمة بمعنى الكلمة، من دون ان تفقدها العصرنة جذورها الدينية، وهذا ما نحن بحاجة اليه، ومن دون ذلك فلا تقدم ولا اقتصاد صلب ولا استقلال حقيقي ولا كرامة وعزة نفس بالتالي. فبالعلمانية وحدها يمكن تأمين العيش المشترك لجميع فئات المجتمع وبها يمكن الالتزام بتوفير دور العبادة لكل المواطنين والمقيمين على ارض الدولة من دون تردد، كما انها المعززة لمبدأ فصل السلطات، وتحت ظلها تكون السيادة للقانون وليس لنصوص الفكر الديني، لانها ترفض حتى مجرد فكرة المحاصصة السياسية على اسس دينية او مذهبية، وبها تصان حرية الفكر والتعبير والنقد والقول وتشجع مختلف الانشطة الثقافية الادبية والعلمية.

ملاحظة: تقدم النائب حسين القلاف بمجموعة اسئلة لوزير الدفاع (القبس 3-11) تعلقت بفضيحة قوارب الـManta والـNaja الفرنسية التي قامت الوزارة بشرائها قبل سنوات وتبين عدم صلاحياتها لاي مهام عسكرية بحرية جادة، وحيث ان الاسئلة تضمنت طلب تزويد النائب بالاجراءات التي اتخذها الوزارة لمحاسبة من تسبب في جلب اسلحة غير صالحة للاستعمال، وعما اذا جرت محاسبة المسؤولين عن هدر المال العام وشبهة التنفيع، فإننا نؤكد للنائب المحترم أنه سوف لن يحصل على اجابة عن سؤاله، وعليه الانتظار لبعض الوقت، فأما ان تنتهي مدة نيابته او تتغير الوزارة، او يحل البرلمان وفي كل الحوال سيسقط السؤال بالتقادم او صريع المصالح الكبيرة.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الديك الأعرج… ابن الدجاجة العرجاء

 

قبل فترة، أرسل لي زميل تونسي مجموعة من قصص الحكمة الصينية ترجمها الأديب التونسي إبراهيم رغوثي، ووجدت في الكثير من تلك القصص الرائعة ما ينمُّ عن عقلية عبقرية، وخصوصا قصص الكاتب الصيني ليو دي هيو، ما رأيكم لو قرأنا معا اليوم، تلطيفا للنفس من الكثير من العناء، قصة الديك الأعرج ابن الدجاجة العرجاء؟

تقول القصة:

اصطاد ثعبان ديكا أعرجَ واستعدَّ لالتهامه، لكن ثعلبا سرقه منه بحركة سريعة بارعة، ولم يترك له فرصة لاستعادته، فقال الثعبان: أنا من اصطاد هذا الديك البَرِّيَّ فمن حقي أن أتمتع بأكله!

ردَّ عليه الثعلب: سيكون من نصيبي يا ثعبان، فمنذ شهر، أوقفته وعضضته من إحدى قائمتيه… أنظر مليّا، أليس هذا الديك أعرج؟

أمام هذه الحجة الدامغة ترك الثعبان الديك للثعلب، واستعد الثعلب لالتهام الديك لكن ذئبا انقضَّ على الفريسة وخلصها منه، فلم يستسلم الثعلب بسهولة، وصار يحاجج الذئب: إنه ديكي يا ذئب… أنا من اصطاده، فهو ملكي ومن حقي التهامه… فلماذا تسطو على رزق غيرك أيها الظالم الغشوم؟

ردَّ الذئب مبتسما: هذا لن يكون أبدا يا ثعلبي العزيز… ولتعلم أنني اصطدت هذا الديك منذ ستة شهور لكنني لم آكل هذا الطائرَ البَرِّيَّ لأنه كان هزيلا، فربطته في كهف وجعلت أسمنه، ومع حرصي الشديد، غافلني ابن الدجاجة الملعونة وفرَّ بجلده. أنظر مليّا، ألا ترى ذيله المنتوف يا ثعلب؟

كان الثعلب يعرف أن ما قاله الذئب كذب في كذب، وأن مقولته لا أساس لها من الصحة مثلها مثل تأكيداته هو للثعبان، ولكن ما حيلته أمام حجج الذئب الدامغة، فتخلّى له عن الديك.

في تلك اللحظات، وصل نمر بغتة… انقض على الديك وخلصه من بين أنياب الذئب الذي صاح محتجّا: اترك لي ديكي أيها النمر، فأنا من اصطاده… إنه رزقي الحلال.

فردَّ النمر على افتراءات الذئب قائلا: هذا غير صحيح يا حبيبي؛ لأن هذا الديك ملكي الخاص… لقد حجزت هذا الطائر منذ سنة، والله لأقْطعَنَّ اليد التي تمتد نحو ريشة من ريشه.

فارتفع لغط الذئب والثعلب والثعبان، لكن الأخير، أي الثعبان، كان ذكيا فقال للنمر: هذا كذب بائن يا نمر، فعمر هذا الديك أقل من سنة، هات حجة أخرى إن كنت صادقا؟

فقال لهم النمر هادئا مطمئنا: كلامكم سليم يا أحبابي، ولكن لتعلموا أنني اصطدت منذ سنة دجاجة عرجاء وبلا ذيل، فاستعطفتني هذه الدجاجة المسكينة وطلبت مني أن أطلق سراحها، ووعدتني بأن تهبني كل فراخها مقابل عطفي وكرمي… انظروا أيها العميان، أليس هذا الديك أعرج وبلا ذيل؟ إنه بلا شك واحد من ذرية دجاجتي، فمن العدل إذا أن يكون من نصيبي

احمد الصراف

رد من عبدالمحسن تقي الوفاء.. الوفاء يا ناس

لا تحبذ «القبس» عادة نشر ما يردها من تعليقات على ما يكتب في صفحات الرأي و«الاتجاهات»، ولم اعتد شخصيا نشر ما يردني من تعليقات في هذه الزاوية المتواضعة، ولكن لما للأخ عبدالمحسن تقي مظفر من معزة، ولجمال ما كتب، ولكمّ العواطف الصادقة التي تضمنها رده، أجدني مضطرا، بسرور، لإفساح المجال له لعل وعسى يلتفت المعنيون بالأمر الى موضوع مقالي والرد عليه ويقومون بعمل شيء يساهم في رد الاعتبار لمن لهم دين كبير في أعناق الكثيرين منا:
«الأخ أحمد الصراف، جريدة «القبس» الغراء، تحية طيبة،
اطلعت صباح اليوم (الأربعاء) على ما كتبته في عمودك اليومي بجريدة القبس «كلام الناس» تحت عنوان «علماؤنا وتسامحهم»، وأود ان اعرب لك عن اعجابي الشديد واتفاقي الكامل معك في ما كتبته، وهو يتسق تماما مع نظراتك الإنسانية الموضوعية في معظم مقالاتك التي اتحاور معك بشأن بعض ما فيها على الهاتف. ولكني في هذه المرة رأيت من الأنسب ان اكتب إليك – لأهمية موضوع مقال يوم 17-12 – بدلا من الحوار على الهاتف، أو في الحقيقة، إضافة إليه، لأني أرى ان هذا الموضوع جدير ان تتسع دائرة الاهتمام به بين الكويتيين الحريصين على رسم صورة إنسانية جميلة لهذا الوطن الصغير العزيز علينا.
صلب الموضوع وأساسه هما تقدير الكفاءات البشرية من مختلف الأعراق والمذاهب والجنسيات التي خدمت الكويت في مجالات مختلفة على امتداد التاريخ الحديث لدولتنا الفتية، هناك رجالات «ونساءات!» عظام قدموا لنا خدمات جليلة، ولكننا لم نحفل بتكريمهم او تقديرهم في الوقت المناسب، بل لم نفكر في الأمر حتى بعد فوات الأوان، والأوان لم يفت إذا كنا جادين في نظرتنا إلى هذه الامور، ولم نستخف بها او نستعلي عليها، وسأبدي بعض الملاحظات حول اثنتين ذكرتهما في مقالتك الجيدة، مع أن في بالي شخصيات أخرى تستحق منا التبجيل والاحترام:
الفنان صالح الكويتي وأخوه داوود يكفي أنهما في ذلك الوقت لم يكن للكويت شأن كبير ولا منزلة عالية كما هي الآن، اعتزا وافتخرا دائما بأن ينسبا نفسيهما إليها، ويجعلا الكويت في اسم عائلتهما، ويورثا ذلك الاسم العزيز لأولادهما وأحفادهما، على الرغم من انهما برزا ونشطا فنيا في مدن عربية اخرى لعل أبرزها بغداد عاصمة الفن والثقافة في ذلك الوقت. وظل هذان الرجلان معتزين ومفتخرين بالكويت حتى بعد هجرتهما إلى فلسطين مضطرين واقامتهما هناك واكتسابهما للجنسية الاسرائيلية. وربما استمع كثير منا إلى الفنان صالح الكويتي واشادته بالكويت وبالفترة التي عاش فيها في لقاءاته الإذاعية من «اورشليم القدس». نعم يا أحمد، الكويت كانت أولى بالاحتفال بمئوية هذا الفنان الكبير الذي ادخل فعلا السعادة والسرور وحب الحياة ليس فقط الى قلوب أجدادنا وآبائنا، بل حتى إلى قلوبنا نحن في هذا الوقت وقلوب أبنائنا وبناتنا، فكثير منا لايزال ينتشي بألحانه البسيطة الجميلة وأغانيه العذبة الشجية. ولكن كثيراً منا عندما يطرب لتلك الألحان والأغاني لا يدري انها من تراث ذلك الفنان المبدع. وأنا لا يزال يتردد في أذني صوت المطرب العراقي الريفي الشهير حضيري أبوعزيز (وليس خضيري!) وهو يقول ضمن مقطع غنائي له: «جرَ الكمنجة عدل يا صالح كويتي»!
لقد كنت سعيداً جداً عندما نشأت علاقة ودية عفوية – بفضل الإنترنت والتقدم التكنولوجي الحديث – بين ابنتي شروق وابن صالح الكويتي شلومو الذي اطلع على ما جاء في مدونة شروق «الجابرية زحمة» حول الفنان العتيد مع وضع إحدى أغانيه على المدونة، فكانت الاستجابة سريعة من ذلك الابن. وجرى تبادل عدد من الرسائل الودية بين الطرفين، سقطت فيها جميع العوائق التي فرضتها الظروف السياسية، وتلك التي أوجدتها الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية التي فرقت بين الناس، ولم ينتج عنها غير الأحقاد والعداوات وسوء الفهم المتبادل، في الوقت الذي نطمح فيه جميعاً إلى تحقيق السلام والعدل والتفاهم والتعاون العالمي، للوصول إلى مستقبل أفضل للبشرية.
أما الدكتور لويس اسكدر (وليس اسكندر!)، ذلك الطبيب الإنساني الرائع، فاعتقد ان الكويتيين جميعاً – وفق تجارب مختلفة معه – يذكرون بالعرفان فضله عليهم. لقد كان لويس اسكدر إنساناً بمعنى الكلمة، محباً للخير، حريصاً على خدمة الناس – أيا كانت مستوياتهم – بكل إخلاص وتواضع. أذكر جيداً ولا أنسى أبداً موقفاً له معنا – ونحن من أسرة متواضعة – كيف أتى إلى منزلنا وتبسط في الحديث مع صغيرنا وكبيرنا بلغته العربية المحدودة في ذلك الوقت. مرض والدي في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وكنت وقتها صغيراً دون العاشرة من عمري، فذهبت بالسيارة مع أخي الأكبر إلى منزل الطبيب الإنسان الدكتور اسكدر، وكان الوقت يقترب من منتصف الليل، كان نائماً وقتها، ولكنه لم يتأخر في ارتداء ملابسه البيضاء الأنيقة البسيطة وركب معنا في السيارة حاملاً معه حقيبته السوداء. في الطريق من الوطية إلى الميدان، كان يمزح معي ويتقرب إلي وأنا صغير ويلقنني بعض الكلمات بالإنكليزية حتى وصلنا إلى منزلنا. مد يده بلطف شديد إلى والدي المستلقي على ظهره متألماً وأجلسه ليبدأ الفحص والتشخيص. ثم أعطاه العلاج اللازم (شراباً وابرتين من حقيبته). لم يكن والدي راقداً على سرير بل ممدداً على أرضية الغرفة المغطاة بالحصير والبساط وفي جانب منها مسندان فقط. أثناء الفحص والتشخيص والعلاج السريع كانت والدتي تعد الشاي للضيف العزيز في حوش البيت الترابي الصغير. وضع المكان الذي أعد فيه الشاي وعرض على الدكتور الأميركي لم يكن مناسباً أبداً، ربما كنت أنا أتأفف من شرب الشاي فيه، ولكن الدكتور اسكدر استجاب لطلب والدتي وتناول منها الشاي بعد ان جلس – بملابسه البيضاء النظيفة – على أرضية الليوان الاسمنتية، ومد رجليه الى أرضية الحوش الترابية السمراء، وألقى بعض كلمات الشكر والمجاملة لوالدتي على كرم ضيافتها! ثم ودع من في البيت بكلمات طيبة وتطمينات لوالدي المريض. وفي طريق العودة الى منزله كان مصرا على الجلوس معي على مقعد السيارة الخلفي ليواصل لطفه ومزاحه معي ومحاولة تعليمي الانكليزية، وأخي عبدالله يقود السيّارة مبتسما وهو ينظر الينا في مرآة السيارة الأمامية. وصلنا منزله بعد الثانية من منتصف الليل. ودّعنا بابتسامة لطيفة وكأنه يعرفنا من سنين ودلف الى منزله. تلك الدقائق والساعات القليلة لا تُمحى من ذاكرتي رغم مرور ما يقارب ستين عاما عليها. كان لنا في ما بعد خمسة أو ستة لقاءات أخرى متباعدة مع الطبيب الإنسان لويس اسكدر في المستشفى الأميركي. لا أظن أنني رأيت أو سوف أرى طبيباً في مثل تواضعه وحرصه على متابعة المريض وكأنه قريب له!.
هذا الذي كتبته لك هنا عن الدكتور اسكدر سبق ان ذكرته شفاهة بحضور القس لويس اسكدر ابن الدكتور لويس اسكدر،بعدمحاضرة له ــ على ما أذكر ــ في دار الآثار الاسلامية في 21 فبراير 2000، وكان ذلك تعبيرا عفويا مني وعرفانا بجميل ذلك الانسان الطيب في حضور ولده.
رجال مثل هذين النموذجين يا أخي أحمد يستحقون منا كل التقدير والتكريم، فشكرا لك على ما كتبته، وعسى ان ندرك بعض مافاتنا».

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الأوباش وغطاء الحلة

يا عمي، حكومتنا هذه مرعبة، وداخلة على طمع، فلينتبه كلّ لمحفظته التي في جيبه إذا ما مر من أمام الحكومة، أو فليلبس «حزام الحج»، أو فليمر من هناك، من الشارع البعيد خلف المدرسة الابتدائية، المهم أن ينتبه فالحكاية كلها لطش في لطش، وفوائضنا المالية سنذكر محاسنها قريبا، ثم سنشد الأحزمة على البطون بطلب من الحكومة.
وما حكاية حدس وتكرار تواجدها في عمليات اللطش؟ أو كم نسبتها من العمليات هذه؟ خصوصا وأنها – أي حدس – هي التي تتسلق المواسير وتكسر شباك غرفة النوم بينما تكتفي الحكومة بالمراقبة في أول الشارع. ولم أشفق على أحد كما أشفق على «الوزراء الغلابة»، مثل وزير الصحة علي البراك، الذين لا يُستشارون في اللطش ولا يعرفون كم هي الحصيلة ولا نسبة لهم في العملية هذه ولا غيرها؟
ولو أن الحكومة شيّدت مدارس ومستشفيات وجسوراً وجامعات ومدناً إسكانية ولطشت من كل عملية هبرة، لصرخنا كلنا «ألف هناء وشفاء»، لكنها أي الحكومة تحدثنا عن شراء لوحات بيكاسو غالية الثمن لنعلّقها على جدران الصالة بينما تشتكي ثلاجاتنا من الفراغ. واقرأوا ما كتبته مدرسات إحدى المدارس في رسالتهن لي، المنشورة (ادناه)، لتدركوا بأن الحكومة لا تكتفي بسرقتنا بل تحاول قتلنا والتنكيل بجثثنا بعد أن تنهي «عملياتها». معلمات يشتكين من عدم وجود طاولات لهن في الفصول، تخيلوا. والكثير غير ذلك. متابعة قراءة الأوباش وغطاء الحلة

سامي النصف

عاد بخفي الزيدي

صدر قبل سنوات قليلة كتاب «بندقية للإيجار» للمؤلف البريطاني الشهير باتريك سيل تناول خلاله سيرة الإرهابي ابونضال الذي كان احد بنادق حزب البعث العراقي المأجورة، والذي ظهرت صورته في وقت لاحق مقتولا في احد فنادق العاصمة بغداد.

الأرجح ان تلك البندقية قد استبدلت هذه الأيام بـ «حذاء للإيجار» قامت خلاله الأموال البعثية باستئجار مهرج يدعى منتظر الزيدي وبدأت بتلميعه اعلاميا قبل اشهر عن طريق ادعاء تمثيلية اختطافه وألحقتها بحادثة إلقاء القندرة لقندرته.

ومعروف ان الأخلاق العربية التي يدعيها حزب البعث وتروج لها قناة «البغدادية» تفرض احترام الضيف واكرامه حتى لو كان عدوا لك مادام قد زارك في دارك، ولم يرو التاريخ العربي او ضمن سير التراث قط ان اهانة الضيف هي عمل بطولي يستحق ان تحشد جموع المنافقين من المحامين للدفاع عنه.

وقد تختلف شعوب الأرض على حب او كراهية قادتها الا انها تتفق على ان اي اهانة تصيب القيادة هي اهانة للشعب كافة وقد رأينا في هذا السياق كيف ادعى كثيرون التعاطف مع الرئيس «السابق» صدام رغم جرائمه المعروفة بحق الملايين بدعوى ان اعدامه في اول ايام العيد يعتبر اهانة للعرب والعراقيين!، لقد اكسبنا الحذاء عداء امة مكونة من 300 مليون دون مكسب كما ان عملية التهريج الاعلامي تلك لا تبتعد كثيرا عن عمليات التهريج «الصحافية» التي كان يقوم بها محمد سعيد الصحاف وقبله لطيف نصيف جاسم.

يتبقى ان الحادثة اصبحت مجالا للتنكيت والطرافة فقد نشرت بعض الصحف الأوروبية ان الرئيس بوش قد وجد اخيرا اسلحة الدمار الشامل العراقية التي يبحث عنها، كما نشرت بعض المنتديات العربية ان بعض الطغاة العرب والمسلمين باتوا يصرون على ان يلتقوا شعوبهم في المساجد واماكن العبادة فقط.

تساءل اعلامي ياباني بارز عن السبب في عدم تضحية الرئيس بنفسه لمنع اصابة العلم الأميركي وعن كيفية معرفته لمقاس الحذاء الطائر؟ وقد يكون اطرف تعليق للحادثة الكارثة هو لوكالة الانباء الروسية التي قالت ان زيارة الرئيس بوش للعراق لم تؤت ثمرها وان دلالة الفشل هي انه عاد بخفي الزيدي بدلا من حنين.

آخر محطة:
 هذا ثاني اعتداء يتم بحضور الرئيس المالكي ويهتز الحضور ولا يهتز الرئيس وهو امر يدل اما على شجاعة عظيمة او على غير ذلك.

احمد الصراف

حوار الأديان.. حوار الطرشان

اختلف المسلمون لقرون على من كان أحق بالخلافة قبل 14 قرنا، وفي غمرة ذلك نسوا من يحق لهم حكمهم اليوم!
* * *
عقدت منذ بداية العقد الاخير من القرن الماضي وحتى الامس القريب عشرات المؤتمرات الاسلامية ــ الاسلامية، والاسلامية ــ المسيحية، بهدف تقريب المذاهب بعضها إلى بعض واذابة الفوارق بينها، خصوصا بين اتباع المذهب الشيعي من جهة والمذاهب السنية الاربعة الاخرى، وبين مذاهب المسلمين الخمسة الرئيسية وبين المسيحية، واحيانا اليهودية! ويمكن القول من دون تردد او تلعثم ان لا شيء، لا شيء مطلقا، تمخض عن اي من هذه المؤتمرات، والتي كانت في مجموعها كلاما في كلام ومجاملات وتبادل قبلات ومصافحات وعناق، وطبطبة كل طرف على ظهر الطرف الاخر، وتوزيع ابتسامات، لتنتهي هذه الاجتماعات ومؤتمرات الحوار، وكل فريق باق على موقفه لا يريد الزحزحة عنه قيد انملة، فلو كان هناك مجال او امل، ولو ضئيلا، في تقارب، أتباع المذاهب والديانات المختلفة لما كانت هذه الفروق والاختلافات اصلا، فما خلقها، وتسبب في وجودها في المقام الاول هو الذي يضمن بقاءها ضمن حدودها دون تغيير يذكر، ولقرون طويلة قادمة.
ما يحتاج إليه اتباع المذاهب السنية الاربعة وما يحتاج إليه اتباع فرع الشيعة، لكي لا ندخل في مواضيع اكثر تعقيدا كتقارب الاسلام مع اتباع الديانات الاخرى، هو ان يقبل السني اخاه السني الآخر، وان يقبل شيعي اخاه الشيعي الآخر، وان يقبل كل فريق اتباع الفرق الاخرى ويتفهموا مواقفهم وآراءهم ومعتقداتهم وان يرضوا بها، قبل ان يفكروا مجرد تفكير في التقارب مع الخارجي من مسيحي او بوذي او هندوسي، فالانسان غير المنصف وغير المتسامح مع اهل بيته لا يستطيع ان يكون منصفا ومتسامحا مع اصحاب البيوت الاخرى.
وبهذا السياق اجرى السيد ابو القاسم الديباجي، وهو رجل دين معروف وامين عام «الهيئة العالمية للفقه الاسلامي»، وهي هيئة شيعية لا اعرف الجهة التي تنتمي إليها، اجرى في منتصف يوليو الماضي لقاء صحفيا في الكويت تطرق فيه لقضايا عدة تتعلق بالتقارب بين المذاهب الاسلامية من جهة وبين المسلمين والمسيحيين من جهة اخرى، تبين من تصريح الديباجي مدى ما نمارسه من لغو في مواضيع التقارب المذهبي بعضنا بين بعض وبيننا وبين الآخر، فقد ذكر ان الهيئة التي يتولى امانتها ستختار احد علماء السنة الكويتيين ليكون عضوا فيها، وسيعلن عن ذلك قريبا! ولكن بعد مرور اكثر من خمسة اشهر لم يتم اختيار احد، ولا نعتقد ان من في رأسه عقل سيقبل بهذا «التشريف»! فما الذي سيفعله رجل دين سني في محيط شيعي معاد لفكره ومواقفه لاقصى حد، وهل سيستمع له احد لو فتح فمه برأي او اعترض على امر؟ وقال الديباجي في مؤتمره ان الهيئة تلقت دعوة من امين عام رابطة العالم الاسلامي للمشاركة في المؤتمر العالمي للحوار الذي سيعقد تحت رعاية العاهلين السعودي والاسباني في يوليو الماضي، ومشاركة 200 شخصية اسلامية من كل المذاهب من ذوي المنصب والجاه (!!) ونكتشف اليوم ان المؤتمر عقد، وعقد مؤتمر آخر بعده في اروقة الامم المتحدة وحضره عدد من كبار زعماء العالمين الاسلامي والمسيحي، ويمكن القول ان شيئا لم يتمخض عن اي من المؤتمرين غير تبادل التمنيات واكتفاء المشاركين بهز الرؤوس بالموافقة على كل كلمة قالها ممثلو الاطراف الاخرى.
وورد في لقاء الديباجي الصحفي ان هيئته تبذل «قصارى» جهدها من اجل تذويب الفوارق بين الاديان والمذاهب، والحيلولة دون اتساع الهوة بينها! ونحن نؤكد هنا ان الفوارق بقيت كما هي ان لم تتسع فــ «علماء» كل طرف، ممن لهم باع طويل في الانترنت وهم النخبة القائدة في الساحة الدينية صعدوا كثير من لهجاتهم ضد الطرف الآخر، والانترنت بقنواته الدينية التي لا تحصى تزخر بكم هائل من الاحقاد والرفض والكراهية التي يكنها كل طرف لمعتقدات ومواقف الطرف الآخر، من بين هؤلاء بعض من شارك في مؤتمرات التقارب المذهبية هذه وغيرها، ونكون حقا مسرورين لو اخبرنا السيد الديباجي عن النتائج التي تحققت من قيام هيئته ببذل قصارى جهدها في الاشهر الستة الماضية مثلا!
وحول موضوع حقوق البشر قال الديباجي ان تلك الحقوق موجودة لدى المسلمين قبل سنها بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية! ولا ادري من اين جاء الديباجي بكلامه هذا، علما بأن مجرد اصرارنا على طرح مثل هذه الاقوال واعتبارها من المسلمات كاف لنسف اي محاولة للتقارب مع اي طرف آخر، فلا حوار بشروط ومواقف مسبقة!
نعود للبداية، ونقول اننا لسنا ضد الحوار ولا ضد التلاقي ولا ضد التفاهم، فهذا من اساسيات اي تفكير علماني مستنير، لكننا ضد القيام بأي خطوات كبيرة وضخمة ما لم تسبق ذلك خطوات اصغر واكثر اهمية وخطورة ونعني هنا خطوات التقارب بين المسلمين بعضهم ببعض، فكيف يمكن ان نقنع الآخر بمبدأ التقارب معه في الوقت الذي يرفض فيه غالبية رجال دين الحوزات الدينية مواقف زملائهم رجال الدين السنة والوهابيين والسلفيين منهم بالذات؟ وكيف يمكن ان نطلب من الآخر المسيحي او اليهودي وحتى البوذي التقارب معنا وغالبية غلاة كل من المذهبين يكفر أحدهما الآخر.
هذا هو الواقع، وهذه هي الحقيقة وادبيات كل طرف اكثر من كافية لأن تشي وتدل على حقيقة مواقفهم، وفي الاعتراف بالمشكلة نكون قد خطونا الخطوة الاولى في طريق الحل، ولكن ما اطوله من طريق، فليس من السهل الاعتراف بوجود مشكلة، دع عنك وضع حل لها.
* * *
ملاحظة: ورد في «الوطن» 15ــ12 على لسان السيد الديباجي نفسه، تعليقا على موضوع الاختلاف على تحديد يوم عيد الاضحى الاخير، ان لدى الشيعة عموما قناعة حول شرعية رؤية الهلال، ولكن (!!) بالرغم من ان جميع المتواجدين في المشعر الحرام مأمورون بمتابعة قرار تحديد يوم عرفة (وكأن هناك خيارا آخر)، الا ان الاختلاف على يوم العيد كان خارج نطاق الحج، فقرار تحديد اليوم يرجع لرأي المراجع العظام في بلادهم!
وهكذا نجد اننا في الوقت الذي نعجز فيه حتى على الاتفاق على تحديد يوم عيد الاضحى، نصر على التقارب مع المسيحيين واليهود!

أحمد الصراف
habibi [email protected]

سامي النصف

التنوير والتكفير

امضيت اليومين الماضيين مستمعا لندوات منتدى التنوير في الخالدية، وكان لي ضمنها مداخلات ملخصها اننا نحتفل هذه الأيام بمرور ما يزيد على مائة عام على بدء عمليات التنوير العربية، والتي نشأت في مصر على يد شخصيات أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وزكي مبارك، الا اننا نلحظ ان الأوضاع والمفاهيم القائمة في شوارع القاهرة لا تختلف هذه الأيام عن بدايات عصر النهضة بعكس ما حدث بعد مرور مائة عام على مشاريع التنوير في أوروبا وشمال أميركا واليابان.

وقد قلت ضمن مداخلاتي ان السبب كما أراه هو ان جميع رواد وأعلام النهضة والتنوير في المنطقة بدءا ممن أتى اسمهم في الفقرة السابقة مرورا بعبدالرحمن بدوي وخالد محمد خالد وعبدالله القصيمي وانتهاء بسيد القمني ومحمد شحرور ومحمد عابد الجابري وتركي الحمد ومحمد جابر الأنصاري وحسين أحمد أمين ونصر حامد أبوزيد والصادق النيهوم ومحمد سعيد العشماوي وفرج فوده وبرهان غليون وشاكر النابلسي ومحمد اركون وعبدالحميد الأنصاري وغيرهم قد قام عملهم على نقد التراث والقفز لنهره في محاولة لتغيير مساره أو لاقناع السابحين فيه من الشعوب بتغيير توجههم السياسي والثقافي والسباحة ضمن ذلك النهر ضد التيار.

واعتقد ان هذا هو السبب الرئيسي في بقاء عملية التنوير ساكنة غير متحركة في منطقتنا كونه يعني ان جل مفكري المرحلة (تقليديين وتنويريين) مشغولون في أعمال التراث الماضوي، البعض في مدحه والبعض الآخر في نقده، الا ان الرسالة الواضحة للأجيال الصاعدة هي ان حلول مشاكلهم تكمن جميعا في أدبيات الماضي وليس ضمن علوم المستقبل.

أما في دول الغرب وأمم شرق آسيا فلم يقم مفكروا وفلاسفة ومنظروا النهضة هناك كفولتيرو وروسو وديكارت وكانت وهيجل ونيتشه بنقد القديم أو التطرق لما أتت به كنائس العصور الوسطى من ممارسات، بل اختطوا لأنفسهم خطا تنويريا نهضويا يقدم الحلول لقضايا عصرهم والعصور اللاحقة، مما جعل الشعوب تخرج من مسار نهر تراث الماضي الى مسار نهر التنوير والنهضة، ومما جعل رجال الكهنوت في النهر الأول هم من يقومون ـ لا التنويريون ـ بعمليات نقد التراث المختصين به لتعديله كي يواكب العصر ويستقطب الجموع.

ودلالة صحة هذا المسار ان الحركة النهضوية الوحيدة التي استقطبت الجموع الشعبية الضخمة من المحيط الى الخليج وجعلتها تسبح في تيارها هي الحركة القومية ـ اليسارية في الخمسينيات والستينيات كونها لم تغرف من علوم الماضي ولم تنتقدها، بل خلقت مسارا موازيا جديدا آمنت به الشعوب وتبعته، الا انها اخطأت فيما بعد في الجمود الذي اصابها وفي تسليم مقاليد أمورها للجهلة من الثوريات العسكرية التي قادتها للهزائم، ولولا ذلك لكانت مازالت تسيطر على عقول وأفئدة الشعوب حتى يومنا هذا.

ان على حركة التنوير العربية ان تبتعد كل البعد عن الغوص في نهر التراث والعودة للماضي لنقد منابع الفكر الإسلامي كون هذا المسار الخاطئ خلال مائة عام دون نتيجة، اضافة الى استعدائه التيار الإسلامي شريك الأوطان في وقت يفترض ان يخلق التيار التنويري نهرا موازيا وخطا بديلا يترك للشعوب ان تختار ما تراه مناسبا لها من الخطين وكي لا يلجأ التيار الماضوي لاستخدام طلقة «التكفير» الناجحة ضد حركة التنوير كما استخدمها في الماضي وبنجاح كبير تجاه كل التوجهات السياسية المنافسة.

في الختام اعتقد ان على التيار التنويري ان يسوق لمنافستو وفكر جديد في شقه السياسي في الدعوة للدولة المدنية والديموقراطية ودعم الحريات العامة وصداقة الغرب، وعلى الليبرالية المالية غير المتوحشة كنهج اقتصادي، وعلى الانفتاح المجتمعي واعطاء المزيد من الحقوق للنساء كمسار مجتمعي، ولتطوير التعليم عبر تشجيع المدارس والمناهج الاجنبية من انجليزية واميركية وفرنسية وتدريس علوم العصر وارسال البعثات لجامعات الدول المتقدمة كخيار تعليمي وتشجيع الفنون المختلفة والرياضة والاستعانة بالدول المتقدمة، كذلك لحل اشكالات الصحة والبطالة والبيئة… إلخ، ثم ترك المجال بكل حرية للالتحاق بهذا التيار أو التيار الآخر دون عداوة أو فجور في الخصومة.

احمد الصراف

علماؤنا وتسامحهم

أقيم في قاعة “بروناي” بمركز الدراسات الشرقية في لندن في الثالث من الشهر الجاري احتفال كبير بمناسبة الذكرى المئوية لولادة الفنان القدير صالح (عزرا) الكويتي، الذي تشكل حياته واخيه داوود جزءا مهما من التراث الفني للكويت والعراق، وحتى لسوريا ومصر في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي. وقد قدم صالح الكويتي مجموعة اعمال فنية جاوزت الالف خلدته وألحانه في ذاكرة شعوب المنطقة. كما شدا باعماله معظم مطربي ومطربات تلك الحقبة من امثال سليمة باشا مراد وداخل حسن وخضيري بو عزيز وعفيفة اسكندر وراوية ونرجس شوقي وزهور حسين وغيرهم الكثير. كما ترك بصماته الواضحة على الفن الشعبي الكويتي وغنى له الكثير من مطربي الكويت والبحرين والسعودية وحتى اليمن.
ولو كان الزمن غير هذا الزمن والوجوه غير هذه الوجوه لكانت الكويت اولى بالاحتفال بمئوية هذا الفنان الكبير الذي ادخل الفرح والسرور وحب الحياة على قلوب آبائنا واجدادنا، فقد سبق لهذا الفنان ان احيا الكثير من المناسبات السعيدة وبالذات للشيخ احمد الجابر الصباح حاكم الكويت الاسبق. ولكن على الرغم من دور هذا الانسان في الحياة الفنية الكويتية، وربما بسبب ذلك، فانه ليس له ذكر في اي شارع او كتاب او مقرر وكأنه لم يكن يوما ما جزءا من تاريخ الكويت ولا من شعبها، ولم يحمل اسم هذا الوطن ويعطيه لابنائه واحفاده من بعده.
وقبل مائة عام كذلك وصلت اول ارسالية تبشيرية مسيحية الى الكويت لتقديم خدمات طبية، ونجحت البعثة في فتح اول مستوصف في عام 1911. وكان الدكتور ماليري اول من عمل في المستوصف، ثم جاء الدكتور لويس اسكندر في عام 1939 ليعمل في مجال تقديم الخدمات الطبية المجانية للكويتيين لفترة تقارب الثلاثين عاما، قبل ان يقفل المستشفى ابوابه في عام 1967. وقد نجح اطباء المستشفى والعاملون فيه من سيدات اميركيات ومواطنين كويتيين في انقاذ ارواح وعلاج عشرات الآلاف من المرضى والمصابين بامراض السل والتراخوما والدزنتاريا، على مدى عقود اربعة، كما ساهموا في علاج عشرات المصابين في معركة الجهراء.
وعلى الرغم من ان الدكتور اسكندر من مواليد الهند، حيث كان يعمل والده طبيبا هناك وقت ولادته، فانه ذكر في مقابلة اجراها معه الاعلامي المعروف رضا الفيلي سنة 1974، وبلغته العربية: ان سر بقائي في الكويت هو شعوري باني كويتي، يشاركونني واشاركهم، ولا اود ان اذكر احدا حتى لا ازعل الآخرين لان اصدقائي كثيرون في الكويت، وابني قسيس في الكويت ومن مواليد 1941، واذا ذهبت الى اميركا اشتاق الى الكويت كثيرا، وكل مريض يراجعني اكثر من مرة تربطني به الاخوة والمحبة والاتصال المستمر، وهؤلاء، وخصوصا الفقراء كنا نعالجهم مجانا لحبنا وعلاقتنا بهم (!!)
ونجد وفي هذا الزمن الاغبر وبعد ثلاثين عاما من العمل المخلص والدؤوب ان لا شيء لدينا خلد ذكرى رجل ساهم في علاج الآلاف من ابناء واجداد هذا الجيل من دون مقابل، فلا مكتبة ولا شارع ولا حتى جناح في مستشفى يحمل اسمه، في الوقت الذي تحمل فيه شوارع الكويت اسماء المئات من الشخصيات من الذين لا يعرف احد عنهم شيئا، ولا فضل لهم حتى على اهل بيتهم.
اكتب ذلك بعد ان اطلعت على رسالة “ايميل” عن كتاب “المختصر في تاريخ تصنيع الادوية” لمؤلفه ستيورات ادرسون، حيث ورد في الرسالة التسلسل الزمني لتاريخ العلاج والدواء ابتداء من المصريين القدماء الى عصرنا هذا. ويركز على اكتشاف واستخدام الادوية لعلاج الامراض خلال الازمنة المختلفة. وفي الفصل الثاني منه نبذة مطولة عن مساهمة العرب والمسلمين في ازدهار صناعة الطب والدواء في الفترة ما بين القرنين الرابع والحادي عشر الميلادي. والجميل واللافت للانتباه ان الكاتب في ختام حديثه عن العالم ابن سينا الذي ترجم كتابه “القانون في الطب” الى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي ليكون المرجع الاساسي لدراسة الطب لقرون، انه (اي ابن سينا) وجالينوس يظهران معا على شعار النبالة لجمعية الصيادلة الملكية البريطانية. وعلى الرغم من ان الشعار صمم واعتمد قبل أكثر من 164 عاما، فإنه بقي من دون تغيير من حيث شخصياته الرئيسية، فقد تغير تصميمه قليلا واضيفت له الالوان ولكن جالينوس وابن سينا بقيا في موقعيهما المميزين!
فهل لدينا مثل هذا التقدير وهذا التسامح اتجاه علماء العالم ودورهم العظيم في إسعاد البشرية وإمتاعها والتخفيف من آلامها؟ أشك في ذلك.

أحمد الصراف
habibi [email protected]

محمد الوشيحي

سباق… على العظماء

«ضاقت فلما استحكمت حلقاتها، فرجت وكنت أظنها لا تفرج»، واستقالت الحكومة، وسنردد من جديد خلف فيروز «يا دارة دوري بينا، ضلك دوري بينا»، وسينتقل باقر من وزارة التجارة إلى المواصلات، وعبد الرحمن الغنيم سيقفز من المواصلات إلى المالية، وفاضل صفر من البلدية إلى الأوقاف، وانت رايح. لا حلول أخرى أمام سمو الرئيس، فتعداد الشعب الكويتي، كما يظن سموّه، ستة وأربعون مواطنا لا غير، وهو استنزف الكمية بأكملها، وبانتظار أن يكتمل نمو المواليد ليتسلموا الوزارات خلفا لآبائهم. من أين يأتي بالوزراء يعني؟ يزرعهم؟ متابعة قراءة سباق… على العظماء

سامي النصف

يا فرحة ما تمت

ضمن التشكيل الوزاري الجديد، هناك داخلون وخارجون، نرجو الا يخرج الوزير المجد الذي حافظ على تطبيق القانون بكل حزم والذي لا يحمل في قلبه الا كل الاخلاص للكويت والود لكل الكويتيين دون تفرقة كحال وزير الداخلية وان يخرج في المقابل بعض الوزراء من اصحاب القرارات الكوارثية والتنفعية التي شهد عليها القريب والبعيد.

ما ان نجح الرئيس اوباما في الانتخابات حتى حاول حاكم ولاية الينوي بيع كرسي مجلس الشيوخ الذي تم اخلاؤه مما جعله عرضة للتحقيقات الجنائية واحتمال دخوله السجن كحال اثنين من حكام الولاية السابقين، وفي نيويورك احيل رئيس الناسداك السابق للسجن، كما نشرت مجلة «روزاليوسف» في احد اعدادها الاخيرة تحقيقا من سجن مزرعة طرة التقت خلاله بجمع من مشاهير المساجين منهم وزير السياحة السابق توفيق عبده ومحافظ الجيزة السابق ماهر الجندي وجمع من نواب القروض على رأسهم النائب حسان دياب وحفنة من رجال الاعمال منهم هشام طلعت وحسام ابوالفتوح وعاطف سالم الملقب بملك السكر لسيطرته على تجارته، كما اجرى الاعلامي عمرو اديب لقاء مع رجل الاعمال الشهير رامي لكح الهارب من عدة احكام قضائية بالسجن.

رغم وجود اجهزة رقابية عدة في الكويت من مجلس امة وديوان محاسبة وقضاء مستقل وصحافة حرة، الا ان التجاوزات في ازدياد شديد في القطاعين العام والخاص، والسبب «الوحيد» لذلك هو عدم المحاسبة، حيث امتدت «الحصانة» التي افسدت بعض النواب الى جميع مناحي الحياة، واصبح جميع المتجاوزين محصنين من المحاسبة، لذا تفشى الفساد وقد تكون احدى خطوات الاصلاح، هي السماح لديوان المحاسبة بتحويل الشبهات مباشرة للنيابة العامة كي تصبح لتقاريره قيمة ومعنى.

وفي زمن الارهاب وعمليات مومباي، يلحظ من يدخل اهم مجمع في الكويت، ونعني مجمع الوزارات، ان على ابوابه المئات من رجال الامن والعديد من مكائن الاشعة، لكن الطريف او المخيف هو ان الجميع يدخل والمكائن تصفر وتحذر ولا احد يوقف ويفتش، وهو امر يحدث فقط في الكويت التي لا يتساءل احد فيها عن فائدة رجال الامن والمكائن ما دام الجميع يمر دون سؤال!

ولماذا يقيد البنك المركزي خطوط الائتمان على شركات التسهيلات والسيارات خاصة انها تتعامل في الاغلب مع موظفين حكوميين لن يتم طردهم كحال موظفي الشركات في الغرب؟! اي لماذا المساهمة في توسيع دائرة الضرر بحيث تصيب المواطن الذي يجد في تلك التسهيلات وسيلة لتحقيق مطالبه ولدى الشركات الخاصة ورجال الاعمال منهاج لتوفير السيولة لاعمالهم وسداد قروضهم؟!

نحن امام 3 خيارات فيما يخص المشاريع الكبرى التي طرحت في السابق من حقول الشمال الى المصافي وداو كيميكال وغيرها، الاول ان تلك مشاريع استراتيجية وباسعار معتدلة، ومن ثم فإن توقيفها يضر بالكويت وشعبها وتقع المسؤولية في ذلك على مجلس الامة، والخيار الثاني ان تلك مشاريع حيوية واستراتيجية، الا ان اسعارها مبالغ فيها ولم تخضع للجهات الرقابية، وهنا تقع المسؤولية على الاجهزة التنفيذية في الدولة، والاحتمال الثالث هو انه لا حاجة من الاساس لمثل تلك المشاريع المكلفة في انشائها المكلفة كذلك في عمليات الصرف السنوي اللاحق عليها وانها فقط وليدة محاولة التصرف السريع بالعوائد النفطية المرتفعة، نرجو من اهل الاختصاص اطلاع الناس على حقائق الامور وتحت اي من الخيارات الثلاثة تقع تلك المشاريع؟!

آخر محطة:
 ارتفاع النفط الى 150 دولارا لمدة قصيرة لم يحقق اي مكسب للدول النفطية، بل اغاظ الناس في الدول الصناعية وجعلهم يعملون جادين ـ وسينجحون ـ في خفض اسعاره الى الابد وايجاد بدائل عنه، ويا فرحة ما تمت.